عقب الهزيمة عام 1967 كتب نزار قباني قصيدة ((هوامش على دفتر النكسة)) وكانت تحوي هجوما ًعلى عبد الناصر.
وتصد لنزار قباني أنيس منصور وصالح جودت وغيرهما، وطالبوا بمنع القصيدة، بل ومنع نزار نفسه من دخول مصر.
————-
كان رجاء النقاش يزور بيروت للمساهمة في أحد الاحتفالات الأدبية، وذهب لزيارة (نزار قباني) في مكتبه بصحبة الأديب (سهيل إدريس) وتحدث نزار عن ألمه وضيقه مما يحدث له ولقصيدته وعاتبَ رجاء النقاش بعنف على سماحه بنشر مقالات (صالح جودت).
ويضيف (رجاء) : خلال الحوار بين نزار وبيني رأيت أن أعرض عليه فكرة طرأت على ذهني فقلت له : «أن تكتب بنفسك رسالة إلى (جمال عبدالناصر) تشرح فيها الموقف وتطالب بعلاج الأمر كله، ووعدته بأن أحمل هذه الرسالة بنفسي وأن أعمل على أن تصل إلى جمال عبدالناصر بوسيلة ما وعندي أمل أن النتيجة ستكون إيجابية !! ووافق نزار على الاقتراح وسُعد به . وأعدَ الرسالة وكتبها بأسلوبه الرائع، وأخذت من نزار نسختين، النسخة الأصلية الموجهة إلى (عبدالناصر) وصورة منها ما زلت أحتفظ بها .
وعدت إلى القاهرة وأنا افكر في طريقة لإيصال الرسالة خاصة أنني لم أكن على علاقة من قريب أو بعيد بالرئيس أو بمكتب الرئيس .
وبعيدا عن التفاصيل فقد أعطى الأستاذ (رجاء) الرسالة إلى الأستاذ الكبير (أحمد بهاء الدين) وكان وقتها يرأس مجلس إدارة دار الهلال الذى سلمها إلى السيد (سامى شرف) مدير مكتب عبدالناصر وكان الشائع في الوسط الصحفي أن (بهاء يرتبط مع سامى شرف) بصداقة وثيقة تقوم على التقدير والاحترام المتبادلين.
ولم يمض أسبوع حتى استدعاني الأستاذ (محمد فائق) وزير الإعلام وكنت على علاقة طيبة به ووجدت فيه على الدوام إنسانا نبيلا متفهما واسع الصدر قليل الشك في الناس، وأطلعني على رسالة (نزار) وقد أعادها إليه الرئيس ومعها تعليق بخط يده يقول فيه ما معناه: يلغى قرار المصادرة بالنسبة للقصيدة ويرفع أي حظر على اسم (نزار) أو أي قرار بمنعه من دخول مصر.
—————
رساله نزار إلى جمال عبد الناصر
سيادة الرئيس (جمال عبدالناصر):
في هذه الأيام التي أصبحت فيها أعصابنا رمادا وطوقتنا الأحزان من كل مكان، يكتب إليك شاعر عربي يتعرض اليوم من قبل السلطات الرسمية في الجمهورية العربية المتحدة لنوع من الظلم لا مثيل له في تاريخ الظلم.
وتفصيل القصة أنني نشرت في أعقاب نكسة الخامس من حزيران قصيدة عنوانها (هوامش على دفتر النكسة) أودعتها خلاصة ألمي وتمزقي وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتى العربية.. وإذا كانت صرختي حادة وجارحة وأنا أعترف سلفا بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح..
وتمضى رسالة نزار إلى أن يقول: إذا سمحت لى يا سيادة الرئيس أن أكون أكثر وضوحا وصراحة قلت إني لم أتجاوز في قصيدتي نطاق أفكارك في النقد الذاتي يوم وقفت بعد النكسة تكشف بشرف وأمانة حساب المعركة وتعطى ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.
إنني لم أخترع شيئا من عندي فأخطاء العرب النفسية والسياسية والسلوكية مكشوفة كالكتاب المفتوح، وماذا تكون قيمة الأديب يوم يجبن عن مواجهة الحياة بوجهها الأبيض ووجهها الأسود معا ؟! ومن يكون الشاعر يوم يتحول إلى مهرج يمسح أذيال المجتمع وينافق له ؟!
لذلك أوجعني يا سيادة الرئيس أن تمنع قصيدتي من دخول مصر وأن يفرض حصار رسمي على اسمى وشعرى في إذاعة الجمهورية العربية المتحدة وصحافتها.
إنني أشكو لك الموقف العدائي الذى تقفه منى السلطات الرسمية في مصر، قصيدتي أمامك يا سيادة الرئيس أرجو أن تقرأها بكل ما عرفناه عنك من سعة أفق، وبُعد رؤية، ولسوف تقتنع برغم ملوحة الكلمات ومرارتها بأنني كنت أنقل عن الواقع بأمانة وصدق وأرسم صورة طبق الأصل لوجوهنا الشاحبة والمرهقة.
يا سيدى الرئيس.. لا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه والمجروح على جراحه ويسمح باضطهاد شاعر عربي أراد أن يكون شريفا وشجاعا في مواجهة نفسه وأمته فدفع ثمن صدقه وشجاعته.
يا سيدى الرئيس.. لا أصدق أن يحدث هذا في عصرك!
بيروت في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1967.
———————————
رد جمال عبد الناصر
1 – لم أقرأ قصيدة نزار قباني إلا في النسخة التي أرسلها إلي، وأنا لا أجد أي وجه من وجوه الاعتراض عليها.
– 2 تُلغى كل التدابير التي قد تكون اتخذت خطأ بحق الشاعر ومؤلفاته، ويُطلب إلى وزارة الإعلام السماح بتداول القصيدة.
3 – يدخل الشاعر نزار قباني إلى الجمهورية العربية المتحدة متى أراد، ويُكرم فيها كما كان في السابق.
التوقيع
جمال عبد الناصر
=====
نزار قباني وسقطة توفيق الحكيم
كتب نزار قباني رداً على توفيق الحكيم الذي أعلن أنه تحرر من زمن عبد الناصر و تنكر له بعد مغازلة دامت عشرين عاما في مقالة بعنوان ” مظاهرة ضد رمسيس الأول ” و جاء فيها:
” هل يسامحني أستاذنا توفيق الحكيم إذا قلت له إن كتابه الأخير ( عودة الوعي ) رديء جداً و خفيف و متأخر، ثم هل يسامحني إذا قلت له إن كتابه قُدم للناس على أنه عمل من أعمال التحدي وهو في الحقيقة لا يتحدى أحداً، لأن التحدي يفترض وجود الخصم والخصم الآن ينام تحت رخامة قبر في ضاحية منشية البكري في القاهرة.
الكتاب رديء جداً لأنه لا يضيف شيئاً إلى ما كان يُقال في الشارع والمقهى على لسان العوام…
الكتاب متأخر لأن استاذنا توفيق الحكيم فكر في أداء فريضة الحج بعد عودة الناس من الديار المقدسة، لذلك فهو لا يستحق الثواب… والنقطة الفضيحة في الكتاب هي محاولته إقناعنا أنه كان خلال أعوام الثورة واقعاً تحت تأثير السحر ومنوما تنويماً مغناطيسياً، فكيف يمكن لكاتب كبير أن ينزلق إلى هذا المنطق الطفولي ويقول ببساطة أنه كان مسطولاً ومهبولاً ومجذوباً وواقعاً تحت تأثير السحر طيلة عشرين عاما؟!
إذا كان الحكيم يقول هذا الكلام العامي الغيبي الخرافي فماذا يقول ملايين البسطاء الذين لا يعرفون تفكيك حروف أسمائهم في العالم العربي؟!
المهم أن نمتلك الشجاعة لنقول الحقيقة لرمسيس في فترة حكمه أنه ملك ظالم وأنه دكتاتور… الأديب الحقيقي لا يساوم ولا يختبئ تحت اللحاف أثناء البرد والظلم، والشجاع لا ينتظر رحيل العاصفة حتى يخرج ليصطاد السمك.
“مصر يا أم الصابرين، إنني أعتذر إليك باسم كل الكتاب الذين خرجوا بعد عشرين عاماً من غرفة التخدير وقرروا أن يسيروا في مظاهرة ضد المغفور له رمسيس الأول!”..
المصدر: صفحة البشير الأسواني
التعليقات مغلقة.