غسان ناصر *
يحلُّ الدبلوماسي السوريّ المعارض بشار علي الحاج علي، ممثل “الائتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة السوريّة” لدى الاتحاد الأوروبيّ في بروكسل، وعضو “اللجنة الدستوريّة”، ضيفًا على مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في هذه الفسحة الحوارية.
ضيفنا من مواليد بلدة “خربة غزالة” محافظة درعا، عام 1972، ويقيم حاليًا في العاصمة النمساوية فيينا، وهو يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم السياسيّة ودبلوم في العلاقات الدوليّة والدبلوماسيّة، ويتابع دراساته العليا (ماجستير في الاتّصال السياسيّ). وانتسب إلى وزارة الخارجيّة في أيلول/ سبتمبر عام 1999 حتى 6 أيلول 2012، إذ أعلن انضمامه إلى أبناء شعبه المطالبين بالحرّيّة والكرامة. وخلال فترة عمله في السلك الدبلوماسي السوريّ، عمل في إدارات عدّة في وزارة الخارجيّة، ثم التحق بعد ذلك بالعمل في السفارة السوريّة في الكويت، ومن ثم في صربيا. وفي هذا الحوار يؤكّد الحاج عليّ أنّ كلّ المهام التي قبِلَ بها كانت في إطار سعيه لتحقيق أهداف الثورة والقيام بواجبه الوطنيّ تجاه قضيّة الشعب السوريّ ككلّ، من خلال تقديم خبرته المهنيّة والعلميّة.
هنا نص حوارنا معه:
■ من موقعك، كممثل لـ “الائتلاف الوطنيّ” لدى الاتحاد الأوروبي، كيف تنظر وتقيّم سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه نظام الأسد في السنوات الأخيرة، وخاصّة الموقف من مهزلة الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة التي زعم أنّه فاز فيها بنسبة 95،1%؟
□ لقد وقف الاتحاد الأوروبيّ، كمنظّمة دوليّة وككتلة سياسيّة مهمّة، وكدول أعضاء فيه، إلى جانب ثورة الشعب السوريّ ومطالبه المحقّة في الخلاص من الدكتاتوريّة وإعلاء القانون، وخاصّة في مجال حقوق الإنسان وكرامته. وكان الاتحاد الأوروبيّ السباق في فرض العقوبات على كبار المسؤولين وأفراد النظام السوريّ ودعم الأجسام الممثّلة للثورة وخاصّة “الائتلاف الوطنيّ” و“الهيئة العليا للمفاوضات”، وأيّد القرارات الأمميّة التي صدرت عن الأمم المتّحدة وتبنّى موقفًا واضحًا في رفض الانتخابات الرئاسيّة الصوريّة واعتبارها غير شرعيّة، وجاء ذلك على لسان مسؤول السياسات الخارجيّة لدى الاتحاد الأوروبيّ، وأيضًا من خلال وزراء خارجيّة العديد من دول الاتحاد، وقد صرّح مسؤولو الاتحاد برفض المشاركة بجهود إعادة الإعمار دون تطبيق الحلّ السياسيّ استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، والعودة الآمنة والطوعيّة للاجئين والنازحين، وهذا الموقف محلّ إجماع أوروبيّ حتى على مستوى الأحزاب السياسيّة، بغض النظر عن موقعها أكانت في السلطة أو في المعارضة، وعلى مستوى منظّمات المجتمع المدنيّ، وعلى المستوى الشعبيّ.
مرحلة إبداء حسن نيّة من روسيا:
■ مع ثبات خطوط التماس في سورية لأوّل مرّة منذ أكثر من سنة، ووجود ثلاث مناطق نفوذ في الجغرافيا السوريّة الممزّقة. ما موقف الاتحاد الأوروبيّ من هذا المشهد؟ وهل رؤيتهم هي ذاتها لكلّ سورية؟
□ يشدد الاتحاد الأوروبيّ، على لسان مسؤوليه، في مناسبات عديدة، على احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها، ويتعامل كمنظّمة ودول مع الواقع السياسيّ السوريّ وفق هذا المبدأ، ومن خلال الهيئات الرسميّة المعترف بها ممثّلة للشعب السوريّ والمنظّمات الدوليّة التي تعمل وفق آليّة تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، بالتعاون مع دول الجوار. التعامل مع سلطات الأمر الواقع يتمّ من خلال الاحتياجات الإنسانيّة، وهذا لا يعني اعترافًا بمناطق نفوذ، أو بواقع سياسيّ جديد يهدّد وحدة الشعب والأرض السوريّة، وهذا ما تؤكّده التصريحات والمواقف، التي تتسق مع القرارات الأمميّة والإجماع الدوليّ الذي أفضى إلى صدور قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ومن المهمّ أيضًا معرفة أنّ استقرار سورية وأمنها وخلوّها من الإرهاب هو قضيّة مهمّة للأمن القوميّ لدول الاتحاد الأوروبيّ، خاصّة أنّنا نتشارك الموقع الجغرافيّ على البحر الأبيض المتوسط، وقد تمثّل ذلك من خلال الشراكة الأوروبيّة – المتوسطيّة التي كانت قد قطعت شوطًا في الحوار وفي طريق الشراكة. فضلًا عن أنّ سورية على مسافة قريبة أيضًا من قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبيّ، وهناك تلاق في الجرف القاري وحقول الغاز المشتركة التي اكتشفت منذ سنوات قريبة.
■ كيف يمكن لدول الاتحاد الأوروبيّ العمل مع موسكو بشأن الملفّ السوريّ، مع بقاء العلاقات مع روسيا عند هذا المستوى المنخفض في الآونة الراهنة؟
□ بطبيعة الحال، لا تنقطع العلاقات الدوليّة بشكلٍ عامّ، وقنوات الاتّصال الدبلوماسيّة مستمرّة، وما حصل هو برود في العلاقات الثنائيّة بين بعض دول الاتحاد الأوروبيّ وروسيا، لأسباب عديدة، وهذا لا يمنع الحوار والتعاون في الملفّ السوريّ، لكن لنجاح هذا الحوار والوصول إلى التعاون متطلّبات عديدة تتعلّق بالالتزام بالقرارات التي تمّ التوافق عليها دوليًّا، وفق شرعة الأمم المتّحدة، وخاصّة تطبيق بنود قرار مجلس الأمن رقم 2254، وهي: البيئة الآمنة والمحايدة، و“هيئة الحكم الانتقاليّ”، والعودة الآمنة والطوعيّة للاجئين، وقبل كلّ ذلك الإفراج عن المعتقلين، وهنا يجب على روسيا أن تستخدم نفوذها لإنجاز تقدّم في الوضع السوريّ، لا أن تربطه بملفّاتها الدوليّة، خاصّة أنّ روسيا تبنّت دعم النظام، وأفشلت ستةَ عشر مشروع قرار يخصّ الوضع في سورية في مجلس الأمن، من خلال استخدامها حقّ النقض (الفيتو)، ضدّ الشعب السوريّ، وفي مواجهة المجتمع الدوليّ.
■ ما موقف الاتحاد الأوروبيّ من الحوار بين أميركا وروسيا حول سورية؟
□ رحّب الاتحاد الأوروبيّ بانعقاد قمة (بايدن – بوتين) في جنيف، الشهر المنصرم، على أمل أن تشكّل بداية انفراج في معالجة الملفّات العالقة وخاصّة الدوليّة منها. وفي هذا السياق، يتلاقى موقف الاتحاد الأوروبيّ مع موقف الولايات المتحدة في ما يمكن تسميته مرحلة إبداء حسن نية من روسيا، وخاصّة في ما يتعلّق بقضيّة المعابر الإنسانيّة وتحريك العمليّة السياسيّة، والحفاظ على الهدوء النسبيّ في المواجهات المسلّحة. وبشكلٍ عامّ، تتقاطع المواقف السياسيّة للاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأعضاء فيه، بخاصّة الأكثر فاعليّة وتأثيرًا، وهي فرنسا وألمانيا، مع الموقف الأميركي، خاصّة في ما يتعلّق بسورية. في حين نرى دعمًا سياسيًّا من مدخل حقوق الإنسان من باقي دول الاتحاد، خاصّة الدول الإسكندنافيّة.
إرهاب طائفيّ لإحداث تغيير ديموغرافيّ:
■ ماذا عن العقوبات الاقتصاديّة الأوروبيّة في 2021 على نظام الأسد؟ وما الهدف منها؟ وهل تؤثّر هذه العقوبات في عملية المساعدات الإنسانيّة، بحسب زعم دمشق وموسكو؟
□ يأتي التجديد للعقوبات الاقتصاديّة الأوروبيّة على سلطة الأسد وأفراد منظومته استمرارًا في الالتزام بالحلّ السياسيّ ومقتضياته، وردًا على الارتكابات الجسيمة لقيادة النظام الدكتاتوري ضدّ المدنيّين العزّل والنساء والأطفال وقصف المدارس والمستشفيات بالبراميل المتفجرة والفوسفور ومختلف أنواع الأسلحة. وهذه العقوبات تستهدف شخصيّات متورّطة بانتهاكات حقوق الإنسان، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، عن طريق التمويل أو تأمين مواد تستخدم في حرب النظام ضدّ شعبه، كما شملت تقييد بعض المؤسّسات كي لا يتمّ التلاعب والاحتيال من خلالها لتأمين متطلّبات الآلة العسكريّة والأمنيّة. ولا صحة لتأثيرها على المساعدات الإنسانيّة والطبيّة، فهي لم تتوقّف عن الدخول، ومن خلال المنظّمات الدوليّة والمحلّيّة العاملة حتّى في مناطق سلطة النظام الذي يقوم بسرقتها وتوزيعها على غير مستحقّيها، مع الأسف. ويمارس النظام التضييق على السوريّين، بذريعة العقوبات، وغايته الضغط عليهم لإخضاعهم، أو لدفعهم إلى مغادرة البلاد وبيع ممتلكاتهم لأهداف خبيثة بغرض التغيير الديموغرافيّ الذي تسعى إليه إيران، بهدف تصدير إرهابها الطائفيّ وإحلال الصراع بدلًا من السّلم والاستقرار.
■ ما الذي تشترطه دول الاتحاد الأوروبيّ لعقد مؤتمر دوليّ لإعمار سورية بمساهمة المجموعة الأوروبيّة؟ ولرفع العقوبات الاقتصاديّة من جانب الاتحاد الأوروبيّ؟
□ ألزم الاتحاد الأوروبيّ نفسَه بضرورة تطبيق حلّ سياسيّ، يقوم على ميثاق جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصّة القرار 2254، وجعل ذلك أساسًا لأيّ دعم أو مشاركة في عمليّات إعادة الإعمار، وهذا الأمرُ منطقيّ استنادًا إلى الالتزام بدعم الشعب السوريّ وكرامته وحرّيّته، حيث لا يمكن الوثوق بهذا النظام، لأنه يصبّ الأموال في غير محلّها، ويجعلها في جيوب داعميه والأسماء الوهميّة التي تدير أموال هذه العصابة. ولا بدّ من وجود حكومة ذات ثقة وشرعيّة وقدرة على حفظ الأمن وتوفير البيئة المناسبة لعمليّة إعادة الإعمار، وتكون قادرة على توفير الضمانات للدول والشركات والمؤسّسات التي ستشارك في هذه العمليّة، وهذا يستدعي حكمًا ذا صدقيّة يتمتّع بقدر كاف من الشفافيّة، ويقوم على الحوكمة والإدارة الرشيدة. وهذا يعني وجود بيئة قانونيّة وتشريعيّة متقدّمة وأجهزة ومؤسّسات رقابيّة وجهات قضائيّة مستقلّة. وتعزيز السلم الأهليّ والعيش المشترك وكلّ هذه القضايا لا يمكن لهذه السلطة المغتصبة للدولة أن تقوم بها.
■ ما الذي يُنتظر من مؤتمرات الجهات المانحة في بروكسل لتعزيز سُبل الحوار بين مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة والمؤثّرة في مجريات الأزمة السوريّة؟
□ يقوم مؤتمر بروكسل للدول المانحة على أساس تأمين الدعم الماليّ والتمويل اللازم للحاجات الإنسانيّة والطبيّة، في دول اللجوء والجوار، وفي المناطق التي تخضع لسلطات قوى الثورة والمعارضة، وفي المناطق التي تخضع لسلطة النظام، وهذا يتم ّعن طريق التنسيق بين الهيئات التابعة للأمم المتّحدة والدول الداعمة والدول التي على أراضيها لاجئون ودول الجوار، من خلال المعابر الإنسانيّة خارج سيطرة النظام لتأمين وصولها إلى المناطق التي لا تخضع لسلطته، وأيضًا عن طريق النظام لباقي مناطق سورية. وبهذا تمتلك مدخلًا لتشارك في جهود إحلال السلام، وحضورًا في دعم العمليّة السياسيّة، حيث يشكّل الجانب الإنسانيّ -إلى حدٍّ بعيد- موضع اتّفاق بين القوى الدوليّة والإقليميّة ذات النفوذ والحضور على الأراضي السوريّة.
■ صدرت في الأسابيع الماضية تصريحات من مسؤولين سوريّين كبار، وانتشرت تسريبات آتيّة من دمشق، عن اختراقات عربيّة كبيرة باتّجاه دمشق: زيارات رفيعة لمسؤولين أمنيّين عرب، وقرب فتح سفارات، وعودة سورية إلى الجامعة العربيّة، وحصول اتّصالات هاتفيّة من قادة عرب بالأسد لتهنئته بعد إعلان دمشق “فوزه” بالرئاسة لولاية جديدة، وأُضيف إلى ذلك ضخّ إعلامي عن اتّصالات سريّة دبلوماسيّة أوروبيّة مع دمشق، وحديث عن فتح سفارات ووصول سفراء إليها، ورسالة من وزير خارجيّة نظام الأسد (فيصل المقداد) إلى بعض نظرائه الأوروبيّين؛ فما حقيقة ما يجري بتقديرك، وهل الطريق إلى دمشق سالكة لتطبيع العلاقات من نظام الأسد؟
□ لا يتوانى إعلام النظام عن ضخّ مثل هذه الأخبار التي أقلّ ما يمكن القول فيها أنها غير دقيقة وأغلبُها غير صحيح. ومع ذلك لا يمكن إنكار أنّ هناك دولًا عربيّة ما تزال تحتفظ بعلاقات دبلوماسيّة معه، وهي تستمرّ في علاقتها معه، إمّا استنادًا إلى (حياديّة) مفترضة، وإما نتيجة ضغوط دوليّة من قبل داعمي النظام. وأمّا عن التواصل الأمنيّ فأعتقد أنه قد يكون ضمن الضرورات الأمنيّة، ويخضع لاتّفاقات دوليّة سابقة، وهو لا ينقطع حتّى بين الدول التي بينها حالة حرب، في بعض الأحيان. ويشمل ذلك المستوى الدوليّ ولا يقتصر على العربيّ. أمّا عن عودة العلاقات والسفارات مع الدول الأوروبيّة أو بعضها، فلم يحصل ذلك، وهذا يتفق مع الموقف السياسيّ لدول الاتحاد الأوروبيّ. ومن الواضح أنّ الطريق ما تزال غير سالكة، ولا بدّ من إزاحة المعوّقات، وهي ليست صغيرة، ونظام الأسد غير قادر على الاستجابة لمتطلّبات ذلك، بحكم طبيعته وبنيته كنظام دكتاتوريّ غير قابل للإصلاح، ونظام مجرم استخدم الكيمياوي ضدّ شعبه وقتل ما يقارب مليون إنسان، ولديه مئات الآلاف من المعتقلين والمغيّبين قسرًا، وأكثر من مليوني مصاب، فضلًا عن أن حوالي ثلثي السوريّين أمسوا بين نازح ولاجئ.
نحو منصّة دوليّة للحلّ بعيدًا عن الفيتو الروسيّ:
■ أشارت تقارير إخباريّة غربيّة إلى أنّ قمّة الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين، الشهر الماضي، أسفرت عن “تفاهمات صغيرة” في سورية، ضمن خطوات تمهّد لبحث “احتواء” الوجود الإيرانيّ لاحقًا؛ فما توقّعاتك لتسوية الصراع القائم بغية الوصول إلى حلول جيدة في المدى المنظور؟
□ لا يخفَى على المطّلعين والمتابعين للقضيّة السوريّة أهمّيّة حصول مستويات عدّة من التوافق، بدءًا من الوطنيّ والإقليميّ والدوليّ على طريق أي خطوة في الحلّ أو التسوية السياسيّة، وضمن هذا السياق، يأتي الاتّفاق بين الولايات المتّحدة الأميركيّة والاتحاد الروسيّ في مقدّمة التفاهمات الدوليّة بخصوصها، وهو عامل حاسم في نجاح هذه العمليّة. ومن المرجّح أنّ الوقت لم يسمح لبايدن وبوتين، في قمة جنيف، بأن يتناقشا كثيرًا في القضيّة السوريّة، فضلًا عن أن يتوصلا إلى اتّفاق أو تفاهمات عميقة في الملفّ السوريّ، نظرًا للملفّات العديدة التي كانت مطروحة على طاولة الاجتماع، وربّما ما جرى هو مناقشة بعض الطروحات التي يمكن إحالتها إلى الجهات المعنيّة، في كلا الجانبين، مثل وزارتي الخارجيّة والدفاع، وربّما تكون من قبيل إبداء حسن النيّات. والجدير بالذكر أن هناك سابقة اتّفاق حول احتواء الوجود الإيرانيّ عام 2017، في ما عُرف باتّفاق (كيري – لافروف)، ومن المفروض أن تبتعد إيران بموجبه 80 كم عن حدود الجولان المحتلّ، وهذا ما لم يحصل، وهو ما نجني تبعاته في منطقة الجولان المحتلّ. وأعتقد أن الفرصة مناسبة لحلّ سياسيّ مقبول، لكن ذلك يوجب أن تتعاون روسيا في تطبيق القرارات الأمميّة، وألّا تقدّم الولايات المتّحدة الأميركيّة الاتّفاق النووي مع إيران أو عمليّة احتوائها، على حقوق الشعب السوريّ.
■ يتّهم مشرعون في الكونغرس الأميركيّ الرئيسَ بايدن بتقديم تنازلات، عبر رفع عقوبات عن النظام السوريّ ترتبط بمواجهة فيروس (كورونا)، إلى كلّ من إيران وروسيا، مشيرين إلى تساهل إدارته مع نظام الأسد على الرغم من التصريحات العلنيّة الشاجبة له. ما قراءتك للحدث؟
□ أرى أن ذلك يستند إلى عاملين: الأوّل هو المرجعيّة الديمقراطيّة للرئيس بايدن التي تتبنّى منحى حقوق الإنسان وتراعي الحاجات الإنسانيّة، بخاصّة في ظلّ جائحة كورونا؛ والثاني ربّما تشجيع نظام الأسد للدخول في العمليّة السياسيّة، فهي لم ترفع عقوبات، بل لم تفرض عقوبات جديدة تحت ما سمّي “قانون قيصر”، وعلى الرغم من ذلك، فقد أصدر الرئيس بايدن قرارَا بتمديد العقوبات المفروضة على الحكومة السوريّة ضمن ما يسمّى (حالة الطوارئ الوطنيّة)، وقد باشرت بها الإدارة الأميركيّة عام ٢٠٠٤، عقب احتلال العراق وما زالت تمدّدها حتّى الآن.
■ ماذا عن اقتراح مبعوث الأمم المتّحدة الخاصّ إلى سورية (غير بيدرسون) الأخير، حول تشكيل مجموعة جديدة للاتّصال بشأن الأزمة السوريّة وضرورة تعاون المجتمع الدوليّ في الحلّ؟
□ لا بدّ من تحريك الجمود الحاصل في القضيّة السوريّة، وخاصّة بعد محاولة روسيا تعويم النظام من خلال محاولتها فرض القبول بالواقع، وهو الأمر الذي واجه رفضًا دوليًّا ولم يلقَ أي تجاوب يذكر. وجاءت مبادرة المبعوث الأمميّ السيد غير بيدرسون الذي يتميز بمهارة دبلوماسيّة وحسّ إنسانيّ عال، باقتراح تشكيل مجموعة اتّصال جديدة متزامنة مع الدعوة لاجتماع روما؛ تحت عنوان “التحالف الدوليّ ضدّ داعش”، والذي انعقد في روما أواخر حزيران/ يونيو الماضي، وضم إحدى وثمانين دولة والاتحاد الأوروبيّ وجامعة الدول العربيّة، وبحضور الدول الإقليميّة وغياب روسيا وإيران ونظام الأسد.
وهذا -برأيي- يؤسّس لمجموعة اتّصال وعمل، تكون داعمة للحلّ السياسيّ، وسيترك ذلك أثرًا إيجابيًا على مصلحة الشعب السوريّ. ويشكّل إشارة مهمّة في استبعاد روسيا وإيران وطبعًا النظام في محاربة تنظيم (داعش) والإرهاب، وقد يكون منصّة دوليّة بعيدًا عن الفيتو الروسيّ وأحيانًا الصينيّ، ومن شأن هذه المنصّة أن تُسهم في دعم حقوق الشعب السوريّ وهيئات ومؤسّسات قوى الثورة والمعارضة الممثّلة له والمعترف بها.
■ ذكرت صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنيّة، في 10 من شباط/ فبراير الماضي، أنّ معارضين من منصّتي “موسكو” و”القاهرة” قدّموا إلى روسيا وثيقة يقترحون فيها تأسيس “مجلس عسكريّ سوريّ” مشترك بين النظام والمعارضة، كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقاليّ الواردة في “بيان جنيف1″، وبالرغم من أنّ المنصّتين نفتا تقديم أي وثيقة لموسكو، وهو ما نفاه أيضًا مبعوث الرئيس الروسيّ الخاصّ إلى سورية ألكسندر لافرينتيف، فإنّنا نسأل: ما رأيك بهذا المقترح، وهل هو قابل للتنفيذ على أرض الواقع؟
□ من الواضح أنّ هذا المقترح طُرح كفكرة وليس كمشروع مكتوب، ولم يتمّ التعليق عليه، بل إن روسيا تجاهلته، لأنّها ترى مصلحتها في تعويم النظام بعدما استثمرت فيه بكلّ قوّتها، وخاصّة أنّ العمل على تعزيز النفوذ الروسيّ في الجيش والأمن السوريّ لم يتوقّف لاستكمال السيطرة، وفكرة “المجلس العسكريّ المشترك” تضعف ذلك النفوذ. وأعتقد أن الفكرة واقعيّة، ضمن مفردات القرار الأمميّ 2254 ووفق تسلسلها، وأن يتبع لهيئة حكم انتقاليّ شامل، بمعنى أرى ضرورة تشكيل “مجلس عسكريّ – أمنيّ” يتولى ضبط الأمن وحماية الحدود وجمع السلاح، وأن يخضع لقيادة مهنيّة حرفيّة، بعيدًا عن التجاذبات السياسيّة. ويشكّل أيضًا ضمانة لعدم قيام المنظومة الحاكمة التي تسيطر على الجيش والأجهزة الأمنيّة بالانقلاب على الحلّ السياسيّ، حيث لا يمكن الوثوق بها، وعودة المنشقّين العسكريّين والأمنيّين ومشاركتهم في القيادة ضمانة لذلك، وحاجة وطنيّة لعمليّة التغيير الديمقراطيّ وحمايتها. لكن أعود للتأكيد تحت “هيئة الحكم الانتقاليّ” الهيئة السياسيّة المدنيّة.
روسيا لا تقبل بمنافسة إيران لها في سورية:
■ من منظورك، ما الأهداف الروسيّة في سورية اليوم، بعد أن صارت البلاد مسرحًا لموسكو لاستعراض القوّة واستعادة دورها الدوليّ كقطب عالمي، وتمّ استخدامها كحقل تجارب مجاني لتحسين أداء الأسلحة الروسيّة، ومعرض بيع دائم لأسلحتها الجديدة؟
□ بعد أن عادت روسيا للتأثير في المسرح الدوليّ، من بوابة دعم الدكتاتوريّة بذريعة الطلب من حكومة “شرعيّة”، وعرض عضلات “القيصر” الروسيّ، من خلال تجربة الأسلحة المتنوّعة على الشعب السوريّ، تسعى (روسيا بوتين) لارتهان المقدّرات والثروات الوطنيّة، ولتحويل سورية إلى ما يشبه إحدى جمهوريّات الاتحاد الروسيّ المستقلّة اسميًا، في حين هي منقوصة السيادة وتدور في فلك السياسة الروسيّة وتشكّل صدًى لها. وعلى مقلب آخر تسعى لتعزيز حضورها في سوق النفط والغاز، سواء عن طريق سيطرتها على خطوط نقله عبر سورية إلى أوروبا، أم سيطرتها على غاز سورية. وكذلك تعويض تكاليف دعمها للدكتاتوريّة من خلال أخذ النصيب الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار.
■ على الرغم من وجود منظومات صواريخ “إس – 300″ و”إس – 300 متطور” و”إس – 400″ تابعة للجيش الروسيّ الذي أقام قاعدتين في طرطوس واللاذقية، ما تزال أجواء سورية “مفتوحة” أمام طائرات التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة، وطائرات العدو الإسرائيليّ التي تعلن بعد كلّ ضربة أنّها قصفت “مواقع إيرانيّة” في سورية. برأيك، لماذا تصمت موسكو عن هذه الضربات الأميركيّة والإسرائيليّة، وهل هي راغبة فعلًا في إنهاء الوجود العسكريّ الإيرانيّ في (سوريا الأسد)؟
□ الأجواء السوريّة مستباحة، وحركة طائرات التحالف الدوليّ تخضع لتفاهمات بين روسيا والولايات المتّحدة الأميركيّة، وهذا الأمر متفق عليه ويتمّ بالتنسيق مع الجهات المعنيّة، وأمّا قواعد الصواريخ الروسيّة (سلسلة إس) المنصوبة في طرطوس واللاذقية، فهي لحماية القوات والمصالح الروسيّة في سورية، وتعزيز وجودها بعد أن عادت كقوّة تطمح إلى دور دوليّ. أما قوات الاحتلال الصهيونيّ، فهي تتمتع بإشارة خضراء دائمة! تحت قاعدة النظام التي تقوم على الاحتفاظ بحقّ الرد الذي لم ولن يحصل. وفي ما يخصّ ضرب ميليشيات وقوى إيرانيّة، لا يمكن لروسيا أن تعترض على ذلك، فهي خارج حدود السماح الأميركيّ – إن جاز التعبير- هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يمكن لروسيا أن تقبل بمنافسة إيران لها في سورية، وهي لا تبدي أي انزعاج بشأن ذلك، وهي تتعامل وفق هذا، وهو ما يفسّر صراع النفوذ داخل مؤسّسات النظام. وروسيا تحاول الاستفادة من الوجود الإيرانيّ، لتخفيف الأعباء العسكريّة، في ظلّ بسالة فصائل الثورة والمعارضة في مواجهة النظام وروسيا وإيران والميليشيات الطائفيّة العابرة للحدود.
■ كمتابع عن كثب للأحداث، هل توافق من يرى، من النخب المعارضة السوريّة المستقلّة، أنّ الأمور تسير نحو دعم نتائج الاتّفاق الروسيّ – الإسرائيليّ الأخير القاضي ببقاء بشار الأسد في الحكم، كي يعقد اتّفاق سلام مع إسرائيل بعد الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، وأنّ الأسد سيكون نقطة التلاقي الإسرائيليّة – الإيرانيّة، برعاية روسيّة هدفها التمهيد لتقارب إسرائيليّ – إيرانيّ، يعقبه لعب إسرائيل لدور وساطة بين طهران ودول الخليج، بخاصّة السعودية والإمارات والبحرين؟
□ لم يتمّ تأكيد مثل هذا الاتّفاق، ولا أرجّح حصوله، على الرغم من حضور الجار غير المرحّب به في القضيّة السوريّة بقوّة، وتكاد تكون حماية هذا الكيان ومصالحه مقدّمة لتكون أساسًا يرسم صيغة النهاية للمأساة السوريّة، لكن الأمور ليست بهذه البساطة، فلقد استنفد هذا النظام ورأسه أسباب وجودهم، وفقدوا القدرة على أداء دورهم الوظيفي ضمن المنظومة العالمية، وهذا هو الواقع الذي تقوم عليه المصالح؛ فبمقدار ما تستطيع المنظومة التي تمتلك السلطة تأمين مصالح القوى الفاعلة -سواء كانت داعمة أم مضادّة – أو تمتلك قدرة على تشكيل خطر على هذه المصالح، يتحدّد موقعها على الخريطة السياسيّة للواقع الجديد. وأرى أنّ هذه السلطة المغتصبة للدولة غير قادرة على التأثير في ذلك، إضافة إلى فقدانها كل أنواع الشرعيّة، شعبيًّا ووطنيًّا وقانونيًّا، فهي سلطة غير دستوريّة، حتّى وفق الدستور الذي تمّ تفصيله على مقاسها، ويأتي واقع عدم خضوع مناطق واسعة تحتوي على مدن رئيسية وثروات وطرق موصلات مهمّة لسلطتها، ووجود قوى خارجيّة تمتلك النفوذ والقرار، وفقدان السيطرة على الحدود الدوليّة. فضلًا عن التورّط في استخدام السلاح الكيمياوي والأسلحة المحرّمة دوليًّا، أضف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضدّ الإنسانيّة، وهي جرائم لا تسقط مع الزمن، ولها ولاية دوليّة.
■ أخيرًا، ما نصيحتك للشعب السوريّ، بعد عقدٍ دامٍ من عمر الثورة اليتيمة، المختطفة؟ ماذا تقول لهم؟
□ نحن في مرحلة تحطيم الأصنام التي كنّا نعبدها، بوعي أو بغير وعي، وكنّا نظنّها حقيقة، وهذه الأصنام هي مفاهيمنا الخاطئة، عن الدين والإنسانيّة والوطنيّة والقوميّة والأمّة والحقوق والعادات والتقاليد وما إلى ذلك. وهذا ديدن التغييرات الاجتماعيّة الكبرى، إذ لا بدّ لها من تحطيم الأطر القديمة الباليّة. علينا أن نتعلم أنّ المختلف ليس عدوًا، وأن التنوّع إثراءٌ، وأنّ الوطن يتّسع الجميع، وأنّ لكلّ منّا هويّة فرعيّة تحت الوطنيّة، وقد يكون لها امتداد خارج الحدود، لكنّ الهويّة الوطنيّة تسمُو فوق كلّ هذا، وأن تنوّعنا كان سببًا في تسمية سورية “مهد الحضارات”، إذ امتازت بغناها التاريخي وتراثها وعراقتها. وعلينا أن نكون على قدر المسؤوليّة، للحفاظ على مكانتها ولأخذ دورها الذي تستحقّه. ويكثر الحديث عن الحلّ الدوليّ للقضيّة السوريّة، وهذا ليس جديدًا في العلاقات السياسيّة الدوليّة، ولا يعني أن نستسلم لذلك، أو ننتظر هذا الحلّ من دون العمل الدؤوب وتجميع القوى السياسيّة والاجتماعيّة لتكون الحامل للحلّ والحامي للحقوق الوطنيّة والضامن للسيادة والاستقلال، فلا يمكن لأي حلّ أن ينجح دون أن يلبّي تطلّعات السوريّين والسوريّات، ودون قبولهم بهذا الحلّ والانخراط في تطبيقه، وهذه مسؤوليّة الجميع من دون استثناء. موعدنا سورية التي تجمعنا والتي نريد.
* صحافي سوري – فلسطيني
المصدر: حرمون
التعليقات مغلقة.