الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

محاولة لفهم انهيار الجيش المُدرب أمريكيا

محمد المنشاوي *

نفى الرئيس جو بايدن في خطاب ألقاه الشهر الماضي أن تكون سيطرة طالبان حتمية، واستشهد بأن قوة طالبان العسكرية يبلغ قوامها حوالى 75 ألف رجل مقابل 300 ألف جندي من قوات الأمن الأفغانية، وعليه استبعد حتمية نجاح طالبان في السيطرة على كل التراب الأفغاني.

ومن الناحية النظرية تمتعت قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية السابقة بأفضلية واضحة على قوات حركة طالبان، فهي أكبر حجما وأفضل تجهيزا، وتلقت كميات هائلة من برامج التدريب العسكري الخارجي، والدعم اللوجيستي، والمساعدات المالية والأسلحة المتطورة، والمعلومات الاستخباراتية من الولايات المتحدة وبقية دول حلف الناتو.

ويمثل استسلام قوات الأمن الأفغانية دون قتال، تاركة وراءها سيارات مصفحة أمريكية الصنع وغيرها من المعدات العسكرية التي زودتهم بها واشنطن ودول الناتو لطالبان، سببا لقلق الكثير من القادة العسكريين الأمريكيين. وعكس ذلك فشلا للجهود الأمريكية لتأسيس جيش أفغاني فعال على الرغم من إنفاق ما يزيد على 100 مليار دولار عليه، وأصبح أحد الأسئلة الشاغلة لعقول النخبة السياسية الأمريكية يتعلق بأسباب الفشل في تأسيس جيش أفغاني يواجه تطلعات حركة طالبان؟

  • ••

حاول المستشارون العسكريون الأمريكيون تعليم الأفغان القتال بالطريقة الأمريكية اعتمادا على التكنولوجيا بدل الأساليب التقليدية، وهى طريقة حرب ليست مناسبة لأغلب الجنود الأفغان، ولا لبيئة المواجهات داخل أفغانستان.

ويعتبر بعض المحللين أن الإغداق المالي على القوات الأفغانية بالأموال الأمريكية شجع الفساد والانتهازية بدلا من معايير الكفاءة العسكرية بين كوادر القوات الأفغانية. ولم تحظ قوات الجيش الأفغاني بشعبية واسعة بين الأفغان كغيرها من بقية جيوش العالم، وذلك بسبب ارتباطها بمحتل أجنبي (الولايات المتحدة)، في حين نظر الكثير من الأفغان لحركة طالبان كقوة مقاومة شرعية تحارب قوات أجنبية غزت بلادهم.

ومنذ البداية وقبل 20 عاما، لم يضع الجيش الأمريكي استراتيجية فعالة لتحقيق انتصار عسكري واضح، ولم يقدم الجيش للساسة الأمريكيين مبررات لعدم تحقيق أهدافهم المعلنة في الحرب. من ناحية أخرى، لم يتلق العسكريون الأمريكيون من القادة السياسيين توجيها استراتيجيا واضحا للحرب، واستسهل الكونجرس الأمر بتخصيص مليارات الدولارات للمجهود العسكري ومشروعات إعادة الإعمار في أفغانستان، دون طرح أسئلة صعبة حول احتمالات النجاح، حتى مع بدء تراكم الأدلة على أن الحرب لم تكن تسير على ما يرام.

يُذكر أن الولايات المتحدة غزت أفغانستان ردا على هجمات 11 سبتمبر 2001، وكان الهدف الرئيسي هو القبض على أسامة بن لادن وأكبر عدد ممكن من كبار قادة تنظيم القاعدة. ولأن حكومة طالبان رفضت تسليم بن لادن، فقد تحولت الإطاحة بحكمها إلى جزء من المهمة أيضاً.

ولكن بمجرد الإطاحة بحكم طالبان بعد أربعة شهور من بدء المعارك، أخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها على عاتقهم مهمة غريبة تتمثل في محاولة تحويل دولة فقيرة منقسمة مزقتها الحروب الأهلية المتتالية إلى ديمقراطية ليبرالية مركزية على النمط الغربي.

من ناحية أخرى، ركزت الحروب في أفغانستان تاريخيا بشكل أقل على القتال في ساحة المعركة، وبصورة أكثر على دور القادة المحليين، الذين تتغير ولاءاتهم، أو على طريقة حرب العصابات.

ونجحت طالبان في التواصل مع القادة المحليين ممن همشتهم نخبة كابول الفاسدة على مدى سنوات، وهو ما أدى لانقلابهم ضد قوات الحكومة المركزية في مناطقهم، وكان ذلك متوقعا. ونجحت طالبان في التواصل مع مجموعات عرقية أخرى، من غير مؤيديها التقليديين بين البشتون، كتحالفهم مع البلوش في إقليم بلوشستان والأوزبك والتركمان.

وتصور بايدن كما قال في 8 تموز/يوليو الماضي «لقد زودنا شركاءنا الأفغان بجميع الأدوات والمعدات، واسمحوا لي أن أؤكد أن لديهم جميع الأدوات والتدريب والمعدات التي يحتاجها أي جيش حديث، لقد قدمنا أسلحة متقدمة، وسنواصل توفير التمويل والمعدات، وسنضمن لهم القدرة على الحفاظ على سلاحهم الجوي».

ومنذ سنوات يعرب بعض المسئولين عن خدعة بناء جيش أفغاني، فقد حذر الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد، والذى أكد في شهادة له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في آذار/مارس 2014 أن «قوات الأمن الأفغانية ستبدأ في التدهور عند انسحاب قوات التحالف الدولية، والنقاش الوحيد سيكون حول وتيرة هذا التدهور».

واطلعت شخصيا على تقارير صادرة من مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع حول الأوضاع في أفغانستان، وتضمنت كل منها بنودا تؤكد إخفاق عملية البناء الأمريكية لقوات الجيش والشرطة في أفغانستان.

وتعرضت التقارير إلى الدروس المستفادة من الأخطاء المتكررة، وتقدمت بنصائح وتوصيات للقيادة الأمريكية بأفغانستان، ولصانعي القرار في العاصمة الأمريكية، حول كيفية تجنب انهيار الدولة والجيش في حال انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، إلا أن هذه التقارير لم يلتفت لها صانعو القرار داخل واشنطن.

وعلى الرغم مما سبق، فقد كان هناك فشل استخباراتي غير مسبوق، فقد خرج التقييم السنوي للتهديدات لعام 2021 والصادر قبل أسابيع من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية يقول بأن «الحكومة الأفغانية ستكافح لكبح جماح طالبان إذا سحب التحالف الدعم وانسحبت قواته».

* كاتب صحفي مصري متخصص في الشئون الأمريكية

المصدر: الشروق

التعليقات مغلقة.