الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

في ضرورة التحالفات السياسية “الحالة السورية”

 د. ريمون المعلولي*

تاريخيًا، أوجدت الجماعات البشرية أشكالًا عديدة من التحالفات، بُنيت على قواعد متنوعة، من حيث طبيعتها وأحجامها وغاياتها؛ فقد وُجدت تحالفات بين الدول، والطبقات، أو الفئات الاجتماعية. وكذلك عُقدت تحالفات على أسس المصالح الاقتصادية – الاجتماعية، أو الأمنية… الخ، تجمع بينها أهداف مشتركة تمثل أرضية التعاون والتعاهد أي التحالف.

الحِلْفُ، لغةً: هو المعاهدةُ على التعاضدِ والتناصر والاتفاق. والتحالفُ هو التَضَامن، والعقد هو تفاهُم بين طرفين أو أكثر على العمل معًا.

والحِلفُ، اصطلاحًا: هو علاقة تعاقدية، أو اتحاد بين مجموعة من القوى أو التنظيمات تلتقي على مصالح معيّنة، سياسية، اقتصادية او اجتماعية…أو جميعها، على نحو يجعلها تعمل معًا لتحقيق تلك المصالح المشتركة التي يمكن التعبير عنها من خلال الأهداف المشتركة.

وفي العمل السياسي، يُعدُّ التحالف اتفاقًا بين حزبين أو تيارين سياسيين أو أكثر، يقف وراء إقدامها على تأسيس تحالفاتها فلسفةٌ تبرر عقده، وتعطيه معناه، انطلاقًا من تلاقي المصالح الآنيّة والمُتوسِّطة المدى التي قد تـُحوِّل الصراعات البينية بين الأطراف المتحالفة -إن وُجـِدت- إلى علاقات مُنسجـِمة، وتسهم في مضاعفة القوى الذاتية لكل منها، عندما لا تتوفر لتلك القوى بمفردها القدرة على تحقيق أهدافها أو مصالحها المُلحّة والمصيرية لحياة تلك الجماعات، والتي قد يؤدي عدم تحققها أو التأخر في تحققها إلى خسارات كبيرة، قد لا تُعوّض لأي قوة سياسية وهي منفردة بذاتها.

وجدير بالذكر هنا أن القوة الناجمة عن تحالف مجموعة الكيانات/ الأحزاب السياسية تتجاوز حاصل جمع قواها الحسابي وهي منفردة؛ لأن تفاعلها فيما بينها عبر تحالفها يكسبها خصائص جديدة لم تكن متحققة في أي منها، على مستوى توفير الموارد البشرية والمالية، وتكامل الإمكانات والقدرات والمهارات، فضلًا عن الصدقية التي تكتسبها أمام القوى الأخرى.

ومن جهة أخرى، تسمح صيغة التحالف باحتفاظ الكيانات المنخرطة فيه باستقلاليتها السياسية وبهياكلها التنظيمية، لأن التحالف لا يعني اندماجًا كاملًا بين الكيانات، بل هو اتفاق مُبرمَج بينها، فكل قوة منها تجد ذاتها -استقلالها- وسط تحالفها أو توحدها مع غيرها من القوى.

وللتحالفات جملة من السياقات، والظروف الموضوعية والذاتية التي تدفع القوى المجتمعية المعنية إلى عقد التحالفات البينية، فالأحداث الكبرى تدفع قوى المجتمع الحية إلى البحث عن بعضها لمواجهة تلك الأحداث. وكذلك تنشأ التحالفات عند رغبة القوى في إحداث تغيير مجتمعي واسع ومهم يحتاج تحقيقه إلى وقت، وهو ما يقتضي التزامًا بعيد المدى بين القوى المتحالفة، وإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا النوع من التحالف يقوم على رؤية اجتماعيّة تتقاسمها الأطراف المتحالفة، ويستدعي ذلك تظافر جهود كلّ الأطراف عند بلورة أهداف التحالف، بمعنى أنّه على كلّ طرف في التحالف أن يعلن التزامه بتحقيق التغييرات التي يريد حصولها في المجتمع.

ومن جهة أخرى، تُعقد التحالفات عندما تتوفر إمكانيّة تكوينها، أي عند وجود القوى واستعدادها للتحالف بينها، إضافة إلى وجود سبب وجيه لذلك، وهذه مسألة بالغة الأهمية تعتمد على عدد من العوامل، منها وضوح المشكلة بما فيه الكفاية، بحيث يمكن للجميع الاتفاق حولها. إن وضوح المشكلة هو الدعامة الأساسيّة لإقامة تحالف، وإن لم يوجد اتفاق حول الحلّ، لأن الاتفاق حول المشكل مؤشّر جيّد للتحالف.

وقد يكون البحث عن نواة التحالف أو تشكيلها ودعوتها لقيام التحالف خطوة أولية ضرورية لقيام قوى المجتمع ذات المصلحة بتحقيقه. فقد يشكل عددٌ من المثقفين المشهود لهم بالنزاهة، وعدد من الرموز الوطنية الموثوقة بتكوين ما يشبه “هيئة حكماء”، وقد ينجح عدد محدود من القوى ذات الصدقية بتشكيل تلك النواة، وسييسّر ذلك الأمور ويسرّع في إيجاد المزيد من الأعضاء المحتملين وانضمامهم للتحالف. [1].

هل ينجح السوريون في توليد نواتهم السياسية التي يمكن أن تحظى بالصدقية الكافية والقادرة على بث روح الثقة لدى الأطراف والقوى الديمقراطية المبعثرة؟ وهل يمكن تكوين المظلة التحالفية المشتركة لتلك القوى؟

أعتقد أن السياقات والظروف الموضوعية اللازمة لقيام التحالفات لناحية جدارة القضية/ المأساة السورية، ومبررات العمل على حلّها مُلحّة بدرجة قصوى، وما زال التحدي الأخطر الذي يحول -إلى اليوم- دون تكوين مظلة سياسية تحالفية وازنة وذات تأثير في الحياة السياسية السورية يكمن في طبيعة الشخصية السورية المتصدرة لأغلب واجهات الجماعات والكيانات السياسية الرافضة بقاء النظام الحاكم، على الرغم من تشابه خطاباتها السياسية وتطابق رؤاها عن مستقبل سورية، وقد تناولتُ بعضًا من تلك الخصائص في مقالة سابقة [2] ،وأضيف إلى ذلك خوف بعضها من الفشل المحتمل، أو تكرار حدوثه، إذا عاودت إطلاق مبادرات تحالفية سياسية جديدة، فهي ما زالت تعاني عطالة تربكها وتُثبط هِممها ودوافعها اللازمة للانخراط في مبادرات تحالفية، فضلًا عن خوف البعض من التماهي أو الضياع أو الذوبان وسط زحمة شخصيات التشكيلات السياسية المعارضة الأكبر أو الأقدم.. إلخ.

إن الحاجة الموضوعية والظروف المعقدة التي تمر بها القضية السورية توجب العمل على إقامة أوسع تحالف تؤسسه القوى الوطنية الديمقراطية الشابة ذات العزيمة الكافية والشجاعة اللازمة، فهي المرشحة لتوليد القوة البديلة المأمولة -القوة الثالثة- لمواجهة تلك التي تدعي تمثيل الشعب السوري، سواء أكانت قوى النظام الغارق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق شعبه، أو قوى الأمر الواقع التي ادعت معاداتها للنظام، سواء كانت تلك القوى التكفيرية أو هياكل “المعارضة” الرسمية ومؤسساتها الملحقة بأجندات لا وطنية.

[1]  بيان إشهار تحالف لقاء القوى الوطنية الديمقراطية السورية واللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)/ القطب الديمقراطي.
[2] “صعوبات تقارُب القوى الديمقراطية السورية وتعاونها السياسي” انظر الرابط: ttps://bit.ly/2Dqa42M

* باحث وأستاذ جامعي سوري، دكتوراه تخصّص أصول تربية، عضو هيئة تدريسية في كلية التربية بجامعة دمشق سابقًا، حاصل على جوائز، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة قلمون للدراسات والبحوث، له عشرات البحوث العلمية المُحكمة المنشورة وعدد من الكتب.

المصدر: مركز حرمون

التعليقات مغلقة.