منى فرح *
“لا لبس فيه”.. كلمات ثلاث دشّنت التقرير الجديد للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC، وتضمن تحذيراً من أن النشاط البشري يغير مناخ الأرض بطرق كارثية لم تشهدها البشرية ولا الطبيعة منذ آلاف لا بل مئات آلاف السنين، فأزمة المناخ المتفاقمة ناجمة عن الأنشطة البشرية بشكل لا لبس فيه. وباتت تؤثر فعلياً على كل ركن من كوكب الأرض- اليابسة والجو والبحر- أيضاً بشكل لا لبس فيه.
ملخص التقرير:
استغرق إعداد تقرير IPCC الأخير، الذي نُشر يوم الاثنين الماضي، ثماني سنوات، وهو السادس من نوعه منذ عام 1988. شارك فيه المئات من كبار علماء وخبراء المناخ في العالم، وحشد آلاف الدراسات البحثية والمراجع، واستند الى أكثر من ثلاثة عقود من الابحاث. نتائج هذا التقرير لخصها علماء المناخ في تحذير واحد: الوقت ينفد.
يخلص التقرير إلى أن النشاط البشري كان “بشكل لا لبس فيه” سبب التغيرات السلبية السريعة في المناخ، بما في ذلك ارتفاع مستوى مياه سطح البحار والمحيطات، وذوبان الجليد القطبي والأنهار الجليدية، وموجات الحر القاسية والمتزايدة، والفيضانات والجفاف.. إلخ. وأنه ليس لدى البشر من خيار سوى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بشكل كبير.. “وفوراً” إذا كانوا يريدون الحد من التداعيات.
ويحذر التقرير من أنه في غضون العقدين المقبلين من المرجح أن ترتفع درجات الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق المستويات التي كانت في عصر ما قبل الثورة الصناعية، ما يهدد بحصول طقس قاسٍ ودمار واسع وكوارث جديدة “غير مسبوقة” في الكوكب الذي باتت تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية. ومثل هذا السيناريو أقل ما يُقال إنه يثبط من طموح اتفاق باريس للمناخ الموقع في عام 2015 والذي يوصي بضرورة حصر الاحترار بأقل من درجتين مئويتين، وصولاً إلى درجة مئوية ونصف درجة إذا أمكن.
والأمر سيزداد سوءاً إن لم يتم استيعاب كيفية استغلال الفرصة الضئيلة الوحيدة المتبقية، وهي: التحرك فوراً لوقف كل مسببات الاحتباس الحراري.
فقط التخفيضات السريعة والجذرية في غازات الاحتباس الحراري، التي يجب أن تبدأ فوراً وخلال العقد الحالي، يمكن أن تمنع مثل هذا الانهيار المناخي. غير ذلك، سيؤدي كل جزء من درجة الحرارة الإضافية إلى مضاعفة الآثار البيئية المتسارعة.
تفاصيل التقرير:
يوضح تقرير IPCC الجديد أن انبعاثات غازات الدفيئة من الأنشطة البشرية المسؤولة عن ما يقرب من 1.1 درجة مئوية من الاحترار منذ 1850-1900. ووجد أنه في المتوسط، وعلى مدى العشرين عاماً المقبلة، من المتوقع أن ترتفع درجة حرارة الكوكب 1.5 درجة مئوية، وربما تتجاوز هذه النسبة.
وتقول لجنة المناخ الدولية إن التخفيضات “الفورية والقوية والمستمرة” لانبعاثات الكربون وغازات الدفيئة الأخرى وحدها تساعد في الحد من وقف تدهور المناخ، وبالتالي قد يمكننا تحقيق بعض الفوائد مثل تحسين جودة الهواء، بينما قد يستغرق الأمر من 20 إلى 30 عاماً لاستقرار درجات الحرارة العالمية.
ويوضح التقرير أن الأمر لا يتعلق فقط بدرجة الحرارة. وأن تغير المناخ يجلب تغيرات مختلفة في مناطق مختلفة – وكلها ستزداد مع زيادة الاحتباس الحراري.
تشمل هذه التغيرات- من بين أشياء أخرى كثيرة- تزايد وتيرة هطول الأمطار الغزيرة والفيضانات المرتبطة بها، وتوسع رقع الجفاف بشكل أكثر كثافة في المزيد من المناطق السكانية، وتعرض المناطق الساحلية لاستمرار ارتفاع مستوى منسوب سطح البحر طوال القرن الحادي والعشرين، وتسارع وتيرة ذوبان المناطق الصقيعية، وزيادة نسبة الحموضة في مياه المحيطات.
باختصار: سلسلة لا نهاية لها من الأحداث المناخية القاسية ستعم جميع أنحاء العالم، وربما تكون أكثر كارثية وقسوة بأضعاف مضاعفة من كل ما شهدناه في الأسابيع القليلة الماضية فقط، عندما تسببت الفيضانات في إحداث فوضى عارمة وقاتلة في أنحاء واسعة من أوروبا والصين والهند، وغطت أعمدة الدخان السامة سيبيريا، وخرجت حرائق الغابات عن السيطرة في الولايات المتحدة وكندا واليونان وتركيا واليونان والجزائر ومناطق أخرى كثيرة. والأمور لا تزال تتفاقم في عدة مناطق حول العالم.
يُظهر التقرير كذلك أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من حرق الوقود الأحفوري وتدمير الغابات والأنشطة البشرية الأخرى تزعزع الآن، وبشكل واضح، استقرار المناخ المعتدل الذي بدأت فيه الحضارة البشرية. فمستويات تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء وصلت الآن إلى أعلى مستوياتها منذ مليوني عام على الأقل.
فمنذ ما لا يقل عن 2000 سنة مضت، وربما مائة ألف سنة لم يشهد الكوكب مثل هذا التسارع في ارتفاع درجات الحرارة التي نشهدها اليوم. ومنذ ما لا يقل عن 6500 سنة لم تسجل درجات حرارة مرتفعة بهذا الشكل. ومنذ 3000 سنة على الأقل لم يرتفع مستوى سطح البحر بهذه السرعة. ومنذ مليوني سنة لم تكن مياه المحيطات حمضية جداً كما هي اليوم.
فيضانات وكوارث “تاريخية”:
يبدأ أحد أكثر أقسام التقرير حدةً بما يلي: “الكثير من التغييرات الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري- في الماضي والمستقبل- لا رجعة فيها ولعدة قرون إلى آلاف السنين”: موجات الحر والأمطار الغزيرة التي تؤدي إلى الفيضانات أصبحت أكثر غزارة وخطورة وتكراراً منذ خمسينيات القرن الماضي، وتطال أكثر من 90% من مناطق العالم، وفي الوقت نفسه تزداد موجات الجفاف في مناطق أخرى شاسعة. ومن المرجح أن تنشط الأعاصير بنسبة 66% عما كانت عليه منذ السبعينيات. والتغيير المناخي يؤثر بشكل خاص على المحيطات والجليد في العالم، التي تمتص 96٪ من الاحتباس الحراري، ما يعني أن الجليد سيستمر في الذوبان بشكل متسارع، وسيضخ تريليونات الأطنان من الماء في المحيطات ما يؤدي إلى خفض إضافي في مستويات الأوكسيجين وبالتالي “خنق” البحار وارتفاع نسبة الحموضة في المياه (وهذا يهدد حياة مئات الآلاف من الكائنات). كما أن ارتفاع مستوى سطح المحيطات سيؤثر حتماً على مدننا الساحلية العديدة والمزدحمة بالسكان.
والارتفاع المتوقع في مستوى سطح المحيطات يتراوح بين 28 سم و100 سم بحلول نهاية القرن الحالي. لكن التقرير يحذر من أنه قد يصل إلى 200 سم بحلول ذلك الوقت، أو 500 سم بحلول عام 2150. وبحلول العام 2100 يُتوقع أن تحدث فيضانات ساحلية مرة على الأقل كل سنة في 60٪ من الأماكن الساحلية، تُشبه تلك الفيضانات التي وقعت مرة واحدة فقط في القرن في الماضي القريب (تجدر الإشارة هنا إلى أن مستوى سطح البحر ارتفع بالفعل بمقدار 20 سم، وهناك المزيد من المخاطر الأخرى المحتملة والمتوقعة بشكل لا رجعة فيه).
وفي هذا الخصوص، يقول البروفيسور جوناثان بامبر، من جامعة بريستول في المملكة المتحدة (شارك في إعداد التقرير): “قد يبدو تاريخ 2100 بعيداً جداً بالنسبة للبعض، لكن هناك ملايين الأطفال المولودين بالفعل ويفترض أن يكونوا على قيد الحياة في القرن الثاني والعشرين. والأهم أنه يُفترض أن يعيش هؤلاء بأمن وسلام وبصحة جيدة”.
البداية.. خمسة سيناريوهات:
بحسب علماء المناخ، فإن النتائج الصارخة التي جاءت في تقرير IPCC الجديد يجب أن تفرض تدابير سياسية جديدة على وجه السرعة، لتحويل الاقتصاد العالمي إلى قاعدة منخفضة الكربون. وإن هذا ما يجب أن تقره حكومات 197 دولة عندما تلتقي في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (COP 26) المرتقب في مدينة “غلاسكو” في اسكتلندا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
هذا التقرير التقييمي الأول منذ سبع سنوات، والذي تم تبنيه يوم الجمعة من قبل موفدي 195 بلداً، يستعرض خمسة سيناريوهات لانبعاثات غازات الدفيئة، من الأكثر تفاؤلاً إلى الأكثر تشاؤماً:
– سيصل الاحترار العالمي قرابة العام 2030 إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعة، أي قبل عشر سنوات من التقدير السابق للهيئة في العام 2018.
– بحلول العام 2050، ستستمر الزيادة إلى ما بعد هذه العتبة، وهي أحد حدود اتفاق باريس للمناخ، حتى لو نجح العالم في الحد بشكل كبير من انبعاثات غازات الدفيئة.
– إذا لم تخفّض هذه الانبعاثات بشكل حاد، سيتم تجاوز عتبة درجتين مئويتين خلال القرن الحالي. وهذا الأمر سيعني فشل اتفاق باريس الموقع عام 2015.
– فيما ارتفعت حرارة الكوكب 1.1 درجة مئوية حتى الوقت الحالي، يشاهد العالم العواقب المترتبة على ذلك، من الحرائق التي تجتاح الغرب الأميركي واليونان وتركيا، مروراً بالفيضانات الأخيرة التي غمرت بعض المناطق الألمانية والصينية والهندية، وصولاً إلى تسجيل درجات حرارة قياسية في كندا (وصلت إلى 50 درجة مئوية) وما يحدث في مناطق أخرى.
– حتى عند عتبة 1.5 درجة مئوية، ستزداد موجات القيظ والفيضانات وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة بطريقة “غير مسبوقة” من حيث الحجم والوتيرة والفترة من السنة التي تضرب فيها المناطق المتضررة، كما حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وعلّقت كريستينا دال، من اتحاد العلماء المتحالفين Union for Consorted Scientists بالقول: “إذا كنتم تعتقدون أن هذا أمر خطير، تذكروا أن ما نراه اليوم هو مجرد البداية”. وقال عالم المناخ ديف رياي “هذا التقرير يجب أن يخيف أي شخص يقرأه (…) إنه يظهر إلى أين وصلنا وإلى أين نحن ذاهبون مع تغير المناخ: إلى حفرة نواصل تعميقها بأيدينا”.
ماذا عن المستقبل؟
الارتفاع في درجات حرارة الكوكب أمر بات واقعاً لا مفر منه. فقد توصلت IPCC إلى أنه من المؤكد أننا سنصل إلى زيادة في درجات الحرارة بمعدل 1.5 درجة مئوية (على الأقل) خلال العقدين المقبلين، بغض النظر عن الإجراءات المتبعة منذ اللحظة للحد من الانبعاثات المسببة لهذا الاحترار. لكن الخبر السار الوحيد هو أن الحفاظ على معدل ارتفاع 1.5 درجة مئوية ليس بالأمر المستحيل – ليس بعد. الأمر يتطلب، بحسب العلماء، “تخفيضات فورية وسريعة وواسعة النطاق” في الانبعاثات، والتي لا يوجد ما يدل عليها حتى الآن. غير ذلك، حتى لو تم خفض الانبعاثات منذ اللحظة ولكن بشكل بطيء فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى زيادة درجتين مئويتين. ومعنى ذلك المزيد من المعاناة والأهوال البيئية والطبيعية التي ستطال جميع أشكال الحياة على الأرض.
أما إذا لم تنخفض الانبعاثات في العقدين المقبلين، فمن المحتمل أن ترتفع الحرارة 3 درجات مئوية، وهذا سيكون كارثة حقيقية. وإذا لم تتوقف الانبعاثات نهائياً فإننا نسير على طريق زيادة 4 درجات مئوية و5 درجات مئوية، وهذا يعني نهاية العالم.
وفي مواجهة هذا المستقبل القاتم، تتكاثر الدعوات إلى التحرك.
بانماو تشاي، الرئيس المشارك لمجموعة الخبراء التي أعدت الجزء الأول من التقرير الجديد، يشدد على أن “استقرار المناخ سيتطلب خفضاً حاداً وسريعاً ودائماً لانبعاثات غازات الدفيئة من أجل تحقيق حياد الكربون”.
ويشمل الجزء الثاني من التقرير تداعيات تغير المناخ ومن المقرر أن ينشر في شباط (فبراير) 2022 وهو يوضح كيف ستتغير الحياة على الأرض بشكل حتمي في غضون ثلاثين عاماً، أو حتى قبل ذلك.
أما الجزء الثالث فيتعلق بالحلول المحتملة للحد من الانبعاثات وتوقع صدوره في آذار (مارس) المقبل. لكن المسار الذي يجب اتخاذه معروف على نطاق واسع وهو الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وفي هذا الشأن، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تعقيباً على التقرير، إنه يعلن نهاية الوقود الأحفوري الذي “يدمر الكوكب”.
وأضاف في بيان أن التقرير هو “إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا”.
التقرير واضح. لا توجد ضوابط وحدود لأزمة المناخ. كل طن من غاز الكربون يُضخ في الجو يزيد من آثار ومخاطر زيادة الاحترار والتسخين والفيضانات والجفاف. وبالتالي فإن كل طن من الكربون يؤثر في الطبيعة وعلى مستقبلنا وصحتنا. ويوضح التقرير أنه لم يفت الأوان بعد. ولا يزال بالإمكان التحرك وعمل شيء ما. والسؤال الحقيقي الذي يجب أن نفكر فيه: كم يمكن أن يسوء الوضع أكثر؟
على سبيل المثال، وبشكل طبيعي، يتوقع أن تحدث موجات حر شديدة مرة كل 50 عاماً من دون أي تسخين عالمي، وهذا تكرر بالفعل كل عقد من الزمن. ولكن، مع الارتفاع المرتقب في درجة حرارة 1.5 درجة مئوية، فإن موجات الحر الشديدة ستحدث كل 5 سنوات تقريباً؛ ومع ارتفاع مقداره درجتين مئويتين تحدث كل 3.5 سنوات؛ ومع 4 درجات مئوية تحدث مرة كل 15 شهراً. ما يعني المزيد من الاحترار ومزيد من الاضطرابات في الأمطار الموسمية التي يعتمد عليها مليارات البشر في تأمين الغذاء.
المزيد من الانبعاثات يعني أيضاً أن اليابسة والمحيطات أصبحت أضعف وأقل قدرة على امتصاص التلوث الكربوني، مما يجعل أثار التدفئة ومضاعفاتها أكثر سوءاً. ولكن مع إجراءات فورية لخفض فوري في الانبعاثات سيكون بإمكان الطبيعة امتصاص 70٪ من انبعاثاتنا، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 40٪ فقط إذا استمرت الانبعاثات.
لا يوجد مكان آمن:
إن التطورات العلمية العديدة التي شهدها العالم منذ التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2013 كانت تعني توقعات أفضل لمناطق محددة من العالم. ولكن التقرير الجديد يقول أنه لا يوجد أي مكان آمن اليوم. على سبيل المثال، حتى عند درجة حرارة 1.5 درجة مئوية، من المتوقع أن تزداد كثافة الأمطار الغزيرة والفيضانات في أوروبا وأميركا الشمالية ومعظم مناطق إفريقيا وآسيا.
في هذا الخصوص، تقول البروفيسورة كاثرين هايهو، كبيرة العلماء في “منظمة الحفاظ على الطبيعة” (The Nature Conservancy (TNC: لم يعد بإمكاننا افتراض أن مواطني البلدان الأكثر ثراء وأماناً، مثل كندا وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، سيكونون قادرين على التخلص من أسوأ التجاوزات في مناخ مزعزع للاستقرار سريعاً. من الواضح أننا جميعاً في قارب واحد، ونواجه معاً تحديات تؤثر على حياة كل واحد منَّا”.
التقرير هو السادس من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ولكنه الأول من نوعه لتقييم مخاطر نقاط التحول بدقة. هذه تغييرات مفاجئة ولا رجعة فيها لأنظمة الأرض الحاسمة لها تأثيرات هائلة وتشكل مصدر قلق متزايد للعلماء. وبحسب البروفيسور ديف رياي، من جامعة إدنبرة في المملكة المتحدة: “بالنسبة إلى نقاط التحول، من الواضح أن كل طن إضافي من ثاني أوكسيد الكربون ينبعث اليوم يدفعنا إلى حقل ألغام من المضاعفات والمخاطر غداً”.
ما الذي يمكن القيام به؟
يتناول القسم الأخير من تقرير IPCC كيف يمكن الحد من تغير المناخ في المستقبل. وقد وجد أن 2400 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون قد انبعثت من البشر منذ عام 1850، وأنه لا يمكننا سوى تسريب 400 مليار طن أخرى للحصول على فرصة بنسبة 66٪ للبقاء عند 1.5 درجة مئوية.
بعبارة أخرى، لقد خسرنا 86٪ من ميزانيتنا الكربونية بالفعل، على الرغم من أن التقرير يقول إن العلم واضح أنه إذا تم خفض الانبعاثات، فإن درجات الحرارة ستتوقف عن الارتفاع خلال عقد أو عقدين وستكون الزيادات في الأحداث الشديدة القاتلة محدودة للغاية.
الانظار إلى “غلاسكو”:
وفي حين أنه سيكون من الضروري خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمقدار النصف بحلول العام 2030 للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، فإن كل الأنظار تتجه الآن إلى مدينة “غلاسكو” حيث سيجتمع قادة العالم في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
والمطلوب من كل دولة أن تأتي إلى Cop26 بخطط جديدة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى مستوى سيحد من التسخين العالمي إلى ما لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
في هذه المرحلة، راجعت نصف الحكومات فقط التزاماتها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة. وستؤدي سلسلة الالتزامات السابقة التي تم التعهد بها عقب اتفاق باريس للعام 2015، إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب 3 درجات مئوية، إذا تم احترامها، لكن بالمعدل الحالي، يتجه العالم أكثر نحو 4 أو 5 درجات مئوية.
وفي خضم توقعاتها القاتمة، فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحدثت عن أمل يجب التشبث به.
في الأمس القريب تحدث العلماء بصوت أعلى وأوضح من أي وقت مضى. الآن على السياسيين أن يتصرفوا.
***
من هي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)؟
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) هي هيئة خبراء المناخ الرائدين في العالم، وقد تم تشكيلها في عام 1988 وكُلفت بإعداد تقارير شاملة عن حالة معرفتنا بالمناخ.
حذر التقرير الأول للهيئة في عام 1990 من العواقب المحتملة لارتفاع انبعاثات الغازات الدفينة (الاحتباس الحراري)، وكان أساسياً في صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بعد عامين، المعاهدة الأم لاتفاق باريس 2015.
منذ ذلك الحين، يتم إصدار التقارير كل سبع سنوات تقريباً. التقرير الذي نُشر يوم الاثنين الماضي هو التقييم السادس. وقد تم نشر الجزء الأول منه فقط، وسيتبع في العام المقبل دورتان أخريان، حول تأثيرات أزمة المناخ وطرق الحد من هذه التأثيرات.
يتألف كل تقرير من آلاف الصفحات، التي تمثل الطيف الكامل للمعرفة البشرية بالنظام المناخي، ولكن يتم اختصارها إلى بضع رسائل رئيسية تُسمى “ملخص صانعي السياسات”(SPM) ، في اجتماع العلماء الذي يستمر لمدة أسبوعين. وبموجب قواعد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التي شاركت في تأسيسها الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تلعب الحكومات أيضا دوراً رئيسياً في هذه المرحلة ويمكنها أن تساهم في “تلطيف” النتائج التي توصل إليها اجتماع الخبراء السياسي.
وقد أدى ذلك إلى انتقادات في الماضي. فقد اتهم بعض العلماء أنه تم تخفيف الرسائل، وتم تهميش العلوم الجديدة مثل المخاوف بشأن نقاط التحول في النظام المناخي. ومع ذلك، فهذا يعني أيضاً أنه لا يمكن للحكومات تجاهل النتائج التي صادقت عليها بنفسها.
استمر اجتماع SPM هذا العام لمدة أسبوعين، لكنه كان مختلفا بشكل ملحوظ عن الاجتماعات السابقة. فهي المرة الأولى التي لا يجتمع فيها الأعضاء وجهاً لوجه، بل عبر تقنيات مكالمات الفيديو وأنظمة الاجتماعات الإلكترونية الافتراضية (الإنترنت)، بسبب جائحة Covid-19.
المصادر:
- صحيفة “الغارديان” البريطانية، داميان غارينغتون، محرر بيئي
https://www.theguardian.com/commentisfree/2021/aug/11/climate-action-bargain-britain-net-zero
- صحيفة “الغارديان” البريطانية، فيونا هافي، مراسلة بيئية
https://www.theguardian.com/science/2021/aug/09/humans-have-caused-unprecedented-and-irreversible-change-to-climate-scientists-warn
- الوكالة الفرنسية للأنباء AFP
- القناة الإخبارية الاقتصادية الأميركية CNBC
https://www.cnbc.com/2021/08/09/ipcc-report-un-climate-report-delivers-starkest-warning-yet.html
The Intergovernmental Panel on Climate Change- •
https://www.ipcc.ch
ـــــــــــــــ
* صحافية لبنانية
المصدر: بوست 180
التعليقات مغلقة.