محمد عمر كرداس
انطلقت ثورة 23 تموز عام 1952 ببيان للجيش وإعلان المبادئ الستة للثورة التي كانت على التوالي:
1 . القضاء على الإقطاع.. 2 . القضاء على الاستعمار.. 3 . القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم.. 4 . إقامة جيش وطني قوي.. 5 . إقامة عدالة اجتماعية.. 6 . إقامة حياة ديمقراطية سليمة.
كان مجلس قيادة الثورة الذي تشكل من 12 ضابط من مشارب فكرية مختلفة، جمعهم حب الوطن ومصالح شعبهم، لم يؤثر اختلافهم على المبادئ التي حملوها، فعندما يختلف احدهم مع المجموع، كان ينسحب بهدوء، ليترك لرفاق الدرب متابعة المسيرة دون معوقات، وهذا الذي أتاح للثورة المضي قدماً في تحقيق أهدافها الكبرى .
لم نعش في شرقنا العربي مثل هذه الثورة وهذه الإنجازات، فما يسمى ثورتي البعث في العراق وسورية، كان الرفاق فيهما يحسمون خلافاتهم بالدبابة والمدفع، ومن الصعب إحصاء الانقلابات التي قام بها رفاق الدرب على بعضهم، كان هدفها جميعها السلطة بعيداً عن آمال وتطلعات الشعوب. مما أدى لهذا الواقع المرير الذي نعيشه في سورية والعراق.
لن نعدد في هذا المقال انجازات الثورة، ولكن سنأتي على بعض الأمثلة، لتوضيح نهج عبد الناصر في حكمه الذي دام ستة عشر عاماً، من 1954 إلى يوم وفاته في 28 أيلول عام 1970، بهدف إطلاع جيل جديد غابت عنه هذه الانجازات، بفعل ردة من أـتى بعده ليعمم الردة في وطننا العربي، وليسود العصر السعودي ــــــــــ الأمريكي الذي أدى إلى هذا الانحطاط الذي نعيشه.
فعلى المستوى الداخلي مثلا عام 59 بعد أربع سنوات من حكم قائد الثورة ارتفع دخل الفرد 45 بالمائة وزاد الإنتاج الصناعي 74 بالمائة والزراعي 14 بالمائة وانتاج الكهرباء من خزان أسوان قبل بناء السد العالي إلى أربعة أضعاف، ودخل سوق العمل 800 ألف شخص في الخطة الخمسية الأولى في 60ــــــــــــ 65 في حين كان عدد سكان مصر بحدود 24 مليون، أي ربع السكان الحاليين.
بذلك أسفرت الثورة عن توجهها الاجتماعي، بعد ما طبقت قانون الإصلاح الزراعي، بداية من أيلول عام 53 مع البدء بتأميم المصالح الأجنبية وتمصير البنوك والصناعة والتجارة، وكانت الضربة القاضية للمصالح الأجنبية بإعلان الجلاء عام 54 وتأميم قناة السويس عام 56 والمباشرة ببناء السد العالي الذي يُعد من المشاريع العملاقة عالمياً . وكان تعميم التعليم المجاني بكل المراحل وإلغاء الألقاب من الانجازات الاجتماعية الكبرى.
وعلى المستوى العربي، دعمت الثورة حركات التحرر من الاستعمار في كل من الجزائر وتونس والمغرب واليمن الجنوبي والكويت، ودعمت الثورات ضد الأنظمة الفاسدة في العراق واليمن ولبنان وغيرها، كما أقامت الوحدة مع الإقليم الشمالي “سورية” كما دعمت وساعدت حركات التحرر في أفريقيا، لذلك سمي عبد الناصر بأبو أفريقيا .
أما على الصعيد العالمي، فقد كان عبد الناصر من أبرز الزعماء الثوريين والوطنيين، وشكل مع نهرو رئيس وزراء الهند وتيتو رئيس يوغسلافيا حركة عدم الانحياز والحياد الإيجابي في ظل استقطاب العالم الغربي والشرقي وذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة أمريكا والشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي.
غيضٌ من فيضِ من انجازات ناصر في فترة حكمه، والتي أجهضها السادات بردّته على الثورة وعمالته لأمريكا والسعودية، وتوّجها باتفاقية العار والخيانة مع العدو الصهيوني، التي أخرجت مصر من الصراع مع العدو ليسهل عليه الانفراد بالدول الضعيفة والمتواطئة، وليصبح وطننا أشتاتاً ممزقة ومصر تتفرج وتخوض معارك جانبية بعيدة عن مصالح الأمة وتنفيذاً لرغبات سادة القرار في البيت الأبيض وتل أبيب والدوائر الاستعمارية الأخرى .
رحم الله زعيم الأمة ناصر الذي غاب في فترة نحن أحوج إليه وإلى إتمام مشروعه في النهضة والتحرر والتقدم والوحدة، وأعان الله الأمة في محنتها لتخرج منها وتنهض من جديد .
محمد عمر كرداس :
كاتب وسياسي سوري
التعليقات مغلقة.