الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

“الغارديان” عن برامج تجسس Pegasus: حكومات تخترق 50 ألف هاتف بينهم سياسيون وصحافيون

منى فرح *

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريراً كشفت فيه أن شركة NSO الإسرائيلية باعت برامج تجسس Pegasus لأنظمة استبدادية تم استخدامها للتجسس على نشطاء وسياسيين وصحافيين.

“تعرض عددٌ كبيرٌ من النشطاء في مجال حقوق الإنسان والصحافيين والمحامين في مختلف أنحاء العالم للملاحقة من قبل حكوماتهم التي تتصف بالسلطوية والاستبداد، وكانوا هدفاً للتجسس من قبل تلك الحكومات التي استخدمت برامج قرصنة تبيعها شركة المراقبة الإسرائيلية  NSO Group، وفقاً لتحقيق خاص عن عملية تسريب بيانات ضخمة.

يشيرُ التحقيق، الذي أجرته صحيفة “الغارديان” البريطانية و16 مؤسسة إعلامية أخرى، إلى إساءة استخدام واسعة النطاق ومستمرة لبرامج التجسس الخاصة بالقرصنة Pegasus التابعة لشركة NSO التي تصر على أن هذه “البرامج” مخصصة للاستخدام فقط ضد المجرمين والإرهابيين.

Pegasus هو “من البرمجيات الخبيثة” التي تصيب أجهزة iPhone وAndroid لتمكين مشغلي هذا البرنامج (Pegasus) من استخراج الرسائل والصور ورسائل البريد الإلكتروني، وحتى تسجيل المكالمات وتنشيط الميكروفونات بشكل سرّي.

عملية تسريب البيانات تحتوي على قائمة تضم أكثر من 50 ألف رقم هاتف يُعتقد أنه تم تحديدها على أنها أرقام لأشخاص موضع اهتمام من قبل عملاء لشركة NSO منذ عام 2016.

في البداية، تمكنت كل من منظمة Forbidden Stories (القضايا المحظورة)، وهي منظمة إعلامية غير ربحية مقرها باريس، ومنظمة العفو الدولية (Amnesty) من الوصول إلى القائمة المُسَرَّبة، وتقاسم هذه المعلومات مع شركاء في وسائل الإعلام كجزء من مشروع Pegasus، وهو اتحاد صحفي.

وجود رقم هاتف ضمن قاعدة البيانات المسربة لا يثبت ما إذا كان الجهاز مرصوداً ببرنامج Pegasus أو فقط تعرض لمحاولة اختراق. ومع ذلك، يعتقد الإتحاد الصحفي أن البيانات المسربة عبارة عن “إشارة” تدل على الأهداف المحتملة لعملاء NSO الحكوميين التي تم تحديدها مسبقاً حتى يكونوا موضع مراقبة محتملة.

وقد أظهرت الاستقصاءات التي أُجريت على عدد محدود من الهواتف التي ظهرت أرقامها في القائمة المُسَرَّبة، أن أكثر من نصف هذه الهواتف تعرضت لبرنامج التجسس Pegasus.

وخلال الأيام المقبلة، سوف تكشف “الغارديان” وشركاؤها الإعلاميون عن هويات الأشخاص الذين ظهرت أرقامهم ضمن القائمة. ومن بينهم المئات من رجال الأعمال التنفيذيين وشخصيات دينية وأكاديميين وموظفين في منظمات غير الحكومية، ومسؤولين نقابيين وحكوميين، وحتى وزراء ورؤساء و رؤساء حكومات.

القائمة تحتوي أيضاً أرقام هواتف أفراد من العائلة المقربين جداً من حاكم دولة، مما يشير إلى أن هذا الحاكم ربما يكون هو ذاته من أوعز إلى وكالات المخابرات الخاصة به لاستكشاف إمكانية مراقبة أقاربه.

تبدأ تفاصيل الفضيحة من يوم الأحد، بالكشف عن وجود أكثر من 180 صحافياً مدرجين ضمن قاعدة البيانات، بينهم مراسلون ومحررون ومديرون تنفيذيون في صحيفة الفاينانشال تايمز (Financial Times) و CNN ونيويورك تايمز (New York Times) وفرنس 24 (France 24) والإيكونوميست (The Economist) وكذلك وكالة رويترز ووكالة الأسوشيتدبرس Associated Press.

فقد تم العثور على رقم هاتف المكسيكي سيسيليو بينيدا بيرتو (مراسل مستقل) ضمن القائمة. ويبدو أن بينيدا بيرتو كان مستهدفاً من قبل عميل مكسيكي طوال الأسابيع الأخيرة التي سبقت مقتله، بعدما تمكن قاتله من تحديد مكان وجوده في أحد مغاسل السيارات. لم يتم العثور على هاتف بينيدا بيرتو مطلقاً، وبالتالي لم تتمكن الأجهزة الجنائية تحديد أو حسم ما إذا كان الهاتف قد تعرض لبرنامج التجسس Pegasus.

وقالت شركة NSO إنه حتى لو تم استهداف هاتف بينيدا بيرتو فإن هذا لا يعني أن البيانات التي تم جمعها من هاتفه ساهمت بأي شكل من الأشكال في مقتله، مؤكدة أنه كان بإمكان الحكومات اكتشاف موقع بينيدا بيرتو بوسائل أخرى، فالقتيل كان من بين ما لا يقل عن 25 صحافياً مكسيكياً تم اختيارهم على ما يبدو كمرشحين للمراقبة على مدى عامين.

ومن دون تقرير حاسم من الاختصاصيين الجنائيين يستحيل تحديد ما إذا كانت الهواتف قد تعرضت لمحاولة اختراق ناجحة باستخدام Pegasus.

وفي تصاريح صادرة عن المحامين لديها، نفت NSO ما قالت إنه “ادعاءات كاذبة” مقدمة بشأن أنشطة موكليها. لكنها قالت إنها “ستواصل التحقيق في جميع الادعاءات الموثوقة بشأن إساءة الاستخدام واتخاذ الإجراءات المناسبة”. وقالت إن قاعدة البيانات لا يمكن أن تكون قائمة بأرقام “مستهدفة من قبل الحكومات التي تستخدم Pegasus”، ووصفت رقم الـ 50 ألفاً بأنه “مبالغ فيه”.

تبيع شركة NSO برمجياتها فقط للجيوش (11%) والوكالات التي تُعنى بإنفاذ القانون (38%) وأجهزة ووكالات الاستخبارات (51%) في 40 دولة لم تذكر اسمها. وتقول إنها تقوم بدراسة دقيقة لسجلات حقوق الإنسان الخاصة بعملائها قبل السماح لهم باستخدام أدوات التجسس الخاصة بها.

وتتولى وزارة الدفاع الإسرائيلية تنظيم عمل شركة NSO بشكل مباشر وعن كثب، فهي تمنح تراخيص التصدير الفردية قبل أن تسمح ببيع تكنولوجيا المراقبة الخاصة إلى بلد جديد.

في الشهر الماضي، أصدرت NSO تقرير الشفافية الذي زعمت فيه أن لديها نهجاً رائداً في مجال حقوق الإنسان. ونشرت مقتطفات من العقود المبرمة مع عملائها، وتزعم أن هذه العقود تنص على أنه يجب على العملاء استخدام منتجاتها فقط في التحقيقات الجنائية والأمن القومي.

وليس هناك ما يشير إلى أن عملاء NSO لم يستخدموا برمجيات Pegasus أيضاً في التحقيقات المتعلقة بالإرهاب والجريمة، فقد وجد الاتحاد الإعلامي كذلك أرقاماً ضمن قاعدة البيانات تخص مجرمين ومشتبه بهم.

ومع ذلك، تشير المجموعة الواسعة من الأرقام التي وردت في القائمة، والتي تعود لأشخاص لا علاقة لهم على ما يبدو بالإجرام، إلى أن بعض عملاء NSO يخرقون عقودهم مع الشركة، ويستغلون الأجهزة التي يشترونها للتجسس على نشطاء مؤيدين للديموقراطية، وصحافيين يحققون في الفساد، وكذلك معارضين سياسيين وكل من ينتقد الحكومات.

هذه الفرضية تدعمها نتائج تحليلات جنائية أُجريت على هواتف عينة صغيرة من الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان والمحامين الذين ظهرت أرقامهم على القائمة المُسَرَّبة. ووجد البحث، الذي أجراه مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، وهو شريك تقني في مشروع Pegasus ، آثار برمجيات Pegasus على 37 هاتفاً من أصل 67 هاتفاً تم فحصها.

وكشف التحليل أيضاً عن بعض الارتباطات المتسلسلة بين وقت وتاريخ إدخال رقم مُدرج ضمن القائمة ومستهل نشاط برمجيات Pegasus على الجهاز، والذي حدث في بعض الحالات بعد بضع ثوان فقط.

شاركت منظمة العفو الدولية عملها الجنائي على أربعة أجهزة iPhone مع Citizen Lab ، وهي مجموعة بحثية في جامعة تورنتو متخصصة في دراسة برمجيات Pegasus ، والتي أكدت أنها ظهرت عليها علامات الإصابة بفيروس Pegasus كما أجرى Citizen Lab مراجعة النظراء لأساليب الطب الشرعي لمنظمة العفو، ووجدها سليمة.

حدد تحليل الإتحاد الصحفي للبيانات المُسربة ما لا يقل عن 10 حكومات يُعتقد أنها من عملاء NSO الذين كانوا يدخلون الأرقام في “السيستم”: أذربيجان، البحرين، كازاخستان، المكسيك، المغرب، رواندا، المملكة العربية السعودية، المجر، الهند، والإمارات العربية المتحدة.

ويشير تحليل البيانات إلى أن الدولة العميلة لـ NSO التي اختارت أكبر عدد من الأرقام المراقبة – أي أكثر من 15000 رقم – كانت المكسيك، حيث من المعروف أن العديد من الوكالات الحكومية المختلفة قد اشترت Pegasus . وأشار التحليل كذلك إلى أن كلاً من المغرب والإمارات العربية المتحدة اختارتا أكثر من 10000 رقم.

امتدت أرقام الهواتف التي تم اختيارها، ربما قبل بدء المراقبة، إلى أكثر من 45 دولة عبر أربع قارات. كان هناك أكثر من 1000 رقم في الدول الأوروبية التي، كما أشار التحليل، تم اختيارها من قبل عملاءNSO.

وجود رقم في البيانات لا يعني أنه كانت هناك محاولة لاستهداف الهاتف ببرمجيات التجسس. فبحسب NSO هناك أغراض أخرى محتملة لتسجيل الأرقام في القائمة.

وقد نفت كل من رواندا والمغرب والهند والمجر استخدام Pegasus لاختراق هواتف الأفراد الواردة أسماؤهم في القائمة. فيما لم تقبل حكومات أذربيجان والبحرين وكازاخستان والسعودية والمكسيك والإمارات الإدلاء بأي تعليق.

ومن المرجح أن يثير مشروع Pegasus مناقشات حول أعمال المراقبة والتجسس التي تجريها بعض الحكومات في العديد من البلدان المشتبه في استخدامها لهذه التكنولوجيا. ويشير التحقيق إلى أن حكومة فيكتور أوربان في المجر نشرت على ما يبدو تكنولوجيا NSO كجزء مما يسمى بـ”الحرب على وسائل الإعلام”، والتي تستهدف الصحافيين الاستقصائيين في البلاد، بالإضافة إلى الدائرة المقربة لأحد المديرين التنفيذيين لوسائل الإعلام المستقلة القلائل في المجر.

وتشير البيانات المسربة وتحليلات التحقيق الجنائي أيضاً إلى أن أداة التجسس الخاصة بـ NSO قد استخدمت من قبل السعودية وحليفتها الوثيقة الإمارات، لمراقبة هواتف مقربين من الصحافي السعودي جمال خاشقجي – الذي كان يعمل لصالح صحيفة “واشنطن بوست”- وذلك خلال الأشهر التي أعقبت مقتله داخل قنصلية بلاده في اسطنبول. كذلك كان المدعي العام التركي، الذي يحقق في حادثة مقتل خاشقجي، مرشحاً للاستهداف.

في هذا الخصوص، قال كلوديو غوارنييري، الذي يدير مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، إنه بمجرد إصابة الهاتف بجهاز Pegasus ، يمكن لعميل NSO في الواقع أن يسيطر على الهاتف، ويمكّنه من استخراج رسائل الشخص (صاحب الهاتف)، والمكالمات التي أجراها، والصور التي يخزنها، ورسائل البريد الإلكتروني التي ترده، وكذلك تفعيل وتشغيل الكاميرات أو الميكروفونات بشكل سرّي بالإضافة إلى قراءة محتويات تطبيقات المراسلة المشفرة مثل WhatsApp و Telegram و Signal.

وأضاف غوارنييري أنه ومن خلال الوصول إلى نظام (GPS) وأجهزة الاستشعار المدمجة بالهاتف، يمكن لعملاء NSO أيضاً تأمين سجل التحركات السابقة للشخص وتتبع موقعه في الوقت الفعلي وبدقة بالغة، على سبيل المثال من خلال تحديد الاتجاه والسرعة التي كانت السيارة تسير فيها.

إن أحدث التطورات في تقنية NSO تمكنها من اختراق الهواتف بهجمات “بدون نقر”، ما يعني أن المستخدم لا يحتاج حتى إلى النقر على روابط تحمل فيروسات حتى يصاب هاتفه.

وحدَّد غوارنييري أدلة على قيام NSO باستغلال الثغرات الأمنية المرتبطة بـ iMessage ، والتي تأتي مثبتة على جميع أجهزة iPhone ، وتمكنت من اختراق أحدث إصدارات iPhone التي تشغل أحدث إصدار من iOS  . اكتشف تحليل الطب الشرعي الذي أجراه فريقه إصابات ناجحة ومحاولة من Pegasus للهواتف مؤخرا هذا الشهر.

وعلقت شركة Apple على ذلك بالقول: “يتفق باحثو الأمن على أن iPhone هو الجهاز المحمول الأكثر أماناً للمستهلكين في السوق”.

أماNSO  فقد رفضت إعطاء تفاصيل محددة عن عملائها والأشخاص الذين تستهدفهم.

ومع ذلك، قال مصدر مطلع على الأمر إن متوسط عدد الأهداف السنوية لكل عميل كان 112. وقال المصدر إن الشركة لديها 45 عميلاً لبرامج التجسس Pegasus.

                                      ***

ما هو  Pegasus؟

تبيع شركة NSO تقنية المراقبة للحكومات في جميع أنحاء العالم. منتجها الرئيسي هو Pegasus، برنامج تجسس يستهدف أجهزة iPhone وAndroid بمجرد إصابة الهاتف، يمكن لمشغل Pegasus استخراج الدردشات والصور ورسائل البريد الإلكتروني وبيانات الموقع سرًا أو تنشيط الميكروفونات والكاميرات دون علم المستخدم.

تمكنت منظمة القضايا المحظورة Forbidden Stories، وهي منظمة صحفية غير ربحية مقرها باريس، ومنظمة العفو الدولية من الوصول إلى تسرب لأكثر من 50000 رقم هاتف تم تحديدها كأهداف من قبل عملاء NSO منذ عام 2016. ثم تمت مشاركة الوصول إلى البيانات مع Guardian و16 مؤسسة إخبارية أخرى، بما في ذلك الواشنطن بوست، لوموند، دي تسايت، زود دويتشه تسايتونج. عمل أكثر من 80 صحافيًا بشكل تعاوني على مدار عدة أشهر في التحقيق الذي تم تنسيقه بواسطة Forbidden Stories.

                                           ***

أيها الصحافي.. هاتفك عدوك!

رئيسة تحرير صحيفة “فايننشال تايمز” رولا خلف هي واحدة من بين أكثر من 180 محرراً ومراسلاً ومحققاً استقصائياً وصحافياً من مختلف أنحاء العالم تم اختيارهم كمرشحين مُحتملين ليكونوا موضع مراقبة وتجسس من قبل عملاء حكوميين لشركة مجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية، بحسب تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية.

طوال العام 2018، كانت رولا خلف، التي أصبحت أول رئيسة تحرير في تاريخ صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية العريقة بدءاً من العام الماضي، هدفاً للتنصت والمراقبة.

لقد تم تضمين رقم هاتف رولا خلف في قائمة مسربة لأرقام هواتف محمولة تم اختيارها لتكون موضع مراقبة محتملة من قبل عملاء شركة مجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية، التي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم. والمنتج الرئيسي الذي تبيعه هذه الشركة هو تكنولوجيا برمجيات “بيغاسوس” Pegasus، القادرة على اختراق الهواتف المحمولة، واستخراج جميع البيانات المخزنة فيها وتفعيل الميكروفون للتنصت على المحادثات وكذلك تفعيل الكاميرا.

الصحافيون أهداف محتملة:

والتحقيق في هذه التسريبات يأتي في سياق مشروع “بيغاسوس” أو The Pegasus Project، وهو مشروع تحقيق استقصائي تعاوني تم تنسيقه عبر منظمة “قصص محظورة” أو Forbidden Storiesللصحافة (منظمة غير ربحية- مقرها باريس)، بمساعدة تقنية من المختبر التقني الخاص لمنظمة العفو الدولية Amnesty International’s Security Lab، وبمشاركة أكثر من 80 صحافياً استقصائياً من 17 مؤسسة صحفية في 10 دول حول العالم، من بينها صحيفة “الغارديان” البريطانية وموقع “درج” اللبناني. والمشروع الاستقصائي يحقق في “داتا” مرتبطة بمجموعة NSO الإسرائيلية للاستخبارات الرقمية والتي تبيع أنظمة مراقبة متطورة للحكومات حول العالم.

يعمل الصحافيون الآخرون، الذين تم اختيارهم كمرشحين محتملين للمراقبة من قبل عملاء NSO، لدى مؤسسات إعلامية تُعتبر الأكثر شهرة في العالم. وهي تشمل “وول ستريت جورنال”، قناة “سي إن إن”، “نيويورك تايمز”، قناة “الجزيرة”، قناة “فرانس 24″، “راديو أوروبا الحرَّة”، “ميديابارت”، “إل بايس”، “أسوشيتد برس”، “لوموند”، “بلومبرغ”، “فرانس برس”، “الإيكونوميست”، “رويترز”، و”صوت أميركا”.

ولطالما أصرت NSO على أن الحكومات التي تُرخص لها شركة Pegasus مُلزمة تعاقدياً باستخدام أداة التجسس القوية فقط لمحاربة “الجرائم الخطيرة والإرهاب”.

يشير تحليل البيانات المسربة إلى أن هاتف رولا خلف قد تم اختياره كهدف محتمل من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة. في ذلك الوقت، كانت خلف تتولى منصب نائب رئيس التحرير في صحيفة “فايننشال تايمز”. وقال متحدث باسم الصحيفة: “الحريات الصحفية حيوية، وأي تدخل غير قانوني للدولة أو مراقبتها للصحافيين أمر غير مقبول”.

تتيح تكنولوجيا برنامج Pegasus الناجحة لعملاء NSO الوصول إلى جميع البيانات المخزنة على الجهاز. فإذا كان الهدف صحافياً مثلاً، فإن برنامج التجسس هذا يسمح لعميل NSO الحكومي بكشف كل مصادر الهدف (المراسل) السرّية، وقراءة رسائل الدردشة الخاصة بهم، والاطلاع على دفتر عناوينهم الخاصة، والاستماع إلى مكالماتهم، وتتبع تحركاتهم الدقيقة وحتى تسجيل محادثاتهم عن طريق تنشيط ميكروفون الجهاز.

الصحافيون، الذين ظهرت أرقام هواتفهم ضمن قاعدة البيانات المرصودة، هم إما صحافيون مستقلون محليون – مثل الصحافي المكسيكي سيسيليو بينيدا بيرتو، الذي قُتل على يد مسلحين بالبنادق بعد شهر واحد من مراقبة هاتفه – أو مراسلون استقصائيون حائزون على جوائز، أو محررون ومديرون تنفيذيون يتولون مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها.

ويشير التحليل التفصيلي للبيانات إلى أن حكومات أذربيجان والبحرين والمجر والهند وكازاخستان والمكسيك والمغرب ورواندا والسعودية والإمارات كلها تعاملت مع الصحافيين كأهداف مراقبة محتملة.

إسكات الأصوات الناقدة:

ليس بالإمكان تأكيد نجاح محاولة اختراق ببرنامج Pegasus للهواتف مائة بالمائة إلا بعد إجراء الفحص الجنائي على الهواتف. لاحقاً وبمساعدة تقنية من المختبر التقني التابع لمنظمة العفو الدولية، الذي يمكنه الكشف عن إصابات Pegasus الناجحة، تم الكشف عن وجود آثار برامج التجسس على الهواتف المحمولة لـ 15 صحافياً وافقوا على فحص هواتفهم بعدما تأكدوا أن أرقام هواتفهم من ضمن البيانات المسربة (الداتا).

من بين الصحافيين الذين أكد التحليل أن شركة Pegasus اخترقت أجهزتهم سيدهارت فارادراجان وبارانجوي غوا ثاكورتا – الأول هو المؤسس المشارك في الموقع الإخباري الهندي The Wire، والثاني مراسل في الموقع – فقد تم اختراق هاتف ثاكورتا في عام 2018 بينما كان يعمل على تحقيق في كيفية استغلال حكومة ناريندرا مودي القومية الهندوسية (تربطها علاقات وثيقة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية) لمنصة “فايسبوك” من أجل نشر معلومات مضللة بشكل منهجي بين الهنود عبر الإنترنت.

قال فارادراجان عن قرصنة جهازه واختيار زملائه للاستهداف: “تشعر أنك مُنتهك. هذا تدخُّل لا يُصدق ولا ينبغي على الصحافيين السكوت عنه. لا ينبغي لأحد أن يتغاضى عن مثل هذا الشيء، ولكن على وجه الخصوص الصحافيون وأولئك الذين يعملون بطريقة ما من أجل المصلحة العامة”.

تعرض عمر الراضي، الصحافي المغربي المستقل والناشط في مجال حقوق الإنسان الذي نشر تقارير متكررة عن الفساد الحكومي في المغرب، للقرصنة من قبل عميل  NSO طوال عامي 2018 و2019. ويُعتقد أن هذا العميل هو الحكومة المغربية.

الحكومة المغربية تتهم عمر الراضي منذ ذلك الحين بأنه جاسوس بريطاني، وهي مزاعم وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها “تسيء إلى نظام العدالة بهدف إسكات أحد الأصوات الناقدة القليلة المتبقية في وسائل الإعلام المغربية”.

ورفض سعد بندورو، نائب رئيس البعثة في سفارة المغرب في فرنسا، النتائج التي توصل إليها الإتحاد الصحفي (الكونسورتيوم) المشارك في هذا المشروع الاستقصائي.

وقال بندورو: “نذكركم بأن المزاعم التي لا أساس لها، والتي نشرتها بالفعل منظمة العفو الدولية ونقلتها منظمة “قصص محظورة”، كانت بالفعل موضع ردّ رسمي من قبل السلطات المغربية، التي تنفي بشكل قاطع هذه المزاعم”.

“لست وحدي الضحية”:

خديجة إسماعيلوفا، الصحافية الاستقصائية الأذربيجانية الحائزة على جوائز عديدة، أثبت التحليل الفني لجهازها الهاتفي أنها تعرضت للاختراق ببرنامج Pegasus في عام 2019. لقد أمضت خديجة سنوات طويلة وهي تكتب وتحقق وتستقصي في قضايا الفساد وشبكات الإثراء غير المشروع التي تحيط بالرئيس الأوتوقراطي إلهام علييف، الذي يحكم البلاد منذ استيلائه على السلطة في عام 2003.

وقد واجهت خديجة حملة شرسة ومتواصلة من المضايقات والترهيب انتقاماً منها على عملها. ففي عام 2012، وبعد فترة وجيزة من تلقيها خطاب تهديد يحذرها من “الاستمرار في عملها الاستقصائي الذي تستهدف فيه شبكات الفساد والإثراء غير المشروع، ويحثها على التوقف عن التشهير”، تم نشر مقاطع فيديو لخديجة على الإنترنت تظهر فيها في أوضاع حميمة. فقد تم تصويرها باستخدام كاميرا مثبتة في شقتها من دون علمها.

وفي عام 2014، ألقي القبض على خديجة بتهمة التهرب الضريبي، وارتكاب “أعمال غير قانونية”، و”التحريض على الانتحار” لزميل ما زال على قيد الحياة. وبعد الاستئناف، تم إطلاق سراحها وإسقاط الحكم الذي كان يقضي بعقوبة سجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة، ولكنها ظلت خاضعة لحظر السفر، فضلاً عن تجميد حسابها المصرفي الخاص ومنعها من التصرف به حتى وقت قريب.

من شبه المؤكد أن هاتف خديجة تم اختراقه من قبل عملاء نظام علييف، وفقاً لتحليل البيانات المسربة. كما أن عميل NSO نفسه كان هو أيضاً موضع مراقبة مع أكثر من 1000 هاتف أذربيجاني آخر، العديد منها تعود إلى منشقين أذربيجانيين، بالإضافة إلى اثنين من محامي خديجة إسماعيلوفا.

“وفي هذا الخصوص تقول خديجة: “أشعر بالذنب تجاه المصادر التي مدتني بـ(معلومات)، اعتقدت أن طرق المراسلة بيني وبين مصادري كانت مشفرة وآمنة.. لقد تحدثوا إلي ولم يعرفوا أن هاتفي مراقب.. أفراد عائلتي ضحايا أيضاً، أشخاص كنت أعمل معهم. الأشخاص الذين أخبروني بأسرارهم الخاصة هم ضحايا كذلك. أنا لست وحدي الضحية”.

وأضافت خديجة أنها كانت غاضبة من أولئك الذين “ينتجون كل هذه الأدوات ويبيعونها للأشرار، مثل نظام علييف. هذا أمر حقيرٌ، إنه أمرٌ شنيعٌ.. عندما تم عرض الفيديو ، كنت أنا فقط. الآن لا أعرف من تعرَّض لفضائي، ومن هو الآن في خطر بسببي”.

إعماء البصيرة:

يوجد في داتا السجلات المسربة أيضاً رقم هاتف بريطاني يخص الصحافي الاستقصائي الأميركي برادلي هوب، الذي يعيش في لندن. في الوقت الذي تم استهدافه فيه كان هوب موظفاً في صحيفة “وول ستريت جورنال”.

في ربيع 2018، كان هوب وزميله توم رايت يستقصون صحة مسودة كتاب عن 1MDB، وهي فضيحة فساد تنطوي على سرقة 4.5 مليار دولار في ماليزيا. وكان نجيب عبد الرزاق، رئيس وزراء البلاد، ورجل أعمال يدعى جو لو، محور هذه الادعاءات.

جزء من التحقيق الذي كان هوب وزميله رايت يقومان به، يتعلق باحتمال أن يكون جزء من تلك الأموال المسروقة قد تم إنفاقها على يخت فاخر، يطلق عليه اسم “توباز” Topaz، يمتلكه الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، شقيق حاكم دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتولى حالياً منصب نائب رئيس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة.

كجزء من الممارسة الصحفية المعتادة، اتصل هوب ورايت بالأطراف التي سترد أسماءها في كتابهما مع منحهم فرصة التعليق.

تكشف السجلات عن أنه في الوقت نفسه تقريباً، بدأ أحد عملاء NSO الحكوميين- يُعتقد أنه الإمارات العربية المتحدة – في اختيار هاتف هوب المحمول كمرشح محتمل للمراقبة.

تم إدراج رقم هوب في القائمة حتى ربيع عام 2019 على الأقل، وطوال ذلك الوقت واصل هوب و رايت الإبلاغ عن عمليات الكشف الجديدة في تحقيق الفساد في 1MDB. الجدير ذكره هنا أن رقم هاتف رايت لا يظهر في القائمة.

لم يعد بإمكان هوب استخدام هاتفه، لذا لم تتمكن “الغارديان” من إجراء تحليل، على الرغم من أن عمليات التحقق من جهازه الحالي لم تعثر على ما يشير إلى أنه يخضع للمراقبة حالياً.

وفي هذا الشأن قال هوب: “أعتقد أن الشيء الأول الذي يرغب أي شخص يستهدف هاتفي في معرفته على الأرجح هو: من هي مصادري؟ إنهم يريدون أن يعرفوا من الذي يقدم هذه البصيرة التي تساعد في كشف الفساد”.

وأشار هوب إلى أن أحد الاحتمالات هو أن الدولة ربما كانت مهتمة به لأنها كانت تحاول معرفة ما إذا كان له أي صلة أو علاقة ما في ما يتعلق بالقضايا التنافسية العالقة بين الأطراف في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجارتها قطر.

وقال هوب إنه حرص بالفعل على اتباع العديد من الإجراءات الاحترازية المضادة للأمن الرقمي، بما في ذلك تغيير هاتفه المحمول بانتظام، وتحديث أنظمة التشغيل، وعدم جلب الأجهزة الإلكترونية إلى الأماكن التي تطبق فيها إجراءات قضائية عالية الخطورة، مثل الإمارات العربية المتحدة.

وأضاف: “مع العلم أنه بإمكان دولة ما اختراق هاتفك بسهولة، فهذا يعني حتماً أنه يجب عليك دائماً التفكير في هاتفك كجهاز مراقبة محتمل. هذا سوف يذكرني فقط أنه في أي وقت يمكن أن أحمل معي نقطة ضعف”.

ومن بين الصحافيين البارزين الآخرين الذين تم اختيار هواتفهم من قبل عملاء NSO، غريغ كارلستروم، مراسل الشرق الأوسط في صحيفة “الإيكونوميست”، الذي تم اختيار أرقام هواتفه المصرية والقطرية كأهداف محتملة من قبل عميل NSO، يُعتقد أنه تابع للإمارات العربية المتحدة.

كما تم اختيار مديرين تنفيذيين لوسائل إعلام بارزة، بما في ذلك إدوي بلينيل، مؤسس المنفذ الاستقصائي الفرنسي على الإنترنت “ميديابارت”.

“لا توجد ضمانات كافية”:

قال كارلوس مارتينيز دي لا سيرنا، مدير البرامج في منظمة حماية الصحافيين غير الربحية، إن استخدام برامج التجسس لمهاجمة الصحافيين والتجسس على مصادرهم أصبح قضية خطيرة بشكل متزايد لمنظمته.

وأضاف مارتينيز أن فرض المراقبة على صحافي له تأثير قوي لهو أمرٌ مخيف للغاية. أجهزتنا وسائل أساسية لنقوم بنشاطنا وننجز تقاريرنا، فهي تكشف عن اتصالات الصحافي، وتكشف مصادره والمادة التي يعمل عليها. إنه يستهدف النشاط الصحفي بطريقة تعوق عمله بشكل شبه كامل خصوصاً في المواقف التي يتعرض فيها الصحافيون لتهديد”.

وتابع مارتينيز: “هناك حاجة ماسة للدول للبدء في تنظيم الشركات المصدرة لأجهزة وبرامج المراقبة والتجسس، لا سيما حيث من المحتمل أن يتعرض الصحافيون للخطر. لا توجد ضمانات كافية بشأن تصدير البرمجيات الخاصة بالتجسس. لقد تم بيع العديد من برامج التجسس مباشرة إلى الحكومات ذات السجلات الرهيبة المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير وغير ذلك، وهذا ما يصعب فهمه”.

(•) ترجمة بتصرف عن “الغارديان“. النص بالإنكليزية من إعداد: ديفيد بيج وبول لويس من لندن، مايكل صافي من بيروت، نينا لاخاني من سيوداد ألتاميرانو (المكسيك)

                                          ***

هاتفك.. عدوك:

كتب كلٌ من لوران ريتشارد مؤسس ومدير منظمة Forbidden Stories، وهو اتحاد من الصحافيين حصل على العديد من الجوائز الصحفية العالمية، وساندرين ريغو رئيسة تحرير Forbidden Stories النص الآتي في “الغارديان“:

“بالنسبة للعملاء الحكوميين لشركة NSO Group، فإن برمجيات Pegasus هي السلاح المثالي “للقضاء على القصة”. المراقبة الجائرة للصحافيين والنشطاء ليست مجرد هجوم على هؤلاء الأفراد؛ إنها طريقة لحرمان ملايين المواطنين من المعلومات المستقلة عن حكوماتهم. عندما يتعمد هؤلاء العملاء اختراق هاتف أحد الصحافيين، فإنهم قادرون على استخراج المعلومات الأكثر حساسية الموجودة به. مثل: في ماذا كان يحقق هذا الصحافي/ الصحافية؟ ما هي المعلومات التي كان يسعى/ تسعى وراءها؟ من هي مصادره/ها؟ أين يخفي/ تخفي وثائقه/ها؟ من هم أحباؤه/ ها؟ ما هي المعلومات الخاصة التي يمكن استخدامها لابتزازه/ ها والتشهير به/ بها؟

لطالما اعتقد الصحافيون أن التقنيات التكنولوجية الجديدة – أسطول الاتصالات المشفرة التي يعتمدون عليها – هي حليفتهم، وحواجز دفاع متينة وموثوقة ضد الرقابة. ومع وجود أدوات مراقبة إلكترونية متقدمة مثل برمجيات Pegasus، فقد تم إيقاظهم بوحشية على حقيقة أن أكبر التهديدات تختبئ في الأماكن التي اعتقدوا أنها الأكثر أماناً. يطرح مشروع “بيغاسوس” أو The Pegasus Project الاستقصائي أسئلة مهمة حول خصخصة صناعة المراقبة والتجسس، والافتقار إلى الضمانات العالمية للمواطنين العاديين.

فعندما ينشأ تهديدٌ كبيرٌ مثل التجسس والمراقبة عبر الهواتف الشخصية، فإن ذلك يهدد الحقوق الأساسية مثل الحق في حرية التعبير، ويصبح الصحافيون بأمس الحاجة للعمل معاً. فإذا تعرض أحد الصحافيين لتهديد ما أو محاولة قتل، فيمكن لصحافي آخر أن يتولى الأمر ويضمن عدم إسكات القصة.

قبل خمسة وأربعين عاماً، تم إطلاق أول مشروع صحفي تعاوني بعد مقتل الصحافي دون بولس، في فينيكس – أريزونا. وفي عام 2018، نسقت منظمة Forbidden Stories مشروع Daphne في أعقاب اغتيال  الصحافية دافني كاروانا غاليزيا، في مالطا. لقد واصلنا متابعة عمل الصحافيين الذين قُتلوا بسبب عملهم – سواء كان ذلك خلال تحقيق خاص في فضائح بيئية أو خلال تعقب عصابات المخدرات المكسيكية – جنباً إلى جنب مع عشرات المؤسسات الإخبارية والإعلامية. ويُعتبر تعاون الصحافيين من جميع أنحاء العالم بلا شك أحد أفضل الدفاعات ضد هذه الهجمات العنيفة على الديموقراطية العالمية”.

                                          ***

  • إعداد: ستيفاني كيرشغيسنر (مراسلة “الغارديان” في واشنطن)، بول لويس (رئيس قسم التحقيقات في “الغارديان”)، ديفيد بيغ (مراسل في صحيفة “الغارديان”)، سام كاتلر (صحافي وتقني في “الغارديان”)، نينا لاخاني (مراسلة في مجال العدالة البيئية في صحيفة الغارديان- مقرها أميركا)، ومايكل صافي (مراسل دولي لصحيفة الغارديان، مركزه الشرق الأوسط).
  • شارك في التغطية: دان صباغ من لندن، شون ووكر في بودابست، أنجليك كريسافيس في باريس، ومارتن هودجسون في نيويورك.

https://www.theguardian.com/world/2021/jul/18/revealed-leak-uncovers-global-abuse-of-cyber-surveillance-weapon-nso-group-pegasus

ــــــــــــــــــــــــــ

* كاتبة صحفية ومترجمة لبنانية

المصدر: 180 درجة

التعليقات مغلقة.