أحمد طه *
سمعنا كثيراً عن عمليات تبييض الأموال أو غسيل الأموال، والتي هي عمليّةُ تحويل كميّات كبيرة من الأموال التي تمَّ الحصول عليها بطرق غير قانونيّة ( تجارة مخدرات- صفقات فساد…) إلى أموال شرعية وقابلة للتّداول في النّشاطات العامّة، وذلك عبر سلسلة من الإجراءات تطول أو تقصر ، ولكن هذا ليس موضوع مقالتنا علاوة على أن له مختصين لا استطيع- بل لا أجرؤ- مزاحمتهم على الخوض فيـه.
مقالتي هي عن غسيل شيء مشابهه أوحى لي بها نقاش مع صديق، حيث من الملاحظ ذلك الكم من المجرمين الذين تلطّخت أيديهم بالدماء، والفاسدين الذين تلطّخت جيوبهم بالمال العام، الذين يحاولون الآن الاندماج في الحياة العامة والسهرات الاجتماعية وأحياناً الأعمال الخيرية، بل ويحاولون تصدر المشهد في الأفراح والأتراح، وكأن شيئاً لم يكن، كأنهم لم يَرتكِبوا ويَسّجُنوا أو يُعذبوا ويقتلوا أحداً، بل وكأنهم لم يجمعوا ثرواتٍ طائلة من وراء ركوبهم للثورة السورية ومن مناصبهم وفسادهم وسرقاتهـم.
فما هي اسباب هذه السلوكيات الجديدة؟
ربما يكون التهجير القسري هو أحد تلك الأسباب فالانتقال إلى أماكن جديدة، قد يغري البعض ببدء حياة جديدة، خصوصاً وأن المقوّم الأول لهذه الحياة الجديدة هو المال، وهو متوفر وبكثرة لدى هؤلاء بحكم حساسية مواقعهم القيادية التسلطية قبل التهجير؛ يبقى إذاً بعض المكياج على الوجوه فيصبح مفتي القتل عالماً، يلقي محاضرات الوعظ والإرشاد في الجوامع أو الأعراس، ويتعامل بكل ودّ مع زبائنه في السوبر ماركت الذي افتتحه بأموال مشبوهه، مع أنه تعوّدَ التجهم والعبوس؛ ويصبح من نفذ حكم الإعدام أو المتفنن في ابتكار أساليب التعذيب شيخاً يؤم المصلين ويحضر الولائم والمناسبات بوجهٍ ومكياجٍ جديدين.
لكن باعتقادي أنه إضافة إلى كون التهجير القسري هو أحد الأسباب لكن السبب الرئيسي وبلا منازع هو قضية القبض على ربيبهم “إسلام علوش” والبدء بمحاكمته، حيث شكل هذا الحدث منعطفاً أساسياً، ونقطة فارقة في حجم التخبط ومحاولة الهروب من دائرة الاتهام، وخصوصاً أن القيادة الأمنية اعتمدت مبدأ التوريط حتى لا تبقى وحدها في دائرة المحاسبة و المساءلة، البعض كلفه الهروب من دائرة الاتهام حياته؛ فكيف تسمح عصابة المجرمين لأي أحد منها بالابتعاد عنها في ظل هذه الظروف؟ فالابتعاد هنا هو خروج عن الجماعة، والخروج عن الجماعة حكمه القتل، وهي فتوى من المقتول أصلاً عندما كان قاتلاً وقبل أن تطاله فتواه .
وهنا اقتبس من كتاب سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني (ص: 1059): ”قال أبو بكر المروذي: لما حبسوا أحمد بن حنبل في السجن جاءه السجان, فقال: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظَلمّة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن أنفسهـم”.
الجميع يعرفهم أنهم كانوا من الظلمة أنفسهم، وهم كذلك يعرفون حق المعرفة، وإلّا لما حاولوا واجتهدوا في تبديل جلودهم وغسل وتبييض وجوههم، هم يعرفون بالضبط كيف كانوا قبل الثورة سواء من الناحية المادية أو من ناحية المستوى الاجتماعي وبالتالي هم يعرفون بالضبط أيضاً كيف جمعوا أموالهم وكيف استبدّوا بالناس وكيف حكموهم بالحديد والنـار.
يبدو أنه آن الأوان ليتبرأ أعوان الظّلمة منهم قبل فوات الأوان، وخصوصاً بعد أن بدأوا الواحد تلو الآخر يقفزون من سفينةٍ خُرقت وسيغرق أهلهـا.
أحمد طه
مهندس وناشط سوري
التعليقات مغلقة.