منال الوراقي *
في 23 تموز/ يوليو 1952 أطاح تنظيم الضباط الأحرار بالنظام الملكي ودفعوا بمصر إلى مسار سياسي جديد، أسس الجمهورية على أنقاض المَلكية المدعومة من بريطانيا، لتظل ذكرى هذا اليوم محفورة في أذهان المصريين.
امتدت آثار ثورة 23 تموز/ يوليو لتغطي كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، فكان النشاط الزراعي والحفاظ على مياه النيل من أهم القطاعات التي شهدت ثورة حقيقية على كافة المظاهر السلبية، التي أعاقت حدوث تنمية حقيقية في أهم قطاع اقتصادي كان يشكل محور ارتكاز الاقتصاد القومي المصري في ذلك الوقت.
وظل للقطاع الزراعي أولوية كبرى في ظل ثورة تموز/ يوليو، حيث توالى في السنوات التالية صدور التشريعات الخاصة بالإصلاح الزراعي، وأيضا مشروعات الري العملاقة واهمها السد العالي، ومشروعات استصلاح الأراضي والتوسع الزراعي الأفقي، وفق ما ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات.
القضاء على الإقطاع:
كان القضاء على الإقطاع أولى خطوات الثورة الوليدة لتحقيق أحد الأهداف التي أعلنتها، فصدر قانون الإصلاح الزراعي قبل مرور شهرين من عمر الثورة، وتحديدا في 9 أيلول/ سبتمبر 1952، ليرسي قواعد العدالة الاقتصادية، ويعيد رسم خريطة الملكية الزراعية، ويزيل التناقضات الاجتماعية التي عانى منها المجتمع طويلاً.
وقد صاحب القانون، الذي نفذه جمال عبدالناصر، تغييرات اجتماعية عديدة، أسهمت في النهوض بأحوال الفلاحين والريف المصري، حيث نجح القانون في تحديد ملكية الأراضي الزراعية وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وتقدير أجر عادل للعامل الزراعي.
ونظراً للأثار الايجابية العديدة التي انعكست على حياة الفلاح المصري بعد صدور هذا القانون، تم اعتبار هذا اليوم عيداً للفلاح المصري يتم الاحتفال به سنويا.
إعادة توزيع الأراضي:
وتطبيقاً لأحكام قوانين الإصلاح الزراعي عاد إلى الدولة ملكية 1.2 مليون فدان، في أقل من خمس سنوات، فقامت هيئة الإصلاح الزراعي المسؤولة عن إدارة الأراضي والإشراف عليها بتوزيع حوالي 838 ألف فدان في صورة ملكيات صغيرة، وقد استفاد من ملكيتها 368 ألف أسرة، يبلغ عدد أفرادها حوالي مليوني فرد، أما الباقي فقد كان حصيلة أراضي لطرح لنيل.
جمعيات الإصلاح الزراعي:
وفى ظل تنفيذ القانون الجديد، أنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى تسلم الأرض من الملاك بعد ترك نسبتهم القانونية، وتوزيع باقي المساحة للفلاحين الأجراء المعدمين، ليتحولوا إلى ملاك، ويكون الفلاح صاحب الأرض التي حُرم منها لسنوات طويلة، ليجني ثمار عرقه ويرتقي بمستواه ويُعَلم أبناءه.
الجمعيات التعاونية:
فرض قانون الإصلاح الأول على الفلاحين الذين انتفعوا بملكية الأرض التي وزعت، أن ينضموا إلى الجمعيات التعاونية التي حدد دورها بتنظيم زراعة الأرض واستغلالها بأفضل شكل عبر قيامها بتوفير مستلزمات الإنتاج والآلات الزراعية والإشراف على تحسين عمليات الري والصرف ومقاومة الآفات الزراعية وتنظيم التسويق التعاوني وممارسة الإرشاد الزراعي.
وقد تخطى عدد التعاونيات التي أنشئت في الأراضي التي تم توزيعها على الفلاحين 700 ألف جمعية، ساهمت في المزيد من تنظيم الزراعة المصرية وتوفير مدخلات الإنتاج.
نظام التسويق التعاوني:
بدأ نظام التسويق التعاوني في حدود الجمعيات التعاونية التي نشأت على الأرض التي وزعت طبقاً لقانون الإصلاح، ثم أخذ في التطور وبسط مظلته على الريف المصري، ولم يمر أربع سنوات على الثورة حتى كان كل محصول القطن في مصر يسوَّق تعاونياً، وبدأ التسويق لمحاصيل الأرز والبصل والفول السوداني والبطاطس وبذلك أصبح التسويق التعاوني يغطي حاصلات التصدير الرئيسية في مصر.
وكانت تهدف الدولة بتطبيقه إزاحة طبقة السماسرة من مختلف مراحل التسويق، وحماية الفلاحين من استغلال الوسطاء.
تطبيق نظام الدورة الزراعية:
للتغلب على تفتت الملكيات الزراعية، تم تبني نظام الدورة الزراعية لمحاولة الاستفادة من ميزات الإنتاج الكبير ووفورات الحجم مع عدم المساس بالملكيات الخاصة القزمية للأرض، فساهمت الدورة الزراعية في توحيد المحصول ووقت زراعته وحصاده في كل زمام من الزمامات التابعة لقرية ما والتابعة بالضرورة لجمعية تعاونية زراعية، مما أتاح إمكانية استخدام الآلات في عمليات الزراعة ورش المبيدات والحصاد.
التنمية الزراعية في ظل الثورة:
شهدت البلاد بعد قيام الثورة تنفيذ استثمارات كبيرة في قطاع الزراعة، سواء في استصلاح الأراضي أو في مجال شق الترع والقنوات وصيانتها أو في مجال مشروعات البنية الأساسية الكبرى مثل بناء القناطر وبناء السد العالي، فقد تم استصلاح قرابة مليون فدان خلال الثماني سنوات التالية.
مشروع السد العالي:
يعتبر مشروع السد العالي أهم المشروعات التي دشنتها مصر في تاريخها الحديث لآثاره الكبيرة على قطاع الزراعة، وقد اختير كأعظم مشروع بنية أساسية في العالم كله في القرن العشرين، فقد أتاح المشروع العملاق زيادة نصيب مصر من المياه، مما ساهم في زيادة الرقعة المزرعة بنحو 1.3 مليون فدان.
وساهم السد في رفع إنتاجية المحاصيل الزراعية، بالإضافة لتوليد نحو 1.4 مليون كيلووات/ ساعة من المحطة الكهربائية التي أنشئت على السد العالي بتكلفة تقل كثيراً عن تكلفة محطة حرارية واحدة، وتحسين الملاحة في النيل سواء لنقل البضائع أو لنقل السياح في رحلاتهم النيلية، بجانب حماية مصر من أخطار الفيضانات المدمرة ودورات الجفاف التي تحدث مع الفيضانات المنخفضة.
* كاتبة صحفية مصرية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.