الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

فض اشتباك بين الزعيم جمال عبد الناصر والأفاك الصحفي محمد جلال كشك

محمد شوقي السيد *

يعد ما كتبة الكاتب المصري ’محمد جلال كشك‘ أحد أهم المراجع الفكرية والأسانيد التي يستند إليها كل مهاجمي ومنتقدي الزعيم جمال عبد الناصر، ولكن للأسف يهاجمون بدون وعي وبدون تفحص تاريخي لموقف الصحفي هذا، هل هو صادق؟ هل هو أفاك؟ ما موقفة السياسي الذى دفعة لذلك؟؛ نحاول بالبحث والتدقيق تبيان مؤثرات ودوافع كتابات محمد جلال كشك لانتقاد عبد الناصر ونبين بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان من الصحفيين المتلونين الأفاكين كما بالتفصيل الآتي:

أ- حربائية كشك والتحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين:

’محمد جلال كشك‘ بدأ حياته الفكرية قبل ثورة يوليو شيوعياً بل وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي ومع قيام ثورة 23 تموز/ يوليو 1952، وعقب سيطرة “جمال عبد الناصر” على كل مقاليد السلطة في مصر أصبح كشك ناصرياً، بل وكان معيناً بأمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي، وكان رقيباً على كل ما ينشر، وظل كذلك حتى وفاة الرئيس عبد الناصر.

ومنذ عام 1971 وحتى وفاة الأستاذ ’جلال كشك‘ سنة 1993 تحول ’كشك‘ هذا إلى الدفاع عن سياسات النظام السعودي وأصبح سعودياً أكثر من الأسرة الحاكمة السعودية ذاتها.

ب – محمد جلال كشك والدفاع عن ثورة يوليو وعبدالناصر:

كتب ’محمد جلال كشك‘ ابان حكم الرئيس جمال عبدالناصر مقالات تمجد وتعظم في سياسيات عبد الناصر والاشتراكية وغيرها من سياسات الحقبة الناصرية بالشكل الذى تقول فيه أنه كان ناصرياً.. كالآتي:

– كتب في مقال بعنوان “نحن الشعب المصري” متحدثاَ عن الدستور المصري، ويتصدر المقال صورة كبيرة للزعيم جمال عبدالناصر مكتوباً عليها الدستور حياة ديمقراطية سليمة، كتب يمجد في الدستور وديمقراطيته وكتب بآخر المقال بالنص تحت عنوان “لنحمي الدستور”: لقد انتصرنا. قهرنا الاستعمار. وكتبنا بدم الشهداء مصر دولة مستقلة.. قهرنا دعاة التفرقة.. وكتبنا بإرادة العروبة مصر دولة عربية.. قهرنا الاقطاع وألغينا المَلكية وكتبنا مصر دولة جمهورية ديمقراطية.. وحمينا استقلالنا وجمهوريتنا ولكن الخونة والمستعمرين لن يصبروا على انتصاراتنا ولن يرغبوا باستقلالنا.. سيتأمرون ليل نهار.. بالإضافة إلى كثير من نصوص المقال الذى يمدح فيه بنصوص الدستور الجديد وديمقراطيته ومحاربة الاستعمار والاقطاع وكانت نغمة المقال نفس نغمة الفترة والحقبة الناصرية.

– بعد قيام ثورة يوليو أصبح ’جلال كشك‘ أحد الداعين والداعمين للسلطة الناصرية بقوة، فكتب سلسلة مقالات عن «اشتراكيتنا» ويقصد الاشتراكية التي تحدث عنها الميثاق، وكتب مسرحية عام 1961 تحت عنوان «شرف المهنة» وتحدث فيها عن الفرق بين الصحافة المغدورة قبل ثورة تموز/ يوليو والصحافة الحرة بعد الثورة، وكتب “يحيى حقي” دراسة عن هذه المسرحية والحق يقال إن هذه المسرحية مكتوبة بفنية بديعة وفى مجلة «روز اليوسف»، وكتب سلسلة مقالات تحت عنوان «خلافنا مع الشيوعيين» بدأ نشرها في 18 حزيران/ يونيو عام 1962 وهذه الـ«نا» يقصد بها سلطة تموز/ يوليو، وذلك وقت خلاف ناصر مع الشيوعيين واعتقالهم ويعتبر «أن اشتراكيتنا تحّدٍ فلسفي وسياسي للماركسية»، ثم أصدر كتابه «الغزو الفكري» تحت شعار «مفاهيم إسلامية» وهاجم فيه الكتاب والأدباء العرب والمثقفين اليساريين المصريين والعرب.

– والذى يتأمل كتابات ’كشك‘ منذ بداياته سيدّرك أنه شنّ هجوماً ضارياً على التيارات الإسلامية آنذاك، وعلى رأس هذه التيارات جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في كتابه الأول: «مصريون.. لا طوائف»، عام 1951، وهاجم قيادات الجماعة بالاسم ويقول: «ويستخدم الإخوان، صلح الحديبية، في وصف كل معاهدة أو اتفاق مع الاستعمار والرجعية يتضمن تنازلاً عن حقوق الشعب»، وفى سياق ثالث يقول: «ويصف زعيم الإخوان بالجامعة ’صدقي الطاغية‘ بآية قرآنية كريمة (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد)…»، وهكذا يسترسل ’كشك‘ في إيضاح موقفه من التيارات الإسلامية المتطرفة ويخص جماعة الإخوان بالذكر، لكنه بعد انقلابه الأيديولوجي يتنكر لكل هذا الكلام ويدافع بضراوة عن هذه التيارات، وينسى كتبه الأولى خصوصاً كتابه «الجبهة الشعبية» الذى نشره في أوائل عام 1952 وأهداه إلى السياسي الحر محمد كامل البنداري وكان البنداري الرأسمالي الذى يدافع عن الاشتراكية وكانوا يطلقون عليه «الرأسمالي الأحمر».

– ’محمد جلال كشك‘ عاش منعماً في عهد عبد الناصر يكتب ويؤلف الكتب وتم تعيينه في أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي ولم يتعرض لأى قمع، بينما الكاتب الكبير “لويس عوض” تم اعتقاله من كانون الثاني/ يناير 1959 حتى حزيران/ يونيو 1960 وجرى التنكيل به في المعتقل والمساحة التي منحها له النظام الناصري للتعبير عن أراءه مُنح مثلها لكشك للرد على “لويس عوض” كما حصل المحقق الكبير “محمود محمد شاكر” وكان متعاطفاً مع الإخوان وكارهاً لعبد الناصر على مساحة واسعة للرد على “لويس عوض”، وأصدر كتاب “أباطيل وأسمار” الذى فند فيه أفكار “لويس عوض”.

ج- انقلابية وحربائية ’محمد جلال كشك‘ وعلاقته بالنظام والمخابرات السعودية:

بعد وفاة عبد الناصر تحول ’كشك‘ للدفاع عن النظام السعودي، ولكي ينال كامل الرضا السعودي قام باقتباس كتاب “لعبة الأمم” لـ”مايلز كوبلاند” ضابط المخابرات الامريكية ونقل أكاذيب ’كوبلاند‘ للعربية عبر إصداره لكتابين هما “كلمتي للمغفلين”، “ثورة يوليو الأمريكية” لمهاجمة عبد الناصر ونعته بالعمالة للأمريكيين بعدما كان يكتب عن محاربة الاقطاع والاستعمار والامبريالية الغربية بل وكتب كشك على أن أم جمال عبد الناصر كانت يهودية؟!!

نشر كتاب “السعوديون والحل الإسلامي.. مصدر الشرعية للنظام السعودي” ولهذا الكتاب قصة مثيرة، يتناول الكتاب سيرة حياة “عبد العزيز بن سعود” مؤسس المملكة العربية السعودية، والمعارك التي خاضها والمعاهدات التي وقعها في سبيل تأسيس المملكة.

في أواخر السبعينيات عندما فكر الأستاذ ’كشك‘ في تأليف الكتاب، سافرَ للسعودية، وطلب من المسؤولين السعوديين دعمه، وتوفير الوثائق له من أجل إخراج كتاب يليق بتاريخ الملك المؤسس، ويكون بمثابة مرجع وثائقي لكل من يرغب في معرفة كيفية نشأة المملكة العربية السعودية، وبالفعل وفرت الحكومة السعودية لكشك المطلوب من التمويل والوثائق، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1980.

فوجئ المسؤولون السعوديون بعد مطالعة الطبعة الأولى من الكتاب، أن الوثائق والمعاهدات المنشورة بالكتاب، تسيئ لصورة الملك المؤسس، وتوضح حقيقة علاقته بالبريطانيين، ودورهم في دعمه وتأسيسه لمملكته، لذا طلبوا من ’كشك‘ وناشر الكتاب سحب تلك الطبعة من الكتاب لتنقيحها، وإصدار طبعة أخرى بدون تلك الوثائق والمعاهدات، وقد تم ذلك فعلا.

لقد صدرت الطبعة الثانية من الكتاب ولكن المدهش أن تلك الطبعة أيضاً لم تنل رضا المسؤولين السعوديين لذا عادوا لمطالبة ’كشك‘ وناشر الكتاب بسحبها وإعادة تنقيحها مجدداً وحذف كل ما يمكن أن يسئ لصورة الملك المؤسس؛ ومرة ثانية أعاد ’محمد جلال كشك‘ تنقيح الكتاب وأصدر الطبعة الثالثة منه وهى الطبعة التي نالت رضا المسؤولين السعوديين وتم اعتمادها وهى الطبعة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها حالياً بعد اختفاء الطبعة الأولى والثانية نهائياً؛ المثير للضحك حتى البكاء أن ’محمد جلال كشك‘ في صفحة 4 من الطبعة الثالثة من الكتاب كتب التالي:

“لا يفوتني أن أشكر كل الذين اهتموا بالتنبيه إلى الأخطاء التي وردت بالطبعة الأولى فقد كان حرصهم على تحقيق الكمال الممكن في هذا الكتاب خير دليل على اهتمامهم به”.

يكادُ المريب يقول خذوني!!

الأستاذ ’كشك‘ يشكر المسؤولين السعوديين الذين اعتمدوا تنقيحه لكتابه بعد أن نال رضاهم أخيراً.

د – ’محمد جلال كشك‘ واهانة الجيش المصري:

في صفحة 159 من كتابه “السعوديون والحل الإسلامي” الطبعة الثالثة، فصل “مصر المفترى عليها”، كتب ’محمد جلال كشك‘:

“وهكذا، مع شديد الأسف والاعتذار لمدرسة المجد العسكري، لا حيلة لنا، إذ ليس للجيش المصري أي شرف يدّعى في المعارك التي خاضها عسكر “محمد علي”، والتي انتهت بسقوط الدرعية لأن الجيش المصري كان في عالم الغيب لم يولد بعد”.

“هوَّ (الرافعي المؤرخ) يشهد أن أموال “محمد علي” لعبت الدور الأساسي في النصر، إذ اشترت ذمم البدو [عصر محمد علي]: “ومن الأسباب التي أدت إلى اضمحلال قوة الوهابية، ضعف عبد الله بن سعود، والأموال التي بذلها طوسون، وإبراهيم ومحمد علي واشتروا بها ذمم البدو”.. فلنترك الرافعي غارقاً في البحث عن قشة مجد كاذب لجيش وهمي، لم يولد بعد”:

“كل الوقائع التي أثبتها المؤرخون المعاصرون، تؤكد العكس، فقد خرجت مصر كلها، لرؤية الأبطال الوهابيين، والأمراء السعوديين الأسرى، وتحول بيتهم في السيدة عائشة قرب القلعة، إلى مزار، يتدفق عليه المصريون يطلبون بركتهم للشفاء من الأمراض!”

ألم أقل لكم أنه كان سعودياً أكثر من السعوديين أنفسهم؟!!

الأكثر طرافة أن الأستاذ “محمد جلال كشك” أوصى بدفن هذا الكتاب معه في قبره ليكون شفيعاً له في ساعة الحساب، ولكنه لم يوضح هل يريد دفن الطبعة الأولى منه أم الطبعة الثانية أم الطبعة الثالثة التي نالت الرضا والقبول السعودي؟!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله

هـ – الرد على كتابيّ ’كلمتي للمغفلين‘ و’ثورة يوليو الأمريكية‘:

في عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه “سنوات الغليان” الذي أورد فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التي تثبت أن “مايلز كوبلاند” نصاب ومُحتال وأنه نشر كتابه بأوامر أمريكية في إطار الحرب الأمريكية المستمرة على عبد الناصر، والتي تهدف لتشويه سمعته من أجل اغتيال شخصيته معنوياً في أعين الجماهير العربية بعد الهزيمة في حرب يونيو 1967 وقد هاج ’كوبلاند‘ بعد أن فضحه الأستاذ هيكل بالوثائق، وهدد برفع قضايا تعويض ضد الأستاذ هيكل.

توفي ’كوبلاند‘ عام 1991 بعد 3 سنوات من صدور كتاب هيكل ولم يقاضى هيكل حتى رحيله على فضحه لأكاذيبـه.

خلال سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة روز اليوسف في منتصف التسعينيات، صرح الأستاذ هيكل أن كتاب مايلز كوبلاند “لعبة الأمم”، قامت بتمويله المملكة العربية السعودية في إطار سعي الملك “فيصل بن عبد العزيز” الدؤوب للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية، وهو السعي الذي وافق هوى المخابرات المركزية الأمريكية ورجلها “مايلز كوبلاند”، وأشار الأستاذ هيكل إلى أن أي كتاب يصدره أحد العاملين في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لا بد أن يحصل على موافقة مسؤولي الوكالة، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأهداف السياسة الأمريكية، وهو ما خضع له بالطبع كتاب “لعبة الأمم” الذى أعاد ’محمد جلال كشك‘ صياغته في كتابيه “كلمتي للمغفلين” و “ثورة يوليو الأمريكية”.

في عام 2009 صدر كتاب “إرث من الرماد.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” للكاتب الصحفي الأمريكي ’تيم واينر‘ مراسل جريدة النيويورك تايمز، يتناول الكتاب تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ إنشائها وحتى نهاية عهد الرئيس جورج دبليو بوش.. اعتمد الكتاب على 50 ألف وثيقة من وثائق الوكالة.

يقول ’تيم واينر‘ في مقدمة الكتاب:

“هذا الكتاب موضوع بما هو للنشر، لا مصادر مجهولة، ولا استشهادات غامضة، ولا أقاويل.

إنه أول تأريخ لـ” السي.آي.إيه.” مجموع كلياً من إفادات من المصدر ومن وثائق أصلية”.

هذه شهادة ’تيم واينر‘ عن كتابه الوثائقي، والآن لنقرأ معاً ماذا تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن جمال عبد الناصر وثورته:

“فوجئت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بثورة الجيش في مصر في 23 تموز/ يوليو 1952 برغم أن ضباط الوكالة في مصر وقتها فاقوا مسؤولي وزارة الخارجية عدداً بنحو أربعة إلى واحد في السفارة الأمريكية بالقاهرة”.

“حاولت الوكالة شراء جمال عبد الناصر فدفعت له 33 ملايين كدعم لنظامه وساعدته في بناء محطة إذاعية قوية، ووعدته بمساعدة عسكرية واقتصادية أمريكية، ولكن المفاجأة أن جمال عبد الناصر رفض أن يتم شراؤه فقام باستخدام قسم من ملايين الدعم الثلاثة في بناء برج القاهرة، وعندما لم يفي الأمريكيون بتعهداتهم بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية له أتجه إلى السوفييت من اجل تسليح جيشه”.

“قبل تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس كان هناك تنسيق بين الوكالة والمخابرات البريطانية من أجل تنظيم عملية لإزاحته من السلطة في مصر، وعقب تأميم جمال عبد الناصر لشركة قناة السويس أقترح البريطانيون اغتياله فوراً، ودرسوا تحويل مجرى نهر النيل لإغراق مصر وتدمير محاولة عبد الناصر للتنمية المستقلة في مصر، رفض الرئيس الأمريكي إيزنهاور تلك الخطة وأيد مع مسؤولي الوكالة تنظيم حملة طويلة وبطيئة من الإفساد ضد مصر والحصار الاقتصادي لإسقاط جمال عبد الناصر”.

هذا هو ما تخبرنا به وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن جمال عبد الناصر وثورته.

نتنقل الآن إلى وثائق الكتاب عن كلٍ من “كيرميت روزفلت” و”مايلز كوبلاند” اللذان يُنسب لهما عملية تنسيق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع جمال عبد الناصر قبل الثورة.

ولنقرأ معاً ماذا تخبرنا الوثائق عن علاقتهما بجمال عبد الناصر:

“كيرميت روزفلت بعد قيام الثورة عرض مساعدة الوكالة في إنشاء جهاز الاستخبارات المصري وتدريب كوادره، لذا أوفد كتيبة من مغاوير الجنرال “رينهارد جهلن” السابقين للقيام بتلك المهمة”.

“مايلز كوبلاند هو أول رئيس مركز للوكالة في دمشق عمل عن كثب مع الملحق العسكري الأمريكي في سورية “ستيفن ميد” على خطة لدعم ديكتاتورية يساندها الجيش في سورية بحسب ما ورد في برقية بعث بها ’ميد‘ في كانون الأول/ ديسمبر 1948 إلى البنتاجون، وقد وجدا ضالتهما في “حسنى الزعيم” الذى دعمه ’كوبلاند‘ في انقلابه ووعده بدعم الرئيس ترومان مقابل سماح حسنى الزعيم بمرور خط أنابيب شركة النفط العربية- الأمريكية عبر سورية.

بقى “حسنى الزعيم” في الحكم أقل من خمسة أشهر قبل أن يتم الانقلاب عليه وإعدامه.

“يمكننا بقراءة دقيقة لما ورد عن “مايلز كوبلاند” في وثائق الوكالة ملاحظة أن ما قام به ’كوبلاند‘ مع حسنى الزعيم بسورية عام 1948 من انقلاب عسكري، هو ما أراد أن يوحي لنا عبر كتابه المزيف “لعبة الأمم”، أنه قام به مع جمال عبد الناصر في مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952.

ولكن كما فضحه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتبه بالوثائق، فضحته أيضاً وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي كان يعمل لحسابها.

قضية تجسس الصحفي الراحل “مصطفى أمين” لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ورد ذكرها أيضا في الكتاب ولنقرأ معاً ما جاء بالكتاب عنها:

(أبلغ مكتب مصر في وزارة الخارجية “لوك باتل” وكيل وزارة الخارجية الجديد لشئون الشرق الأدنى، أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر شرع في الشكوى- وليس للمرة الأولى وليس بدون سبب- من أن الوكالة تحاول الإطاحة بنظام حكمه.

كشف باتل سر شكوى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فقد كان ضابط الوكالة “بروس تايلور أوديل” يجتمع على نحو منتظم بمصطفى أمين المحرر البارز المقرب من عبد الناصر.

كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تدفع أموال لمصطفى أمين مقابل المعلومات التي يمدها بها، ومقابل نشره تقارير إخبارية مؤيدة للأمريكيين بصحيفته.

وقد تم وضع مصطفى أمين على جدول معاشات الولايات المتحدة الأمريكية مقابل خدماته.

تم القبض على مصطفى أمين، واحتلت قضيته عناوين الصحف، وتم كشف دور “بروس تايلور أوديل” ضابط المخابرات الأمريكية محرك مصطفى أمين، والذى كان يعمل تحت غطاء دبلوماسي بالسفارة الأمريكية بالقاهرة).

حوكم مصطفى أمين بوصفه جاسوساً وأدين، وتم سجنه لمدة تسع سنين.

هذا ما تخبرنا به وثائق الوكالة عن قضية مصطفى أمين الذى عمل لصالحها وتم وضعه على جدول معاشاتها تقديرا لخدماته ومعلوماته.

في الكتاب أيضاً تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أن الانتصار الأكبر الوحيد للوكالة في الشرق الأوسط، كان هو عملية ’أجاكس‘، عملية الانقلاب على ’مصدق‘ في إيران لصالح الشاه محمد رضا بهلوي، والذى خططت له الوكالة عبر رجلها “كيرميت روزفلت” عام 1953.

حالة ’محمد جلال كشك‘ ليست متفردة بل هناك أكثر من ’كشك‘، عاشوا منعمّين في عهد الرئيس عبد الناصر، ومسبّحين بحمده، ومؤيدين لقراراته، وعقب وفاته، انقلبوا عليه، واتهموه بأقذر الاتهامات، منهم على سبيل المثال لا الحصر، أنيس منصور، توفيق الحكيم، مصطفى محمود، صالح جودت.

تثبت قصة ’كشك‘ وأمثاله، أن النظام الناصري كان ليبرالياً في نظرته للثقافة، والدليل أنه سمح لـ’لويس عوض‘ بمدح الحملة الفرنسية، وعلى الجانب الأخر، أتاح لـ’كشك‘ و’شاكر‘ الرد عليه في صحف ومجلات النظام.

محمد شوقي السيد

باحث سياسي ومحقق قانوني مصري

 

المصدر: الحوار المتمدن

التعليقات مغلقة.