سونيا العلي *
تتعرض المعتقلة في سجون نظام الأسد لشتى أنواع التعذيب ما بين ضرب وشبحٍ وتجويع، وحين تتنفس الحرية، وتخرج من ظلام سجنها تقع ضحية نظرة المجتمع الذي يلومها ويمعن في ظلمها، فتلاحقها تداعيات الاعتقال اجتماعياً وأسرياً في ظل مجتمع محافظ تحكمه العادات والتقاليد، ويقع عليها ظلم المجتمع والأهل والأقارب.
مكسورة وضعيفة تعيش رولا بعد خروجها من سجون نظام الأسد الذي قضت فيه أكثر من عامين، لا تكفي الكلمات لوصف الانتهاكات التي تحدث داخلها، والظلم الذي يلحق بالمعتقلين والمعتقلات في زنزاناتها الموحشة بحسب تعبيرها.
الشابة رولا (27 عاماً) من مدينة إدلب اعتقلت من قبل حاجز الأمن العسكري التابع للنظام أثناء سفرها من إدلب إلى حماة لاستخراج وثيقة “جواز سفر”، وخرجت بعملية تبادل أسرى بين النظام والثوار، وبعد نيل حريتها اصطدمت بموقف الجميع تجاهها، وكأن التعذيب الذي تعرضت لا يكفيها لتلاحقها نظرات المجتمع وهمس ألسنة الناس التي تلومها وتتهمها جراء المخاطرة بسمعتها بارتياد مناطق النظام، الأمر الذي دفعها للسفر إلى تركيا في محاولة لإخفاء مرحلة قاسية من عمرها.
تشاطرها المعاناة نور الحسون (30 عاماً)التي كان مصيرها الهجر والإقصاء من قبل أهلها، وعن قصتها تقول لإشراق: “تم اعتقالي من داخل منزلي الكائن في محافظة حماة لمشاركتي في المظاهرات السلمية المناهضة لنظام الاستبداد، وبقيت في المعتقل لمدة ستة أشهر ذقت خلالها أقسى أنواع التعذيب أولها الشبح وليس آخرها الضرب بالعصي والأسياخ الحديدية، وخرجت بعد أن دفع أهلها مبلغاً مالياً لأحد الوسطاء.
وتضيف الحسون قائلة: “أسرتي التي من المفترض أن تكون أقرب الناس إلي تخلت عني، فقد رأيت نظرات الشك والاتهام في عيون أبي وإخوتي، مما جعلني أكره نفسي وأتمنى الموت في كل لحظة، وأخيراً قرروا إرسالي للإقامة مع أسرة عمي الموجود في إدلب لأواجه مصيري بمفردي.
ومن الناجيات من يتعرضن للظلم من قبل أزواجهن ويحرمن من أولادهن. علية الرزوق (33 عاماً) النازحة من معرة النعمان إلى مخيم تابع لمدينة أطمة الحدودية مع تركيا شمال إدلب، لم تكن قد نسيت العذاب الذي تعرضت له في معتقلها حتى اصطدمت بواقع أشد إيلاماً، فبمجرد خروجها استقبلها زوجها بورقة طلاقها إذعاناً لضغوطات أهله وأقاربه، وعن ذلك تتحدث قائلة: ” كنت أعتقد أن معاناتي ستنتهي بعد إطلاق سراحي لكنني كنت مخطئة، فقد وجدت نفسي منبوذة من قبل المجتمع، وحيدة في هذه الحياة مع همومي التي لا تنتهي .”
تبين علية أنها طالبت بأبنائها الثلاثة للعيش معها، رغم حالة الفقر التي تعيشها، لكن زوجها هددها بتوثيق تقرير يؤكد إصابتها بأمراض نفسية إن فعلت، الأمر الذي جعلها تتراجع، فهي تعلم تمام العلم بأنها غير قادرة على العمل وتحمل مسؤولية الإنفاق، وخاصة بعد أن خرجت من سجنها بعاهة مستديمة سوف ترافقها طوال حياتها، توضح ذلك بقولها: “تعرضت لجرح في يدي بعد ضربي بسيخ حديدي خلال التعذيب، ونتيجة الإهمال وانعدام النظافة أصيب الجرح بالتهاب شديد أدى إلى بتر الكف خوفاً من امتداد الالتهاب إلى كامل الذراع .”
استطاعت بعض الناجيات أن يطوين صفحة المعاناة ويتجاوزن النقد المجتمعي والأثر النفسي الذي خلفه الاعتقال، وسعين للعمل أو إكمال الدراسة والتعلم.
رضية السايح (25 عاماً) من ريف إدلب قررت بعد إطلاق سراحها أن تنسى ماحصل معها في الماضي وتلملم ذاتها لتبدأ حياة جديدة، وعن ذلك تقول: “أضافت تجربة الإعتقال إلى حياتي تعرفاً أكثر على ظلم النظام وطغيانه، إضافة للتعرف على زميلات داخل المعتقل، تشاركنا معاً الألم والأمل ووحدة المصير .” مؤكدة بأنه لم ينفعها السجن الإرادي الذي وضعت نفسها داخله إثر خروجها سوى الوحدة القاتلة واسترجاع الذكريات المرعبة، لذلك قررت البدء من جديد، فخضعت لدورة تدريبية في التمريض وأصبحت تمارس هذه المهنة في إحدى النقاط الطبية داخل المدينة، كما تشارك في العمل الإغاثي وتوزيع المساعدات على المهجرين والنازحين .”
المرشدة النفسية براءة التيزري (40 عاماً)من مدينة إدلب تتحدث لإشراق عن معاناة المعتقلات بقولها: ” مع انطلاق ثورة الكرامة في سورية أمعن النظام السوري في التنكيل بالنسوة اللواتي وقعن في الإعتقال لدى أجهزته الأمنية، فمن الاغتصاب إلى التعذيب حتى الموت، بهدف ترويع الأهالي، والضغط على أهل المعتقلة وذويها المنضمين للحراك الثوري .” وتضيف: “كل معارضة سياسية مهددة بالسجن والإعتقال في ظل نظام ديكتاتوري كالنظام السوري، وتعتبر تداعيات بعد الاعتقال ليست أقل أذية من الاعتقال ذاته، فأكثر ما يؤلم المرأة هي النظرات الممزوجة بالشفقة حيناً واللوم والاستغلال أحياناً من المحيط الاجتماعي الذي يفاقم الآثار النفسية التي ترافقها، في ظل القيم المجتمعية المحافظة ومفاهيم الشرف التي لم تعد تميز بين الفعل الإرادي والضحية .”مؤكدة أن الناجية تحتاج إلى مراكز تحتضنها وتعيد الثقة إليها كي تتخطى أزمتها، وعلى المجتمع احترامها واحتوائها لأن ما تعرضت له ظلم لا يتحمله أحد.
وعن الحالة النفسية التي تقع غالبية المعتقلات فريسة لها تقول: “تعيش معظم المعتقلات السابقات في حالة من العزلة والحذر المفرط والخوف ظناً بأنهن مازلن تحت براثن المحقق والجلاد، كما تتعرض المعتقلة للاكتئاب واضطرابات مابعد الصدمة، والشعور بعدم الرغبة بالحياة الذي يصل أحياناً إلى الرغبة بالانتحار، لذلك يجب أن نعتبر المعتقلة بطلة حرب كالشهيد والجريح، ومن المعيب معاقبتها على جريمة هي ضحيتها .”
* كاتبة صحفية سورية
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.