الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مقدمات تبحث عن نتائج

ثمة أمـل..

أتاحت وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة، إمكانية الوصول إلى المعلومات المتاحة والأخبار الآنية والفورية لأي حدث عبر العالم، من أصغر حادث كوقوع قطة في نهر، إلى الحروب والمؤتمرات التي يكون نجومها قادة ورؤساء العالم، إلى أخبار نجوم الأرض في كافة المجالات .

ويبقى الإنسان العادي والبسيط (وهذا العادي والبسيط يشكل الأغلبية الساحقة من سكان كوكبنا العامر بالمآسي والكوارث) بهمومه من لقمة عيشه، إلى التهديد الذي يطال وجوده وحياته وأفراد أسرته، بعيدا عن أي اهتمام، ويترك لمصيره المفتوح على المجهول .

ووسائل  الاتصال والتواصل لم تحقق ما كان مأمولاً منها، في تقريب الشق والبعد بين سكان الأرض، بل زادت الشق اتساعاً والشقاق توسعاً؛ حتى ليخال المتابع للحوادث، أن الحل أصبح كإبرة في كومة قش أو كضوء خافت في نفق لا يبدو أن له نهايـة .

وليس هذا الكلام دعوة لليأس والقنوط وانقطاع خيوط الرجاء والأمل، بل دعوة للتفكر والتفكير في مصائر نُدّفع إليها غير راغبين بها.. وثمة أمـل .

موجة من المؤتمرات:

في الأيام القليلة الماضية، ومنذ بداية الشهر الماضي (حزيران/يونيو)، عرفت العديد من العواصم مؤتمرات عدة تتكرر سنوياً، إن بذات الوجوه أو بوجوه جديدة استقدمتها صناديق الاقتـراع .

  • في 2021.6.13 انعقد مؤتمر القوى السبع الكبرى في بريطانيا (وهذه القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا اليابان، وكندا) والتي تنسق فيما بينها للحفاظ على مصالحها وهيمنتها الاقتصادية على العالـم .

وإن كانت تضع في جدول أعمالها بنوداً إضافية للنقاش هي أقرب ما تكون للاستهلاك الشعبي، ولإرضاء جماهير الأرض الذين ينتظرون منهم أن يفعلوا شيئاً يخصهم ويخص قضاياهم، ومن هذه القضايا قضايا البيئة والاحتباس الحراري وجائحة كورونا، التي اجتاحت شعوب الأرض وكذلك تأمين اللقاحات، التي كثر الحديث عنها وعن نوايا غير معلنة تتعلق بهـا .  

  • في 2021.6.16 عقدت قمة العجوزين بايدن/بوتين في سويسرا (التي تم الحديث عنها في زاوية رأي الموقع السابقة) والتي كان على رأس جدول أعمالها محاولة تقريب الشق المتسِع ببن الدولتين .

  • في 2021.6.21 عقد مؤتمر الناتو الذي انعقد في بروكسل/بلجيكا وبحضور زعماء الدول الأعضاء فيه، والذي شهد لقاءات ثنائية بين أكثر من زعيمين، لحلحلة المشاكل العالقة، كلقاء الرئيس التركي أردوغان مع الرئيس الأمريكي بايدن والفرنسي ماكرون، وقد كان على رأس جدول الأعمال، الموقف من الغريمين روسيا والصين، والانسحاب من أفغانستان، والتحضير لمؤتمر برلين، فيما يخص الوضع في ليبيا والأمن السيبراني (الأمن الإلكتروني)- الملفت للنظر أن كلمة سيبراني مشتقة من الكلمة اليونانية (cyber) والتي تعني الشخص الذي يدير دفة السفينة- وكأن أمريكا تحاول أن تكون هي قائدة سفينة العالم السيبرانية (وهي كذلك) رغم محاولة الكثيرون التملص منها، وإنشاء مجالاتهم السيبرانية الخاص بكلٍ منهم.. ولكن؟! .

  • في 2021.6.23 عقد في موسكو المؤتمر التاسع للأمن الدولي، وهو النسخة الموازية لمؤتمر ميونخ للأمن والدفاع، وقد حضر المؤتمر أكثر من 600 شخصية (وزراء دفاع ورؤساء أركان وخبراء) يمثلون أكثر من مئة دولة ومنظمات دولية، وقد افتتح الرئيس بوتين المؤتمر بكلمة عبر تقنية الاتصال عن بعد، عبر فيها عن قلقه البالغ من النزاعات الإقليمية، وخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأنشطة المنظمات الإجرامية، وعرج في كلمته على التنمية الاقتصادية في سورية، والقلق الذي يعاني منه بوتين يحتاج إلى العديد من علامات الاستفهام والتعجب، والأعجب حديثه عن التنمية في سورية، بعد أن أعادها قروناً إلى الوراء باستخدامه وتجريبه لأكثر الأسلحة الحديثة فتكاً فيها وعلى شعبهـا .

أجيال من الحروب في بلادنا:

كثر الحديث عن أجيال من الحروب تعاقبت على البشرية، بدءاً من الجيل الأول باستخدام الأسلحة الفردية، وصولاً إلى الجيل الثالث الذي عرفته الحرب العالمية الثانية، والذي استخدمت فيه أسلحة فتاكة كيميائية وبيولوجية وذرية، ثم الجيل الرابع من الحرب الذي نظر له الكاتب الأمريكي (وليام ليند) في كتاب يحمل ذات الاسم ونشر عام 1989، وتوسع في التنظير له البروفيسور (ماكس مايوارينغ) الأستاذ المتخصص في معهد الدراسات والأبحاث الاستراتيجية العسكرية التابع للجيش الأمريكي .

وهذا  الجيل  من الحرب هو الوجه الآخر أو التطبيق العملي لسياسة الفوضى الخلاقة، التي تحدثت عنها (كونداليزا رايس) عندما أشارت إلى أن هدف الولايات المتحدة، هو تفكيك الشرق الأوسط، وإعادة تركيبه من جديد، لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وحلفائها على المدى المتوسط والبعيد، ويبدو أن هذا الجيل من الحرب يستهدف أول ما يستهدف الأمة العربية ومشروعها القومي، وإمكانية نهضتها وتوحدها.. ويتم ذلك عبر:

  • إثارة النعرات الطائفية والعرقية والإثنية والقبلية والمناطقية مما يؤدي لحروب وصراعات داخلية تؤدي تصل إلى مستوى التدمير الذاتي .

  • حروب بالوكالة لخدمة أجندات خارجية لا علاقة لشعوب المنطقة بها وخير مثال عليه حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن .

  • صعود جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وتراجع القوى المدنية والديمقراطية .

  • تهديد وتفكيك الدولة الوطنية وما تمت مراكمته من انجازات تحققت بمعاناة ونضالات الشعوب العربية .

  • انهيار الروابط القومية العربية أو ما يسمى المشروع القومي العربي . 

  • تراجع مسار الانتقال الديمقراطي السلمي، والذي كان من الممكن تحقيقه، في حال كانت الحكومات العربية تعي مقدار الخطر الذي يهدد ليس فقط وجودها وإنما وجود شعوبها، وبالتالي تفهم لماذا سعوا على بقاء سلطانها وسلطاتهـا .

  • تدخل دول الجوار وبخاصة الإيراني والإسرائيلي، وتزايد النفوذ الروسي والغربي بشقيه الأمريكي والأوربي، والذي بفضله أصبحت البلاد التي يتدخلون بها دولاً فاشلة بالكامل .

  • استنزاف الثروات والمقدرات المالية العربية في مجالات لا تخدم المنطقة العربية ولا شعوبها، بل وتزيد من تبعيتها للخارج وعلى كافة المستويات .

  • تغوّل “إسرائيل” وغياب أية مصادر تهددها بل وأصبح الغافلون يرون بها طوق نجاه، وتزايد الهرولة من نظم البؤس العربية للتطبيع معها ظناً منهم أنها هي الكفيل ببقائهم على عروشهم المتهالكة .

 وأخيراً فإن ما صدر من تصريحات عن الرئيس الأميركي بايدن وفريقه تجاه المنطقة، يؤشر إلى العودة لتوظيف الجيل الرابع من الحرب أو الفوضى الخلاقة، تحت شعار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أو حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولا يوجد لدى الإدارة الأميركية الجديدة أية نية أو توجه لحل مشاكل دول المنطقة، بل على العكس تنحصر مهمتها في إدارة الصراعات والحروب الدائـرة .

وما سهل نجاح هذا الجيل من الحروب، هو كون الدول العربية بمجملها دول مخترقة بدرجة عالية واستثنائية، ومرتهنة للقرار الخارجي، رغم أن الشعوب العربية ماتزال تقاوم بطريقة أو بأخرى، كل مشاريع السيطرة ولو إلى حين، والخوف كل الخوف، أن تبدأ هذه المقاومة بالضعف؛ مع غياب أية مشاريع وطنية أو قومية، للخروج من دائرة الطحن اليومي الذي يمارس عليها، مستهدفاً ثقافتها ودينها ولغتها وهويتها ولحمتها الوطنية التي تتآكل يوما بعد يـوم .  

وثمة أمل.. وإن طال الزمن وتكاثر الأعـداء .

التعليقات مغلقة.