الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إطلالة على التجربة الثورية لجمال عبد الناصر وعلى فكره الاستراتيجي والتاريخي

ثانياً- فكر عبد الناصر في جدلية تقدمه ونضجه من الثورة الوطنية إلى الثورة الكاملة والاشتراكية العلمية (1/4)

الدكتور جمال الأتاسي

دمشق – 1981

ثانياً- فكر عبد الناصر في جدلية تقدمه ونضجه: من الثورة الوطنية إلى الثورة الكاملة والاشتراكية العلمية (1/4)

ثانياً- فكر عبد الناصر في جدلية تقدمه ونضجه
من الثورة الوطنية إلى الثورة الكاملة والاشتراكية العلمية
(1/4)

” إن حركة الجيش ما قامت إلا لتحرير الوطن وإعادة الحياة الدستورية السليمة للبلاد، وإن كل هدفنا أن نوفر للشعب حرية كاملة لا يمكن سلبها… “. تلك كانت الكلمات العلنية الأولى التي سمعتها الجماهير من عبد الناصر، وعرفت فيها الجماهير لأول مرة صوت عبد الناصر، عندما وقف ليتكلم باسم ” ثورة 23 يوليو ” في احتفال بذكرى شهداء الجامعة، أقيم في 15 تشرين أول (أكتوبر) عام 1952، وعندما أخذ يسترجع بداية تشكل وعيه الوطني والنضالي وهو طالب أيام دراسته الثانوية…

أما آخر كلماته، ولآخر مرة سمعت فيها جماهير الأمة صوته فقد كانت عندما وقف يختتم أعمال الدورة الرابعة للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي في 26 تموز (يوليو) 1970، حين قال:

” نحن نريد السلام ولكن السلام بعيد. ونحن لا نريد الحرب ولكن الحرب من حولنا. وسوف نخوض المخاطر مهما كانت، دفاعاً عن الحق والعدل … “. وقال أيضاً: ” إن النصر عمل، والعمل حركة، والحركة فكر، والفكر فهم وإيمان، وهكذا ترون أن كل شيء يبدأ بالإنسان… ” .

ومن كلمات البداية تلك إلى كلمات النهاية كان المسار التاريخي لمرحلة عبد الناصر، أو لرحلته الثورية الشاقة التي استمرت ثمانية عشر عاماً، منطلقة من انقلاب عسكري ينجز المهمة الأولى من مهمات الثورة الوطنية في إسقاط النظام الملكي الرجعي الاستبدادي واللا وطني، لتتحول إلى حركة ثورية مستمرة تتطلع إلى الشمولية وتأخذ أبعادها التاريخية. وهي مرحلة ملأها عبد الناصر بحضوره الدائم في حياة الأمة، لا كقائد سياسي من مستوى الرجال التاريخيين الكبار فحسب، بل وكموجه فكري وسياسي وأيديولوجي لحركة الجماهير، وكان صوته يرتفع مدوياً في كل مناسبة، وأمام كل حدث أو تغيير أو موقف، وكان فكره دائماً معلناً ومبسطاً يهز مشاعر جماهير الشعب ويشدها إلى الحركة ويناديها إلى العمل ويستنهض طاقاتها النضالية وتقدمها، بل إن الفكر السياسي لعبدالناصر، ظل طوال مرحلته، وبخاصة منذ انتصاره في معركة تأميم قناة السويس وصعوده كبطل من أبطال التحرر الوطني والقومي في العالم، أصبح هو المسموع من جماهير الأمة العريضة كلها قبل غيره. ومرت تلك السنوات العديدة وقد أصبحت كلمات عبد الناصر ومواقفه، المصدر الرئيسي لتوجهها النضالي نحو أهدافها. وفي أيام الأزمات، وفي مراحل الانتقال، وفي كل مناسبة تمر أو خطوة يخطوها عبدالناصر، بل وفي مواجهة أي تغيير أو حدث في الوطن العربي أو العالم، وأمام أية معركة تتفجر في أية ساحة من ساحات النضال العربي، كانت جماهير الأمة تنتظر كلمة عبد الناصر والوقفة التي سيقفها والتوجه الذي سيتوجهه.

إننا إذا ما جئنا نحاول اليوم استعراض الفكر السياسي لعبد الناصر في مساره الاستراتيجي والتاريخي وفي مسار ممارساته وتجربته، واستكشاف مراميه وأبعاده، لوجدنا أمامنا بالدرجة الأولى ما فاضت به خطبه في مختلف المناسبات، بل وكثيراً ما كان يبتكر المناسبة في زحمة الأحداث، ليخاطب وعي جماهير الأمة وليعلن موقفه أمام العالم . ثم إلى جانب تلك المجموعة الغنية من الخطب الجماهيرية، أحاديثه وندواته الصحفية، وجلسات الحوار والنقاش التي أدارها في إطار اللجان والمنظمات والقيادات السياسية والشعبية ورسائله، وما تناقله عنه من التقوا به ومن عايشوه وعاشوا تجربته عن قرب. فعبد الناصر لم يترك لنا كتباً ولا مؤلفات، في مواضيع فكره ومنظوره، وما كان ذلك ممكناً ولا مطلوباً منه من حيت دوره وموقعه، ولقد قالها مرة ” لو قعدت أؤلف كتاباً عن منظورنا للثورة أو عن نظرية الثورة، لما قمنا بالثورة… “. فهو لم يترك من مؤلفات إلا ذلك الكتيب الصغير ” فلسفة الثورة “، الذي كتبه في فواصل متقطعة عام 1953، بل قطعته الأحداث، كما يذكر في الكتاب، ثلاثة أشهر قبل أن يعود لكتابة فصله الأخير، وهو ما كتبه في حينه إلا ليؤكد في وجه الآخرين من نقاده ومعارضيه، أنه لا يمضي على طريق ممارسته الثورية من تجريبية أو ممارسات تكتيكية صرفة، وإنما من خلال استيعاب تاريخي ومن منطلق ثوري أصيل ومبدئي، ومن منظور استراتيجي مستقبلي وبعيد المدى… وكتاب ” فلسفة الثورة “، جاء والثورة في مرحلتها الأولى، بل وقبل أن تصل القوى المتحالفة ( وعلى صعيد ضباط الجيش أولاً ومن ثم على صعيد المجتمع أيضاً من خلال الانتماءات الطبقية والفكرية والصلات الحزبية والسياسية لضباط الجيش)، لحسم في مواقفها ولصياغة التكوين الأول والثابت لنظامها. وما تركيزنا على معطيات كتاب ” فلسفة الثورة “، وهو لا يحمل فلسفة ولا ثروة أيديولوجية وفكرية كبيرة، إلا من خلال واقع، وهو أن هذا الكتاب جاء يحمل دليلاً على أن البرنامج الثوري الضمني لعبدالناصر كان متقدماً- ومن حيث استيعابه الثوري والتاريخي- على جميع العناصر والقوى المتحالفة معه (على يمينه أو على يساره أو محسوبة كذلك). ومن خلال هذا الاستيعاب استطاع أن يحسم في ” أزمة مارس عام 54 “، وأن يمسك بزمام السلطة على أساس برنامجه هو، وأن يسقط بقايا النظام القديم، وأن يسقط معه بعضاً من حلفائه المتخلفين، وأن يمضي على طريق الثورة، وكذلك كان شأن عبدالناصر بعد ذلك، وفي كل طور من أطوار صعوده الثوري .

ولكن الوثيقة التي صاغها فكر عبد الناصر السياسي والثوري، تلك الوثيقة التاريخية التي ما إن وصل إليها حتى ظل ممسكاً بها حتى النهاية، فهي ” الميثاق الوطني ” الذي قدمه عام 1962، والذي اعتبره وظل يعتبره تلخيصاً لتجربته الثورية في النضال والحكم بعد عشر سنوات من الممارسة، ومن التعلم من ( تجربة الخطأ والصواب)، ومن أطوار الانتقال. ولقد قدمه دليلاً للعمل لمرحلة أساسية من مراحل ” التغيير الثوري “، لثورته الوطنية الديمقراطية، وهي المرحلة التي اعتبر فيها أن عملية الثورة الوطنية وما أنجزته من مهمات، وأن تجربة العمل الوحدوي وما كشفته من ثغرات وما وضعته من عثرات على طريق امتداد الثورة في بعدها الأفقي وإطارها القومي، لا بد أن تدفع بالثورة على طريق الحسم لتمد جذورها عميقة، وتأخذ مضامينها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية كاملة، أي لأن تنتقل إلى طور الثورة الكاملة، وأن تبدأ ببناء نموذج عربي للثورة الاشتراكية .

وما بين ” فلسفة الثورة ” و ” ميثاق العمل الوطني “، أعطى الفكر السياسي لعبد الناصر الكثير من الشروح ومن التوضيحات والتفاصيل، واستقر عند ” الميثاق ” لا لأن ذلك الميثاق كان يجسد غاية ما يفكر به ويتطلع إليه فهو ما كان بنظره إلا دليل عمل مرحلي، بانتظار أن تقدم الممارسة، وأن يقدّم الجيل الجديد للثورة، صياغة أيديولوجية أكثر وضوحاً وحسماً، وصيغة ديمقراطية أكثر حرية وأكثر تقدماً… وكان تقديره، كما أشار في عدد من المرات إلى أن الخطة الثورية التي يرسم معالمها الميثاق هي لمرحلة تبقى في حدود السنوات العشر. وإذا ما أثبتت مجريات الأمور أن الميثاق حمل تفاؤلاً أكثر مما يقدم الواقع، وواقع ما بناه عبد الناصر بالذات، فإن العودة إلى وثائق الفترة التي قدم فيها عبد الناصر الميثاق، وما دار من مناقشات تمهيداً له أو بصدده، بين مجموع القيادات السياسية والثقافية المصرية في ذلك الحين، أو ما وجه إليه بعد إعلانه، من انتقادات في أوساط اليسار العربي، وبعد كل ما وُصف به من قبل البعض بأنه تعبير عن فكر وسطي وغير حاسم في ثوريته، أو بأن يظل ” تعبيراً عن فكر بورجوازي صغير “، فذلك على أن عبد الناصر كان الأكثر تقدماً في مرحلته، وظل تعبيراً عن أن عبد الناصر وبرنامج عبد الناصر، متقدم على المعطيات الأيديولوجية والسياسية للقوى المحيطة به والمتحالفة معها جميعها… وفي هذا كله الدليل على ” الإرادية ” الثورية لعبد الناصر، أي أن تصميمه وتفكيره كانا يذهبان إلى قدرته- من حيث دوره السلطوي وإمساكه بزمام الدولة ومن حيث دوره الجماهيري التحريضي والثوري الدافع بوعيها ونضالها إلى أمام- على أن يختصر الزمن وأن يحقق ضرباً من النقلة النوعية أو الطفرة التاريخية .

إن استكشاف فكر عبد الناصر السياسي في مساره العام ليس بالأمر الصعب، فلقد كان في أكثر الأحوال فكراً مبسطاً لا لبس فيه ولا تعقيد، بل كان يأتي دائماً في المستوى الذي يعيه ويستوعبه الناس جميعاً. إلا أنه يظل في مجمله فكراً يصعب حصره وتصنيفه مباشرة ضمن المعايير الأيديولوجية المأخوذ بها في تصنيف الأفكار السياسية وتصنيف النظم التي تقوم على أساس من هذه الأفكار، وتصنيف الثورة ومراحلها. فثورة عبد الناصر كانت الثورة المستمرة المتداخلة المراحل والمتعددة البرامج والمهمات، وفكر عبد الناصر السياسي ذاته كان حركة نضج تتقدم باستمرار، وليس من خلال التعلم من التجربة والمعاناة فحسب، بل ومن خلال جهد دائب في التثقف والتعلم والمتابعة والاطلاع. وهو إذ لم يجد حركة نهوض فكري ثوري صحيح من حوله، ولا من يقدم المستند الأيديولوجي الذي يحتاجه في توجيه عملية التغيير الثوري أو يطابق خصوصية المرحلة وما تحتاجه حركة الانتقال من ذلك ” التخلف المريع ” الذي ألقى بأثقاله على واقع الأمة، إلى مستوى العصر ومنجزاته العلمية والثقافية ومتغيراته الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة… وإذا لم يجد أمامه إلا مقولات عامة وعموميات، وشعارات وأحلام وأمنيات، فلقد وجد نفسه مطالباً أيضاً بتكوين وعيه الثوري الذاتي وأيديولوجيته الخاصة. وهذا المخاض من الوعي والنضج كانت له جدليته أيضاً في تعامله مع حركة الأحداث وحركة الممارسة، وهذا ما لم يقدمه لنا عبدالناصر كتابة أو خطابة، إلا في القليل، بل كان يقدم أمامنا محصلة ذلك، في النقلات التي كان يتنقلها بممارسته، كما يقدمها لنا في مقولاتها العامة كما استخلصها، ونجدها أمامنا ناظمة لحركته ومساره… ومن هنا يأتي الاختلاف في الأحكام التي كانت وما زالت تطلق، على الصيغة الأيديولوجية، أو الخلفية النظرية التي يتوجه منها عبدالناصر في مساره العام، أو في كل مرحلة من مراحل ثورته .

إن تمثل عبدالناصر للفكر القومي العربي الأكثر تقدماً، كان محصلة راهنة ومجسدة أمامنا، في مواقف عبدالناصر النضالية وفي أقواله وممارساته، ولكن إذا كان المحك في الموقف الأيديولوجي، هو النظرة الاجتماعية والاقتصادية أيضاً، فلقد كان ذلك موضوعاً لتساؤلاتنا واهتماماتنا ونحن ندفع ونندفع إلى الوحدة. وفي لقاء جرى في خريف عام 57 مع الأستاذين عفلق والبيطار، في إطار المكتب السياسي لحزب البعث وكانا عائدين لتوّهما (أو واحد منهما) من القاهرة ومن محاورات دارت مع عبد الناصر، تساءلنا إلى أين يمضي عبد الناصر من الناحية الاجتماعية- الاقتصادية. وما هو موقفه الاشتراكي أو موقفه من الاشتراكية. وأفاض الأستاذان في الحديث عن شخصية عبد الناصر وأفكاره، وقالا: إننا وعبد الناصر على لقاء تام من حيث الفكر القومي ممارسةً ونضالاً ومن حيث التوجه الوحدوي استراتيجيةً وإطاراً، أما من حيث التوجه الاجتماعي- الاقتصادي، فعبد الناصر آخذ بطريق الاقتصاد الموجه ولكن همه وشاغله الكبير اليوم يتجه إلى خطط التنمية والتخطيط الاقتصادي الذي يركز على التصنيع وبناء القاعدة الصناعية الأساسية للتقدم، وهو يريد أن يعرف وأن يتثقف ويطلع. لقد عرفنا أنه مُنكب الآن على دراسة علم الاقتصاد السياسي، وهناك مجموعة من حوله مكلفة بأن تجمع له المصادر وأن تلخص أمهات الكتب في هذا المجال. ثم إن من الواضح انفتاحه لمعرفة تجارب التطبيق الاشتراكي وللتأثر بالفكر الاشتراكي العلمي وبخاصة من خلال صلاته واحتكاكاته بقيادة دول ” عدم الانحياز ” والكثير منهم ماركسيون أو من المتأثرين بالفكر الماركسي. وذكروا أن عبد الناصر قال لهم بأنه لا بد وأن يسير بنهجه وتخطيطه الاقتصادي، على طريق التحويل الاشتراكي على مراحل وأنه إذا ما أعلنها في البداية اشتراكية- تعاونية ديمقراطية، فإن الأمور ستتوضح أكثر في المستقبل وستأخذ طريقها المحدد.

إن السؤال الذي نطرحه على أنفسنا والذي نحاول، بهذا الجهد الذي نبذله في مراجعة تجربة عبدالناصر من جديد وفي استجلاء مسار فكره، أن نجيب عليه ولو في قليل، هو السؤال التالي: هل يمكن أن تقدم لنا تجربة عبدالناصر واستراتيجية عمله وممارساته، وميثاقه ومواقفه وآثاره، قاعدة ومنطلقات لصياغة أيديولوجية مطابقة لواقعنا، أي نظرية ومنظور يدلان إلى استراتيجية في التغيير الثوري العربي، للخروج من هذا الواقع وللمضي على طريق تحقيق أهداف الأمة؟

ذلك هو السؤال، ولنعد إلى عبدالناصر وفكره وكلماته، ولعل الاستشهاد هنا ببعض من كلماته تحرض الذهن، وتقدم الدليل على ما كان عليه حسه الجماهيري والحس التاريخي والإحساس بنبض حياة الأمة، وما كان عليه تصميمه الثوري. ولنقف عند لحظة من تلك اللحظات التاريخية التي مر بها عبد الناصر بعد أزمة ” الانفصال ” مباشرة، ووقف ليؤكد تصميمه الثوري وليدفع على طريق الثورة الكلية أو الشاملة .

قال عبد الناصر في خطاب له في 16 تشرين أول (أكتوبر) عام 1961 موجّه إلى جماهير الأمة: ” لقد دقت الساعة التي يتحتم فيها على كل مواطن أن ينتبه لما يجري من حوله على امتداد الأرض العربية كلها، فنحن الآن على نقطة من نقاط التاريخ الحاسمة في مصير الأمم… وليس أمامنا غير أحد موقفين: أولهما أن تخدعنا الأمور فنقف جامدين لا نتحرك… أو تفلت منا حركة عصبية على غير هدى، ومن ثم نفقد إحساسنا بالزمان والمكان، ويضيع منا الاتجاه الصحيح… وثانيهما أن نعي حقائق الأمور، وأن نمضي في حركتنا بقوة أكثر واندفاع أشد في طريق واضح نعرف أهدافنا عليه… واصلين بالمقدمات إلى نهاياتها الصحيحة… مهما كانت التضحيات ومهما طال المدى… لقد قضيت الأيام الأخيرة كلها أفكر وكنت بمشاعري مع شعبنا العظيم في كل مكان، في القرى وفي المصانع، في الجامعات وفي المعامل، في المواقع الأمامية في خط النار المواجه للعدو مع جنودنا، وفي البيوت الصغيرة المضيئة بالأمل في مستقبل أفضل وكنت مع هؤلاء جميعاً، مع الفلاحين والعمال والمثقفين والضباط والجنود، أحاول أن أتحسس مشاعرهم وأن أتفاعل بفكري مع فكرهم. كانت أصابعي على نبض هذه الأمة… وكانت أذناي على دقات قلبها… كنت أريد أن يكون اختياري صدى لاختيارها، وكنت أريد أن يكون موقفي تعبيراً عن ضميرها… وكان قراري وكان اختياري: أن طريق الثورة هو طريقنا، أن الاندفاع بكل طاقة إلى العمل الثوري هو المفتاح الوحيد لكل مطالب نضالها الشعبي، وهو الوفاء الأمين بكل احتياجات جماهيرنا المؤمنة المصممة على الحرية بكل صورها الاجتماعية والسياسية ” .

ومضى عبد الناصر في خطابه هذا يؤكد النقلة النوعية على طريق التحويل الاشتراكي نحو تكامل الثورة وشموليتها، بعد عملية نقد ذاتي لنظامه في مساره الماضي ومسار تجربة الوحدة، وأنهى خطبته بهذه الكلمات التي تعبر عن واقعه وعن التزامه المصيري: ” لقد أعطيت لهذه الثورة عمري. وسيبقى لهذه الثورة عمري… لقد أعطتني هذه الأمة من تأييدها ما لم يكن يخطر بأحلامي وليس عندي ما أعطيه لها غير كل قطرة من دمي ” .

لقد أعطى الثورة دمه، ولكنه أعطاها أيضاً فكره وإرادته .

______________

يتبع..

ثانياً- فكر عبد الناصر في جدلية تقدمه ونضجه: من الثورة الوطنية إلى الثورة الكاملة والاشتراكية العلمية (2/4)

التعليقات مغلقة.