الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985) لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية ..المـــوقـــف السيـــاســـــي

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي                                                                         حرية * اشتراكية * وحدة

       في سورية 

                                                             (من وثائق المؤتمر السابع)

                                                                     *      *      *

                                                 تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)

                                             لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية

                                                     *                         *                        *

                                                                           –     ٥     –

المـــوقـــف السيـــاســـــي

 ===============

      عندما انتقل المؤتمر إلى مناقشة مواقف حزبنا السياسية العامة، حسب تسلسل المواضيع في جدول الأعمال المقرر تركز اهتمام الأعضاء في مداخلاتهم على القضايا السياسية الحادة في المنطقة العربية، سواء تلك التي تشكل تهديدات مباشرة لوجود الأمة العربية ومستقبلها، أو تلك التي تعبر بشكل صارخ عن تدهور الأوضاع والعلاقات العربية وعن الصراعات القائمة بين النظم والتكتلات العربية في تضارب مصالحها وسياساتها وارتباطاتها الدولية، والتي أصبحت تُهدد عدداً من الأقطار العربية بالتمزق والانقسام الطائفي والعشائري وبالحرب الأهلية، أو بمزيد من الاستبداد ومزيد من التقهقر الاقتصادي والسياسي ومزيد من التابعية ومزيد من الضياع عن الأهداف القوميـة .

      و تُلي أمام المؤتمر التقرير السياسي المقدم من اللجنة التحضيرية، ولقد تناول التقرير تحليلاً للأوضاع السياسية الدولية والعربية ومعطياتها الراهنة، كما تناول بالتحديد عدداً من القضايا العربية الساخنة والمواقف التي اتخذها حزبنا فيها في نشراته واتصالاته، والمبادئ التي ينطلق منها في اتخاذ هذه المواقف.. فبَحثَ في القضية الفلسطينية والمسارات الخطيرة والضائعة عن الهدف القومي التي يسير فيها دعاة الاعتدال والتسوية أو أدعياء الصمود والتصدي والأزمة الانقسامية والتقسيمية التي تمر بها الثورة الوطنية الفلسطينية وحركة المقاومة ومنظمة التحرير كما تناول الحرب العراقية الإيرانية وما تهدد به استمراريتها من كوارث، وكذلك الأزمة اللبنانية الرهيبة والمدمرة والتي لا تجد أمامها أي مخرج وطني أو ديمقراطي، وغير ذلك مـن المسـائل .

      وبعد مناقشة التقرير السياسي واستعراض سلسلة المواقف التي اتخذها حزبنا في نشراته وتحليلاته السياسية أو عن طريق “التجمع”، أكد أعضاء المؤتمر على سلامة المواقف التي اتخذها حزبنا من هذه القضايا وصحة توقعاته.. ولقد وافق المؤتمر على ما جاء في التقرير السياسي من آراء ومواقف بعد أن أخذ عليه عدد من الأعضاء عدم إيفائه المسائل الدولية والصراعات العالمية حقها من التحليل والبحث، وكذلك أخذت عليه عدم إحاطته بكل المسائل والمشكلات العربية.. وقرر المؤتمر إصدار التقرير السياسي في نشرة خاصة تعبيراً عن الموقف الذي اتخذه المؤتمر من القضايا السياسية المطروحة (وقد صدرت بالفعل هذه النشرة قبل إعداد هذا التقرير عن أعمال المؤتمـر) .

      وقرر المؤتمر بناءً على طلب عدد من أعضائه، اعتماد الأجوبة التي أجاب بها الأمين العام على عدد من الاسئلة التي طرحها عليه مراسل مجلة ناصرية كوثيقة من وثائق المؤتمر ونشّرَها بين وثائقه المُعلنة، كتعبير عن وجهة نظر حزبنا في مواجهة الواقع العربي المتأزم، وخاصة ما جاء تحديداً كتبيان لوجهة نظر حزبنا في القضية الفلسطينية عموماً وفي الأزمة التي تمر بها منظمة التحرير وحركة المقاومة، وفي دور مصر القومي وحركة الـمعارضة الوطنية المصرية، وفي معالجة المأزق اللبناني الخطير إنسانياً ووطنياً وقوميـاً.

      ولقـد ذهب المؤتمر إلى الأخذ بما جاء في تلك الإجابات من تحديد للمهمات المرحلية والمستعجلة التي يطالب حزبنا بالنضال في سبيلها، لتعزيز المقاومة العربية للحلف الصهيوني الأمريكي المعادي لأمتنا، والوقوف في وجه عمليات تصفية القضية الفلسطينية، و لسد الثغرات الخطيرة التي حدثت في جسم هـذه الأمة، والتي يُراد لها أن تتسع لتقطع طريق المستقبل وطريق التحرير وطريق الوحدة.. وأقر تثبيت هذه المهمات والمناداة بها كما يـلــي :

   ا – صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاستعمار الاستيطاني على أرضه؛ فلا بد أن يوجه الاهتمام الأول لدعم ومساندة وتأييد من يقفون في موقع المواجهة الأولى مع العدو الصهيوني ومخططاته، إلى جماهير الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة الذين يحملون القضية في معاناتهم اليوم وبكل حياتهم ودمهم ومصالحهم المهدورة، ليظلوا صامدين على أرضهم وفي مواقعهم فـلا تنكسر مقاومتهم الباسلة أو تستسلم، وليظلوا واثقين بأن أمتهم معهم، وإن أقّعدَت قواها النضالية عنهم ولكن إلى حين، حواجز النظم وأسوار استبدادها وإرهابها.. ولا بد أن تولي المقاومة الوطنية الشعبية للنفوذ الإسرائيلي والوجود الصهيوني على أرض لبنان كل الدعم والتأييد، وكذلك أية مقاومة شعبية عربية تنهض في مواقع الاحتكاك مع العدو الإسرائيلي، فحدود الاحتلال الصهيوني لا يجوز أن تبقى آمنة، ولا يجوز أن تعتبر تحت أي مبرر أو أيةِ ذريعة حدود أمن لإسرائيـل .

   ۲- مساندة حركة المقاومة الفلسطينية في تجديد وحدتها الوطنية ممثلة بالمجلس الوطني الفلسطيني ومنظمة التحرير الموحدة والفاعلة، بمنأى عن احتواءات النظم وضغوطها وعن ألاعيب التسوية التي يستجرها مـن تنازل إلى تنازل تفريطاً بالحق وإنهاءً لمشروعيتها الثورية.. فأكبر دعم يمكن أن يُقدم اليوم للقضية الفلسطينية ولصمود الشعب الفلسطيني في وجه مؤامرة إنهاء الوجود، هو في أن تسترد حركة المقاومة عافيتها ووحدة توجهها وتصميمها، وأن تستعيد منظمة التحرير بالديمقراطية وحدتها وتجدد صياغـة بنائها الوطني الموحد ومنهج عملها كقيادة نضالية للشعب الفلسطيني كله، وكطليعة أساسية من طلائع نهوض الأمة، وذلك ببناء تلاحمهما العضوي أولاً مع جماهير شعبها داخل الأرض المحتلة وفي المخيمات والمهاجر، وأن تصوغ تلاحمها مع القوى الشعبية العربية تعزيزاً لها وتعززاً بها، لتتسع وتقوى معها في جبهة قومية نضالية موحـدة.

   ۳- استرجاع المواقع الاستراتيجية العربية الأساسية التي كانت تشكل الحلقة الأولى والصُلبة في حمل مهمات تحرير الأمة وتقدمها وفي مواجهة العدوان والتآمـر عليها وفي التصدي للحلف الصهيوني- الإمبريالي المعادي لهـا، تلك المواقع التي أسقطتها حركة الردة.. ونقصد هنا بالبداهة أولاً مصر، مصر عبد الناصر وما كانتّه وما فعلتّه، وما مدتّهُ من جسور استراتيجية للنضال العربي وما أعطتّه من رصيد للمواجهة العربية الشاملة، مصر الشعب والوطنية والتحرر والثورة، ومصر حصن القومية العربية وموئل مناضليها وثوارهــا.

      تلك ولا شك مهمة حركة المعارضة الوطنية الديمقراطية في مصر أولاً وهي تتقدم اليوم وتنمو وتناضل في سبيـل التغيير.. إنهـا مهمتها أولاً في إخراج مصر من مسار الردة الساداتية و نهج كمب دافيد، لتأخذ مصر مكانها من جديد على رأس حركة التحرر العربي والوحدة العربية، ولكنها أيضاً مهمة القوى الوطنية العربية كلها، في أن تدفع على هذا الطريق، وأن تقدم المساندة والتأييـد .

   ٤- سد الثغرات التي تعصف منها رياح الدمار، وتتهدد الوجود القومي والوطني للأمة بالتبعثر.. والتي يُراهن أعداء الأمة عليها مدخلاً لدويلات الطوائف والميليشيات الطائفية والعشائرية.. إنها ثغرة لبنان المُتمزق الذي لا يجد مخرجاً وطنياً من تمزقه، والثغرة التي تفتحها الحرب العراقية الإيرانية التي لا تنتهي فلا بد من وقفة عربية واحدة تفرض على إيران مصالحة معقولة مع العراق تنهي هذا التدمير والتدمير الذاتي الرهيب وتضع العراق أمام مسؤولية إعادة بنائه الوطني وأمام مسؤولياته القومية على بوابته الغربية في مواجهة العدو الصهيوني، وكذلك لتوظف الطاقات الوطنية لإيران الشقيقة في الإسلام، في النضال ضد العدو المشترك، أي ضد الزحف الصهيوني- الإمبريالي في المنطقة.. وكذلك لا بد من وقفة واحدة الى جانب لبنان الوطني، تعطي الطمأنينة والأمل من جديد لإسلامه ومسيحييه يحل التآخي الإنساني وإرادة العيش المشترك بسلام، محل العصبيات والتذابح والتخاطف التهجير والدمار، ليحقق شعب لبنان التحرير الكامل لترابه وأهله والتلاحم الوطني على ثوابت ديمقراطية يتجاوز بها محنته العسيرة، وليعيد بناء لبنان الوطني العربي من جديد .

      إن هذه المهمات ولا شـك ليست بالمهمات التي يؤدي إنجازها إلى تحرير فلسطين وشق الطريق إلى الوحدة، ولكنها مهمات مرحلية للفعل في الحاضر والتصدي للمخاطر، لكي لا ينقطع طريق المستقبل، طريق التحرير وطريق الوحـدة.

                           *            *       *        *            *

      وقد أخذ عدد من أعضاء المؤتمر في مداخلاتهم على القيادة، الفواصل الزمنية المتباعدة لنشرات الحزب وتقصير جريدة الحزب ووسائل نشره عن متابعة حركة الأحداث بشكل متواصل، وكذلك التقصير في تعميم مواقفنا المُتخذة وإيصالها إلى الآخرين وطالبوا ببذل الجهود واختيار الوسائل التي تساعد على تلافي هذا التقصير، وأشاروا أيضاً إلى أننا إذا كنا اليوم، ومع حلفائنا الديمقراطيين في العمل الوطني والقومي، وتحت وطأة نظم الإقليمية والاستبداد وملاحقاتها، مازلنا في موقع الضعف وعدم القدرة على التأثير الفعال في مجرى الأحداث، فلا أقل من أن نظل حركة نقد مستمرة لهذا الواقع، وأن نتابع بدقة ما يجري وأن نتملك إحاطة واعية بكل ما يقع من تطورات، ليكون لنا فعلنا وتأثيرنا في الوعي السياسي العام لجماهير شعبنــا.

      وبهذه المتابعة والنقد المستمر والإحاطة الواعية لا بد أن نتسلح لكشف السياسة الانتهازية والكاذبة لنظام الحكم، وللرد على التهم اللئيمة والمُلفقة التي يحاول إلصاقها بمعارضتنا الوطنية الديمقراطية ليبرر لأجهزته ملاحقتها وخنقها.. فهذا النظام الذي دمر الإرادة الوطنية الموحدة لجماهير الشعب وبعثر طاقاته وقواه و فتت روابطه الاجتماعية والثقافية ووضع قواه المنتجة وعلاقات الإنتاج على طريق الفوضى والضياع، وشوه العلم والتعليم وجعلهما مطية لمصالح وسيطرة الفئة الحاكمة، وانحدر بالاقتصاد الوطني أيما انحدار ليوقعه في التابعية الكاملة وليعم الفساد ونهب الثروات الوطنية وتبديدها ولتسود أنماط من الاستغلال والتمايز الطبقي والتفاوت في الثروات والدخول بشكل لم يسبق له من مثيل، وليهبط المستوى المعيشي لقطاعات واسعة من الشعب إلى الكفاف وما هو دون الكفاف… هذا النظام يُغطي على ذلك كله بالشعارات الكبيرة والانتصارات الخارجية “العظيمة” التي يدعيها، فهو لوحده قلعة الصمود العربي وهو الواقف في “الخندق” الأمامي الأول في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والرجعية ومن هذا المنطلق فهو يتهم كل معارضة وطنية له بالضلوع في مخططات التآمر الإمبريالي والصهيوني والرجعي الموجهة ضده أو بالعمل مباشرة أو بصورة غير مباشرة في خدمة تلك المخططات، وعلى أساس من هذه الدعاوى والادعاءات يُنّزِل بها عقابه الصارم، هذا بينما تتغلغل في أحشاء طبقته البيروقراطية والطفيلية السائدة الارتباطات بالمصالح والعلاقات الإمبريالية، وبينما يتلقى أكبر دعم مالي وسياسي له من أعتى النظم الرجعية في المنطقة.. إن هذا النظام قد أتقن فقط لعبة التعامل مع التوازنات الدولية والاقليمية ليتقوى بها ولعبة تجميد القضايا لتبقى، شعارات ومطالب مؤجلة التنفيذ.. والمعارضة الوطنية الديمقراطية عندما تسجل على نهجه في التعامل مع القضية الوطنية اللبنانية الفشل مع كل ما فُتح له فيها من أبواب وعند ما تُدين ما ألحقه من أذى بالحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وقوى المقاومة، وعندما  تُدين تحالفه مع إيران ضد العراق وشعبه ذلك التحالف المرفوض وطنياً وقومياً بل وإنسانياً أيضاً فإن هذه المعارضة لا تُحرك عنده مراجعة لسياساته ونهجه، بل هو مُصر على الاستمرار فيها، ولا يأخذ بمواقف المعارضة الوطنية من هذه القضايا إلا أنها مستمسكات عليها تبرر له البطش بهــا.

      ولقد قرر المؤتمر بهذا المعرض، متابعة الحزب لهذه القضايا وتوضيحها باستمرار، من خلال المبادئ والمنطلقات السياسية التي نعتمدهــا .

                     *                  *                  *

      وانتقل المؤتمر بعد ذلك إلى استعراض الظروف والعلاقات الدولية وانعكاساتها على سياساتنا العربية والقطر، واذ لم يكن بين يديه ورقة عمل أو تقرير مُعد حول هذا الموضوع ليناقشه، فقد اكتفى أعضاء المؤتمر بتثبيت عدد من الملاحظات والتوصيات، والتأكيد على المبادئ والمنطلقات الناصرية التي توجه أحكامنا على تلك الظروف والعلاقات والسياسات الدولية، وطالبوا بأن توضع دراسة وافية عن السياسة الدولية وتعاملنا معها، لتناقش أمام اللجنة المركزية القادمة، وصولاً إلى منظور متكامل في سياستنا الوطنية والقومية والدولية.. ولقد سجل المؤتمر عدداً من التوجيهات العامة للأخذ بهـا:

     أ- في هذه المرحلة من التراجع الوطني والقومي ومن ضياع المعايير السياسية والأخلاقية الثابتة ومن تمادي تغلغل النفوذ الأجنبي والاستغلال الإمبريالي لوطننا العربي، تثبيتاً للتجزئة الإقليمية والتخلف وإيقاعاً في التابعية، لا بد من التأكيد أولا وقبل كل شيء على المنطلق الوطني (وعلى التحرر الوطني من كل أشكال التابعية السياسية منها والاقتصادية والثقافية)، في رسم نهجنا السياسي وفي الحكم على الأحداث واتخاذ المواقف، وأن نقدم مصلحة شعبنا في الوحدة العربية على المصالح الجزئية والإقليمية، وأن نحدد مواقفنا من الدول الأجنبية والقوى الدولية حسب تعاملها مع قضايانا القومية وبخاصة قضية فلسطين، انطلاقاً من المبدأ الناصري الذي نص عليه الميثاق الذي يؤكد: “إن السياسة الخارجية لأي وطن من الأوطان لا بد أن تكون انعكاساً أميناً وصادقاً للعمل الوطني لشعبه”.

     ب – إن تأكيدنا على المنطلق الوطني والقومي، والتركيز على المصالح العامة لشعبنا وحاجاته وتوجهاته في تحديد معالم سياستنا الخارجية وصياغـة علاقاتنا مع دول العالم وفي التعامل مع الصراعات والتحالفات الدولية، لا يعني بأية حال التعصب ولا الانغلاق على النفس أو الاكتفاء بالذات.. إلا أن ذلك المنطلق يبقى معياراً أساسياً لكي لا نقع في إسار التابعية أو ننحرف عن أهدافنا الاستراتيجية ومعاييرنا الأخلاقية الإنسانية ونؤكد في الوقت ذاته على أن قضية تحررنا لا تنفصل عن قضايا التحرر والتقدم لكل شعوب العالم، فما من وقت تشابكت فيه قضايا الشعوب ومصالحها وتبادلاتها واتصالاتها كما هي عليه الحال اليوم.. كما أن الواقع الدولي وما يتمخض عنه من أزمات وصراعات وما تعكسه عليها سياسة التوازن الاستراتيجي بين القوى العظمى، لها اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، انعكاساتها المباشرة على مسائلنا القومية ومشكلاتنا الاقتصادية والسياسية، كما لها تداخلاتها في الصراعات الإقليمية الدائرة في منطقتنا العربية ذات الموقع الاستراتيجي المتميز والغنية بالطاقة النفطية.. وهذا ما لا بد من وعيه واستكـشاف أبعاده ومتغيراته، ولكن سياستنا الوطنية تبقى هي المحك وتبقى الرصيد الثابت الذي يُمكِننا من أن نكون فاعلين لا منفعلين ولا تابعين، في تعاملنا مع الآخــرين .

     ج – إن المبادئ الأساسية للناصرية في السياسة الدولية، تلك المبادئ التي صعدت بها حركة تحررنا القومي منذ عام ١٩٥٦ ومنذ مؤتمر باندونج- سياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز كموقف من التكتلات الدولية وكعمل من أجل السلام العالمي، والتأكيد على مبدأ حق جميع الشعوب في تقرير المصير، والموقف المعادي للإمبريالية ومقاومة سياسة النهب التي تمارسها الرأسمالية العالمية واحتكاراتها الدولية، ورفض الأحلاف وإقامة القواعد العسكرية الأجنبية على الأرض العربية…– مازالت هي المبادئ التي يصح اعتمادها في تحديد الاختيارات السياسية والعلاقات الخارجية، ولكننا بحاجة لأن نطابق بينها وبين المتغيرات الكثيرة التي وقعت في الوطن العربي وأقطار ما يسمى بالعالم الثالث وفي العالمين الاشتراكي والرأسمالـي .

      فالنظرة المتفائلة التي سادت عند نهوض شعوب العالم الثالث بثوراتها الوطنية التحررية، وتطلعها إلى نظام عالمي جديد يقيم السلام العادل على الأرض والتعاون الحر بين الشعوب، ويضع حداً لسـباق التسلح والرعب النووي… ، إن ذلك المد التحرري يبدو اليوم في تراجعٍ كبير، وسياسة الحياد الإيجابي لدى أكثر النظم القائلة بها أصبحت اسماً بلا مسمى ولا مضمون.. والنمط الإمبريالي في الهيمنة العالمية يأخذ أشكالاً سياسية واقتصادية وعسكرية جديدة.. وسياسة التوازن الاستراتيجي بين الدولتين الأعظم والرعب النووي إذا استبعدا الحرب الكونية، فإن الحروب الإقليمية والجزئية تتفجر وتتواصل وتُهدد عدداً من شعوب العالم، وخاصة الفقيرة منها، بالـدمار.. إن النظام الرأسمالي بكل تناقضاته وظلمه  استغلاله لا يبدو في تراجع، بل هو يأخذ صيغة جديدة من حيث استخدام التقدم التكنولوجي والاحتكارات الدولية،  في تعميمه للأنماط الاستهلاكية في حياة المجتمعات الإنسانية، وكل ذلك يزيد من فاصل التخلف ويزيد الدول الفقيرة فقراً والدول الغنية عنىً، مما يزيد من التفاوت الطبقي والتفاوت في مستويات المعيشة وأنماطها بين الشعوب.. فالنظام العالمي السائد يقف عاجزاً عن معالجة مسائل الجوع الذي يتهدد مناطق عديدة في العالم، ومسائل تزايد السكان وتلوث البيئة… إن المعيار الأخلاقي والإنساني واحترام حقوق الانسان وحريته وكرامته هو الذي تراجع أمام مصالح الدول والفئات الحاكمة والطبقات المسيطرة والنظم.. وهذا الوضع العالمي يضع أمام السياسة الوطنية مهمة وضع المبادئ والأهداف التي أشرنا إليها آنفاً، في نهج مغاير للنهج الذي تسير عليه نظم التابعية.. وأن تصاغ العلاقات الخارجية بين الشعوب والدول على أساس من تلك المبادئ ومن خلال التطلع إلى نظامٍ عالمي جديـد.

                 ****************************************

يتبع.. «القواعد التي يقوم عليها برنامج العمل المرحلي والاستراتيجي للحزب» وهي الأخيرة

التعليقات مغلقة.