سونيا العلي *
يعود شهر رمضان على أهالي إدلب في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية قاسية، وخدمات متردية، وتحضيرات ضعيفة، بعد أن هجرتهم آلة القتل والتدمير لنظام الأسد وحلفائه، فلا يجدون ما يسد رمقهم، ويبحثون عن فرصة عمل تساعدهم على تحمل النفقات والاحتياجات التي تزداد خلال شهر الصوم، وتنشط الأعمال الخيرية التي تهدف لتلبية الاحتياجات الغذائية للنازحين، والتخفيف من معاناتهم اليومية طيلة شهر الخير.
أم ابراهيم (39 عاماً) نازحة من معرة النعمان إلى مخيم في بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، تعيش مع أولادها الخمسة بعد اعتقال زوجها من قبل نظام الأسد منذ أربع سنوات، تتحدث عن الأوضاع في شهر رمضان بقولها: “للعام الثاني نقضي شهر رمضان في مخيمات النزوح بعد أن هجرنا النظام السوري وهدم بيوتنا، واحتل مناطقنا .”
وتضيف أم ابراهيم: “الشهر أشدّ صعوبة، والحياة أكثر قسوة في المخيمات جراء ارتفاع درجات الحرارة، ونقص المياه والكهرباء والغذاء وجميع مقومات الحياة، كما يمثّل انتشار فيروس كورونا تحدياً آخر أمامنا .”
تؤكد أم ابراهيم بأنها تضطر للعمل في الأراضي الزراعية مع اثنين من أبنائها، تحت أشعة الشمس لتأمين قوت يومهم، كما تتحايل لتوفير لقمة العيش لأولادها، وتبحث عما يتوفر في السوق من خضار موسمية قد تكون رخيصة، إضافة إلى ما تحصل عليه من مواد غذائية عبر المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أنها تقوم أحياناً بجمع نبات الخبيزة من الجبال والأراضي القريبة من المخيم لإعداد وجبة الإفطار لأسرتها لتوفير بعض النفقات، مؤكدة أن أسعار الخضار مرتفعة، أما اللحوم فهي ترف لا وصول إليه .
كما يفتقد الكثير من أهالي إدلب للأجواء الألفة ولمة العائلة بجميع أفرادها حول المائدة الرمضانية، بعد أن تفرقوا بين اللجوء والموت والاعتقال.
أم علاء (50 عاماً)نازحة من مدينة سراقب، تعيش مع زوجها في منزل غير مجهز في مدينة إدلب، تجلس على مائدة الإفطار، وبعيون دامعة تتحدث لإشراق عن غياب الحياة عن أجواء رمضان هذا العام، وعن ذلك تقول: “أفتقد لوجود أولادي إلى جانبي في جميع المناسبات، وخاصة في شهر رمضان، فقد استشهد أحد أولادي جراء إصابة حربية منذ سنتين، فيما سافر الآخر إلى تركيا للعمل والإنفاق علينا، وابنتي تقيم مع زوجها في منطقة قاح بريف إدلب الشمالي، وبذلك بقينا لوحدنا نصارع الوحدة والنزوح .”
استجابة للأوضاع المعيشية المتردية انطلقت في إدلب خلال شهر رمضان العديد من المبادرات الإنسانية التي تهدف لتخفيف الأعباء عن الأهالي والنازحين الذين قد لا يجدون قوتهم بعد صيام يوم طويل .
خطيب الإدلبي مدير فريق تلمنس التطوعي يتحدث لإشراق قائلاً: “تعاني فئة كبيرة من الناس من ضيق العيش، ويعجزون عن توفير أمورهم المعيشية، وأدنى حاجاتهم الأساسية، لذلك نقوم خلال شهر رمضان بتوزيع وجبات إفطار للعائلات المحتاجة يومياً، كما سنعمل على إطلاق حملة لإكساء أطفال أيتام .” مؤكداً أن نشاط الفريق يتركز في عدة قرى وبلدات بريف إدلب الشمالي، منها معرة مصرين وكفريحمول، ومعارة الأخوان وباريشا وكفردريان وكللي وحزانو، وقد بلغ عدد المستفيدين 350 عائلة.”
ويبين الإدلبي أن الفريق يعمل بشكل تطوعي بالكامل، ويتلقى الدعم من قبل أصحاب الأيادي البيضاء.
أم أحمد (33 عاماً) نازحة إلى ريف إدلب الشمالي تستفيد من الوجبات الرمضانية بشكل يومي وعن ذلك تقول: “غلاء الأسعار يجعل خيارات إعداد المائدة الرمضانية محدودة، لذلك ننتظر بلهفة المساعدة والعون خلال شهر رمضان من قبل الفرق التطوعية، التي تخفف عن كاهلنا المثقل بالأعباء .”
كذلك فريق “الاستجابة الطارئة” يعمل على وفاء ديون الفقراء والمحتاجين الذين يعجزون عن سدادها، وعن ذلك يتحدث لإشراق مدير الفريق دلامة العلي بقوله: “الكثير من الفقراء لا يملكون نفقات الحياة اليومية في ظل شح فرص العمل وانتشار الفقر والغلاء، فيلجؤون للاستدانة لتأمين احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي دفعنا لوفاء ديون الفقراء المسجلة في دفاتر محلات بيع المواد الغذائية، حيث قمنا حتى الآن بوفاء ديون 120 عائلة محتاجة.”
ويشير العلي إلى قيام الفريق بتوزيع اللحوم وسلل غذائية رمضانية على عدة قرى وبلدات في منطقة جبل الزاوية .
أما كمال الأسود من مدينة إدلب فقد قرر تعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي في رمضان من خلال عدم تقاضي بدل إيجار شهر رمضان من المستأجر النازح الذي يقيم في منزله، بهدف الإحساس بمعاناته والتخفيف من أعبائه، في ظل عدم توافر فرص عمل ومصادر دخل .
يستقبل أهالي إدلب شهر الخير، وسط ظروف صعبة وارتفاع في الأسعار ونقص كبير في جوانب متطلبات حياتهم اليومية، لتبقى مبادرات أهل الخير كفيلة بالتخفيف عن الأهالي والنازحين الذين أرهقهم الفقر والنزوح والغلاء.
* كاتبة صحافية سورية
المصدر: اشراق
التعليقات مغلقة.