حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية * وحدة
في سورية
(من وثائق المؤتمر السابع)
* * *
تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية
* * *
– ٣ –
فـــي العمـــــل الوطنـــــــــي (2/2)
= = = = = = = = = == =
وفي عام ۷۹ تم الوصول إلى تشكيل (البنية النواة) التي تألفت من خمسة أحزاب معارضة، واتفقت على ميثاق للعمل الوطني وقعت على الالتزام به قياداتها كما وضعت نظاماً داخلياً لتنظيم علاقاتها وعملها المشترك، وأكدت انفتاحها لكل القوى الوطنية الديمقراطية التي تتفق مع نهجها في العمل وفي النضال من أجل التغيير الديمقراطي.. وانتقلت هذه ((الجبهة الوطنية الديمقراطية)) النواة ((والتي غلب عليها بعد ذلك تسمية الحركة: التجمع الوطني الديمقراطي)) تلك التسمية التي اختارتها لنفسها حين أصدرت بيانها الأول الموجه إلى جماهير الأمة في ربيع عام ۱۹۸۰، إلى طور جديد في ممارسة نشاطاتها واتصالاتها والدعوة إلى الجبهة الوطنية العريضة، لمواجهة الأزمة الوطنية التي تمر بها سورية وإيجاد مخرج منها.. وصبت جهودها في البداية إلى جانب العناصر والمجموعات الثقافية و النقـابات المهنية التي أخذت تتحرك وتتجمع وتنشط وراء مطالب التغيير الديمقراطي وإطلاق الحريات العامة ورفع كابوس القمع والتسلط والاستبداد.. بل وحاولت أن تجد منبراً إعلامياً مشتركاً بين أطرافها، لنشر دعوتها وأفكارها وبهذا القصد أصدر حزبنا ذلك الحين كراسة ((الحوار مقدمة العمل، والديمقراطية غاية وطريق)) الذي كان مقرراً أن يكون مقدمة لمجلة مشتركة تصدر عن حركة التجمع وأنصارها، كما كان مفروضاً أن يمد (التجمع) نشاطه إلى خارج القطر ليلتقي بالقوى والتنظيمات العربية الشعبية الديمقراطية .
ولقد جاء تقرير ((العمل الوطني)) على استعراض للأحداث التي تفاقمت منذ بدايات عام ١٩٨٠ على الساحة الوطنية، وعن حركة النقد الديمقراطي التي أخذت تتصاعد من مختلف المواقع السياسية والثقافية الشعبية التي لا تقع في أطر الهيمنة الكلية للسلطة وأجهزتها، مُطالبةً بالتغيير، كما استعرض الدور السلبي الذي لعبته القوى الإرهابية الدينية والطائفية في اعتراض هذا المسار الديمقراطي وفي توجيه حركة الاحداث، في الوقت الذي لم تكن فيه حركة (التجمع) قد تكاملت وبلغت تنظيماً وتصوراً وتلاحماً وفي علاقاتها مع الحركة الشعبية ومع الآخرين طوراً متقدماً بحيث تستطيع الإمساك بزمام المبادرة في توجيه حركة الاحداث أو نقلها من وضعها العفوي ومواقعها المتفرقة إلى حركة فعل جماعي وتأثيـر .
وحاولت السلطة في البداية الالتفاف من حول هذا التحرك الديمقراطي الشعبي واحتوائه كما حاولت تفتيت حركة التجمع واحتوائها ودعت أطرافاً منها للحوار والتعاون مع جبهة النظام تحت شعار مواجهة (الردة الرجعية السوداء) واحتوائها والتصدي للأخطار والمؤامرات الخارجية مع الوعد بالإصلاح.. ولما فشلت مناورة أدوات السلطة في عملية الاحتواء تلك، اتخذت السلطة من التحركات الفوضوية والإرهابية التي برزت إلى الساحة في معارضتها الذريعة الكبرى (كما هو شأن كل نظام فاشي)، لسحق الحركة الشعبية في مجموعها، ولممارسة كل أنواع البطش والإرهاب السلطوي الدموي ضد كل قوى المعارضة، وكأن تلك التحركات جاءت كاشفاً لكل المواقع الاجتماعية والثقافية ولكل القوى السياسية المعارضة أو الخارجة عن أطر هيمنة النظام وأجهزته، وهكذا فرض هيمنة أجهزته بالإرهاب والقتل وحملات الاعتقال والتعذيب والقمع، على النقابات المهنية وعلى المجموعات الثقافية بل ومدَ هذه الهيمنة إلى المساجد والكنائس وإلى كل المنظمات والمواقع الشعبيـة .
ولقد أوضح التقرير أن أحزاب (التجمع) إذا لم ينلها من أذى السلطة وإرهاب أدواتها وأجهزتها ما نال المنظمات الدينية من أذى وإبادات جماعية، فإنها وهي تعتمد الأساليب الديمقراطية والشعبية الجماعية في العمل، جاءت الضربات المتعاقبة وحملات الاعتقال التي لحقت بقياداتها وبكثير من كوادرها التنظيمية والنضالية لتعطل حركتها إلى حدٍ كبير، وتفرض عليها الانكفاء والتقوقع بدل التوسع والامتداد.. كما استعرض التقرير الظروف الصعبة التي مر بها التجمع بعد ذلك.. وتعثر نشاطاته وتقلصها، ولكنه وقف عند تأكيد سلامة التوجه والاتجاه وضرورة حث الجهود للخروج من هذا التعثر وقدم تصور ومقترحات في هذا السبيل، وهذا ما جاء عليه نصاً وقال: إن نقد الواقع وتشخيص أمراضه مقدمة لتجاوزه إلى واقع متقدم عليه، ومن هذا المنطلق نسوق شواهد العجز وأدلة التقصير التي اعترت قوى التجمع لتسير على طريق الهدم والتجاوز وليس على طريق اليأس والقنوط، نسوقها لنخرج من واقع مأزوم يسير بنا جميعاً على طريق تبديد القوى واستمرار النهج الخاطئ، نسوقها وتشدنا آمال التغيير على كل المستويات، فما نتمناه ونطمح إليه واقعي ليس مستحيل، والارض التي نقف عليها ليست كلها رمال متحركة، ففيها من الصلابة والثبات قدراً يكفي لنتابع المهمة بأفق جديد وعزم جديد قبل فوات الأوان، ويبقى التجمع الوطني الديمقراطي على ما فيه من نقائص وعيوب متقدم على العديد من القوى والأحزاب المشاركة فيه، بل وعليها جميعاً، فلقد تقدم بالمسألة الوطنية ليضعها في مكانها الصحيح كمسألة ديمقراطية ونضال قومي وإنساني، وابتعد بمسائلها من أن تبقى ساحة للصراع العشائري والطائفي والتعصب الفئوي والقطري، ووضع القوى والأحزاب المشاركة فيه على طريق التفاعل والتكامل بدلاً من الصراع المجاني الذي يقود إلى تبديد قوى الجميع وتجعل من نفسه نواة على طريق بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة، ومهّـدَ السبيل لتجاوز الحساسيات والأحقاد المتوارثة بين القوى ليفتح الطريق للثقة المتبادلة والعطاء المشترك وارتفع بالنضال الوطني إلى أفقه القومي- نظرياً على الأقل- لمواجهة جبهة الأعداء المترابطة قطرياً وقومياً وعالمياً، هذه المسائل وغيرها هي ثمرة جهد ونضال على جميع الأصعدة الفكرية والسياسية والتنظيمية عبر عقود متلاحقة، وخُلاصة تجربة أجيال ذاقت حلاوة النصر ومرارة الهزيمة، واستقراء التجارب التاريخية وأخذ الدروس والعبر منها لا يقتصر على قراءة إيجابياتها وانتصاراتها بل ونقـائصها وعثراتها، فكلها دروس وعظات ومؤشرات على الطريق الطويل .
إن مسألة الجبهة لم تكن في برنامج حزبنا وقناعة مؤسساته تكتيكاً عارضاً كما ذكرنا بل نهجاً استراتيجياً، أو بشكل أدق تكتيكاً ذو أفق استراتيجي، فمسائل النضال أمامنا طويلة ومراحله متعددة، وقوى الثورة المضـادة لا زالت في زخمها، وتحتاج مسائل النضال من الحشد والتنظيم والرؤيا الصادقة والثقة بالنفس والمستقبل الشيء الكثير، والحتمية التاريخية بانتصار قوى الثورة والتقدم ليست حتمية ميكانيكية، بل هي وعي وتنظيم وجهد وتضحيات وتقدم وانتصار وخيبات، إنها جدل الحياة الذي يرتقي صعداً ويمتلك مفاتيحه من امتلك بصيرة نفـاذة وإرادة صلبة وخبرة واسعة استعـداداً للتضحية ليس له حدود، ومن هذا الأفق فإن المحافظة على التجمع الوطني، كصيغة وإطار للعمل المشترك، وصب الجهود لتطوير وتصليب مؤسساته ليستوعب قوى المجتمع الحية في جبهة عريضة ترتقي إلى المسائل المبدئية، وتصبح مهمة حزبية ووطنية وقومية في نفس الوقـت، لقد سقط شعار الحزب القائد التي رفعته أنظمة الاستبداد في وحل الممارسة، واكتشفت الجماهير العربية زيف هذا الشعار الذي اختزل الشعب إلى حزب والحزب إلى قيادة، والقيادة إلى فرد يتفرد بالسلطة والرأي والقرار، ويحكم الناس عبر هياكل (ديمقراطية) مُزيفة تكون إطاراً لبسط نفوذه والتسبيح بقراراته (المُلهمة).. لقد أفلست أنظمة الاستبداد عندما جانبت النهج الديمقراطي والتجأت إلى الإرهاب والبطش لتكريس هيمنتها، ووضعت نفسها بمواجهة مصالح الجماهير الوطنية والقومية وعندما نرفع النهج الوطني الديمقراطي في مواجهة نهج الاستبداد والشمولية، فإننا بذلك ننحاز إلى جبهة الجماهير الشعبية لنُسهم معها في نضالها التاريخي لإنجاز مهام ثورتها القومية الديمقراطية، ولكن لا نقع في (المطب) الذي وجدت فيه الأنظمة نفسها ولم تجد لنفسها منه فكاكاً، فإننا منذ الآن مطالبون بتقديم صيغة للديمقراطية، لأنه لا يكفي أن تُرفع عالياً كهدف وشعار، بل لا بد من تجسيدها صيغةً تجعل منها نهجاً وممارسة وهدفاً وحياة، تنبثقُ من واقع الناس، وتلبي حاجاتهم كبشر، وتشدهم إلى قيم العدالة والحرية والنضال دون تعصب لعرق أو لون أو جنس أو فئة أو طائفة أو دين، وتعيد انتسابهم بجدارة كمواطنين أحرار إلى المجتمع الإنساني، وكمواطنين ملتزمين بقضايا النضال إلى مجتمعهم القومي وثقافتهم القومية وتراثهم الحضاري.. فالديمقراطية بهذا المعنى رافعة للثورة وملهمة لها وحافزاً للنضال ونهجاً والتزاماً ووعياً وممارسةً وحاضراً ومستقبلاً، وقضيةً ومصيراً، وإن حرصنا على تطوير التجمع ليصبح الأداة المناسبة لحركة الثورة يعني بالتأكيد حرصُنا على تعميق نهجه الديمقراطي وبلورة صياغاتة لمفهوم الديمقراطية وجعلها قريبة من وعي الجماهير وحياتهم ولا نعتقد أنها مهمة سهلة بعد التخريب والتشويه التاريخي لمفهومها على يد قوى رفعتها رايةً لها وشعاراً، يوم كانت في صفوف المعارضة، وتحولت على يديها بطشاً وتنكيلاً وسجوناً ومعتقلات، وامتيازات شخصية وعشائرية وطائفية وإقليمية… يوم أصبحت في سدة الحكم فكل الظلم في العالم يجري باسم الديمقراطية ومن أجلها بعد أن تحجرت صنماً تُقدم له الطقوس ليقف في وجه تطور الحياة وقواها الخلاقـة، فالديمقراطية فكرة خلاقة غنية متجددة تواكب غنى وتجدد الحيــاة .
إن الجميع بحاجة لوقفة مع الذات، فالطريق التي اخترناها لا تحتمل التردد ونجاحها منوط بمواقف ونوايا وممارسات مختلفة وفشلها فشل للجميع، مهما كانت الأسباب التي قادت إليه، فليس عيباً أن نعترف أننا أتينا إلى صفـوف التجمع- اقتناعاً وإيماناً بنهجه وطريقه- وليست مزيّة أن نُباهي بأننا انتمينا إليه من مواقع الإحساس بالمسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتقنا وعاتق حلفائنا، لإنجاز مهمة التغيير التي تستحثنا لأن نعمل معاً، ونضحي معاً، ونتحمل المسؤولية ونكثف الجهد، ونُسابقَ الزمن ونبني ركائز متينة لقوى التقدم والديمقراطية ومن أجل ذلك الهدف كان لا بد من:
١- إعادة النظر بالهياكل التنظيمية المركزية منها والفرعية، لتكون أكثر قدرة على تلقي المهمات الجبهوية وتنفيذهـا .
۲- تمتين الروابط وتعميق التفاهم بين القوى والأحزاب المشاركة في التجمع وصولاً إلى وحدة القيادة والتنظيم بين القوى التي تلتقي مع بعضها في موقف موحد من نظام الحكم ومسألة الديمقراطية، والمتشابهة في تكوينها الاجتماعي ومنظورها السياسي والأيديولوجي.
٣- تمتين الروابط وتنسيق العلاقات مع الجماهير الشعبية من خلال نشاطات وصلات متنوعة الصيغ والمستويات، والاتجاه إلى مراكز إنتاجها وتجمعاتها للقيام بالتوعية والتحريض السياسي وقيادة وتوجيه نضالاتها السياسية والمطلبيـة .
٤- تحليل الواقع بكل مكوناته بشكل موضوعي، وكشف الركائز السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأيديولوجية التي يقوم عليها النظام، والديماغوجيا الإعلامية التي يحاول من خلالها تغطية نهجه الاستبدادي الشمولي الطائفي المتحالف مع البرجوازية الطفيلية التابعة ومع قطاع عريض من البيروقراطية الفاسدة والمرتشية والتبعية الاقتصادية للدول النفطية العربية والسوق الإمبريالية .
٥- وضع برنامج وطني للتغيير الديمقراطي يحدد طبيعة المرحلة ويضع صورة المجتمع والنظام البديلين، يحدد المهام التي تطرحها ظروف النضال، وصيانة العلاقات الناظمة لحركة القوى، لتُسهم بشكلٍ فعال في محور الجهد الرئيسي لإنجاز مهام التغيير الوطني الديمقراطــي .
٦- صياغة وتوضيح المسارات التي يطرحها التجمع الوطني الديمقراطي وفي مقدمتها شعار الديمقراطية وتوضيح معالم وأبعاد النظام والمجتمع البديل الذي نسعى لإقامته والأسس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يرتكز عليهــا .
٧- وضع الركائز والعمل الجاد لقيام الجبهة الوطنية الديمقراطية العريضة القادرة على إجراء التغيير الشامل في بنية السلطة والمجتمع وإنجاز مهام التغيير الوطني الديمقراطي كخطوة على طريق الثورة القومية الديمقراطيــة .
٨- إيجاد الوسائل والأسباب لبناء علاقة متقدمة مع القوى والأحزاب القومية الديمقراطية والتقدمية العربية، تتجاوز الحدود السياسية والأمنية التي بنتها نظم الاستبداد والشمولية بهدف إقامة الجبهة القومية الديمقراطية كإطار للعمل القومي المشترك ولتحقيق مهام الثورة القومية الديمقراطية وقيام مجتمع الوحدة والتقدم، والعمل من خلال النضال والتصدي إلى بلورة صيغة متقدمة لقيادة موحدة.. وتنظيم موحد بين القوى والأحزاب التي يجمعها موقف موحد من التجزئة والاستبداد المتشابهة في تكوينها الاجتماعي ومنظورها السياسي والأيديولوجــي .
٩ـ إيجاد السبل لعمل مشترك وتعاون مع أحزاب وطنية ديمقراطية وقومية ومع قـوى نضال وحركات تحرير ومؤسسات سياسية ومهنية وأدبية وفنية في العالم، لتُناصر قضايا جماهيرنا العادلة في الحرية والاشتراكية والوحدة، ونشاركها النضال من أجل حرية الشعوب والتقدم ومناهضة الاستبداد والرجعية والصهيونية والإمبريالية العالميـة .
١٠- الاهتمام بمسألة الإعلام على المستوى الداخلي والعربي والعالمي، وإيجاد الوسائل الكفيلة بإيصال مواقفنا وآرائنا إلى أوسع قاعدة سياسية وشعبية في العالم، والتنسيق بذلك مع قوى وأحزاب ومـؤسسات صديقة تُناصر قضايا التحرر والتقدم والديمقراطيــة .
ولقــد اتخـذ المؤتمـر بعـد ذلك التـوصيـة التـاليـــة :
(( يجب الوقوف أمام تجربتنا في العمل الوطني من خلال مراجعة شاملة لتقييم تلك العلاقة الجبهوية وتعميقها مع أطراف التجمع على أسس موضوعية من مختلف الجوانب الفكرية والسياسية والتنظيمية، فالعلاقات الماضية كان فيها الكثير من الثغرات والأخطاء والتراجعات أحياناً، على صعيد التنظيم والفكـر ))
ولقد أيد المؤتمر التوجهات التي وردت في التقرير كنهج في التحرك الوطني والعمل الجبهوي، مؤكداً على ضرورة الدفع بهذا التحرك والعمل على طريقين متكاملين:
أولهما: العمل على تطوير حركة التجمع والتقدم بها لتكون طليعة ثورية، أي لتكون فكراً وممارسةً وتنظيماً، تلك الطليعة التي تحمل برنامج التغيير الوطني الديمقراطي بكل أبعاده السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصاديـة .
ثانيهماً: العمل من خلال حركة التجمع لصياغة جديدة للتلاحم الوطني الشعبي من مواقع المعارضة الديمقراطية أي لتكوين ما نسميه بالجبهـة الوطنية العريضة، التي تتحرك وراء برنامج للتغيير الوطني الديمقراطي، وتقوم على التحالف المنظم لكل العناصر الوطنية والديمقراطية، السياسية والثقافية، ولطلائع كل الفئات الاجتماعية التي تشكل ركائز ومصالح وطنية فعلية، والتي تجد حريتها وكرامتها ومصلحتها في الوحدة الوطنية وفي التغيير الديمقراطي، وتعمل على تحريض نشاطات تلك العناصر والفئات وتنظيمها، وبلورة كامل نضالاتها المطلبية والعمل على تسييس حركة الجماهيـر .
وأكد المؤتمر أن من الطبيعي بل ومن الضروري، أن يأتي تكامل هذين الطريقين للعمل الوطني، في إطار نهج استراتيجي للعمل الشعبي الديمقراطي على المستوى القومي .
وقد لحظ المؤتمر أن مثل هذه الدعوة للتغيير الديمقراطي والتكتل الوطني الجبهوي، لا بد من الامتداد بها لا إلى العناصر والفئات الواقعة في معارضة النظام والخارجة عن أطر تنظيماته وهيمنته فحسب، بل وإلى مختلف الفئات الاجتماعية والشعبية بما فيها الواقعة في إطار تنظيمات السيطرة والضبط الجماعي التي تفرضها أجهزة النظام الشمولي على كل القوى الشعبية العاملة والمنظمات الشعبية .
إن تحـريض النضال المطلبي والمطالب الإصلاحية في هذا القطاع أو ذاك من القطاعات الاجتماعية والثقافية الشعبية، والتحرك وراء المطالب الديمقراطية العامة في إطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين أمام القانون، والوقوف في وجه التمايز الفئوي وفي وجه الظلم والفساد، والمطالبة بإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو المعتقلين بسبب مواقفهم السياسية أو الفكرية الناقدة والمعارِضة هذه وغيرها من القضايا التي يمكن أن تجد أنصاراً لها ومناضلين من أجلها في مختلف القطاعات المواقع الشعبية.. وهذه هي السبيل لتسييس حركة الجماهير وبناء لحمتها الوطنية وللتحرك بها دفعاً على طريق التغيير.. وإذا كانت استبدادية النظام تُقيم سدوداً عالية جداً في وجه هذا العمل الوطني الديمقراطي، فليس هناك من خيار آخر ولا بد من تحري كل الوسائل الممكنة لاختراق هذه السدود.. وإذا كان الإنجاز الوطني الديمقراطي في النهاية، وبالضرورة ثورة، وتغيير جذري للنظام السياسي وللعلاقات السياسية والاجتماعية، فإنها لا تقوم كثورة ديمقراطية إلا بإرادة أكثرية شعبية، وبأن تدفع بها حركة شعبية جماعية منظمـة .
ولقد جدد المؤتمر التأكيد على جـوانب أساسية لنهج حزبنا في العمـل الـوطنــي:
١- إن حزبنا رفض ومازال يرفض أساليب العمل الإرهابي والتأمري والفوضوي، وهو يستبعد من صيغ التجمع الوطني والعمل الجبهوي التي يعمل لها ويشارك فيها جميع القوى التي تعتمد تلك الأســـاليب.
٢- وأكد بإصرار على النهج الديمقراطي في علاقات التحالف والتجمع، وفي النضال الوطني، ذلك النهج الذي يعتمد أساساً وسائل العمل الشعبي الجماعي، والذي يرسم طريقه بدءاً من المعارضة والنقد بوسائل النشر والبيانات، وإلى أعمال الاحتجاج والإضراب والتظاهر وصولاً إلى الإضراب العام و انتهاءً بالعصيان المدنـي .
إنها لطريقٌ طويلة وصعبة ولا شك، ولا بد من الثبات عليها بإصرار.. وإن اقتلاع هيمنة قوى الإقليمية والردة والاستبداد لن يتم، إلا عبر النضال المنظم والدؤوب لمد هيمنة التوجه الديمقراطي الوحدوي على المستوى الشعبي، قطرياً وقومياً، وإلا بالتكاتف والتكامل بين العمل الوطني والعمل القومي .
* * * * * * * * *
يتبع.. «العمل القومي في ضروراته ومرتكزاته»
التعليقات مغلقة.