الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مع الجمــــاهير *

                      
الدكتور جمال أتاسي

كلمة البداية للعدد:

من النضال الطويل في سبيل التحرر، إلى الوحدة، تكوّن جيل وارتفعت جماهير، ودخل التاريخ من جديد شعبٌ كبير، دخل التاريخ من باب القومية العربية .

فبروح هذا الجيل، وإلى هذه الجماهير الصاعدة، تتوجه هذه الجريدة .

وإذا كان لنا من كلمة نقولها الآن حول وجهة هذه الجريدة ومهمتها، وقبل أن يكون لها ما يحكم به عليها من نتاج وماضٍ ومواقف، فهي أن مجرد صدور هذه الجريدة اليوم، وفي هذا البلد، وفي هذه المرحلة من مراحل نضالنا القومي، كل ذلك إنما يفرض عليها طريقاً ثورية معينة، ويعطيها شخصيتها السياسية، ويرسم الخطوط العامة لمهمتها القومية .

إن أمتنا العربية تخوض اليوم معركة قومية خطيرة . فهي في صراع حاد مع أعدائها : صراع مع الاستعمار والصهيونية والشعوبية، للخلاص من الاحتلال والتدخل والتبعية . وأمتنا في صراع حاد مع نفسها : صراع مع الرجعية وقوى التخلف والتجزئة، لتشق طريق التقدم والوحدة والاشتراكية . ومن هذا الصراع وفي هذا السبيل قامت جمهوريتنا العربية، ومن هذا الصراع وفي هذا السبيل قامت قيادة عبد الناصر الثورية وهذا هو طريقنا، وطريق نضال الشعب العربي في كل مكان، طريق القومية العربية .

لقد عرفت الصحافة في الماضي كل مغريات اللامسؤولية، وتمسكت طويلاً بهذا الميراث من عدم الارتباط بأية قضية، لتتيح لنفسها التلاؤم مع تقلب العهود، ولتوفِّق بين مصلحتها ومختلف المصالح والاتجاهات.

ولقد ابتكرت أكثر تلك الصحف لنفسها هذا العنوان : “جريدة مستقلة”، ولم يكن عنوانها هذا تعبيراً عن طريق مستقل خاص بكل واحدة منها، وإنما جاءت به لتعفي نفسها من كل رابطة والتزام .

ونحن اليوم في مرحلة ثورية تفرض على كل العاملين والمسؤولين والموجهين اتخاذ موقف ملتزم وواضح من كل قضايا أمتنا ومن كل القضايا الإنسانية. ولتكون الصحافة تعبيراً صادقاً عن هذه المرحلة، فهي مطالبة قبل كل شيء، بالخلاص من ذلك الميراث من اللامسؤولية، إنها مطالبة بأن تتخذ موقفها وأن يكون لها قضية لتشق دربها إلى قلب الجماهير، ولتكون التعبير الحر عن إرادتها وحاجاتها وأمانيها .

قال الرئيس عبد الناصر: ” لقد اخترنا الطريق الصعب” طريق تحرير وتوحيد أمتنا العربية، طريق الحياد الإيجابي وخطَّ اتجاه جديد للإنسانية، طريق الثورة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، طريق الالتزام التام والارتباط الكامل بقضية شعبنا العربي في كل أقطاره.

هذا طريقنا، وما دعامته إلا وعي الشعب ووحدته ونضاله . وبهذا الوعي، وبهذه التعبئة الواعية لقوى الشعب، صمدنا في وجه التآمر وصمدنا في وجه العدوان . فإرادة الشعب الواعية هي التي دفعت السياسة في طريق الوحدة، وهي التي تقف بنا اليوم صامدين في وجه أعدائنا الكثر . وأن تعزيز هذا الوعي وإذكاءه والتخطيط السياسي الواضح الصادق هو المهمة الأساسية للصحافة كما نفهمهما وكما نجهد الالتزام بها التزاماً كاملاً.

(بقلم الدكتور جمال أتاسي)

* كلمة البداية للعدد (الأول) من صحيفة الجماهير يوم  الخميس 15 شوال 1378/ 23 نيسان 1959

التعليقات مغلقة.