حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية * وحدة
في سورية
(من وثائق المؤتمر السابع)
* * *
تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية
* * *
– ٣ –
فــي العمــــل الوطنــــــــي (1/2)
= = = = = = = = = == =
في العملِ الوطني، نرفع راية الديمقراطية فوق كل راية، ونقدم مطلب الديمقراطية أمام كل مطلب، إن الديمقراطية هي صيغة النظام الذي نقدم ونناضل من أجله كبديل لنظام القهر والاستبداد والاستغلال والتسلط الفئوي والفساد السائد، وهي النهج الذي نسير عليه في تحالفاتنا وعلاقاتنا الجبهوية مع الآخرين وهي دعوتنا، وهي سبيلنا في صياغة الوحدة الوطنية لفئات شعبنا و في العمل من أجل بناء التحالف الوطني لقوى الشعب العامل وفي ترسيخ القاعدة الشعبية أو المجتمع الشعبي المُعارض لنظام التسلط القائم و نهجه الشمولي، أي أن نعمل لإقامة الديمقراطية المباشرة على الصعيد الشعبي، وعياً وتنظيماً، منطلقاً للنضال والتغيير، وقاعدة راسخة للنظام الديمقراطي الذي نتطلع لأن يقـوم .
ذلك هو الأساس المبدئي الثابت الذي أجمع عليه المؤتمر السابع كمنطلق للعمل الوطني فقد كانت المسألة الديمقراطية أمامه وهي أمُ المسائل، إنها المسألة الوطنية الأولى بل هي البناء الوطني الصحيح الذي يقفُ في وجه التفتت والردة والرجعة، وهي التعبير الصحيح للترادف بين الوطنية والتقدم، وبين الوطنية والوحدة القوميـة .
إن قوميتنا هي الوطنية العربية في إطار وحدة الأمة ودولتها العربية الموحدة، ودولتنا السورية ما هي إلا ممارسـة قوميتنا في إطار القطر وهي البناء الديمقراطي للدولة والمجتمع الذي يصنع الوحدة الوطنية ويُهيئ القطر للوحدة القوميـة .
قال الميثاق الناصري في مبحث الوحدة العربية: ((إن أي حكومة وطنية في الوطن العربي تُمثل إرادة شعبها ونضاله في إطار من الاستقلال الوطني، هي خطوة نحو الوحدة، من حيث أنها ترفع كل سبب للتناقض بينها وبين الآمال النهائية في الوحـدة….)) .
وهذا المبدأ الذي ننطلق منه قد أكدته التجربة الناصرية عام ٦٢ نتيجة للممارسة والمعاناة، وبعد تجربة وحدة القطرين وانفصالهما، وهو مازال يفرض نفسه في إطار الواقع العربي الراهن وواقعنا القطري.. فالهدف الأول لعملنا الوطني، هو إقامة مثل ذلك الحكم الوطني الذي يمثل إرادة شعبنا ونضاله، ويعبرُ عن مشاركته الجماعية وحاجاته، وهذا هو النظام الديمقراطي الذي نناضل للوصول إليـه .
ولقد تابع المؤتمر من خلال قراءة ومناقشة التقرير العام المُقدم إليه وتقرير العمل الوطني، النهج الذي سار عليه حزبنا في نضاله السياسي الوطني الديمقراطي خلال السنوات العشر الماضية سواء في معارضته نظام التسلط والاستبداد والاستغلال القائم، أو فيما يتعلق بالعمل الجبهوي والتعاون مع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية الذي أخذ طريقه في حركة ((التجمع الوطني الديمقراطي)) والذي وجد تعبيره في ((الميثاق الجبهوي)) الذي التقى عليه أطراف حركة التجمع، وفي بيانات التجمع ونشراته.. كما استعرض المؤتمر المراحل التي مر بها هذا العمل والمصاعب التي واجهها والعثرات التي تعثر بها، والضغوط التي عاناها، والحالات التي تعرض لها، سواء حملات التنكيل والقسر والاعتقال والإرهاب التي مارستها أجهزة السلطة ضده أو حملات التهجم والنقد التي جاءت من قبل القوى الفوضوية، وقوى التعصب الطائفي والإرهاب …
واستعرض المؤتمر بهذا الصدد، الواقع السوري الراهن من مختلف جوانبه، ووقف عند تحليل طبيعة النظام ومقومات وجوده واستمراريته، وتركيبه العسكري البوليسي والفئوي، وجذوره الإيديولوجية والإقليمية، وما يتسلح به من وسائل لفرض هيمنته الشمولية على الدولة والمجتمع وسحق الإرادة الوطنية لجماهير الشعب، وامتدادات التابعية الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تشد النظام بعيداً عن القاعدة الوطنية الشعبية وتلحقهُ بالسوق الإمبريالية والرأسمالية والاحتكارات الدولية، وطبيعة الطبقة الجديدة السائدة وجحافتها وفسادها واستغلالها الفاحش، وما لحق من تدمير بالبنية الوطنية للاقتصاد والثقافة والتعليم والعلاقات الاجتماعية، وطالب المؤتمر بمتابعة هذه الظواهر المتفاقمة بحركة نقد مستمرة، ولخلق حالة من الوعي الوطني في معارضتها والرد عليها.
كما استعرض المؤتمر في الوقت ذاته الواقع الشعبي وواقع المجتمع المدني، وما آلت إليه حركة الجماهير وطلائعها الثقافية والسياسية، وما أصابهما من تراجع واندحار، ومن تبعثر وتشتت؛ وبحثَ واقع العجز الذي تتخبط فيه القوى السياسية والأحزاب الوطنية الديمقراطية المعارضة، وتخلف نضالها وبرامجها وأيديولوجياتها، عن الإمساك بحركة نهوض شعبي جديد، وعن التصدي لقيادة حركة معارضة وطنية فاعلة وقادرة على تقديم البديل الوطني لما هو قائم .
ولقد وقف المؤتمر في بند العمل الوطني هذا بوجهٍ خاص، عند بحث تجربة العمل الجبهوي وتابع المعطيات التي قدمها تقرير ((حول العمل الوطني)) عن مسار هذه التجربة وما كان لحزبنا من جهد ومن إسهام أساسي فيها، ولقد بدأ ذلك التقرير من تأكيد مبدئي فقال:
((لقد طرح حزبنا شعار الجبهة الوطنية، فاقتناعنا بهذا النهج الوطني في العمل السياسي ليس عارضاً بل هو ينبع من أساس فكري واجتماعي ديمقراطي يتجلى بمقولة تحالف قوى الشعب العامل، ومن منظور سياسي نضالي يتجلى بضرورة توحيد قوى الثورة القومية الديمقراطية والتقدمية لمواجهة تحالف قوى الثورة المضادة على المستويين الوطني والقومي، بعد إحساسنا العميق بضرورة إنجاز تحالف وطني وقيام جبهة وطنية في القطر منذ عام ١٩٦٧، بقدر عمق الهزيمة وبقدر عمق الآثار التي تركتها على الساحتين القطرية والقومية.. ولقد بذلنا جهداً متواصلاً من أجل بلوغ هذا الهدف..)).
وبعد أن استعرض التقرير المتغيرات السياسية التي انتابت الأوضاع القطرية والقومية، وصعود قوى الثورة المضادة إلى السلطة، وتراجع حركة الجماهير واندحار حركة التحرر العربي وتشتت قواها وتركز نظم الإقليمية والاستبداد، تلك المتغيرات التي كان استيعاب حزبنا لمدلولاتها القريبة والبعيدة، دافعاً مباشراً للمواقف التي اتخذها في مؤتمره السادس بدءاً من الانسحاب من (جبهة) التعاون مع حزب البعث الحاكـم في سورية، ومع الفئات السياسية السائرة في ركاب نظامه وانتقالاً إلى موقع المعارضة، والعمل في سبيل إيجاد صيغة جديدة للعمل الوطني والتجمع الجبهوي للقوى الوطنية الديمقراطية، التي تقـفُ موقف المعارضة في مواجهة حركة التراجع والردة ونظم التسلط الفئوي والاستبـداد .
إننا نسميها نظم ردة و رجعة، لأنها تراجع عن كل المقومات الاستراتيجية والشعبية الديمقراطية لنهوض الأمة، وارتداد ضد ما بني من قواعد وركائز وقوى لتلك المقومات وتدمير لها، بما في ذلك تدمير البنيان الاجتماعي- الثقافي الذي كانت تنهض عليه الوحدة الوطنية لجماهير الأمة وإرادتها، وهكذا قام تكوينهـا كنظم تسلط فئوي واستبداد بوليسي، تمارس في مواجهة الشعب وقواه العاملة والمنتجة نمطاً من الاستعمار الداخلي، وسياسة إخضاع وإذلال ونهب واستغلال وفساد وإفساد وإلحاق لاقتصاد البلاد بالسوق الرأسمالية والاحتكارات العالمية، وتحويل للمجتمع إلى مجتمع استهلاكي مفكك سائب، بينما توظف المدخرات المالية للطبقة الجديدة الحاكمة ((هذه المدخرات التي جمعتها من نهب الدولة ونهب الشعب)) خارج البلاد، وتستدر القروض والمنح والمساعدات لتسند سلطتها وتغطي إنفاق أجهزتها وبوليسها، وتسند في غير طائل إنتاجها المتراجع والمتدني باستمرار بحيث أصبحت القـاعدة الاقتصادية الأساسية التي تقوم عليها السياسة العامة ونظام الحكم ((أو ما يسمى بالبنية التحتية))، قاعدة قائمة خارج أرض الوطن، وخارج القوى والعلاقات الانتاجية الوطنية بل وفي تعارض معها، تشدها إلى التابعية الخارجية من جهة، وإلى التراجع والانهيار في الداخل.. وبهذا التحول والارتداد، تنتفي من هذه النظم صفة الوطنية والبنيان الوطني بينما تتضخم مصالحها الفئوية وتتعزز نعراتها الإقليمية وعصبياتها، ويقوم الافتراق الكامل بين الشعارات والأهداف المُعلنة وبين الممارسات السلطوية الفعلية، ولتصبح في تعارض مع إنجاز الأهداف والمُهمات القومية وفي عجز عن درء الأخطار الخارجية والتصدي لمهمات التحريـر .
ولقد جاء تقرير العمل الوطني على توصيف لحركة التحول هذه والارتداد في المسار الذي أخذه النظام السوري منذ عام ۷۲، والمواقف التي اتخذهـا حزبنا انتقالاً إلى مواقع المعارضة الوطنية والديمقراطية لهذا النظام، والنهج الذي سار عليه منذ مؤتمره السادس، فالوطنية أصبحت حكماً في معارضة النظُم، والحركة الوطنية المعارضة أصبحت بالنسبة لحزبنا: عملية بناء شعبي في طريق ديمقراطي وبهدف التغيير الديمقراطي للدولة والمجتمع.. وقال التقرير: ((إن فشل تجربة التعاون الجبهوي مع الحزب الحاكم ونظامه بهدف فتحه من داخله للتغيير الديمقراطي وللعمل الوطني الشعبي وخروجنا من ((جبهته)) ووقوفنا في وجه محاولات الإخضاع والاحتواء التي مارسها ضدنا، أعطتنا رصيداً جديداً من التجربة والمعاناة عززت قناعاتنا المبدئية ومواقفنا من نظم الاستبداد والاقليمية حيث طغيان السلطة ومصادرة الحريات والإرادات الشعبية وتقدُم نهج الفرد والفئة والعشيرة والطائفة على حساب الديمقراطية والوحدة الوطنية والمصالح القومية العليا، وعندما تفقد الجماهير الشعبية وطلائعها الوطنية الثقافية والسياسية، أمنها وحريتها تفقد بذلك إنسانيتها ومواطنيتها ودورها ومبادرتها… ويتعرض أمن الوطن ووحدة شعبه وأرضه وسيادته السياسية لمخاطـر جسيمة… ففي ظروف احتلال الأرض والتهديد الإسرائيلي بمزيد من التوسع وفي ظروف الهجمة الإمبريالية الشرسة ونهب الثروات القومية، وفرض الهيمنة والقواعد العسكرية، وتكريس التجزئة ودعم الأنظمة المملوكية الفاشية، وتغذية العصبيات العائلية والطائفية والعشائرية وتفشي الظلم والفساد… في مثل هذه الظروف من حياة شعبنا وأمتنا، تعزّز إيماننا بمقولة التحالف والجبهة الوطنية الديمقراطية مع كل القوى والعناصر الوطنية التي تناصب هذه الهجمة وهذا النمط من الأنظمة الإقليمية المملوكية الفاشية العداء، لان ذلك هو الرد الاستراتيجي التاريخي على الهجوم الشامل الذي تشنه قوى الردة والطغيان.. فالجبهة- خارج السلطة وبمواجهتها- هي الإطار المناسب لتنظيم قوى التغيير الجذري، وصياغة برنامجها الوطني الديمقراطي وقيادة تضامنها الثوري وتعبئة طاقاتها لتنهض إلى مستوى الرد المناسب على تحالف قوى الثورة المضادة .
ولقد ركز التقرير على موضوع الجبهة الوطنية الديمقراطية وحركة ((التجمع)) التي وَّجد فيها حزبنا الترجمة العملية على صعيد الممارسة والتنظيم للشعارين اللذين رفعهما بعد مؤتمره السادس شعار النضال في سبيل التغيير الوطني الديمقراطي للنظام السياسي، وشعار ((الهجرة الى الجماهير)) للإسهام في بناء وحدتها الوطنية كمجتمع شعبي معارض، والدفع بحركة نهوضها من جديد على طريق النضال في سبيل التغييـر…
فلقد أخذ حزبنا ينشط منذ عام ٧٤ في الساحة الوطنية تحت شعار الجبهة الوطنية الديمقراطية كجبهة معارضة شعبية تهدف للتغيير الديمقراطي للمجتمع والدولة.. وسلك طريق الحوار مع القوى السياسية والأحزاب الوطنية المعارضة التي تلتقي على هذا الهدف المرحلي في التغيير، من خلال منظور استراتيجي مشترك لتحقيق أهداف الأمة، في سبيل أن تتجمع هذه القوى وتوحد مواقفها السياسية ومجهوداتها من خلال ميثاق للعمل الوطني تلتقي عليه لتشكل العمود الفقري لجبهة وطنية عريضة تحيط بكل القوى والعناصر والمجموعات والفئات الاجتماعيـة والثقافية التي تتطلع لهذا التغيير الديمقراطي وتجد فيه مخرجاً وطنياً من حيث تتقاطع وتتلاقى مصالحها وأهدافهــا .
وتلك كانت ترجمتنا العملية في هذه المرحلة للنهج الناصري المبدئي في صياغة الوحدة الوطنية على أساس من التحالف الاجتماعي- السياسي لقوى الشعب العامـل .
ولقد استعرض التقرير واقع الأحزاب التي تم بينها التلاقي ودار الحوار، ثنائياً في البداية فثلاثياً ثم خُماسياً، أي إلى أن أخذ صيغته الجماعية للأطراف التي عبرت عن استعدادها لمثل هذا التعاون الجبهوي.. ولقد جاء التقرير على سرد للعوامل التي باطأت من إنجاز تلك الصيغة الجبهوية، سواء المتعلقة منها بالظرف السياسي العام أو بالقصورات الذاتية لدى القوى وبأزماتها الداخلية وتشبثاتها.. ولهذه الأسباب فقد طال الحوار أكثر مما تحمله المتغيرات وحركة الأحداث وامتداد هيمنة نظام الاستبداد.. وإذا كانت الظروف السياسية العامة وضغوطها مع ظروف السرية التي تعيشها تنظيمات هذه القوى، قد شكلت معوقاً، فإن المعوق الأكبر كان في ضعف هذه القوى وما أصابها من تفتت وتهميش، وتراجع مواقفها القيادية في الأوساط الشعبية وقدرتها على التأثير في الفئات الاجتماعية التي تنتمي إليها قواعدها، إنها وليدة ظروف تاريخية وسياسية واجتماعية ولّدت لديها ثوابت وعادات في أساليب عملها وفي منظوراتها الإيديولوجية، وقد تغيرت هذه الظروف، والمرحلة التي نمر بها تطالبها جميعاً بخطوة نوعية وتجاوز لتلك الأساليب والعادات، وانتقال إلى دور جديد في التنظير والممارسة.. وهذا ما تعرض له التقرير تفصيلاً، مُعلِلاً بذلك تباطؤ عملية التلاقي والحوار ثم ما تتعثر به حركة ((التجمع)) حتى الآن .
وأوضح التقرير أن التلاقي كان تاماً على التأكيد الديمقـراطي وعلى الأهداف الاستراتيجية المشتركة لهذه القوى، كما جاء تلاقيها على رفض مشترك أيضاً لأية صيغة في التعاون والعمل تجر إلى التابعية لأي نظام من النظم العربية أو إلى التحالف مع قوى سياسية موالية لهذا النظام أو ذاك، وكذلك رفض صيغ العمل الإرهابي ورفض القوى الفوضوية والإرهابية التي لا يمكن أن تُخلص للنهج الديمقراطي وإن رفعته في بعض الحالات شعاراً لهـا .
* * * * * * * * *
يتبع.. «فـــي العمـــــل الوطنـــــــــي (2/2)»
التعليقات مغلقة.