حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية * وحدة
في سورية
(من وثائق المؤتمر السابع)
* * *
تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية
* * *
– ٢ –
النظـريـــة والتنظيــــم (2/2)
= == = = = = = = =
ولقد ذهب المؤتمر إلى أن هذه المبادئ والمنطلقات التي تحدد النهج العام الذي يسير عليه الحزب في بنائه التنظيمي وفي صياغة علاقاته السياسية والاجتماعية، وفي ممارسة دوره النضالي والإسهام في تجديد حركة الثورة العربية، ما هي إلا عناوين وتحت العناوين لا بد أن تأتي تفاصيل كثيرة، وما هي إلا إطار إيديولوجي- سيـاسي للحزب والمطلوب أن يُملأ هذا الإطار بمضامينها كلهـا.
والصياغة النظرية هذه: أي تحديد المنهج النظري في التفكير والممارسة، والمنظور السياسي والاستراتيجي الموحد لأعضاء الحزب، مهمة أساسية مـن مهـام الحزب الثوري ولا بد أن يكرس قسطاً وافياً من جهوده لإغنائها وتوضيحها باستمـرار.
والحزب في تكوينه الذاتي: فكرٌ وتنظيم، إنه مجال اندماج اجتماعي وثقافي وهو في الوقت ذاته أداةُ نضال.. إنه يحمل مشروع ثورة على الواقع القائم، ولا بد أن يكون فاعلاً في وضع هذا المشروع موضع الممارسة.
إن ايديولوجية الحزب، أي جملة القناعات الفكرية والأخلاقية والإنسانية التي تعطيه منظورة العام وتشكل الحوافز التي تُزكي نضاليته وحركته الجماعية، وتعطي الروح العامة للمشروع الثوري الذي يلتزم به، كمشروع متكامل الحلقات يجمع بين منظوره للثورة العربية كثورة وطنية ديمقراطية في إطارها القومي العام ومقوماتها السياسية والاجتماعية والثقافية، وبين منظوره لموقع هذه وثورتها من النظام العالمي والعلاقات الدولية وما تتطلع إليه من تغيير في هذا النظام وهذه العلاقات ونظريته التنظيمية كأداة من أدوات هذه الثورة وكحزب بين أحزابها وقوة من قواها، وصولاً من ذلك إلى دليل عمل وإلى برامج مرحلية واستراتيجية، ترصد حركة الواقع والقوى، وتقدم البدائل وتعمل للتغيير وتدل إلى المراحل والمهمـات.
ولقد لحظ المؤتمر أن هذا المشروع الثوري والوفاء بمستلزماته، هو أكبر بكثير من حزبنا وإمكاناته وأشمل منه بما لا يُقاس وتجاوُز له في كثير، وإن حزبنا لم يضع في تصوره على الإطلاق الوصول في امتداده وانتشاره ليكون لوحده حزب هذه الثورة أو قيادة لها، بل هو يرفض لنفسه ولغيره من القوى والأحزاب العربية القائمة مثل هذا التصور والادعاء.. فالواقعية الثورية تنفي ذلك، عدا أن القواعد التي ينطلق منها حزبنا أساساً في سياسته وتنظيمه وإقامة تحالفاته وعلاقاته، ترفض الوحدانية والتفرد في قيادة حركة الثورة و حركة التغيير في المجتمع فلا تضعها في يد فئة اجتماعية واحدة أو طبقة ولا في حزب واحد أو حزب قائد، وهو لا يرى الوحدة بما فيها وحدة القوى الثورية والوحدة الوطنية للقاعدة الشعبية والاجتماعية التي تقوم عليها حركة التغيير والثـورة إلا في إطار من تعددية القوى والتيارات، أي في إطار من العمل الجبهوي الملتزم والهادف، هذا الإطار الذي ثبته حزبنا كنهج استراتيجي له ووضعه بين المنطلقات والمبادئ الأساسية لتنظيمه.
فحزبنا ما هو إلا جزءٌ من كل، يتطلع الى أن يبلغه ويتجاوز نفسه إليه، مشروع الثورة الذي يحمله ليس مشروعه وحده، فهـو مشروع لا يكتمل إلا عبر حوار وتفاعل بين مجموع الطلائع الثورية السياسية والثقافية في الوطن العربي ولكننا نظل مطالبين بأن نُسهم في إنضاج ذلك المشروع وإملائه بمضامينه، من خلال ذلك التصور للكل الذي نتطلع إليه، كما أننا مطالبين بأن نبني أنفسنا ومقومات تنظيمنا وممارساتنا وعلاقاتنا على أساس من ذلك الكُـل .
والثورة لا بد أن تنهض من قلب المجتمع الشعبي، كتنظيم ثوري مضاد، وكحلف اجتماعي سياسي- ثقافي مضاد أي كمجتمع مضاد وثقافة مضادة لصيغ التنظيم والحكم والسيطرة القائمة، وأن تطرح في تكوينها ونهجها البديل الثوري والديمقراطي لما هو قائم.. والثورة قومية عربية، فلا بُد أن يأخذ هذا الشمول مرتكزاته فيها أياً كان الموقع أو القطر الذي تنهض منـه.
إنه مشروع كبير تصغر طاقاتنا وإمكاناتنا كثيراً أمامه، ولا يحدونا التفاؤل والأمل من تصميمنا عليه فحسب، فما نحن إلا جزء منهُ في هذا القطر وفي الوطن العربي، والتفاؤل والأمل هو من تصميم أكثر الطلائع الثورية التي تتطلع للتغيير والتي تتحرك وتناضل وتعمل و تتلمس طريق النهوض في أكثر أرجاء الوطن العربي.. وهو مشروع يستمد رصيد له من تجربة الماضي ومن مرحلة النهوض التي عصفت بها الردة، ويستمد الرصيد الأكبر من تلبيته لحاجات الجماهير الشعبية وطموحاتها ومن التحرك في مسار تاريخي معقول وهادف.
ولكنه مشروع يقوم حزبنا من أجله، فلا بد أن يحمله أيضاً في تكوينه، وأن يحمله في دعوته وعلاقاته وأن يحمله في الدور الذي يمارسه على صعيد الحركة الوطنية الديمقراطية في القطر السوري وعلى صعيد العمل القومي كنهج يتكامل نموه باطـراد .
وبعد أن ثبّت المؤتمر المنطلقات الأساسية التي ينطلق منها الحزب والأطر المتعددة لتحركه وعمله دفعاً على طريق استكمال المشروع الثوري للتغيير: نظريةً وممارسةً وإسهاماً في بناء الأداة الموحدة لهذه الثورة، كحركة نضالية طليعية وقاعدة شعبية وطنية متلاحمة، تُقدم في برنامجها ومنهجها طريق للتغيير وصورة المجتمع البديل.. ذهب المؤتمر إلى تثبيت القواعد التنظيمية المستخلصة من هذا النهـج .
إن حمل المشروع الثوري والنظرية الثورية، والإيمان بضرورة الثورة وضرورة التغيير الجذري الشامل للنظام الاجتماعي السياسي والثقافي القائم، يُحتمان ضرورة الحزب كأداة والطابع الطليعي والنضالي لهذا الحزب، ليمد الجسور بينه وبين الواقع الاجتماعي والشعبي ويؤدي دوره في تثوير هذا الواقع، عبر حركة وعي وتنظيم جماعية تنمو وتتسع .
والصفة الطليعية للحزب لا تأتيهِ بداهةً لمجرد أنه يحمل شعارات الثورة ومقولاتها يخاطبُ بها جماهير الأمة بل لا بد أن يُؤهل بها الحزب نفسه بكل كوادره ومراتبه، عبر عملية تثقيف مستمرة وممارسات تنظيمية ونضالية ليرتفع بكل عناصر التنظيم إلى مستوى من الوحدة والتضامن ومن الوعي والمعرفة تؤهلها لأن تكون قيادية بالمعنيين التنظيمي والتوجيهي، وأن يتأهل كل عضو عامل ليمارس دوراً سياسياً وتوجيهياً بل وتنظيمياً في مجتمعه والفئة الاجتماعية التي يرتبط بها، والطليعة هي طليعة شعب، وطليعة قاعدة شعبية ثورية ومجتمع بديل يتشكل، وهذه أيضاً مقولة والمطلوب أن تنتقل إلى حيز الممارسـة .
وإذا كان الذي يحدد في النهـايـة طبيعة الحزب وموقعه السياسي والإيديولوجي هو القاعدة الاجتماعية التي يرتكز إليها، والفئة أو الفئات الاجتماعية التي يعبر عنها وعن مصالحها، فإن حزبنا بهذا المعنى ليس حزب طبقة بعينها ولا طليعة لطبقة واحدة أو فئة اجتماعية واحدة في مجتمعنا وهو لا يُقدم نفسه ناطقاً باسم ((الطبقة)) أو بديلاً عنها، بل هو يشكل طليعة مندمجة سياسياً وفكرياً، لتحالف قوى الشعب العامل بفئاته الاجتماعية المتعددة، تحالف القوى التي تجمعُ بينها وحدة الهدف والمصالح الوطنية المشتركة، وتوجه مسار تحالفها قضية الثورة العربية كثورة ديمقراطية من منظور تحرري اشتراكي وحــدوي.
وهو طليعة من طلائع التحالف، إذ لا بد أن يكون بالضرورة لذلك التحالف، قطرياً وقومياً، طلائعه العديدة وعلى هذا الأساس وضع حزبنا كنهجٍ استراتيجي له نهج العمل الجبهوي الوطني والقومي، عملاً جبهوياً ملتزماً بقضية الثورة يلم شمل تلك الطلائع ويؤلف بينها، ويربط بينها وبين تلك القاعـدة الشعبية الوطنية المشتركة بينها قاعدة ((التحالف)).
إن صيغة التحالف، تحالف قوى الشعب العامل، كنهج لبناء الوحدة الوطنية للشعب وكقاعدة للثورة القومية الديمقراطية العربية ذات التوجه الاشتراكي، هي الصيغة التي تقدمت بها الناصرية منذ عام ١٩٦٢ كأساس لا بد منه في بناء حركة الثورة.. وهي مازالت الصيغة التي يطالب بها واقعنا الاجتماعي العربي في مسار تطوره التاريخي، وهي التي تتفق مع النهج الوطني الديمقراطي لهذه الثورة.. ولكن الطليعة التي تبني نفسها كحزب سياسي على أساس من ذلك المبدأ وتلك الصيغة هي طليعة مندمجة، ووحدة نضالية، يؤلف بينها منظور موحد هو المنظور الاشتراكي العلمي، فلا بد أن يتجسد ذلك في البنيان الاجتماعي و الثقافـي للحزب، وفي علاقات أعضائه، فثورتنا القومية الديمقراطية لا تتقدم بها نحو أهدافها، ونحو استكمال مراحلها وإنجاز مهماتها، إلا طلائع اشتراكية.
وبعد تحديد القواعد التنظيمية التي تتفق مع منظور الحزب الطليعي والثوري الاشتراكي وبعد أن أعطى المؤتمر لهذه المبادئ والمنطلقات مرتسماتها العملية في مواد النظام الداخلي وصفات العضوية وشروط الانتساب للحزب وعلاقات الأعضاء، ذهب المؤتمر في مداخلات أعضائه مذهب تقرير اللجنة التحضيرية في مناقشةْ ديمقراطيةْ الحزب فكراً وتنظيماً والعلاقة الجدلية بين مسألة مركزية التنظيم وديمقراطيتـــه .
* * * * * * * * *
بين مسألة مركزيـة التنظيـم وديمقراطيتـه
=======================
كان النظام الداخلي السابق قد أخذ بمبدأ ((المركزية الديمقراطية)) قاعدة لتكوين الحزب وعمله سيراً على ما يسمى بالنهج اللينيني في بناء الحزب، ذلك المبدأ الذي وضعته عنواناً لنظامها أكثر الأحزاب النضالية والاشتراكية والثورية أو التي تصف نفسها بهذه الصفات.. ولقد ذهب مشروع النظام الداخلي الجديد كما ذهب المؤتمر في اجتماعه إلى تعديل تلك الصيغة، وليقول ((يقوم نظام الحزب… ونشاطه على أساس من الديمقراطية في التقرير والمركزية في التنظيم والتنفيذ…)) مُقدماً الديمقراطية كنهجٍ عام ومبدأ أساسي في إدارة العلاقات وفي اتخاذ القرارات والتوجيهات والمواقف العامة على كل مستويات التنظيم، و كذلك في تنظيم العلاقات والروابط الوطنية والقومية وصياغة التحالفات وإقامة الجبهات، وصولاً إلى النظام السياسي الديمقراطي الذي يتطلع إليه الحزب.. ولقد ثبّتَ المؤتمر القواعد التنظيمية المُستمدة من هذا المبدأ، كحرية الرأي وإخضاع المواقف والقرارات للمناقشة الحرة قبل اتخاذها في كل المراتب والتصويت عليها وكذلك مبدأ القيادة الجماعية في كل المستويات، مع تحديد لمهمات ومسؤوليات كل عضو، والنهج الذي يتبعه الحزب لوضع هذه المبادئ موضع الممارسة الفعلية، كما أكد المؤتمر على ضرورة تشجيع المبادرات الفردية والنزوع الى الابتكار والإبداع يبقى الضابط في ذلك النهج العام المقرر للحزب والاحتكام لقواعد نظامه الداخلي.
ولكن حزبنا بالمقابل، حزبٌ نضالي يعمل للتغيير الثوري، هو يبني تنظيمه ويمارس نشاطاته تحت وطأة نظُم استبدادية ترفض وجوده وتحاربه بكل الوسائل كما تُنكر عليه كل شرعية أو مشروعية في الوجود وكل حرية في النشاط والجهر بالرأي، وفي مثل هذا الموقع المُعارض واللاشرعي الذي تفرضه الظروف السياسية العامة يمكن أن نستمر طويلاً، فلا بد من تأكيد ضوابط الالتزام الحزبي الكامل، والحفاظ على أسراره التنظيمية بشكل قاطع وعدم التفريط بها، حفّظاً لوجود الحزب واستمراريتـه .
ومن هنا فإن الديمقراطية أساسية ولكن المركزية ضرورة وحاجة تقتضيها أولاً ضرورات عملية الاندماج البدئي في الحزب، فكرياً والتزاماً كما تقتضيها الصبغة النضالية و الثورية للحزب في إطار الظروف السياسية القائمة، ولكن الديمقراطية والمركزية يبقيان دائماً طرفا معادلة جدلية لا بد أن يُمسك بهما الحزب دائماً في وعي وعلى قدر من التوازن بحيث لا تطغى الضرورات والحفاظ على الذات على الأساس والمبدأ، وبحيث يبقى تطويرها لصالح الديمقراطية دائماً، حسب تطور الظروف والعلاقات، يبقى قرار الحزب دائماً ديمقراطياً، بينما تتحدد المركزية، في الصيغ التنفيذية للعمل الحزبي وفي التسلسل الهرمي للقيادات التنفيذية وفي تسمية تلك القيادات، على أن هذه الصيغ تبقى منفتحة للتعديل الديمقراطي بمقدار ما يتقدم العمل وبمقدار ما تتبدل الظروف.
ولقد لحظ عدد من أعضاء المؤتمر في مداخلاتهم، ما آلت إليه الكثير من الأحزاب الثورية أو المتسمية كذلك، من خلال تركيزها على صيغة ((المركزية الديمقراطية)) من إجهاز على الديمقراطية في داخلها و في علاقاتها، بحيث آلت إلى دكتاتوريات، سواء في تكوينها الحزبي، أو في إدارتها لنظم حكمها عندما تصل الى الحكم، تحت شعارات الحزب الواحد أو الحزب القائد، وما تفرضه بالتالي من وصايات ومن استبدادات على الحركة الشعبية ومن دكتاتوريات واستبدادات بالتالي وزعامات فردية، ومن قمع لحركة الجماهير، بل وللطبقة العاملة، أو الطبقات العاملة التي تدعي تمثيلهـا.
فلا بد أن نعرف دائماً أن الحزب ليس جيشاً من العسكر ولا ثكنة أو جهازاً تحكمه صيغ الانضباط العسكري والأوامر المنّزلة من فوق، ولا يجوز أن تحكمه علاقات أبوية أو زعامات فردية، فالانتماء إلى الحزب قائم بالأساس على الالتزام الحر والإيمان بالقضية، وفعاليته تظل دائماً في انفتاحه على الشعب وفي قدرته على التبشير وعلى الاحتكاك بالأخرين ونقل رؤيته ومواقفه إليهم.
ولقد وقف المؤتمر في إقراره لمواد النظام الداخلي عند هذه المسائل، لتقييم ذلك التوازن بين ضرورات المركزية والطبيعة الديمقراطية للحزب، ولتأتي قراراته عبر عملية تفاعل مستمر بين المراتب التنظيمية من القاعدة إلى القمة وبين قاعدة الحزب الطلائعية والمجتمع الشعبي التي تعمل على التفاعل معه والاندماج فيه والتعبير عن حاجاتــه .
فالأحزاب الديمقراطية، والثورية منها بخاصة، لا تكون كذلك إلا عندما تكون وليدة حركة الجماهير في مرحلة من مراحل تحركها ونهوضها ونضالاتها، وعلى الحزب الديمقراطي الثوري، أن يقاوم باستمرار عوامل التقوقع على النفس والانشغال بالحفاظ على الذات، وما يؤدي إليه ذلك من وقوع في الروتينية ومن جمود، ومن ثـم يقع بعد أمراض الطفولـة في أمراض الشيخوخة، تلك عوامل تُهدد الحزب من داخله ولقد رصدها في نقده وتحذيراته التقرير التنظيمـي .
فالحزب لكي تتجدد حيويته باستمرار، لا بد أن يظل على ارتباط مباشر بحركة الجماهير والفئات الاجتماعية التي يعبر عن مصالحها ولا بد أن يأتي بنيانه وأحكام نظامه على توافق تام مع هذا التوجــه.
* * * * * * * * *
يتبع.. «المسألة الوطنية السورية ومنهج التجمع الوطني الديمقراطي»
التعليقات مغلقة.