حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية * وحدة
في سورية
(من وثائق المؤتمر السابع)
* * *
تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية
* * *
– ٢ –
النظـريـــة والتنظيــــم (1/2)
= == = = = = = = =
إن البند الذي أخذ بالجانب الأوفى من أعمال المؤتمر كان البند التنظيمي، ومعالجة الأوضاع الداخلية للحزب على ضوء التجربة التي مر بها وما برز من قصورات أو خلل في نشاط الحزب وتنظيماته، بهدف الوصول إلى الصيغة المناسبة في التنظيم والعمل، والتي تجعل الحزب قادراً على الاستمرارية كحزبٍ ثوري ناصري، وعلى أداء المهمات التي يتصدى لحملها في ساحات العمل الوطني والقومـي .
لقد قدمت اللجنة التحضيرية إلى المؤتمر تقريراً عن الوضع التنظيمي للحزب، ومشروعاً لتعديل النظام الداخلي ولقد جاء التقرير التنظيمي عرضاً موضوعياً للواقع الراهن للحزب ومراجعة نقدية للأوضاع التنظيمية ومساراتها ولممارسات المراتب التنظيمية وما وقعت فيه من عثرات وقصورات أو تجاوزات لأحكام النظام الداخلي، بفعل الظروف الصعبة المحيطة بالحزب أو لأسباب وعوامل ذاتية كان لا بد من الوقوف عليها في سبيل وعيها واستيعابها وإيجاد سبل معالجتها.. أما المشروع المقدم لتعديل النظام الداخلي، فلقـد تناول أول ما تناول بالتعديل، المبادئ والمنطلقات العامة التي ينطلق منها الحزب في تنظميه ونضاله السياسي، لتكون أكثر تحديداً ووضوحاً وتكاملاً، كما تناول عدداً من القواعد التنظيمية ترسيخاً لديمقراطية الحزب وثوريته معاً، في تكوينه وبنيانه التنظيمي وممارساته وعلاقات أعضائه، وتأكيداً لجماعية القيادة في مختلف المراتب وفي اتخاذ القرارات، وصولاً إلى الصيغ المناسبة لتوظيف طاقات أعضاء الحزب كلها، بشكل أكثر إحكاماً وفعالية وجدوى.. ولقـد جاءت تلك التعديلات بعد مداولات سابقة شملت مراتب الحزب، وجاء محصلة لمقترحات وتوصيات قُدمت من تلك المراتـب .
ولقد أبرز عدد من أعضاء المؤتمر في كلماتهم ومداخلاتهم، الطابع المتميز لهذا المؤتمر السابع عن سابقاته من حيث الروح العامة التي تسوده والموضوعات التي يعالجها.. فالمؤتمرات السابقة جاءت في الغالب لمعالجة أزمات انقسام أو انشقاق وخلافات سياسية وإيديولوجية، فالمؤتمر الثالث جاء ليعالج الإشكالات التي ترتبت على انشقاق الجناح المُتمركس من حركة القوميين العرب عن ((الاتحاد الاشتراكي)) والمؤتمر الرابع عُقد في أعقاب خروج الجناح اليميني المتزمت على التنظيم، والمؤتمر السادس جاء ليعزل الفصيل الانتهازي العميل عن الحزب وليخرج بالحزب من إسار احتواءات النظام وجبهته الشكلية، أما المؤتمر السابع هذا فقد جاء تعبيراً عن الإرادة الجماعية لأعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، للنهوض بقدرات هذا الحزب وتجديد حيويته وبنيانـه .
ففي الوقت الذي وصل فيه حزبنا إلى قدر كبير من الوحدة والتماسك والانسجام، في نهجه الفكري والسياسي والاجتماعي، يجد نفسه محاصراً بصعوبات كثيرة، تحت وطأة نظام السيطرة الشمولية القائم، ومن القيود الإرهابية الكبيرة التي تُفرض على حركته ونشاطه، وفي إطار ظروف التمزق الوطني والقومي التي تمر بها أمتنا، والتفتت الاجتماعي، وانحسار حركة الجماهير؛ و لمّا كان لهذا كله انعكاسات على الأوضاع الذاتية لحزبنا وغيره من الأحزاب والحركات السياسية العربية، ثم ما نعانيه بعد ذلك، من تهميش وتقلص بدل التوسع والامتداد، ومن ضعف في القدرة على توظيف وتنظيم كل الطاقات والإمكانات، ومن حبّك عُرى تنظيمات الحزب في كل مجالات تواجده بشكل ناشط وفعال، ومن عدم التقدم بخطوات حثيثة ومُجّدية في ميادين العمل الجبهوي والشعبي قطرياً وقومياً… فكل ذلك يضعنا أمام مهمات صعبة ومعقدة، ويُطالبنا بالنهوض في مستوى تكويننا الذاتي فكراً ونضالية وكفاءة كما يطالبنا بابتكار وسائل جديدة في مواجهة تلك الصعوبات الكثيرة .
ولقد عبر أعضاء المؤتمر عن ارتياحهم لما جاء في التقرير التنظيمي من مراجعة نقدية، ومن نظرات متعمقة وصائبة تضع اليد على جوانب القصور والضعف وعواملها وأسبابها، وتشير إلى سُبل معالجتها والتغلب عليها، كما أكدوا على أن وعي هذه القصورات وما تتعثر فيه أوضاعنا التنظيمية، لا بد أن يصبح حافزاً للتغيير، والسير في خطة للمعالجة الجذرية لتلك القصورات ولاستخدام طاقاتنا وامكاناتنا بشكل أكثر فعالية وجدوى .
وناقش أعضاء المؤتمر في هـذا المجال التنظيمي، عدداً من المسائل الرئيسية، النظرية منها والعملية.. وكان أولها مسألة القواعد والمبادئ النظرية التي يعتمدها الحزب أساساً لتنظيمه أي نظريته في بناء الحزب وتكوينه ودوره، فما أن نقول حزباً سياسياً، وحزبا طليعياً و ثورياً، إلا ونجد أنفسنا مطالبين بأن نتملك مثل هذه النظرية في التنظيم بل وأن نصوغ ارتباطها العضوي، الفكري والعملي بنظرية أو منظور للثورة العربية التي وُجِد هذا الحزب ليؤدي دوره فيها، كطليعة من طلائعها.. فالثورة التي نتحرك في إطارها و يتشكل حزبنا كأداة من أدواتها، هي ثورة عربية قومية ديمقراطية، وأية أداة أو تنظيم يعمل لهذه الثورة، لا بد أن يحمل في تكوينه منذ البداية سواءً في التصور والتنظير، أو في التنظيم و الممارسة، ملامح تلك الثورة وثوابتها، وألا يصبح تجريداُ مثالياً، أو نظرية بلا ممارسة، وفكراً بلا التزام أو تطبيـق .
ولقد تداول أعضاء المؤتمر في عدد من المسائل التي تفرعت عن هذا المنظور لتحديد طبيعة الحزب وتكوينه وعلاقاته الداخلية، والقاعدة الاجتماعية الشعبية التي يرتبط بها ويُمثل مصالحها وتطلعاتها، فناقشوا الصيغة الديمقراطية للحزب، ومسألة المركزية والديمقراطية، والجماعية في القيادة واتخاذ القرارات، ثم في صيغ التحالف الشعبي وموقـع الحزب الطليعي منه وصيغ العمل الجبهوي القطري والقومـي .
فالتقرير التنظيمي الذي ثبّتهُ المؤتمر كوثيقة أساسية من وثائقه بدأ من التأكيد على أن المسائل التنظيمية ليست شكلية وتكتيكية وحسب، وإنما هي في جوهرها مسائل سياسية وإيديولوجية، وعندما تنعدم جذورها هذه، يتحول التنظيم إلى هيكل عظمي فارغ، قليل الجدوى و غير فعال؛ فالنظرية التنظيمية المنبثقة من استراتيجية سياسية صحيحة، ومنظور فكري متقدم، هي شرط لوجود حزب قادر على إطلاق سيرورة الثورة، وإعادة بناء حركة الجماهير وتعبئتها وصياغة وعيها و قيادة نضالها، لتقوم بمهام التغيير الثوري، عبر الثقة والتفاعل والإيمان الأكيد بمستقل أفضل للوطن والإنسان العربـي .
وانتهى المؤتمر بعد مناقشة المبادئ الأساسية والمنطلقات العامة التي يقوم عليها وينطلق منها تنظيم الحزب ونهج عمله، إلى تثبيتها في الصيغة التاليـة:
١- إن الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية حزب سياسي يناضل على الصعيدين القطري والقومي لتحقيق أهداف الثورة القومية العربية في الحرية والاشتراكية والوحدة ويعمل لبناء المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الموحـد .
٢- الاتحاد الاشتراكي حزب ناصري يلتزم بالمبادئ والأهداف العامة التي نهضت بها قيادة جمال عبد الناصر ومنها ((ميثاق العمل الوطني)) كما ويأخذ بالقواعد الأساسية التي استمد منها عبد الناصر النهج الاستراتيجي العام الذي سار عليه في سياسته الوطنية والقومية والدولية، و حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الذي تأسس عـام ۱۹٦٤ كتنظيم سياسي شعبي، إنما صاغ نهجه الاستراتيجي في إطار التجربـة الناصرية ومن خلال التفاعل معها.. وقد عمل دائماً على فهم واستيعاب تجربة عبد الناصر الثورية واستخلاص معطياتهــا الإيجابية وحوافزها النضالية من حيث أنها جاءت مرحلة تحرر وبناء ومرحلة نهوض وتقدم في مسار تاريخنا القومي، لم تتقدم عليها أية تجربة معاصرة غيرهـا .
والاتحاد الاشتراكي يأخذ في تمثيله لمعطيات تلك التجربة واستخلاص ثوابتها ومتغيراتها بما أخذت به قيادة عبد الناصر في التفكير والممارسة، من الاحتكام لجدلية العلاقة بين الأصالة والتجديد في منهاج التغيير الثوري، بما يعني ذلك من استمرارية للمعاني والقيم الروحية والأخلاقية وللتطلعات الإنسانية الأصيلة في حياة أمتنا وتاريخها الحضاري وفي وجدان جماهيرها ومن تجديد للبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يتناسب مـع الحاجات الحياتية المتجددة لجماهير الأمة وبما يتلاءم مع روح العصر وأهداف التقدم.. ومنهج التغيير الثوري يبقى دائماً منهجاً نقدياً متجدداً وهذا ما يصح تطبيقه على مسار تجربة عبد الناصر ذاتها، في تمثلنا لتلك التجربة والاسترشاد بها.. فالثورة الناصرية مرت بمراحل وأطوار وحققـت إنجازات كبرى وانتصارات، كما وقعت في العثرات ومُنيت بهزائم ونكسات، ولكنها كانت تعمل للتقدم والتجدد باستمرار، فلا يجوز الوقوف بها عند مرحلة من مراحل نهوضها أو عند طور من أطوار تقدمها، بل يؤخذ بها في كليتها وما أعطت وما كانت تتطلع إليه من أهداف، للإمساك بها من حيث وصلت ولتحديد مسارها من خلال منظورها التاريخي وتطلعاتها المستقبلية، كثورة تجّمع في استراتيجيتها بين مهمات الثورة القومية الديمقراطية التحررية الوحدوية ومهمات الثورة الاشتراكية التقدمية مع التأكيد على النهج الديمقراطي في صياغة الوحدة الوطنية والتلاحم القومي وبناء التقـدم .
٣- إن الديمقراطية كديمقراطية سياسية واجتماعية متلازمة، وكنهوض بالإرادة الحرة الواعية لأوسع جماهير الشعب لتُمسك بمصائرها، هي القاعدة العامة التي ينطلق منها حزب الاتحاد في بناء تنظيمه ورسم سياسته وتوجيه عمله وفي صياغـة تحالفاته وعلاقاته السياسية، وفي التحامه بجماهير الشعب ونشـر دعـوته بينهـا .
فالديمقراطية السياسية هي الصيغة التي نتطلع إليها في بناء الدولة ونظام الحكم، ونناضل قطرياً وقومياً من أجل ترسيخ قواعدها، كنظام حكم دستوري، يقدم السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ويصون استقلالية السلطة القضائية، يقيم حكم الأغلبية بالاحتكام للإرادة الشعبية العامة عن طريق الانتخابات العامة وضمان حرية تلك الانتخابات، ويؤكد حق المعارضة في الوجود ويضمن حرية تعبيرها ونشاطاتها في إطار المبادي الوطنية الأساسية، كما يقوم على سيادة القانون وعلى المساواة بين المواطنين جميعاً أمام القانون دون أي نوع من أنواع التمييز.. ويصون حقوق الإنسان وكرامة المواطن كما يضمن إطلاق الحريات العامة كلها بما فيها حرية الرأي والمعتقد وحرية الصحافة وتعدد وسائل الإعلام وحرية الاجتماع والتنظيم السياسي والحزبي .
والديمقراطية كما هي وسيلة للحرية، لا بد أن تحمل منهجاً لتحقيق العدالة الاجتماعية.. ففي المجتمع القائم على الفوارق الاقتصادية والطبقية، لا يمكن لقضية الحرية أن تأخذ بُعدها الصحيح إلا من خلال تحرير الطبقات الشعبية الكادحة، والخاضعة أكثر من غيرها للاستغلال والقهر، ومن تقييد الظروف الاقتصادية لحريتها.. فليمارس جميع المواطنين الديمقراطية على قدم المساواة، لا بد من رفع الاستلاب الاقتصادي لهذه الحرية، فالنظام الديمقراطي لا بد أن يعمل على تحقيق تكافؤ الفرص وديمقراطية الإنتاج، فالتنهيج الاشتراكي الموجه لتلبية حاجات الشعب وعدالة التوزيع ضرورة لا بد منها لتحقيق الهدف الإنساني للديمقراطيـة .
والديمقراطية لا تستكمل أبعادها الصحيحة، إلا بتقدم وعي الجماهير الشعبية لمصالحها و قدراتها، ومشاركة أوسع الجماهير في العمل السياسي، هذا إذا ما أردنا أن يوضع المبدأ الديمقراطي ’’في تأكيد سيادة الشعب ووضع السلطة في يده وتكريسها لتحقيق أهدافه‘‘ موضع التطبيق الفعلي.. فلا بد للاتحاد من أن يلتصق بحياة الأوساط الشعبية ويعيش معاناتها وأن يعمل بدأب في صفوف الجماهير للتقدم بوعيها السياسي والاجتماعي وبمشاركتها الجماعية الفعالة في الحياة العامة لتعي مصالحها المشتركة وتُمسك بمصائرها وتعمل على تنظيم فئاتها الاجتماعية والنقابية والمهنية على أسـس ديمقراطيـة .
وبالمقابل فحزب الاتحاد الاشتراكي يرفض كل شكل من أشكال الدكتاتورية والهيمنة الشمولية في الدولة والمجتمع ويرفض مذهبة الدولة ويؤكد على حرية الفكر والمعتقد، كما يرفض الأساليب الإرهابية في النضال السياسي ويعتمد أساليب النضال الشعبي الجماعي في مواجهة الظلم والاستبداد .
٤- يأخذ الاتحاد بالاشتراكية العلمية على اعتبارها ((الصيغة المُلائمة لإيجاد المنهج الصحيح للتقدم)) وهو يأخذ بها كمنهج في البحث والتفكير والممارسة، من خلال منظور جدلي نقدى في وعي الوقائع الاجتماعية وتحليلها واستيعاب تناقضاتها وحركة صراعاتها، ليضعها في مسارها التاريخي الهادف للحرية والعدالة، فالاشتراكية العلمية دليل في العمل لتغيير البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفق منهج ديمقراطي في التحويل الاشتراكي، يلتزم بمصلحة الجماهير الشعبية العريضة وحاجاتها، ويتخذ قاعدة اجتماعية- سياسية له ((تحالف قوى الشعب العاملة))، بهدف إقامة مجتمع الكفاية والعدل وتحرير الإنسان العربي من كل ألوان الاستغلال والظلم لإطلاق طاقاته المُبدعة ولتكتمل صورته الإنسانيــة .
وهذا النهج الاشتراكي إذا كان يحمل أمل حضارة إنسانيـة جديدة ونظام عالمي جديد يحقق الحرية والعدل والمساواة لبني البشر، فإن الظروف التاريخية التي تعاقبت وأوجدت المجتمعات الإنسانية الراهنة والأمم بخصوصياتها القومية، تفرض أن يوضع هذا النهج الاشتراكي أيضاً في إطار تجربتنا القومية العربية وخصوصياتها وما تؤهل له من طريق خاصه في الوصول بها إلى أهدافهـا .
٥- والاتحاد حزب قومي عربي يناضل بكل الوسائل في سبيل وحدة الأمة ويعمل ليكون للأمة العربية الواحدة دولة واحدة، وعليه أن يناضل بدأب ضد معوقات هذه الوحدة وضد أعدائها في الداخل والخارج، ضد الإقليمية والتجزئة وضد الطائفية والعنصرية، وضد الرجعية والتخلف، وضد الإمبريالية والصهيونية.. ويعمل قطرياً وعلى الصعيد القومي، في سبيل وحدة القوى الوطنية والديمقراطية العربية التي تلتقي على وحدة الهدف ويجمع بينها المصير المشترك.. ويرى حزب الاتحاد أن الصيغ الجبهوية في العمل، الملتزمة ببرامج استراتيجية موثقة على الصعيدين الوطني والقومي، هي الصيغ المُلائمة للتلاحم الديمقراطي لقوى النضال العربي ولبناء الحلف التاريخي للقوى الشعبية والطبقات الاجتماعية ذات المصلحة الحقيقية في تحقيق أهداف التحرير والتقدم والوحـدة.
فالوحدة العربية قضيتنا الأولى والمُقوم الأول لوجود هذا الحزب الذي تكوّن بالأساس كحزب وحدوي رداً على الانفصال وبهدف تجديد وحدة مصر وسورية كمنطلق للوحدة العربية الشاملة.. وفي هذا المنحى ثمة مسألتان أساسيتان لا بد من التأكيد عليهما في منطلقاتنا الأساسية هذه، وهما مسألة الرابطة المصرية السورية ومسألة الالتزام بالقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، لما لهما من أبعاد استراتيجية تفرض نفسها على مسار النضال القومي والعمل الوحدوي.
أ- إن تجربة الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨ تبقى تجربة رائده في حياة أمتنا، تُعبر عن إمكانية تحقيق الوحدة وعن طريق تحقيقها، فتلك الوحدة ما تحققت إلا بالإرادة الجماعية للجماهير الشعبية في القطرين وبتقدم تلاحمهما الوطني ودفعهما الثوري، كما أنها قدمت نهجاً استراتيجياً في التوجه لبناء وحدة الأمة، نهجاً يؤكد على دور مصر ومكانتها كمرتكز ومستند للعمل الوحدوي، باعتبارها القطر العربي الأكبر وباعتبار موقعها الجغرافي ودورها التاريخي والحضاري ونضالية شعبها، كما يؤكد على دور تلك الرابطة الوحدوية بين القطرين وبُعدها الاستراتيجي في بناء اللُحمة القومية بين مشرق الوطن العربي ومغربه وفي التقدم نحو الوحدة الشاملة.. ثم إن تلك التجربة قد عززت روابط تاريخيه ونضاليه وأهداف ومصالح مشتركه بين شعبي القطرين، فمن واجب حزب الاتحاد في عمله الجبهوي والقومي، أن يولي اهتماماً خاصاً، لتوثيق وحده العمل والنضال بين القوى القومية الديمقراطية في القطـرين .
ب- إن القضية الفلسطينية، وصراع الوجود بين الأمة العربية والاستعمار الصهيوني الاستيطاني التوسعي المُمتد في أرضها، تأخذ مكانها كقضية مركزية تفرض نفسها على حركه التحرر العربي وكتحدٍ مستمر، والالتزام بحل هذه القضية واستخلاص الحق العربي في فلسطين هو التزامٌ قومي، لا بد أن يوضع في المقدمة لأي نهج استراتيجي عربي تحرري ووحدوي، وأن تُصاغ على أساسه علاقات العمل المشترك والنضال، مع قوى الثورة الوطنية للشعب الفلسطيني والقوى الوطنية العربية الديمقراطية الوحدويـة .
والتأكيد على هذين البعدين الاستراتيجيين في العمل القومي، لا يعني حصر هذا العمل بهما والتوقف عندهما، بل هو عمل يُطلب له أن يتلاقى ويتقاطع مع أبعاد استراتيجية غيرهما في التلاحم القومي والنضال الوحدوي.. فالوحدة العربية كما جاء في الميثاق الناصري ((طريقٌ طويل قد تتعددُ عليه الأشكال والمراحل وصولاً إلى الهدف الأخيــر)).
٦- إن المبادئ الأساسية السابقة التي أتينا على مقوماتها، هي التي ترسم الأطر العامة لأيديولوجية الاتحاد أي تُلخص المبادئ النظرية والنهج الاستراتيجي لحزب الاتحاد والتي توجه تنظيره الفكري وعمله التنظيمي وممارساته السياسية والنضالية.. وهي إيديولوجية منفتحة للنقد والتجديد، حسب المعطيات التي تأتي بها تجربتنا الوطنية والقومية وهي تتقدم نحو أهدافها، وكذلك المعطيات التي يقدمها الفكر الإنساني وتجارب الشعوب، فهي إذن بعيدة عن التمذهب الشمولي والجمود وتقاومهما، وهي تُؤكـد على جدليتها وعلى حركة الوعي النقـدي المُتجدد فيها، وعلى الترابط والتكامل باستمرار بين النظرية والتطبيـق.
٧- يقـوم نظام حزب الاتحاد ونشاطه على أساس من الديمقراطية في التقرير والمركزية في التنظيم والتنفيذ، فالالتزام به أساساً هو التزام طوعي وبالاختيار الفردي الواعي، والعلاقات بين أعضائه وبين مراتب تنظيمه علاقات موضوعية.. وروح الالتزام والانضباط في الاتحاد تقوم على الارتباط المصيري والإحساس بالمسؤولية، وكل مرتبة تنظيمية أو هيئة قيادية تلتزم تمام الالتزام بمبدأ القيادة الجماعية مع تحديد دائم للمهمات والمسؤوليات الفردية والالتزام بالنقد والنقد الذاتي .
* * * * * * * * *
يتبع.. «النظـريـــة و التنظيــــم (2/2)»
التعليقات مغلقة.