حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية * وحدة
في سورية
(من وثائق المؤتمر السابع)
* * *
تقرير عن أعمال المؤتمر السابع (1985)
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية
– ١ –
مراجعة النهج والمسار العام للحزب
= = = = = = = = = = = = = =
لقد أجرى المؤتمر العام السابع “لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية”، على ضوء التقرير العام الذي قُدم إليه والتقارير المُلحقة به والمداخلات التي جرت في مناقشة هذه التقارير، مراجعة نقدية لمسار الحزب التنظيمي والسياسي والإيديولوجي منذ تأسيسه عام ۱۹٦٤ حتى اليوم، وللمراحل التي تخطاها والأزمات التي مر بها والمتغيرات التي انتقل بها في تكوينه ومواقعه ومواقفه .
فالاتحاد الاشتراكي العربي في سورية، الذي قام قبل عشرين عاماً كتنظيم سياسي يعمل تحت راية الناصرية، ويُناضل أولاً من أجل إسقاط الانفصال وتجديد وحدة القطرين المصري والسوري كجمهورية عربية متحدة تكون قاعدة للنضال القومي التحرري ونواة للوحدة العربية الشاملة.. قد مر بمراحل من التطور في تكوينه ومواقفه، واغتنى بتجربة سياسية وفكرية مُتقدمة، لقد خضع لما خضعت كل القوى والأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية والقومية في الوطن العربي من ضغط الظروف السياسية العامة ومن عوامل الانقسام، ولقد خرجت منه كما خرجت عليه مجموعات أخذت مواقف وتكوينات مخالفـة له أو متناقضة معه، وليذهب العديد منها إلى المواقع المضادة للثورة بل وإلى خدمة نظم الاستبداد والتبعية والإقليمية، ليأخذ اتحادنا الاشتراكي في النهاية تكوينه الحزبي الراهن المُنسجم مع أهدافه، والموحد في فكره ونهجه السياسي العـام .
فالتقرير العام بعد أن استعرض الظروف الخاصة والعامة التي يمر بها حزبنا اليوم، وما سار عليه من نهج منذ المؤتمر السادس، وظروف ذلك المؤتمر وما اتخذه من قرارات وتوصيات بعد دحر الفئة الانتهازيـة المتعاملة مع أجهزة النظام الحاكم وعزلها وإخراجها من صفوف الحزب، ثم النهج الـذي سارت فيـه القيادات المنبثقة عن ذلك المؤتمر، وما استطاعت إنجازه من القرارات والمهمات الموكل إليها تنفيذها، من النواحي الثقافية والنظرية والتنظيمية والسياسية والنضالية، القطرية منها والقومية، وما عجزت عن إنجازه أو قصرت دونه، وعوامل ذلك التقصير وأسبابه الذاتية والعامة جاء التقرير على عرض موضوعي للمراحل المتعددة التي مـر بها ((الاتحاد)) منذ تأسيسه عام ١٩٦٤ حتى اليوم، وعن طبيعة الالتزام الذي كان يشده إلى قيادة عبد الناصر والعلاقات التي قامت بينه وبين مصر عبد الناصر، وعن التناقضات الأولى التي وقع فيها عند بداية نشوئه وتكوينه، وما أدت إليه من أزمات داخلية وانقسامات وعن النهج الذي سار فيه التيار الرئيسي للاتحاد وصولاً إلى وحدته الفكرية والتنظيمية و السياسية .
ولقد استطاع هذا التنظيم أن يأخذ هويته المتميزة كحزب طليعي منذ مؤتمره الرابع في بداية عام ١٩٦٨ وسار في نهج واضح كحزب قائم بذاته في استيعاب الناصرية فكراً وممارسة، وفي التعامل الإيجابي والتفاعل المُتجدد مع تجربة عبد الناصر وفكره السياسي المتقدم باستمرار ونهجه الاستراتيجي، وفي التوجه لحركة الجماهير واعتماد مصالحها وأهدافها قاعدةً ومنطلقاً وفي العمل على توجيه طاقات الأمة النضالية وقوفاً في وجه أعدائها ومعوقات نهوضها وتقدمها وفي الدفع باستمرار على طريق الوحدة العربية، ومواجهة قوى وعوامل التجزئة والتخلف والانفصال والانطلاق في ذلك كله من موقف وطني ديمقراطي قاطع معادٍ للإمبريالية ولكل أشكال التابعية معتمد في السياسة الدولية نهج الحياد الإيجابي والتطلع إلى نظام عالمي إنساني وعادل.. فالمؤتمر الرابع للاتحاد عام ٦٨ شكل منعطفاً أساسياً في حياة حزبنا فهو كما أكد هويته كحزبٍ ناصري طليعي عمل على أن يعطي لهذا الحزب نهجه الأيديولوجي ووحدته الفكرية، وفي مواجهة الظرف العربي بعد هزيمة حزيران، وتوافقاً مع النهج الاستراتيجي لقيادة عبد الناصر في التصدي لمهمات إزالة آثار الهزيمة ودحر العدوان والتصدي للحلف الإمبريالي الصهيوني المعادي لأمتنا، أخذ حزبنا يدفع بخطواته على طريق العمل الجبهوي وبناء تلاحم الحركة الوطنية العربية على الصعيدين القطري والقـومي .
وبعد غياب عبد الناصر، مارَس حزبنا دوره في حدود طاقاته وإمكاناته، دفعاً على طريق مواصلة المسار الناصري والنهـج الاستراتيجي لعبد الناصر، وبرزت في البداية مبادرات في عدد من المواقع العربية، وفي وقفة حركة الجماهير تعطي أملاً بإمكانية مثل ذلك الاستمرار، ولكن الردة جاءت وقوى الثورة المضادة صعدت وتمكنت، وحصن الثورة العربية المُجسد في مصر، سقط في يد الردة الساداتية الخائنة، وكذلك صعدت القوى الإقليمية وقوى الاستغلال والانتهازية الجديدة إلى السلطة في أكثر المواقع العربية .
لقد جاء التقرير العام على استعراض تلك الظروف والمتغيرات، وما كان لحزبنا من مواقف وممارسات في مواجهتهـا، ووقف تفصيلاً على التجارب التي مر بها في العمل الجبهوي الوطني، وبعد الجهود (غير الموفقة مـن حيث النتيجة) التي بذلها حزبنا لإيجاد نهج وطني في سورية منفتح للديمقراطية والوحدة وجبهة وحدة وطنية من خلال التعاون مع ما سمي ((بالحركة التصحيحية)) وبعد أن أخذ النظام السوري ينغلق على حقيقته الفئوية والاستبدادية، اتخذ حزبنا موقعه في صف المعارضة وفي قطيعة كاملة مع نظام التسلط والاستبداد، بل وفي قطيعة مع النظم العربية كلها، التي أصبحت في كاملها نظم إقليمية وتسلط فئوي واستبداد ونظم تراجع وردة أي نظماً ضد الثورة وضد أهداف جماهير الأمة وتطلعاتها .
فعندما تصبح الثورة المضادة في السلطة وتصبح هي الحاكمة، وعندما تأخذ النظم مثل هذا التحول الذي أخذته… لا يعود هناك من موقع للوطنية والتحرر ولا من موقع لقوى الثورة والوحدة، إلا في معارضة هـذا الواقع ومعارضة النظم التي تُمسك به… وهذا ما أصبح عليه بالتحديد موقف حزبنا منذ عام ١٩٧٣ وأخذ وضوحهُ الكامل بعد حرب تشرين وبعد المآلات التي آلت إليها سياسات النظم و بُناها.
ولقد حمل حزبنا مهمته الناصرية من مواقعه الوطنية، في إطار الظروف الصعبة التي أخذت تحاصره كما تحاصر كل القوى الوطنية والديمقراطية العربية، وما كانت هذه المهمة بالنسبة لنا، إلا العمل على تجديد مسار ثورتنا العربية كثورة قومية ديمقراطية، وفي هذا السبيل أصبحت المهمة الأولى، إعادة صياغة الوحدة الوطنية، والعمل على تجميع القوى الوطنية وتوحيد نهجها وطاقاتها وإقامة جبهة معارضة وطنية في سبيل التغيير الديمقراطي، والدفع على طريق وحدة قوى النضال العربي في استقلالية كاملة عن النظم ومناوراتها وصراعاتها فيما بينها والوقوف في وجه عمليات الاحتواء والتسلط التي تمارسهـا النظـم .
وكأي حركة ثورية تعمل للتغيير الجذري، فقد كان لابد لحزبنا من أن يقف في مواجهة الواقع ويتعامل معه من موقف المعارضة وأن يعمل في الوقت ذاته لبناء طريق المستقبل، أي أن يكون حركة نقد مستمرة لهذا الواقع وأن يتخذ مواقفه من القضايا السياسية الراهنة ومن معاناة الشعب السوري في الداخل ومن المسائل القومية انطلاقاً من مرتكزاته المبدئية والأخلاقية ومن أهدافه ومنظوراته الاستراتيجية وأن يعمل بالتعاون مع بقية القوى الوطنية التي تقف موقفه هذا، في إطار تحالف جبهوي للتصدي للمهمات الوطنية الديمقراطية المطروحة ولإيجاد نهج للنهوض العربي ومشروع للتغيير الديمقراطي والثورة القومية الديمقراطيــة .
وهذا ما أوضح التقرير العام مسار حزبنا فيه، وما استطاع عمله في هذا السبيل وما قصر عنه سواء بسبب قصوراته الذاتية أو بسبب ضغط الظروف الخارجية و الصعوبات الكبيـرة التي حاصرته، فالحزب بعد أن اتخذ في المؤتمر السادس قراره بالخروج من جبهـة التعاون مع النظام والوقوف في معارضته، وجد نفسه بحاجة لمراجعة كاملة لتكوينـه التنظيمي ونهجه السياسي وتحالفاته وعلاقاته انطلاقاً من تقييمه للتغيرات التي وقعت في الوطن العربي، من تراجع حركة الثورة وصعود نُظم الفاشية ونظم الثورة المضادة والردة، هذه النظم التي أصبحت بحكم تركيبها الاجتماعي والأيديولوجي وحكم مصالحها الفئوية والإقليمية وروابط التابعية التي ترتبط بها، وبحكم لا ديمقراطيتها ومعاداتها لحركة الجماهير وحرياتها، عاجزة كل العجز عن المضي في مشروع التحرر الوطني للأمة وتحرير الأرض كما تعترض سبيل الاندماج الوطني والوحدة القومية، وعلى هذا الأساس أخذ حزبنا يعمل لبناء الوحدة الوطنية من موقع المعارضة لهذا الواقع، ورَفعَ راية الديمقراطية والتغيير الديمقراطي للمجتمع والدولة، ونادى بالجبهة الوطنية العريضة في موقع المعارضة للتصدي لمهمات هذا التغيير، كما كان له دور أساسي في بناء جبهة ((التجمع الوطني الديمقراطي)) ولكن الصعوبات التي اعترضت سبيل هذا النهج الوطني كانت كبيرة، والإرهاب السلطوي الدموي الذي سُلط على الشعب وعلى التحركات الوطنية الديمقراطية بدءاً من عام ۱۹۸۰ أحاطنا بظروف استثنائية قهرية لم تقّوَ على اختراقها ولعبت القوى الإرهابية الدينية والقوى الفوضوية المتطرفة التي نزلت إلى ساحة المعارضة دوراً سلبياً في إحباط مشروع عملنا الوطني الديمقراطي، إذ عززت الشرخ الطائفي في المجتمع الشعبي، وقدمت لنظام الاستبداد ما يريد من مبررات لتصعيد ممارساته القمعية والإرهابية ضد الشعب كله، بشكل لم يسبق له من مثيل وبذلك زادت من عِثار الحركة الوطنية الديمقراطية المعارضة التي كانت قد أخذت فُسحة من الأمل في الأشهر الأولى عام ۱۹۸۰.. ومع كل المصاعب التي برزت في الساحة فقد ظل حزبنا يتشبث بنهجه الوطني الديمقراطي موكداً أن لا طريق صحيحة غيره لتأكيد اللُحمة الوطنية للشعب وللدفع على طريق التغيير وظل يسترشد بالمبادئ التي ينطلق منها، وظل يستدل إلى طريقه وأهدافه من خلال الاحتكام دائماً إلى مصلحة الجماهير و تطلعاتها وإلى واقعها ومعاناتهـا .
ولقد بحث التقرير العام كما ناقش المؤتمر، ما تعرضت له الحركة الناصرية والفكر الناصري من عمليات تحريف وتزوير كبيرة، بعد رحيل عبد الناصر وصعود نظم وحركات الردة، و جرى استعـراض لطبيعة تلك الزُمر والمجموعات الانتهازية التي ما زالت تحمل عناوين الناصرية وشعاراتها وتتسمى بحزب أو أحزاب ((الاتحاد الاشتراكي العربي)) وتعمل في خدمة نظم الاستبداد وأجهزتها، وتعقد الندوات والمؤتمرات بدافع من تلك الأجهزة وتحت رعايتها وتقف على المنابر وتُصدر النشرات وهي تُمجد نظم الإقليمية والقهر وتسير في دعاية تقديس زعامة الفرد وتُمسك باسم عبد الناصر وصوره وتقيم المقارنات والتشبيهات… إنها زُمر ومجموعات لها مثيلاتها الكثيرة اليوم في تلك الأطر من الانحطاط السياسي والتابعية وما كان لنا أن نقف عندهـا لولا ما يمكن أن تخلقه أحياناً من التباسات في التسميات التي تتسمى بها والشعارات العامة التي ترفعها.. وهكذا فقد تساءل عدد من أعضاء المؤتمر عما إذا كان هناك ضرورة لإدخال تعديلات على الاسم الذي يحمله حزبنا لقطع دابـر أي التباس .
ولقد ذهب غالبية أعضاء المؤتمر إلى أن لا حاجة لأي تغيير في التسمية أو تعديل، فحزبنا معروف ومتميز بنهجه وفكره ومواقفه، مشيرين إلى أن التحريف والتزوير، في هذه المرحلة من التقهقر والردة قد تناولا كل الشعارات والمبادئ والأهداف، فالوحدة تُزوّر و تُزيف وتُـفّرغ من مضامينها الشعبية وكذلك الديمقراطية والاشتراكية وشعارات الثورة والنضال، ومثل هذا التزوير الكبير لا يمكن أن يدفع بنا إلى التخلي عن شعاراتنا ومقولاتنا أو تغيير مسمياتها، وإنما يُطالبنا بمزيد من الوضوح والتوضيح وأن نعطيها في نشرنا وتوجهـاتنا وفي سلوكنا وممارساتنا، مضامينها الحقيقية والأصيلة.. وهذا ما جاء به نهج حزبنا.. كما لحظوا أن حزبنا عند مؤتمره الرابع عام ١٩٦٨ كان أول تنظيم ناصري اتخذ تسمية الحزب وأعطى لتلك التسمية مضامينها في نهجه وفكره وتنظيمه وما لبثت أن جاءت بعده فئات ومجموعات عديدة لتُلصق بعناوينها هذه التسمية، ولكن حزبنا ظل متميزاً عنها بسياسته وفكره ونهجه.. ولقد أُقّفِل النقاش حول هذا الموضوع بعد أن تقرر إبقاءه على جدول أعمال المؤتمر العام في دوراته اللاحقة ومطالبة اللجنة المركزية القادمة، بأن تولي اهتماماً مسألة تعميق هوية حزبنا الناصري ونهجه المتميـز .
وفي ختام مناقشة التقرير العام اتخذ المؤتمر قراراً بالموافقة على ما جاء في التقرير العام من مراجعة نقدية لمسار الحزب مؤكداً على ضرورة الاستمرارية في هذا النهج النقدي المتجدد الذي رسمه التقرير كما حدد القواعد التي يجب أن يسير عليها لمعالجة قصوراته ولتجديد بنيانه وعلاقاته، ليكون على مستوى أداء المهمات التي يتصدى لحملها .
وأوصى المؤتمر بنشر التقرير العام وتعميمه على مراتب الحزب والأصدقاء.. وإذا كان عدد من الأعضاء قد أوردوا ملاحظات أثناء المناقشة حول عدم وقوف التقرير العام بالقدر الكافي عند تحليل المرحلة الأخيرة التي مر بها حزبنا والحركة الوطنية السورية منذ عام ۱۹۸۰ حتى اليوم، ولم يستخلص دروسها وعِبرها بما فيه الكفاية، بعد أن وقف طويلاً عند المراحل السابقة فأوصى المؤتمر بإتباع ذلك التقرير بدراسة مفصلة عن تجربة الحزب في تلك المرحلة، وباستكمال هذه الدراسة يصبح التقرير العام وثيقة متكاملة .
——————————-
يتبع.. «النظرية والتنظيم وتعديل النظام الداخلي»
التعليقات مغلقة.