محمد المنشاوي *
قبل 65 عاماً قام الرئيس السابق جمال عبدالناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية.. وقال عبدالناصر «باسم الأمة.. باسم الأمة.. مادة ١: تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات، وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا على إداراتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها، مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام تسلم الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة».
كانت تلك هي المادة الأهم من خطاب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ضمن احتفالات مصر بالذكرى الخامسة لثورة 23 يوليو، وفور انتهاء الرئيس عبدالناصر من خطابه، خرج الملايين من الشعب المصري ممن كانوا يستمعون للخطاب عبر أثير الراديو في الشوارع مهللين ومؤيدين للرئيس ولقراره التاريخي.
وردا على هذا القرار، قررت الحكومة البريطانية تجميد الأرصدة المالية لمصر في بنوك بريطانيا عقابا لها على قرار عبدالناصر. وبعد عدة أسابيع، وتحديدا يوم 29 أكتوبر 1956، بدأت القوات الإسرائيلية مهاجمة الحدود المصرية، ثم أنذرت فرنسا وبريطانيا كلا من مصر وإسرائيل بضرورة وقف القتال، على أن تبعد قوات كل منهما 10 كيلومترات من جانبي قناة السويس. ولما رفضت مصر الإنذار هاجمت القوات البريطانية والفرنسية منطقة القناة، وتقدم الجيش الإسرائيلي واحتل كل سيناء.
شعر الرئيس الأمريكي حينذاك داويت أيزنهاور بخداع فرنسي بريطاني له حين اندلع القتال دون علمه. وكان من رأى أيزنهاور أنه رغم أن قناة السويس هي ممر ملاحي دولي مهم، فإنه يصعب تحدى حق مصر فى تأميم شركة قناة السويس. وسارع لاتخاذ سلسلة من الخطوات الرامية إلى إنهاء الحرب بسرعة، وساوره القلق كذلك من أن الحرب قد تدفع الدول العربية نحو الاعتماد بصورة أكبر على الاتحاد السوفييتي. وصدر قرار لوقف إطلاق النار من الأمم المتحدة، ونظم وجود قوة طوارئ دولية للفصل بين الدول المتحاربة، ومارس أيزنهاور ضغوطا سياسية ومالية على الأطراف المتحاربة لقبول اتفاق لوقف إطلاق النار الذى صدر عن الأمم المتحدة في السادس من نوفمبر وأصبح ساري المفعول في اليوم التالي. وتقف أزمة السويس كنقطة تحول في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية، وإيذانا ببدء فصل جديد من صراع القوى الكبرى، حل فيه نفوذ واشنطن محل نفوذ باريس ولندن مجتمعتين.
- ••
لم يستطع أيزنهاور أن يجد لواشنطن موطئ قدم في مصر، إلا أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 دشنت لعلاقات خاصة تلعب فيها قناة السويس دورا مهما في علاقات القاهرة بواشنطن. ورغم أن القناة تعد أحد أهم المجاري الملاحية في العالم بتحكمها فيما يقترب من 12% من حجم التجارة البحرية العالمية. فإن دور القناة كممر عسكري قد يتفوق على أهميتها التجارية، من خلال عبور السفن والبوارج الحربية لها. وعلى سبيل المثال وخلال فترة حرب العراق 2003 عبرت 861 بارجة حربية أمريكية قناة السويس خلال نفس الفترة بأمان. كما تستطيع السفن الأمريكية التي تحمل أسلحة نووية، سواء كانت سفنا أو غواصات، بعبور القناة. من هنا أصبح دور القناة أحد المكونات الرئيسية للولايات المتحدة في علاقات التعاون العسكري بينها وبين مصر من خلال تسريع الوصول البحري لمناطق مختلفة عبر قناة السويس. وفى مايو 2019، وفى خضم تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية حول مضيق هرمز، نشرت الولايات المتحدة حاملة الطائرات “يو إس إس” أبراهام لينكولن ومجموعتها الضاربة عبر المرور من خلال قناة السويس.
- ••
قناة السويس، ومحافظاتها الثلاث، هي مفتاح الأمن القومي المصري منذ أن حفرت القناة بسواعد وأيادي عمال مصريين فقد منهم 120 ألفا حياتهم أثناء عمليات الحفر التي بدأت عام 1859 واستمرت لعشر سنوات كاملة.
وقبل أيام اتجهت أنظار العالم اليوم إلى قناة السويس بعد جنوح ناقلة الحاويات العملاقة في قناة السويس وسد المجرى الملاحي، ما تسبب في تعطل مئات السفن جنوبا في البحر الأحمر وشمالا في البحر المتوسط.
وأثارت الحادثة قبل انفراجها توترا ومخاوف عالمية من تأثير الحادث على حركة الشحن العالمية وسلاسل التوريد وأسعار النفط حيث ربما تتأثر التدفقات التجارية بين آسيا وأوروبا لعدة أسابيع قادمة.
وأثارت أزمة تعطل المرور في القناة والتي استمرت لسبعة أيام، إلى عودة طرح بعض المعلقين لضرورة توفير بديل للقناة بحيث لا تتعطل التجارة الدولية في حالة وقوع حادثة كحادثة “إيفر جيفين”، وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في توفير بديل جدى للقناة فى المخططات الإسرائيلية، علينا الالتفات لتطوير القناة بجدية بدلا من الالتفات للضغوط النفسية والتي تسبب ارتباكا لا تخطئه العين في أداء أجهزة الدولة الرئيسية عقب وقوع الحادث.
* كاتب صحفي مصري متخصص في الشئون الأمريكية
المصدر: الشروق
التعليقات مغلقة.