الاشتراكي العربي
حرية * اشتراكية * وحدة
——————————————————————————-
نشرة يصدرها حزب
الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية العدد / 38 / تشرين الثاني 1974
——————————————————————————–
==============================================
«إن الجماهير هي القوة الحقيقية .. والسلطة بغير الجماهير مجرد تسلط معاد لجوهر الحقيقة » 27/2/1976 « جمال عبد الناصر »
==============================================
تضــامن في (القمــة) وتسريــحٌ للجمـــاهير(*)
الدكتور جمال الأتاسي
* * *
كان الحشدُ شاملاً لمؤتمر القمة في الرباط هذه المرة, لم يخرج منه ولم يستنكف عنه أي قطر . وفي إطار هذا المستوى من العمل العربي المشترك, الذي تُشكل جامعة الدول العربية قاعدة له، أي جامعة النظم والحكومات من خلال واقعها الإقليمي, فلقد أعطى هذا المؤتمر الأخير قدراً إيجابياً من التضامن حول مواضيع محددة كان أبرزها دعم منظمة التحرير الفلسطينية كممثلة شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني لتأخذ حقها الاعتباري والرسمي في المجالات الدولية و((المفاوضات)), ولتمارس أيضاً ذلك الدور الذي يعبَّر عنه بفكرة ((إقامة السلطة الوطنية على القسم الذي يحرر من أرض فلسطين)), كما أعطى هذا المؤتمر دعما ماليا لمصر وسورية ومنظمة التحرير وكذلك لحكومة الأردن بعد أن نزلت عن مواقفها السابقة تجاه منظمة التحرير, وفتَحَ هذا المؤتمر الباب عريضة أمام حكومات أقطار المواجهة ومنظمة التحرير لتمضي إلى ((مباحثات جنيف)) مُدعّمة بمظهر من التضامن العربي مازال ينطوي على كثير من المفارقات السياسية …
إننا لا نريد أن نقلل من أهمية قرارات ذلك المؤتمر وأعماله, فنحن ولو أننا لا نؤخذ بتلك المظاهر الدعائية الكبرى التي أحيطت بها أعمال ذلك المؤتمر, فإننا نعتبر ما أعطاه إيجابيا في المستوى الذي نضع فيه, كما تضع جماهير أمتنا, هذا النمط من العمل العربي المشترك, ولكن السلبية تأتي, من عدم وجود تلك المستويات الأخرى من العمل العربي, التي تتطلب إليها قوى النضال العربي, أي القوى التي تتحرك, لا من خلال إقليمية النظم وتناقضاتها, بل من خلال وحدة الهدف, والتي تتحرك لا بالمصلحة والتوفيق والتسوية, وإنما بالالتزام وبتحديد المسار والغاية .
إن حدود الإلزام والالتزام, ضمن معطيات هذا العمل العربي الذي أعطى قمته في الرباط, تبقى في أطر عامة وغير محددة, ما لم تكن وراءها إرادة جماهيرية عريضة وموحدة, وإذ أن هذه الإرادة التي عُبّئت يوم حرب تشرين, عادت وتراخت لتسرح وتتفرق, فإن الإلزام ضعيف, والطريق يظل غامضاً واحتمالات الانفصال الإقليمي والتفرد في المواقف وارد أمام كل خطوة وكذلك التشتت والتباين .
إذن فمؤتمرات القمة كما هي معروفة ومقررة, منذ بدايتها حتى الآن, ليست قمة للعمل العربي, تُحّسم فيها الأمور لصالح ما تنشده جماهير الأمة, بل هي مستوى من العمل يلتقي به رؤساء الدول العربية, من خلال معطيات نظمهم وظروفها العامة والخاصة, ليواجهوا مشكلة أو مشاكل قومية معينة, وليتفقوا جزئياً أو كلياً, أو لا يتفقوا على حل لها أو إعداد ما لمواجهتها .
وهذه المؤتمرات, جاءت دائماً منذ قيام الجامعة العربية حتى اليوم, لمواجهة المشاكل التي خلفتها وتخلقها ظروف الاحتلال الصهيوني للأرض العربية, وما فــرع عنها, وانعكاساتها على الأوضاع العربية العامة, وعلى الأوضاع الخاصة لبعض الأقطار, فالقضية الفلسطينية ظلت وتظل قضية قومية تجمع, والخطر الصهيوني يظل خطراً يتهدد الجميع ويتناول قضية الوجود العربي في جملته وأجزائه .
فإيجابيات تلك المؤتمرات أو سلبياتها, تأتي بوجه العموم بمقدار ما تعطي لهذه القضية من دعم بمواقف عربية سياسية موحدة, أو دعم مالي أو عسكري … أو ما يمكن أن تتفق عليه من مشاريع أو خطط ويبلغ فعلها وجدواها .
إننا لسنا من السلبيين والمشككين, بل من المؤمنين بأمتنا وبحتمية نهوضها وثورتها وانتصارها في النهاية, ولذا فإننا نأخذ بأية ظاهرة إيجابية في العمل العربي والنضال العربي ونعطيها أبعادها, إلا أننا نأخذ منها بعقلانية ونحدد معطياتها فلا نموّه على أنفسنا وعلى جماهير أمتنا وإلا فقدت تلك الايجابيات دورها لتصبح مادة دعائية لتغطية القصور والعجز, فالإيجابية الأساسية أن تصبح سياستنا عقلانية واضحة وخطة هادفة .
إننا عندما انفجرت حرب تشرين, أخذنا بمعطياتها الايجابية واندفعنا وجماهير شعبنا معها, واعتبرنا مكسباً إيجابياً تلك المواقف السياسية والإعلامية التي أحاطت ببداية القتال ومجرى المعارك, واعتبرنا مكسباً ايجابياً أن نقاتل بجدية، وفي آن واحد على جبهتين، واعتبرنا مكسباً إيجابياً تلك المواقف السياسية والإعلامية التي أحاطت ببداية القتال ومجرى المعارك، واعتبرنا مكسباً إيجابياً ذلك الحد من التضامن العربي الذي برز للعالم, وأمسكنا مع جماهير شعبنا بهذه الإيجابيات وأردنا أن تأخذ كل أبعادها لتعطي ثمارها في خدمة الهدف .
ودارت الدوامة وتوقف اطلاق النار, ومع ذلك بقينا نتمسك بتلك الإيجابيات في حدود المعقول .
إلا أن ما كان معقولاً حتى ذلك الوقت لم يعد معقولاً بعدها, والبدايات لم تعد متفقة مع النتائج, كأننا دخلنا الحرب ولم نعرف كيف نخرج منها, والإيجابيات لم تأخذ أبعادها المحددة والواضحة لتصبح رصيداً حقيقياً للتحرك نحو المستقبل, بل أخذ يغطي عليها اللامعقول من جديد, لنُغرِق العالم بأغاني انتصاراتها, وليغرق التضامن العربي في لعبة النفط والمال والتدخلات الأمريكية إلى آخر ما هنالك, ولتأتي اتفاقيات فصل القوات, وبالشكل الذي جاءت عليه بحد تطواف ’كيسنجر‘ الكثير, أي من غير تحديد قاطع لما بعد ذلك الفصل إلا ما جاء في القرارات الدولية التي لم تأخذ حتى اليوم أية صفة اجرائية, ولتأتي مراحل التنفيذ لتلك الاتفاقيات, لتجمّد الإيجابيات الأولى للحرب, بعد أن لم نعرف كيف نعقلها وكيف نحددها وكيف نضعها في خدمة الهدف .
ومع ذلك وإذا كان يبقى للجماهير أن تحاسب في المستقبل ويبقى للتاريخ أن يحكم, لما تبدد من أمكانيات ونُضيّع من فرص, فإننا لا نريد أن نحاصر أنفسنا ولا أن نحاصر قضية أمتنا , فما وقع واقع ولا يمكن إغفال معطياته, ولا بد من استيعاب تلك المعطيات للتقدم على طريق الهدف القريب الذي هو ((إزالة عدوان حزيران واسترجاع الأرض)) وعلى طريق أهداف نضال جماهير أمتنا .
وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق نريد أن ننظر إلى نتائج مؤتمر القمة والتي تعبر عن طبيعة مرحلة وعلاقات في الظروف العربية, وأن نتمسك بتلك المعطيات التي قدمها, لتوضع في خدمة الهدف . فتلك النتائج تبقى محدودة الرصيد جداً (إلا رصيد المساعدات المالية الذي يمكن بدوره أن يتراجع ويفتر), إذا لم تأخذ منحاها الذي يتجاوز إطار هذه (القمة) للتضامن, لتلتقي بأهداف الأمة واستراتيجية تقدمها وتحررها, أي إذا لم يقم أيضاً وخارج هذا الإطار نمط آخر من العمل العربي, هو ذلك الذي لا تحده الإقليمية والمصالح الخاصة للنظم والطبقات الحاكمة, بل تحركه التطلعات الواحدة لجماهير الأمة, والذي عنوانه العمل العربي الوحدوي أو الموحد وليس العمل المشترك والذي شعاره الاندماج في المصير الواحد وليس التضامن .
إن ذلك الأسلوب من العمل المشترك في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة, أياً بلغ من حدود التوفيق بين مختلف الأطراف العربية في إطار ما يسمى بالتضامن العربي, يظل محكوماً بمجموعات من التناقضات تفرضها اقليمية النظم واختلاف مقوماتها الطبقية والايديولوجية, واختلاف سياساتها, فذلك التضامن الذي تجسد في قمة الرباط, قد أعطى مالاً كما قلت وأعطى قراراً عاماً بتأييد ((منظمة التحرير)) وقد أعطى ويمكن أن يعطي بعض المواقف السياسية الموحدة في المجالات الدولية كما يجري الآن بالنسبة لطرح قضية فلسطين في الأمم المتحدة, ولكنه عاجز عن أن يعطي استراتيجية تحرير, لأنه لا يعطي منطلق وحدة ولا منطلق تقدم وثورة, والتحرير الحقيقي لا يأتي إلا على هذا الطريق, أي طريق الوحدة والثورة .
ومع هذا كله لا بد أن توضع الأمور بتحديد في إطارها المعقول, وأن تأخذ بمعطيات الواقع لتعطيها مضامينها وأبعادها, ولنقل بإيجابية, هذا ما أعطاه مؤتمر القمة والتعاون العربي, وهذا ما أعطاه الجهد السياسي المشترك لأقطار الجامعة العربية, وهذا ما أعطتنا إياه سياسة التعاون مع منظمة الدول الاشتراكية والدول الأفريقية والآسيوية وغيرها, وهذا ما أعطته الأمم المتحدة والمنظمات الدولية .. الخ .
إنها معطيات, ولكن إيجابيتها كلها بالنسبة لقضية أمتنا تقف عند حد, بل ومن الممكن أن تتجمد عند نقطة لا تتجاوزها, بل ومن الممكن أن تتراجع, إذا لــم يوجد من يأخذ بهذه المعطيات كلها, ليضعها في خدمة استراتيجية التحرير العربي وإذا لم يوجد من يمسك بالقضية في شمولها لمواصلة الطريق نحو الهدف .
إن رفض معطيات الواقع, هو نوع من الهروب, إلا أن الوقوف عند هذه المعطيات وحدها, هو أيضاً في النهاية الاستسلام وإلغاء إرادة الأمة الواحدة, ترك تطورات الظروف تفعل لوحدها … فالمطلوب إذن توظيف هذه المعطيات ووضعها في إطار استراتيجية عامة, وبمنطق يضع في الحسبان دائماً الاحتمالات والمنعرجات المختلفة, ليستطيع أن يتقدم بها إلى الأمام .
إلا أن من يقف هذا الموقف القومي, لابد أن يكون منطلقاً فعلاً من منطلق ثوري وجماهيري ليستطيع أن يتكلم ويفعل باسم الأمة .
ومؤتمر القمة لا يقوى على أن يتكلم باسم الأمة العربية, وإنما باسم الحكومات ورؤساء الدول, وهو إذا ما غطى على التناقضات بالأدعية الكثيرة وحديث الأجداد والأمجاد, فإن بعض الأطراف فيه استطاعت أن تدفع به إلى أن يعطي ما أعطى إلا أن المطلوب بعد ذلك قمة أخرى للعمل, تلك التي ما زالت غائبة وهي قمة لقوى التحرر, للعمل الوحدوي الثوري, الذي يتجاوز الإقليمية والنظم ليلتقي مباشرة بالجماهير وأهداف الجماهير, وليس بين النظم من عمل أو يعمل على هذا الطريق بل الجميع عملوا لتسريح قوى الجماهير والمطلوب إعادة تعبئتها, لتمّسك قضيتها بيدها فلا تترك لأحد أن يتفرد أو ينفرد بحل …
والتعبئة الجماهيرية لازمة, للتصدي أيضاً للعبة الإمبريالية التي تلعبها الولايات المتحدة الأمريكية ويحمل مقدماتها ’كيسنجر‘ في جولاته .
والتعبئة الجماهيرية لازمة للضغط من جديد في اتجاه التقدم بالقضية بحيث لا نعود فنضعها في دوامة السياسات الغامضة كما حضل عند اتفاقيات فصل القوات .
والتعبئة الجماهيرية لازمة لمواجهة احتمالات اندلاع الحرب من جديد في المنطقة, فإسرائيل التي اهتز كيانها يوم حرب تشرين, والتي تواجه اليوم تناقضات وجودها الاستعماري العدواني, ويهتز كيانها الاقتصادي وترفض معطيات الواقع الدولي وضغوطه, من الممكن لسياستها وهم يشحنوها بالسلاح الأمريكي, والتأجيج العدواني, أن يندفعوا بها من جديد, على طريق ((حرب وقائية)) .
ولكن التعبئة الجماهيرية لا تأتي ولا تصبح فعالة ومؤثرة وقادرة على إحباط الألاعيب الإمبريالية, ولجم محاولات الانفراد, ما لم تكن الطريق واضحة أمامها, وما لم يكن هناك من يتقدمها على هذا الطريق, وينظم تلاحمها وحركتها وهذه مهمة قوى الثورة والتقدم .
* * *
إن الأنظار تتوجه اليوم وبعد طرح مؤتمر قمة الرباط وبعد طرح القضية الفلسطينية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة باتجاه الفلسطينيين ومنظمة التحرير, وإذا لم يكن من مجال كافٍ في هذا المقال لتناول هذا الموضوع الكبير والحساس, فلا بد من كلمة بهذا الصدد نحددها في نقاط :
1- إن سحب قضية الشعب الفلسطيني من يد الملك حسين وإبعاده عنها مكسب إيجابي ولو أن الملك حسين والنظام الأردني معززان بقطاعات من الرجعية العربية, سيظلان من قوى السلبية والتعطيل التي تلعب بها الإمبريالية .
2- إن إبراز الشخصية الفلسطينية والشعب الفلسطيني, لإعطاء هذه المشروعة الدولية له مُمَثلاً بمنظمة التحرير, مكسب إيجابي له لا يجوز الإقلال من أهميته بل لا بد من دعمه وتعزيزه .
3- إلا أن قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم, بل هي كانت ومازالت قضية الأمة العربية, وهذا الالتزام القومي التزام العرب كلهم بقضية فلسطين, والتزام الفلسطينيين بقضية الأمة العربية, لا بد أن يتأكد في كل موقف أو خطوة . فأمام بعض الإيجابيات التي تقدمت بها القضية الفلسطينية عربياً ودولياً هناك خطران يرصدان اليوم ((منظمة التحرير)) . الخطر الأول، وهو الذي تحيكه اللعبة الإمبريالية, وهو الدفع بالأمور لتجزئة المشكلة المسماة بمشكلة الشرق الأوسط, الى مشكلة مصر والأراضي المصرية المحتلة, ومشكلة سوريا والأراضي السورية المحتلة, وإلى مشكلة الضفة الغربية والفلسطينيين, للوقوف في النهاية أمام جدار فلسطيني اسرائيلي معزول عن لحمته العربية . والخطر الثاني وهو الذي تحبكه الرجعية العربية وتساعد عليه إقليمية النظم العربية, وتدفع له قوى اليمين داخل قيادات المقاومة, فهو أن تتحول قيادة المقاومة ومنظمة التحرير تحوُل النظم أي باتجاه الإقليمية وباتجاه تسريح التعبئة الجماهيرية الثورية فلسطينياً أو عربياً ولتكون السلطة التي تنزع على إقامتها على الأرض الفلسطينية سلطة إقليمية مجردة ومعزولـــة .
4- إن شعار ((إقامة السلطة الوطنية على الأرض الفلسطينية المحررة)), الذي أطلق اليوم في صيغة قرار من مؤتمرات القمة, بعد أن كان موضع جدال في أوساط المقاومة وخلاف, لا بد أن يعطي رصيداً جديداً ليأخذ مضموناً وطنياً حقاً وتحررياً وثورياً . إن الذين يذهبون مذهب الرفض لهذه المعطيات, أيا كانت تصوراتهم, ويديرون ظهرهم لمنظمة التحرير ولذلك الشعار أو القرار من غير تصور استراتيجي بديل واضح, إنما يعطلون طاقات من الأجدى أن توضع بشكل فعال, لإعطاء هذا الشعار أو القرار مضموناً أقوى وقدرات أوفى . فلتصبح للفلسطينيين اليوم سلطة, وسلطة وطنية حقاً فإن هذا لن يكون ما لم تكن هذه السلطة سلطة ثورة, وما لم تزرع نفسها في أوسع الجماهير الفلسطينية, وما لم تعزَز بأوسع جبهة من الجماهير العربية, وما لم يكن التزامها القومي والثوري أصيلاً وواضحاً .
5- وفي النهاية لا بد أن نعود ونقول, أن استعراض تطور المواقف والظروف منذ حرب تشرين, تجعلنا نحكم على السياسات التي أحاطت بقرارات فصل القوات وعمليات فصل القوات على الجبهتين دون أية ضمانات للوصول إلى هدف الانسحاب الإسرائيلي من كل الأراضي التي احتلتها في عدوان حزيران, كانت سياسيات متعثرة ولا يجوز الوقوع في متاهاتها من جديد, وهي المتاهات التي تضعها الإمبريالية الأمريكية وجولات ’كيسنجر‘, أياً كانت تطورات القضية سواء مشت على طريق جنيف أو أية طريق أخرى وبينها ولا شك طريق القتال . وفي هذا السبيل لابد من وقفة للجماهير فلا تجزئة للمشكلة ولا تجزئة للحلول ولا تجزئة للانسحابات؟ …
فطاقات أمتنا كما يتكشف للعالم كل يوم طاقات كبيرة وكبيرة جداً فلا يجوز أن تهدر وتضيع في المسالك التي لا تؤدي بشكل قاطع إلى الهدف المرحلي .
6- إن جبهة المواجهة المباشرة مع العدو الإسرائيلي كما يفرضها الواقع الراهن, هي جبهة مصر وسوريا والمقاومة الفلسطينية, فلا بد أن تتلاحم هذه الجبهة تلاحماً كاملاً في السياسة وفي التصدي المسلح, إن تلاحمها القوي وعلى طريق واضح لا لبس فيه, تحدد الهدف ولا تتراجع عنه, هو الذي يعطيها رصيد التقدم والنجاح, وهو الذي يعطيها أكثر مما أعطى مؤتمر القمة عربياً ودولياً, وهو الذي يوسع جبهة النضال العربي وجبهة العمل العربي التحرري .
فليس من منطق الرفض السلبي, بل من منطلق المطالبة والتصحيح, لا بد أن تتحرك قوى التقدم, وأن تُعبأ حركة الجماهير, وأن تقاوم حركات التمزيق والتسريح .
* * *
– وعـــــي الكــادر خطــوة أولى على طريــق الأهــــداف –
==================================
في حياة الحزب تبقى الملائمة بين النظرية والكادر شيء, أساسي وفعال, وعلى سلامتها ونضجها وتلاحمها تتوقف مسيرة الحزب ومستقبله, وأنه لا يكفي الحزب أن يطرح على الجماهير نظرية ثورية تعبر عن تطلعاتها وأهدافه- عبر استراتيجية وتكتيك- بشكل نظري بل لابد له من أن يعمل باجتهادٍ واضح ودأب على خلق الوسيلة المناسبة والقادرة على وضع استراتيجية هذا الحزب موضع التنفيذ من خلال تكتيكات وبرامج تحدد المهام المرحلية واليومية لكل خلية من خلايا الحزب منفردة ولكل مجموعة فيه ولجميع أعضائه كهيئة اعتبارية تمثل أرضية اجتماعية وتدافع عن مصالحها .
وأن تحقق الأهداف عبر الواقع- بكل سلبياته وإيجابياته- وما يمثله من معاناة إنسانية ونضالية- تشكل جوهر التجربة وخلاصتها- بالتصدي والتذليل والتجاوز باستمرار وصولاً إلى الهدف الكبير, نقول أن تحقيق الأهداف هو شيء آخر تماماً عن رسم هذه الأهداف وتخطيطها, حيث تكفي من حيث المبدأ ورقة وقلم ليضع أي مفكر استراتيجية نضال لأمة تفتش لها عن دور عبر مسيرة التاريخ, ولن يعجز هذا المفكر بالطبع عن وضع أدق التفاصيل موضحاً الفواصل الزمنية والأدوار النضالية لكل مرحلة من مراحل الخطة الشاملة . ولكن رغم ذلك يبقى السؤال قائماً وباستمرار ما الجدوى؟ .
هذا هو السؤال الجدى, ما جدوى أفكار ونظريات ومخططات لا تهيَّـأ لها الأرض الملائمة للإخصاب والعطاء, ولا تهيَّــأ لها الأيدي الخبيرة بالرعايـة والعنــايــة .
النظريـة هي البذرة, والطبقـة أو مجموعـة الطبقـات هي الأرض الملائمـة للـزرع, والطليعـة- كتجسيد هي لطموح الطبقـة وفكرهـا ونضالهـا- هي السواعـد المكافحـة المدربـة الخبيرة لشؤون الإنبــات والإنضاج وتحسين البـذار وتطويـره وتنقيتـه من كل الشوائب الغريبــة .
ومن هنا نستطيع أن نلحظ العلاقة المصيرية بين الفكرة- كشيء ممكن- من جبهة الكادر القــادر على وضع هذه الفكرة على محك الواقع والمستعد باستمـرار لأن يخلق الظروف المناسبة لقوى النضال كي تتجـاوز الواقـع لتطويـره وتبديلـه- تنفيذاً لمضمون الفكرة- من جهة وخلق أهداف جديدة للنضال من خلال تطوير الفكرة وتشذيبها ونقدها على ضوء ما أفرزه الواقع وما بلورته تجربة النضال من قيم ومعطيـات .
ولكي يكون الكادر قادراً على حمل أعباء النضال عبر المسيرة الثورية لتحقيق أهداف أمة واستراتيجية حزب لا بد له من امتلاك الوعي الشامل بأبعاد النظرية من جهة وأبعاد الواقع من جهةٍ أخرى . وبغير تحقيق هذا الشرط يبقى الكادر كمّاً سلبياً في حياة الحزب ومسيرته, ولا بد للحزب حينها من أن يتواضع كثيراً بآماله ومراميه, وهذه النقطة يجب أن تكون واضحة تماماً وهي بقدر امتلاكنا للوعي والرؤية بقدر ما نكون قادرين على التجاوز والتغيير والتطوير .
ومن خلال استقراء الواقع الفعلي نستطيع أن نؤكد أن كوادرنا القيادية وخاصة القيادات المباشرة التي هي على تماس مع خلايا التنظيم وحلقاته بحاجة إلى الكثير من بناء الذات أولاً ومن التدريب والتوعية ثانياً . ويقيناً أن خلق الوعي الثوري الحقيقي لن يكون فقط بالتلقين النظري وإنما بالمعاناة والتجربة والنضال من خلال التصدي للواقع وفهمه ومعرفة البنى الاقتصادية والسياسية للنظم, وما تفرزه هذه البنى من قيم وأفكار, ومن خلال فهم ومعرفة الأرضية الاجتماعية التي تنطلق منها وتناضل من أجل سيادة أفكارها ومعرفة أن الصراع الطبقي شيء حتمي وضروري وما يفرضه هذا الصراع من نضالات على جميع الأصعدة اقتصادية واجتماعية وصولاً الى النضال السياسي والوعي السياسي .
أن نعلم من نحن؟ وما هي الأرض التي نقف عليها؟ وما هي أهدافنا على المستوى الوطني والقومي والإنساني؟ وما هي الوسائل الممكنة لتحقيق هذه الأهداف؟ هذا هو الوعي حيث يترجم عبر النضال إلى فعل وعمل ومنجزات على طريق انتصار الثورة .
وإن المتتبع لتجارب الشعوب المقاتلة والتي سبقتنا على دروب النضال يرى أن عملية الوعي السياسي للكادر ولجميع ملاكات التنظيم هو العامل الحاسم في تأكيد الخط الثوري وتأصيله من جهة وبانتصار الثورة كجهد جماعي منظم خلاق من جهة أخرى .
ففي فيتنام لم تكن المعارك وقنابل الأعداء مانعاً في يوم من الأيام من لقاء كل مجموعة وخلية في المساء للتزود بشحنة تدفع العمل على طريق الانتصار من عطاء فكري وسياسي . حيث لا يكفي جندي (الفيتكونغ) أن يقاتل بل لا بد له أن يعرف باستمرار وأن يعمق معرفته بالأسباب التي دعته للقتال، حيث هذا هو الطريق الوحيد لأن يرتبط المقاتل بالقضية التي يقاتل من أجلها، وحصار النازي لـ لينينغراد حيث كان الدور البارز والفعال للموجهين السياسيين حيث كانوا القدوة لـ المقاتلين الشباب الحديثي العهد بالحرب وحيث كانت صحف القيادة السياسة والقطعات العسكرية تصل لكل خندق مهما كان متقدماً.. أمثلة من تجارب الشعوب نسوقها لنعرف الأساليب في توعية الكادر وتثقيفه في مواقع نضاله وتكون دافعاً لنا في تعاملنا مع طلائع فلاحينا وعمالنا وطلابنا … الخ .
ونحن نطمح لتمليكهم الوعي الثوري ولنؤكد أن التلازم بين النظرية والتكتيك من جهة أو بين الكادر القادر على التنفيذ من خلال الوعي والالتزام مصيري وحتمي وبدون هذا التلازم تبقى النظرية ترفاً فكرياً وشيئاً معلقاً في الفراغ ويبقى الكادر كماً عشوائياً تجمعه الأهواء والعصبيات ولا يعرف لنفسه ولمجتمعه طريق الخــــــلاص .
* * *
==============================================
«إننا نتمنى من كل قلوبنا أن يتحقق ما يتصوره البعض, بعيد المنال, لكننا سوف نحاول بشرف, وسوف نحاول بإخلاص وبثقة في وحدة النضال العربي, ووحدة المصير العربي التي لا تتزعزع . على أنه مما يوفر أقصى ضمانات النجاح أن تكون جماهير الأمة العربية كلها وراءه بالمتابعة الواعية وبالاهتمام الواسع …»
من حديث «جمال عبد الناصر»
عند وصوله إلى الخرطوم للاشتراك في مؤتمر القمة آب 1967
==============================================
(*). إحدى مواد « نشرة الاشتراكي العربي »؛ العدد 38 لعام 1974
التعليقات مغلقة.