بشرى المقطري *
على هامش المعارك الطاحنة في جبهات مأرب في اليمن، تدور معارك بين القوات التابعة للسلطة الشرعية ومقاتلي جماعة الحوثي في مدينة تعز، أسفرت عن سيطرة قوات السلطة الشرعية على منطقة الكُدحة في النواحي الغربية من المدينة، وبلاد الوافي في منطقة جبل حبشي، كما حُرّرت قرى وجبال استراتيجية في مديرية مقبنة، فوصلت المعارك إلى تخوم منطقة البرح التي تشكل موقعاً استراتيجياً مهماً يطلّ على مديريات الساحل الغربي، إضافة إلى فتح جبهاتٍ جديدةٍ في شرق المدينة، ما أدّى إلى سيطرة قوات السلطة الشرعية على منطقة الأحكوم في مديرية حيفان التي يتمركز بها مقاتلو جماعة الحوثي، وتشكل بجبالها موقعاً استراتيجياً لعملياتها في اتجاه عدن. وبالتالي، تحتل تلك التطورات العسكرية أهمية كبيرة، سواء على الصعيد العسكري والسياسي والإنساني، فإضافة إلى أنّ تحرير تلك المناطق من قبضة جماعة الحوثي، بعد سنواتٍ من تهجير الأهالي يمثل انفراجةً إنسانيةً ستمكّنهم من العودة إلى مناطقهم، بما في ذلك تسهيل حرية انتقال المواطنين المحاصرين من منطقة الحوبان إلى المناطق المحرّرة في الريف الغربي، فإنّ سيطرة القوات التابعة للشرعية على منطقة الكُدحة ومناطق في جبل حبشي، وحتى مناطق في مديرية مقبنة، تعني توفير ممرات اقتصادية جديدة ستسهم في إنعاش حياة المواطنين. ومن جهة ثانية، فإنّ انتزاع المناطق الغربية من قبضة جماعة الحوثي يعني فقدانها مواقع عسكرية متقدّمة للضغط على قوات العميد طارق محمد عبدالله صالح في الساحل الغربي من جهة، وقوات السلطة الشرعية في مناطق اللواء 35 مدرع من جهة ثانية، وهو ما يعني قطع الإمدادات على مقاتلي الجماعة للهجوم على الساحل الغربي، وذلك في حال استطاعت قوات الشرعية المحافظة على مكاسبها العسكرية في الريف الغربي، والتقدّم إلى منطقة البرح، إلا أنّ الأهم هو السيناريوهات التي قد ينتجها سير العمليات العسكرية واتجاهها في الأيام المقبلة، بما في ذلك إعادة ترتيبها الخريطة العسكرية وثقل القوى المحلية المسلحة.
لطالما أديرت جبهات القتال في مدينة تعز وفقاً لأولويات القوى السياسية التي تسيطر على المؤسسة العسكرية، وهكذا أصبحت جبهات القتال ورقةً سياسيةً لتحقيق مكاسب الطرف المهيمن، أو تستخدم في معاركها ضد منافسيها وإزاحتهم من المشهدين، العسكري والسياسي، في المدينة، كما حدث في دورات عديدة من الصراعات البينية التي شهدتها تعز. لذلك، تمثل التطورات العسكرية في جبهات المدينة متغيراً مفاجئاً في توقيتها ودلالاتها، ومن ثم النتائج المترتبة عليها، فقد ظلت جبهات المدينة حتى الرابع من مارس/ آذار الجاري متوقفة تماماً، مع تعزيز جنودٍ من ألوية الجيش إلى جبهات مأرب، وهو ما يجعل اندلاع المعارك في تعز تخضع لأحد الاحتمالين: أن تكون استجابة للضغط الشعبي بتحريك الجبهات مع اشتداد هجوم مقاتلي جماعة الحوثي على مدينة مأرب، أو أن تكون حصيلة مقاربة سعودية جديدة لتغيير الخريطة العسكرية الكلية من خلال التضييق على جماعة الحوثي، خصوصاً مع دخول الطيران السعودي في الجبهة الغربية لمدينة تعز لأول مرة منذ سنوات، وكذلك وصول تعزيزاتٍ عسكريةٍ سعودية إلى سواحل مدينة الحديدة، واشتداد المعارك هناك، بما في ذلك تحريك جبهات مدينة حجّة، وتقدّم القوات المشتركة في منطقة عبس في مدينة حجّة، تحت غطاء الطيران السعودي. وفي كلّ الحالات، وأيّاً كان سبب تحريك الجبهات في مدينة تعز، فالأكيد هنا أنّه نتيجة مباشرة للمعارك المحتدمة في جبهات مدينة مأرب، فقد أدّى حشد الجماعة معركتها التي ظنتها فاصلة وسهلة للاستيلاء على مدينة مأرب، معقل السلطة الشرعية، والثقل الاقتصادي الرئيس في اليمن، إلى نقل جزءٍ كبيرٍ من مقاتليها من معظم الجبهات المستقرة، ومنها جبهات مدينة تعز، وتحديداً الجبهات الغربية المتوقفة، مقابل اعتمادها على مجاميع من المقاتلين الموالين لها من أبناء هذه المناطق، لقيادة المعارك ضد قوات السلطة الشرعية، الأمر الذي سهّل تقدم قوات الشرعية في الأيام الأولى من اندلاع المعارك، ما أفقد جماعة الحوثي مناطق استراتيجية مهمة في غرب تعز، وإنْ حاولت استجماع قواتها وتعزيز مواقعها في جبل العرف في مديرية مقبنة التي سبق وأن سيطرت عليه قوات الشرعية قبل أكثر من أسبوع، فيما ظلّ استهداف المدنيين الوسيلة المُثلى للجماعة، إذ قتل عشرات من المدنيين وأصيب غيرهم، في الكدحة وجبل حبشي، من جرّاء قذائف الجماعة وصواريخها.
وقد انعكس تأثير المعارك المحتدمة في جبهات مدينة مأرب بشكل جلي على سير المعارك في تعز، سواء في الريف الغربي، أو في الجبهات الشرقية، وكذلك تغير موازين القوى المحلية بين المتصارعين، إذ يبدو أنّ إدارة جماعة الحوثي عملياتها القتالية تنحصر في معركة مأرب، بوصفها معركة استراتيجية بالنسبة لها، والجبهة الرئيسية التي ستمكّنها من تغيير دفّة الصراع في جميع جبهات الحرب في اليمن، بما في ذلك جبهات تعز، فمع محاولة مقاتلي جماعة الحوثي استعادة مواقعهم في الجبهة الغربية، وكذلك حشد مقاتلين محليين في الجبهات الشرقية، من أبناء المنطقة، لصدّ تقدّم قوات الشرعية في مديرية حيفان، فإنّها تحرص على أن يكون ذلك بأقل الخسائر، وبما لا يضرّ بتركيز حشد مقاتليها المدرّبين إلى جبهات مأرب. وفيما أدّى تحوّل مقاتلي الجماعة إلى موقع الدفاع، وتحديداً في شرق مدينة تعز، إلى تنامي أمل أبناء المدينة في تحريرها من القبضة الخانقة لجماعة الحوثي، وتمظهر ذلك في التحشيد الشعبي والعسكري والمالي لدعم جبهات الريف الغربي، فإنّ المحكّ في تحقيق أهداف العمليات العسكرية في تعز، هو استغلال تركيز جماعة الحوثي على جبهات مأرب، والذي يبدأ من قدرة القوى المحلية السياسية في المدينة على توحيد جبهتها الداخلية تحت هدف مشترك، بحيث لا تدار المعارك في الجبهات وفقاً لأولويات طرف سياسي.
تبرز، في ضوء سير المعارك، تحدّيات جوهرية تفرض نفسها في إدارة الجبهات في مدينة تعز، وأهمها انقسام القوى السياسية حول الأولويات التي تحدّد سير المعارك واتجاهها، وكذلك سيطرة قوة سياسية وحيدة على القرار العسكري، وهو ما يجعل القرار العسكري، في النهاية، يخضع لإرادتها، إذ قد تعيق سيطرة حزب التجمع اليمني للإصلاح على المؤسسة العسكرية في مدينة تعز فرص استثمار تشتت جماعة الحوثي في جبهات تعز، نتيجة تركيز ثقلها في مأرب، فمع انخراط تشكيلات عسكرية عديدة في معارك مدينة تعز، منها اللواء الخامس، حماية رئاسية الذي خاض معارك الريف الغربي بقيادة القائد السلفي عدنان رزيق، واللواء “35” مدرّع، وكذلك مشاركة اللواء 20 مشاة من القوات المشتركة المدعومة إماراتياً بقيادة وزير الدفاع الأسبق اللواء الركن، هيثم قاسم طاهر، فإنّ إدارة حزب الإصلاح هذه المعارك، والزخم الشعبي، يشيران إلى أنّه لم يغادر بعد تكتيكه الاستراتيجي القائم على مواجهة منافسيه أولاً قبل خصومه، فإضافة إلى تصريحات القيادات السياسية للحزب عن أولوية السيطرة على منطقة المخا، التابعة إدارياً لمدينة تعز، حيث تتمركز القوات العسكرية المنافسة لحزب الإصلاح، ممثلاً بقوات العميد طارق محمد عبدالله صالح، المدعومة إماراتياً، وهو ما يتقاطع مع أطروحات القادة العسكرين المنتمين لحزب الإصلاح، والمسيطرين على المؤسسة العسكرية، فإنّ تدنّي عملية إسناد قوات اللواء الرابع مشاة جبلي، التابع لحزب الإصلاح، قوات اللواء 35 مدرّع الذي يخوض معارك شرسة في جبهتي الشقب والأحكوم، على الرغم من أنّ مسرح عملياتهما مشتركة، قد يكون مؤشّراً إلى سياسة القوى المهمينة على المؤسسة العسكرية في التركيز على جبهات الريف الغربي. ومن جهة أخرى، تسعى القوات العسكرية إلى تحقيق تقدّم نحو الغرب، أي في اتجاه جبهة الساحل الغربي، حيث قوات العميد طارق، فيما تتجاهل الجبهة الأقرب، وهي تحرير منطقة الحوبان التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتفرض من خلالها حصاراً على الأهالي. وعلى الرغم من خطورتها، وأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية للجماعة، والتي لن تضحّي بها، تحت أيّ ظرف، فإنّ التركيز على جبهات الغرب قد يكون مؤشّراً للمضي في استراتيجية مواجهة الخصوم، في حال لم يحدث في الأيام المقبلة دعم عسكري حقيقي للجبهات المطلة على منطقة الحوبان. ومن جهة ثالثة، تثير الانتهاكات التي طاولت معارضين لحزب الإصلاح في منطقة جبل حبشي، بعد تحريرها من قبضة الحوثيين، تخوفاً كبيراً للقدرة الباطشة التي لا تفرّق بين معارضيه الذين يشاركونه الأولويات وخصومه.
* كاتبة وناشطة يمنية
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة.