عند البحث في تعيين مدير عام للإعلام سمّت الاستخبارات السورية ناصر قنديل لهذا الموقع، فطُلب منه تحضير أوراقه أو شهاداته المطلوبة لهذا الموقع ومنها الإجازة الجامعية لكن قنديل لم يكن يملك أي إجازة جامعية، فعمد إلى تقديم شهادة دكتوراه زعم أنه حصل عليها من جامعة في أرمينيا، وبتدقيق إداري لبناني داخل وزارة التربية عن هذه الجامعة تبين بأنه لا وجود لها في أرمينيا، فعرف رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الأمر فاستدعى قنديل ساخراً منه على هذه الطريقة المكشوفة في التزوير طالباً منه أن يبحث عن موقع آخر لأنه عين أحد أطر حركة “أمل” وهو حسان فلحة مديراً عاماً للإعلام. كان الموقع الآخر هو رئاسة المجلس الوطني للإعلام المسّتحدث والذي يعين نصف أعضائه في مجلس الوزراء والنصف الآخر يتم انتخابه في مجلس النواب.
فقدم ناصر قنديل مجموعة من الشهادات زعم أنها واردة من جامعات أرمينيا وكندا، وللمرة الثانية وبعد مراسلة هذه الجامعات التي أوردها ناصر قنديل عندما قدم شهاداته منها ليعادلها، بحث مدير المعادلات في وزارة التربية عبد الحسن الحسيني في أمرها، وبمراسلة جهات تربوية في أرمينيا وفي كندا تبين أن لا وجود لهذه الجامعات في هذين البلدين، علماً بأن قنديل أورد اسم د. جيرار كأحد المشرفين على رسالة الدكتوراه الخاصة به، وبالسؤال عن هذا الأستاذ كما الجامعة تبين أنهما غير موجودين، ومع هذا تم تعيين ناصر قنديل رئيساً للمجلس الوطني للإعلام بضغط من الاستخبارات السورية، وظل هذا في موقعه الى أن ارتأت هذه الاستخبارات نقله إلى موقع نيابي في بيروت منافساً للنائب والوزير محمد يوسف بيضون، فأحس الأخير بالخطر مما جعله ينبش ملف قنديل الذي كان يعرفه تمام المعرفة عندما كان وزيراً للتربية، لكنه كان يقول: اتركوا لي هذا الأمر الآن.
وظل صامتاً عن هذه المسألة إلى ما قبل أسبوع من المعركة الانتخابية بعدما تبين أن السوريين يريدون ناصر قنديل نائباً بترشيحه على لائحة الحريري. فعقد محمد يوسف بيضون مؤتمراً صحفياً كشف فيه أن ناصر قنديل قدم شهادات مزورة للمعادلة، عندها رد ناصر قنديل بأنه عادل هذه الشهادة بواسطة السفارة اللبنانية في كندا منذ مدة طويلة أي عام 1978 مرّسلاً ورقة فيها توقيع الدبلوماسي يوسف أثناسيوس، رد يوسف أثناسيوس بالقول إن توقيعه مزور على جواز سفر وعلى أوراق ناصر قنديل حيث أن يوسف اثناسيوس لم يكن قد تم انتدابه إلى كندا عام 1978 بل إن انتدابه حصل عام 1983، وهكذا فان هناك دعوتين صالحتين أمام القضاء ضد ناصر قنديل الأولى شهادات مزورة من جامعات غير موجودة والثانية أنه زور توقيع دبلوماسي لبناني في السفارة اللبنانية في كندا.
على كلٍ، نجح ناصر قنديل في لائحة الحريري لأن اللواء غازي كنعان طلب شخصياً من الرئيس الحريري أن يكون على لائحته رسمياً، فهو على ما وصف غازي كنعان، حاجة استراتيجية سورية وهو يتناسب مع الاستراتيجية السورية العليا. (يقول د. حسين يتيم النائب عن المعقد الشيعي الذي سُحب منه لمصلحة قنديل أنه سمع من مصادر عدة أن كنعان لم يكن يريد ناصر لكن هذا الأخير كان يسرق المال ليقدمه إلى آصف شوكت وزوجه بشرى فلا يملك أبو يعرب الاعتراض).
بعد انتهاء الانتخابات ونجاح ناصر قنديل على لائحة الحريري حاصداً أعلى نسبة من أصوات المرشحين في الدائرة الثالثة في بيروت، توجه محمد يوسف بيضون إلى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود ليعرض عليه الأمر فأبدى لحود دهشته مدعياً عدم معرفته بالتزوير الذي اعتمده ناصر قنديل، لكنه في نهاية الأمر طلب من بيضون أن يتوقف عن إثارة هذا الأمر فليس هناك من مصلحة في هذه الإشارة الآن، وختم لحود نصيحته لبيضون بالقول: ” أبو يوسف… اللواء غازي كنعان هيك بدو ما فينا نخالفو “.
وكان ناصر تابعاً للاستخبارات السورية منذ عهد العميد علي حمود… وقد قدم قنديل نفسه للاستخبارات السورية عندما أسس مع شقيقه غالب وزاهر الخطيب تلفزيون “المشرق” في مبنى يملكه عراقي هرب من لبنان خلال الحرب الأهلية 1975- 1989. وعندما عاد العراقي ليستعيده فرض هؤلاء خُوة عليه قدرت بمئات آلاف الدولارات… وقد غادروا المبنى بعد خلعوا منه كل ما يُحمل حتى حنفيات المياه والأدوات الصحية في الحمامات والأبواب والزجاج والحديد. قدمت له الاستخبارات السورية شقة في منطقة الرملة البيضاء أواخر عام 1987 خلف السفارة المصرية كانت ملكاً لأحد الخليجيين.
وكان ناصر قنديل يشتكي أنه لا يملك منزلاً يقطن فيه، وأنه كان يضطر لترك المنازل التي كان يستأجرها بعد أن يعجز عن دفع إيجارها، وأن هناك ملاكاً عديدين يلاحقونه لدفع الإيجارات التي كان يتهرب منها ويهرب من المنزل ليـلاً حتى لا يعتقل.
كان ناصر قنديل بالنسبة لاستخبارات سورية هو المحامي الفصيح، فقد أسعفته بلاغة لسانه حتى ولو كانت بكلمات فارغة على أن يحظى بإعجاب هذه الاستخبارات… وكان يتكلم كصنبور ماء أُفلت عقاله من دون توقف أو تأتأة وبترتيب إنشائي ولغة خشبية أجاد حفظها من دورات التثقيف التي كان يتلقاها من رابطة الشغيلة التي كان من أركانها.
هذه البلاغة اللغوية حملت استخبارات سورية على تكليفه أن يهاجم وينتقد ويفتري على من تريد أجهزة أمن سورية الانتقام منه لأنه لا يسير بالخط السياسي التي تريده. وبسبب خدماته الجُلى لهذه الاستخبارات منحه رستم شقة في أول نزلة حمانا أمام منتزه الشاغور، وقد انتزعها من أصحابها المسيحيين، كما قدم له شقة في عاليه في وسط السوق التجاري… للتجسس والاجتماعات واستقدام النساء، ثم كانت له شقة اشتراها بمليوني دولار في منطقة بئر حسن.
عرَف ناصر قنديل طريق المال فعبَده بكل وسيلة وعرف أن طريق المرامل ستصل طريق مطار بيروت الدولي بمنطقة الاوزاعي فيتحايل ويضع سياجاً حول قطعة أرض يدعي أنه أنشأ فيها مصنعاً للحجارة، فيطلب تعويضاً قدره مليون ونصف دولار يحصل عليها بواسطة رستم الغزالي ويتقاسم المبلغ معه.
اعتمدت شعبة الاستخبارات العسكرية في سورية برئاسة علي دوبا، ناصر قنديل لإنشاء مركز دراسات تحت أسماء وهمية مثل “وكالة أنباء الشرق الجديد”، مُعيناً موظفين حياديين، خرجوا منها من دون أن يدفع ناصر لهم رواتبهم، رغم أنه كان يتلقى مساعدات مجزية من استخبارات سورية، ومن جهات محسوبة على هذه الاستخبارات تدفع له مساعدات مالية (كعبد الرحيم مراد، رجا وهاب، طارق فخر الدين، وجيه البعريني، ميشال المر، يوسف حمود، رنى قليلات، وسليم الدادا..) ولم يزد ما يدفعه هؤلاء لناصر قنديل شهرياً عن ثلاثة أو خمسة آلاف دولار كحد اقصى برسم الاشتراك بوكالته اللبنانية لتغطية نشاطاتهم.
لم يكن أي من هؤلاء يهضم أو يحب ناصر قنديل، وكان البعض يطلق عليه اسم الولد السميك، وأن كان غازي كنعان يقول إن ناصر قنديل هو أحد ضباطنا، وعندما سمع قائمقام بعلبك- الهرمل المرحوم مصطفى الأسير هذا الكلام رد بالحرف… إنه أحد عاهراتنا (أي عاهرات الاستخبارات السورية). كما أن أحداً من القيادات السياسية الجدية في لبنان كالرؤساء سليم الحص ورفيق الحريري ونبيه بري لم يهضم وجود ناصر قنديل وجميهم كان يراه مخبراً رخيصاً وتاجراً مزيفاً، وإن كان لسانه يسعفه بالنطق… وكان الرئيس نبيه بري من أشد الرافضين لتكليف ناصر قنديل بأي مهمة… وبري لم ينس لناصر قنديل تطاوله وتهجمه وشتائمه ضد الإمام موسى الصدر، وكان هو وراء دس إشاعات بأن الصدر جاسوس إيراني، وأيضاً جاسوس أميركي…
كان ناصر قنديل ناكراً لماضيه البروليتاري الفقير، فقد نشأ يسارياً، وفق ثقافته، منذ كان طالباً… وكان فقيراً فعلاً وعندما تمكن، بعد ما تمسكن، راح يشتري أفخم الملابس ويحمل أغلى وأثمن الساعات وينتعل أغلى الأحذية تعويضاً عن نقصٍ داخلي ما زال يترك أثراً في سلوكه .
نبهه العميد علي حمود عندما جاءه مرتدياً بذلة غالية الثمن ويحمل ساعة “رولكس” قائلاً له: “يا أبو عيسى… أنت تحصل على المال من رجال أعمال نطلب منهم أن يساعدوك لتعيش لكنهم راحوا يشتكونك بأنك ترتدي القميص بمئات الدولارات وتشتري الـ”رولكس” بآلاف الدورات… كيف تطلب مني أن أدعو هؤلاء إلى مساعدتك… هل نسيت ماضيك الفقير…”.
كان ناصر قنديل مكلفاً من شعبة استخبارات دمشق بإعداد دراسات عن رؤساء الأحزاب الذين يتلقون مساعدات مباشرة أو غير مباشرة من سورية. وكان قنديل يبتز هذه القيادات التافهة خلال الاستحقاقات النيابية أو الوزارية أو البلدية… فيقول لأحدهم إن اللواء حسن خليل (رئيس الشعبة بعد علي دوبا) سألني عنك وأنا جعلتك عنده كالمهدي المنتظر… وكان يمكن أن اسكت أو أقول العكس… تصل رسالة ناصر إلى هذا… فيناوله المعلوم ويكتب قنديل لمصلحته حتى اشعار آخر… وهكذا.
كان ناصر قنديل يسلم تقاريره مباشرة إلى رئيس فريق المراقبين السوريين (علي حمود، ثم رستم غزالي)… من دون المرور بإدارة الاستخبارات كما هو الإجراء المُتبع مع المُخبرين الآخرين، فلم تكن تقارير قنديل تسجل في أمانة سر قسم أمن بيروت (واسمه الديوان).
كان ناصر قنديل واحداً من مجموعة إعلاميين إعلانيين، لبنانيين وسوريين، منهم إلى ناصر قنديل، جورج شهوان ومحمد علي دوبا ومجد بهجت سليمان ورستم الغزالي، شكلوا شركة إعلانية تنشر لوحاتها في شوارع سورية لأول مرة في تاريخها الحديث حملت اسم (كواليس) وفي لبنان حملت اسم +GROUPE .
انتشرت لوحات “كواليس” في كل محافظات سورية تنشر إعلانات هي الأولى في البلاد… تكدست أرباحها، وكان ناصر قنديل يجمع أموالها ويقدم كشوفات لشركائه أنها تخسر…
أقيمت دعاوى قضائية ضده… في سورية، لكن بعد خروج الجيش السوري من لبنان في نيسان/ ابريل 2005… جُمد النظر في هذه الدعاوى التي تتهم ناصر قنديل بالسرقة، ثم أسقطتها القيادة القطرية بطلب من وزارة الاعلام السورية، وكان وزيرها عدنان عمران عضواً في القيادة القطرية.
– {هذا فصل من كتاب لعّنتـــا لبنـــان – تأليف حسن صبرا / صدر عام 2016} –
* رئيس تحرير وصاحب مجلة الشراع اللبنانية
المصدر: مجلة الشراع اللبنانية
التعليقات مغلقة.