( الحرية أولاً ) ينشر حصرياً كتاب «من الأمة إلى الطائفة، سورية في حكم البعث والعسكر» بأجزائه الثلاثة كاملاً للكاتب الأستاذ: ’’ميشيل كيلو‘‘.. الحلقة الرابعة: البعث وقيادة الأمة
من الأمة إلى الطائفة
سورية في حكم البعث
قراءة نقدية
ميشيل كيلو
باريس ٢٠١٧/٢٠١٩
البعث وقيادة الأمة:
هذا التصور، الذي يضع السياسة امام خيارين هما: “اما استمرار المجتمع العربي في الطريق الذي يسيّره فيه قادة السياسة الحاضرة، الذين يرضون بالواقع الفاسد … ويحكمون على الأمة أن تبقى متأخرة مهملة الوزن في العالم، وإما أن يوقف العرب هذا التدهور بنتيجة تحول عنيف واستجماع للارادة، فيسيروا في طريق جديد صاعد، يستمد قيمه واحكامه وغايته من خصال العربي الاصيل، ومبادئ الرسالة العربية المتعالية على الواقع ونسبية احكامه … ويقتضي ظهور قيادة جديدة تمثل جوهر الشعب لا ظاهره، مستقبله لا حاضره”(20). يرى عفلق أن هناك “قيادة فاسدة وشعب نبيل عنصره طيب وغني بالمؤهلات قادر على تحقيق نهضة عربية جديدة … إذا تولت أمره قيادة تبعث فيه حماسته الدفينة ومواهبه الراقدة … وقد ضمنّا للفكرة العربية تطورا وتجددا لا حد لهما، ووقيناها من ان تكون مقرا لتباين النظريات ومتناقض الاتجاهات وكل ما هو مصطنع ومستعار، فالشخصية العربية اساس البعث العربي، والايمان برسالة خالدة للعرب هو الدافع العميق لكل بعث … وتعبيره السياسي قادة شعب تتمثل فيهم عبقريته وفضائله ويخرجون من صفوفه لا من الطبقة المستغلة التي اختلطت بالاجانب وطغت عليها المصلحة الشخصية”(21). في هذا التثمين لدور البعث، ثمة جوهر متعال مضمر في الشعب، لذلك، ما أن يتولى “البعث” قيادته، حتى يقوض الظاهر الفاسد، الذي تجسده طبقة سياسية تحول دون توطنه في حياة امته لسياسية، فلا مفر من أن يسبق سقوطها تشكل قياده تخرج من الشعب وتمثل عبقريته وفضائله، من صفاتها انها ليست من الطبقة المستغلة، ولم تختلط بالاجانب، ولم تطغ المصلحة الشخصية عليها، وسيكون باستطاعتها إزالة الحكم الفاسد بقوة “تحول عنيف” يطيح بطبقة النظام المستغلة، التي ما أن يكسر بناؤها الدولوي، القطري، الذي اقامه الاستعمار باتفاقية سايكس/بيكو، حتى ينفتح طريق الوحدة وتبرز “الشخصية العربية”، وترفض ما هو مصطنع (التجزئة)، ومستعار(الشيوعية)، ويتطابق ظاهرها مع جوهرها، ويبدأ الانتقال من القطرية إلى الوحدة ونظامها القومي، ودولته العربية الواحدة، التي ستقود الوطن العربي عبر توافق يحدث لأول مرة منذ قرون بين قيادتها وشعبها، وما يجمعهما من فطرة تمثلها الأقانيم الثلاثة سياسيا، في القطر السوري خاصة، حيث يتكثف التناقض بين الجوهر الشعبي الاصيل والظاهر الحكومي الفاسد والمعادي للوحدة ، لكونها رافعة الاشتراكية وحاضنة الحرية، ومسقط رأس “البعث” بكيانه التنظيمي، وفكره وممارسته، وتماهيه مع امة لن يقيض لها أن تنجح في تحقيق الاقانيم الثلاثة دون قيادته، بفضل ما تنفرد به من مقومات روحية وتاريخية تجعل منها شرطا لازما وكافيا لاخراج الاستعمار من الارض العربية، والقضاء على نظمه، ولرفع الاحتجاز السياسي عن الفطرة العربية كشرط لاستعادة نزوعها الطبيعي إلى تحقيق اهدافها: بدءا بوحدتها.
ـ إذا كان هدف الحزب المباشر هو القضاء على الكيانات الرجعية القائمة في الوطن العربي الكبير، فإن أي تهاون في اسقاطها لن يكون مقبولا، ما دام قبولها يعني استمرارها وتعامل “البعث” معها ككيانات انتقالية أو وسيطة، استسلاما لأوهام تقنعه بقدرتها على بناء أوضاع وحدوية في إطارها القطري، أو بامكانية تأسيس الوحدة انطلاقا من اطارها هذا. ليس لدى العرب من بديل لتجزئتهم غير وحدتهم، ولا بديل لقياداتهم الفاسدة غير قيادة “البعث”، ولواقعهم الانفصالي والرجعي غير واقع الاقانيم الثلاثة، ودورها في عتقهم من أوضاع لا يرتبطون بها برابط قيمي، يستحيل أن تعبر حكوماتها الفاسدة عن فطرتهم، أو أن تقيم أوضاعا طبيعية تفعّل رسالتهم الخالدة وشخصيتهم التاريخية، ونزوعهم المتعالي إلى وضع يستردون فيه طبيعتهم الاصيلة، ويقوضون الدول القطرية المصطنعة، ليفتحوا صفحة جديدة في السياسة الثورية ترد إليهم دورهم التاريخي، الذي سيجدده في راهنهم حزب يبعث ماضيهم في حاضرهم، أو يبني حاضرهم بمداميك ماضيهم، بأمانته لاصالتهم الممهورة بخاتم الاسلام ورسالته الدينية والانسانية : رسالة بعث العرب القديم، وبعث حزبهم الجديد. يقول عفلق: “كانت الشخصية العربية في ماضينا المجيد كلا موحدا لا فرق بين روحها وفكرها، وبين عملها وقولها، اخلاقها الخاصة واخلاقها العامة، وكانت الحياة العربية تامة ريانة مترعة يتضافر فيها الفكر والروح والعمل وكل الغرائز القوية”(22)،ويضيف واصلا ما انقطع من خيط الماضي بالحاضر :”اننا نحتفل بذكرى بطل العروبة والاسلام. وما الاسلام إلا وليد الآلام، آلام العروبة، وان هذه الآلام قد عادت إلى ارض العرب بدرجة من القسوة والعمق لم يعرفها عرب الجاهلية، فما احراها بان تبعث اليوم فينا ثورة مطهرة مقومة كالتي حمل الاسلام لواءها، وليس غير الجيل العربي الجديد يستطيع أن يضطلع بها ويقدر ضرورتها، لان آلام الحاضر قد هيأته لحمل لواء هذه الثورة، وحبه لارضه وتاريخه قد هداه لمعرفة روحها واتجاهها … إن من يعرف حياة محمد من الداخل لا بد أن يرى فيها تجربة اخلاقية وقدرا تاريخيا”(23). هذه الحال المثالية، التي كان العرب عليها، هي رسالتهم إلى العالم، وهي أيضا رسالة “البعث” كانقلاب شامل يقوم به حزبه .
___________
هوامش:
(20). ميشيل عفلق : حديث مع جريدة النضال الدمشقية حول مبادئ الحزب وبرامجه ومواقفه، المؤلفات الكاملة الجزء الرابع ، نشر في كتاب في سبيل البعث تحت عنوان ” الدافع التاريخي لتأسيس البعث. الجزء الرابع ، الصفحة ٢٦.
(21). في سبيل البعث، الجزء الرابع. الجيل الجديد والمجتمع العربي المقبل، الصفحة ٢٦.
(22). ميشيل عفلق: ذكري الرسول العربي ، كتاب في سبيل البعث، الجزء الأول . الصفحة ١٥٠.
(23). المرجع السابق والصفحة نفسها .
………………..
يتبع.. الحلقة الخامسة: الوعد والواقع
«ميشيل كيلو»: كاتب وباحث ومحلل سياسي سوري
التعليقات مغلقة.