الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كتاب الحوار مقدمة العمل، والديمقراطية غاية وطريق … الحلقة الثانية عشرة

الحوار

مقدمة العمل والديمقراطية،

غاية وطريق

والثورة العربية

مازالت ثورة وطنية ديمقراطية

 

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي                                                         د. جمال الأتاسي

            في سورية                                                                               1979

 


الحلقة الثانية عشرة: الحوار الديمقراطي كطريق لتحديد موقف مشترك (2/2)


ثالثاً : لقد حددنا مفهومنا للأيديولوجية في أنها المعتقد السياسي والاجتماعي الذي يأخذ به فرد أو فئة اجتماعية أو حزب، أو حتى المقولات النظرية والمنهج الفكري الذي ينطلق منه في تحليل الواقع ومقوماته وصراعاته وفي حكمه على طبيعة النظام القائم والأوضاع السائدة، وفي تحديد مواقفه منها، وكذلك في تحديد فهمه لطبيعة التغيير الذي ينشد ولاهدافه ومراميه.

وفي هذا الإطار يمكن أن نميز بين اتجاهين أيديولوجيين عامين، أولهما رجعي وهو يتوجه للوراء والماضي، فالعصر الذهبي كان هناك، وينادي الناس إلى إعادته والرجعة إليه. وهناك الأيديولوجيات التقدمية، وهي تتطلع للمستقبل. وتتطلع للتغيير في هذا الاتجاه، فما مضى كانت له مرحلته التاريخية من حيث التطور الاجتماعي والفكري، والإنسانية تعيش مرحلة تاريخية جديدة بمقوماتها وخبراتها ومعطياتها. وإذا كنا نضع أنفسنا في هذا الإطار الأخير، إطار التاريخية وحركة التاريخ المتقدمة، لننظر لقوى التقدم بهذا المقياس. فليست كل أيديولوجية تقول بالمستقبل والثورة مستقبلية وثورية. فثمة بين الأيديولوجيات التي تحمل عنوان التقدم ما أخذ تحولاته المثالية والطوباوية وأخذ تلك الصور التي أتينا على ذكرها، من حيث صياغاته المذهبية الجامدة التي تفقده قدرته على استيعاب حركة الواقع وعلى الفعل فيه.

وإذا كانت أيديولوجية أو أيديولوجيات التقدم التي توجه للتغيير باتجاه الثورة وأهدافها، مطالبة بأن توضح فكرها وأن تتميز في مناهجها ومواقفها وعلاقاتها وصيغ تنظيمها، عن التيار الرجعي، وأن تجدد حيوية هذا الفكر ليحرك الوعي الطبقي ويعطي معقولية لسياساتها ويقيها من الاتباعية ويحررها من التجمد المذهبي اللذان يحرفان مسار الثورة والتقدم. فثمة أمامها صياغات أيديولوجية جديدة تقوم على التجريد والتزوير وهي التي تعترض اليوم سبيل التقدم وتعمل على طرد الأيديولوجية التقدمية من الساحة، كما تطرد العملة الزائفة العملة الصحيحة من السوق، وهي المسخرة لبسط هيمنة التشكل الطبقي الجديد للنظم العربية المتحولة على الطريق الرأسمالي التابع للرأسمالية الدولية والاحتكارات الامبريالية. إنها أيديولوجية مستعارة ومستولى عليها، تماثل طبيعة الطبقة السائدة والتي أخذت تشكلها وامتدادها، من خلال الاستيلاء بالقوة وبدعم الرأسمال الخارجي على السلطة والحكم. إنها أيديولوجية نظم الاستغلال والاستبداد المشرقي الجديد، أيديولوجية هذا الخليط الجديد الذي أخذ صياغته من الشرائح الانتهازية لطبقات متعددة، وأخذ تشكله الرأسمالي السريع، كذلك لفق أيديولوجيته وشعاراته المعلنة، وهي الأيديولوجية التي تحتاج لفضح تلفيقها واتخاذ موقف قاطع منها، والمعركة الأيديولوجية هنا تتلاقى مع المعركة والمواقف السياسية جنباً إلى جنب بل وهي مقدمة عليها.

يمكن أن نعود بكل أيديولوجية لوضع طبقي تأتي تعبيراً عنه. ولكن أيديولوجية الطبقة الحاكمة والمتسلطة في هذه النظم المشرقية، إنما هي البنية الفوقية أو هي التعبير العام عن عقلية تلك الطبقة الجديدة التي صعدت للحكم وتمكنت، وعن سياساتها العامة وأساليبها في بسط الهيمنة والسيطرة وفي تحقيق مصالحها. وهي في الواقع أيديولوجية محافظة أياً ما أطلقت من شعارات الإصلاح والتقدم والتصحيح، إذ هي مسخرة لتزييف حركة المجتمع والتاريخ وتجميدها، هي موظفة لخدمة استمرارية هذه الطبقة في السيطرة. وهذا الطابع الأيديولوجي المحافظ لا ينطبق على تشكلات تلك النظم التي يطلق عليها بالعامة اسم نظم تقليدية أو نظم رجعية كالنظام السعودي فحسب، بل وهو ينطبق أكثر من ذلك على نظم مستجدة وتسمي نفسها فوق ذلك تقدمية وتحررية بل وثورية، وهي في واقعها الارتداد ضد الثورة وتزوير شعاراتها وأهدافها. ثم إن النظم العربية سواء التقليدية منها أو الجديدة، أخذت تتقارب وتتماثل، من حيث تحولها الرأسمالي المتخلف والتابع، ومن حيث التزوير الأيديولوجي، ومن حيث صيغ الحكم المطلق أو النظام الدكتاتوري الأبوي الذي تفرضه الفئات الحاكمة، ومن حيث صيغ النهب والاستغلال، وبتحالفاتها مع الوسطاء والسماسرة والتجار في الداخل والخارج وبتراكم رساميلها الضخمة في البنوك الأوروبية، وبفوقيتها وبعدها عن أن تكون لها صلة عضوية بالقوى المنتجة وتطوير وسائل التنمية والإنتاج، إلا بما يخدم نهبها ومصالح التابعين لها، وإذا كان الحكم السعودي مثلاً يحتمي بايديولوجية دينية ويدعي حماية القيم الإسلامية بينما قيمته المطلقة النفط والمال، وبينما هو يحتمي بالامبريالية ويضع نفسه في خدمة مصالحها وسياساتها وقيم مجتمعاتها الاستهلاكية. فإذا يمكن أن يقال مقابل ذلك بالنسبة لنظام كنظام محمد أنور السادات في مصر، أو لغيره من النظم التي تتسمى بالتقدمية في المشرق العربي، وعن تلك الأشكال من دكتاتورية الفرد أو الأسرة أو دكتاتورية الأقلية الفئوية ولو سمت نفسها تجاوزاً بحكم الحزب. إنها أيضاً تزوير أيديولوجي كبير. وهي باسم ” الثورية والتقدمية “، وباسم ” العلم والإيمان ” ولو بصيغ تختلف شكلاً لا موضوعاً هنا وهناك، تمارس لعبة مزدوجة، وتحاول بسط هيمنتها المطلقة على الشعب وضد حريته وإرادته. وهي تجند ” كلاب  حراستها ” أي المثقفين الانتهازيين المتعاملين معها من شتى الفئات والذين تعبأ بهم أجهزة دعايتها وإعلامها، ودوائر نشرها وتعليم نشئها، تسخرهم لهذه العملية الكبرى في التزوير الأيديولوجي، إنها تمثل طبقة جديدة، بل تشكل طبقي طفيلي متعدد الشرائع آخذ بالنمو والتضخم. ولقد جاءت أول ما جاءت إلى السلطة، من مواقع قوى للتقدم لتتحول ضدها، بينما ظلت تحمل معها شعارات تلك القوى حول ثورة الأمة وأهدافها، لتحول إلى أصنام جامدة مفرغة من لحمتها الواقعية ومن المضامين، في عملية من التجريد المثالي الذي يبقيها هكذا وعداً معلقاً في الفراغ، بل وهي بهذه العملية من التبني والسلب والتجريد، تلعب لعبتها الخطيرة، أو قل تآمرها الكبير، ضد أيديولوجية التقدم وضد الفكر الثوري وقوى الديمقراطية والتقدم. إنها عملية تفريغ وتزوير ولكنها أيضاً عملية تكفير للجماهير بالقيم التي تطلعت من خلالها إلى الثورة وأهدافها، وإلى قوى التقدم وأفكارها ونضالها. ولا يكفي أن نقول أن ذلك هو تحصيل حاصل لبنيانها الطبقي الأصلي، إذ هي جاءت من البورجوازية الصغيرة في المدن والريف، وبورجوازية صغيرة لم تمسك بها حركة الجماهير ولم تشدها إليها الطبقة الكادحة، فأفلتت بفكرها المتذبذب وأخلاقها الرخوة وبنزوعها للبرجزة والسلطة. إنها قوى لها فوق ذلك منطق تشكلها الخاص من خلال إمساكها بزمام السلطة وطريقة إمساكها كطبقة حاكمة جديدة امتدت وتشعبت بحماية الأجهزة العسكرية والبوليسية، وضمت إليها من هنا وهناك فئات وشرائح متعددة، بحكم عصبياتها أو انتهازيتها. وبسطت هيمنتها بأساليب خاصة ما أقربها إلى الأساليب التي بسطت بها القوى الفاشستية في مناطق أخرى من العالم هيمنتها وتسلطها، كما تشابهها في أيديولوجية هيمنتها، مع ما يضيفه واقع تخلفها الفكري والاجتماعي من طابع مميز. إن الأوضاع العامة التي أقامتها وتقيمها هذه الفئات الحاكمة الجديدة أو الأنظمة الجديدة، وإن المناخ الاجتماعي والسياسي والدعائي العام الذي تقيمه، هو التعبير عن أيديولوجيتها الضمنية أو عن تزويرها الأيديولوجي. إنها الإقليمية في ثوب القومية والادعاءات الوحدوية. إنها المدعية بالاشتراكية والعدل الاجتماعي، وتحمل أبشع أنواع الاستغلال والنهب والفساد، إنها تسمي نفسها نظماً ديمقراطية أو ديمقراطية شعبية وهي تلغي كل إرادة شعبية وتنزع حق التشريع والرقابة على الحكم وحق التقرير السياسي من أية مؤسسة أو هيئة شعبية أو رسمية، بما فيها مجالس نظامها وأحزاب حكمها وجبهاتها، ولا تكتفي، فهي تحولها إلى أدوات وأجهزة مسخرة لدعايتها ولبسط هيمنتها وفرض سلطتها وسلطانها.

وكما أصبحت الأيديولوجية عندها شكلية، أي مقولات وشعارات ودعايات لا تطابق شيئاً من الواقع، فإن انتخاباتها ومجالسها الشعبية، تصبح كلها صوراً شكلية وعمليات تزوير وتزييف لإرادة الشعب وقواه الاجتماعية. صحيح أن حكم البورجوازية في العالم الغربي قد جرد الثورة الديمقراطية من عدد من حوافزها، وحوّلها إلى صيغ شكلية لتحافظ على هيمنة طبقتها الرأسمالية على الدولة والمجتمع، إلا أن تجريدها لم يكن مطلقاً وهيمنتها لم تكن صيغة مطلقة، عدا أنها طبقة لها جذورها التاريخية في حركة المجتمع والإنتاج بل وأن علاقتها العضوية بحركة تقدم المجتمع وتقدم الصناعة قد ساعد على تشكل قوى الثورة الاجتماعية والقوى المستقبلية التي تقف في وجه هيمنتها وتمارس دورها. أما هذه البورجوازيات الجديدة والصاعدة إلى السلطة في البلاد المتخلفة والمتشكلة من خلال السلطة، فإنها التجريد المطلق والهيمنة المطلقة والإلغاء الكامل لكل مقومات الديمقراطية وحوافزها. إنها طبقة غير منتجة بالأساس ولا ترتبط بطبقة منتجة ولا بقوى الإنتاج ودورته. التنمية في يدها أخذت صيغة غريبة فهي تختلف بين قطاع وقطاع وبين منطقة أو مدينة ومنطقة أو مدينة أخرى، وهي تنمية على الطريق الرأسمالي التابع للسوق الامبريالية واحتكاراتها الدولية، وتابعة للمساعدات والقروض قبل معطيات حركة الإنتاج الوطني، وهي نهب من هنا وهناك لا حدود له. وتشكل لشبكات جديدة من العلاقات الاقتصادية والتجارية مشدودة إلى الخارج، وتفريغ لطاقات الأمة وتضييع لهويتها الاقتصادية ولروابطها الاجتماعية. وهذه التنمية لم تعد وطنية ولا تعتمد خططها بالأساس على تراكم الرأسمال الوطني بل أصبحت في كثير من جوانبها تحت رحمة الإمدادات الخارجية، بإمداداتها تتحرك وبحجمها تختنق وتتعطل، والتراكم هذا وذاك يذهب الكثير منه ليد أفراد الطبقة الحاكمة وأتباعها وسماسرتها، وهو تراكم لا يستغل في الإنتاج بل يذهب للتوظيف في الخارج أو ليحفظ في البنوك الأجنبية تحفظاً للمستقبل، أو لشراء وسائل الترف والفساد والإفساد.

وكتعبير عن هذا التجريد الأيديولوجي والتزوير وعن ذلك التشكل الطبقي الجديد المصطنع والمتسلط، فإن الزعامة (الأبوية) تأتي كمعطي أساسي من معطياتها وكتجريد فوق التجريد، ولتعطي تلك الطبقة الصياغة المناسبة لبسط هيمنتها الأيديولوجية ولترتيب قواعد سلطانها وحكمها. إن الطابع الأبوي للزعامة هو البديل الأيديولوجي عن ذلك الحق الإلهي المطلق للنظم الكنسية القديمة ونظم ملوك الإقطاع والعشائر. إنه الأب الكبير الذي يوحد العائلة أو العشيرة أو الطائفة بانشدادها بالعصبية إليه لمجرد أنه رأسها وأبوها، وليصبح هو رمزها الأعلى وتجريدها، كما هو يأتي تجريداً لها، وسلخ لها، بالعصبية، عن مواطنيها وعن روابطها الاجتماعية والطبقية، وهكذا أو بالتجريد أيضاً يصبح أباً لكل الشعب، ليظل الشعب ممسوكاً من تلك العصبيات، أو ليتمزق من خلالها. بل ويصبح ذلك الأب هو الأيديولوجية وكلماته نصوص مطلقة وشعارات، وقوله الفصل، وهو قيادة لكل القيادات وهو المشرع فوق كل المشرعين والتشريعات وهو مصدر القرار والتقرير. ومثل هذا التجريد المطلق يسحب أيضاً على حزب السلطة أو المؤسسة السياسية للنظام، والذي يستمد من تلك الأبوية أيضاً أمناً مطلقاً تسن له التشريعات والقوانين، ومن أشرك به أو مرق عنه يعاقب مثلمل كانت تعاقب نظم القرون الوسطى الزنادقة والملحدين. لننظر كمثال على ذلك إلى الصفة الأبوية التي يعطيها لنفسه حاكم مصر اليوم وهو يعطينا النموذج لا الوحيد بل الأكثر فجاجة بحكم شخصيته الانفعالية والثرثارة. فالشعب المصري في أقواله أسرة واحدة بل ” قرية ” واحدة، وهو رب الأسرة الواحدة وهو زعيم الدولة ومختارها الأوحد، والجميع ” أولاده ” ومطلبه أن يتخلق الكل بتلك الأخلاق القروية في الالتفاف حوله والإجماع عليه أينما ذهب ولو إلى إسرائيل. وبتلك الأبوية اتخذ لوحده قرار الصلح وقرار الاستسلام المطلق. فهو قائد التشريع والتنفيذ وهو الذي يحدد من المؤمن ومن الملحد ويسن لذلك التشريعات ويضع الحدود ويفرض على مجلس تشريعه الصوري المصادقة، والمؤمن يصبح بالنتيجة من اتبعه في مساره، والملحد من رفض الظلم والاستغلال، ومن وقف ضد سياسته في الاستسلام أمام الصهيونية، وفي فتح الأبواب كلها للامبريالية الأميركية.

وعندما يتم مثل هذا التجريد الايديولوجي، فإن هيمنة التشكل الطبقي الحاكم، تأخذ صياغتها بدءاً من تلك القمة، ونزولاً بالتسلسل إلى كل المجالات، وتوظيفاً لكل وسائل السيطرة والتسلط ولقوة الأجهزة والمال في هذا السبيل، إنها الصيغة المتناقضة كل التناقض مع الديمقراطية، في أي شكل من أشكالها وفي كل جزء من جزئياتها. ولكنها وفي المرحلة التاريخية التي تأتي بها من تطور العالم، وفي امتداد علاقاتها وإمكانات أجهزاتها والوسائل التي تستخدمها في السيطرة والهيمنة، لا يمكن أن تقاس بنظم ” الحق المطلق ” التي جاءت في مراحل سابقة من تاريخ الأمم، إذ هي تستعير جميع وسائل التسلط والسيطرة الحديثة، وما يتوفر لها من وسائل الهيمنة الأيديولوجية ووسائل الدعاية والإعلام والثقافة وأجهزة التجسس على المواطنين وجيوش المخبرين وأدوات الإرهاب والقسر. وإذا كان من وجه جدي للمقارنة فإنها المقارنة مع النظم الفاشستية التي صعدت في أوروبا بين الحربين، مع إضافاتها الخاصة من عقليتها المتأخرة وعدم ارتباطها بقاعدة اجتماعية أصيلة ومن ارتباطاتها بالقوى الخارجية والاستعارات التي تستمدها منها ووجه الشبه أن النظم الفاشستية جاءت تعبيراً عن حركة الثورة المضادة، المضادة للثورة الديمقراطية الليبرالية والثورة الاشتراكية في آن واحد، وجاءت تجريداً وثنياً أيضاً للأيديولوجية القومية وللقيم الوطنية. ولكنها هنا في وطننا العربي جاءت بصيغة فاشستية الدول المتخلفة وكحركة مضادة لثورتها الوطنية الديمقراطية. أما مظاهر التحلل في المجتمع وتسييب الإدارة وامتهان القانون الذي يأتي مغايراً في ظل هذه الفاشستية الشرقية فهو ليس تعبيراً عن تخلفها فحسب، بل ويأتي وكأنه مطلوب بذاته لضمان استمرارية هيمنتها، عن طريق تفتيت المجتمع وبعثرة قواه وضياع معاييره القانونية والأخلاقية بما فيها التقليدية منها.

وإذا كان مطلوباً على الصعيد الأيديولوجي، أن تميز قوى التقدم نفسها بديمقراطيتها وعلمانيتها وبالالتزام بأهداف الثورة العربية كثورة وطنية ديمقراطية وحدوية وبطريقها الديمقراطي، فإن معركتها الأيديولوجية المشتركة التي يجب أن تخوضها، هي مع تلك الأيديولوجية التي تحاول بسط هيمنتها المطلقة، والتي سميناها تجاوزاً بالأيديولوجية المحافظة، ووصفناها ” بفاشستية الدول المتخلفة “، ومعركتها معها ليس في أنها أيديولوجية للطبقة المسيطرة على الحكم فحسب، بل ولأنها تزيف أهداف وشعارات التقدم وتسلخها عن مضامينها لتنزع ثقة الجماهير بها وتطلعها إليها. وهي بالتالي تزيف حركة المجتمع والتاريخ، وتعطي رصيداً لقوى الرجعة والتطلع إلى الوراء. وبهذا تصبح وهي الخصم الأول أمام حركة التقدم، وليست الأيديولوجيات الرجعية التي لا تنتعش إلا بفعلها وبتعطيلها لكل فكر ديمقراطي وممارسة ديمقراطية.

إن النضال الفكري لخلع أيديولوجية تلك الطبقة المتسلطة، الأيديولوجية الملفقة والمجردة بشكل يطابق التلفيق في تركيب تلك الطبقة النامية بشكل طفيلي، وإن كشفها في كل موقع والتصدي لها في كل مجال، وكشف ما تخطيه من مصالح وارتباطات، مطلب أساسي ولا بدّ منه لتأكيد خط التقدم ولإعادة ثقة جماهير الأمة بأهدافها والمضامين الصحيحة لتلك الأهداف.

وإذا كان التصدي الديمقراطي، يمكن أن يطرح أمام قوى التقدم، ولتأخذ فرصها في بناء ذاتها وبناء تلاحمها الوطني بحركة الجماهير ولتأخذ مجالاتها في الفعل والتأثير، صيغاً تكتيكية في النضال السياسي وفي تصعيد النضال المطلبي سياسياً واجتماعياً، فإن التصدي الأيديولوجي لا بدّ أن يأخذ ومنذ البداية الموقف الاستراتيجي الشامل والقاطع. بل وإن الانطلاق من هذا الموقف الأيديولوجي الشامل والقاطع ضد نظم التسلط والاستغلال هذه، هو الذي يرسم أمامنا بالمقابل صيغ العمل الاستراتيجي والتكتيكي في مواجهة نظم الردة والقوى المضادة للثورة.

رابعاً : إن تلاقي القوى الوطنية الديمقراطية على أن التاريخ تصنع تقدمه الثورات لا الحركات الإصلاحية، وإن اتفاقها على فهم مشترك لطبيعة المرحلة التي تمر بها أمتنا وعلى ضرورة الثورة لتجاوز أزمتها والتناقضات التي تمزقها وتعطل تحررها وتقدمها، وعلى مهمات تلك الثورة وطريقها كمهمات وطريق ثورة وطنية ديمقراطية، وعلى أن الديمقراطية طريق لها وغاية بحيث تحدد مسارها نحو إنجاز مهماتها في التحرر والاشتراكية والوحدة، كل ذلك يضع أمام قوى التقدم التي تتصدى للنضال السياسي وتقول بالتغيير الثوري، إطاراً عاماً لاستراتيجية موحدة. إنها ولو اختلفت في بعض منظوراتها الأيديولوجية أو تقاليدها في التفكير، فإنها على قدر كبير من التلاقي حتى من هذه الناحية وفي كثير من الأمور. وهذا التلاقي كاف للوصول بها عن طريق الحوار الديمقراطي إلى برنامج عمل مشترك، له أبعاده الاستراتيجية لمرحلة تاريخية كاملة. أما ما يبقى بينها من اختلافات أيديولوجية، تعود بالأساس إلى طبيعة تشكل كل واحدة منها وتاريخها وتكوينها وللتراث الأيديولوجي والثقافي العالمي الذي تبنته أو تأثرت به واستمدت منه، فإن ذلك كله يبقى مجال جدال بينها وحوار، ليحل ما يمكن حله من خلاف عن طريق الوضوح وتفاعل الأفكار وليضاف لمعطيات التلاقي، وليؤجل ما يؤجل من خلاف أو يبقى مجال تحاور وتناقش إيجابي بينها فلا ينزل إلى مجالات الصراع السياسي ولا يخوض في تحريض التعصب والعصبيات. وإن حرارة النضال وهو يتقدم، وإن حركة الواقع وهو يتبلور ويتغير، وإن الاستجابة الجماهيرية وما تعطى، أي عندما تتحول المنظورات الأيديولوجية والأفكار إلى ممارسة عملية ونضالية، وإلى حركة وعي عام وسياسي للجماهير وتقدم بتلاحمها الوطني وراء أهدافها، هو المحك لمقدار التطابق الأيديولوجي من هذا الجانب أو ذلك، مع متغيرات الواقع وما يبشر به ويطالب من فكر تقدمي جديد.

إن قوى التقدم مطالبة اليوم لأن توظف أفكارها وأيديولوجياتها، لا في صنع اندماجها الحزبي وتلاحم تنظيمها وصياغة التزاماتها فحسب، بل وفي خدمة أهداف النضال الوطني الديمقراطي وفي الدفع بحركة الوحدة الوطنية لجماهير الشعب وقواها العاملة في مواجهة القوى المضادة لنهوض هذه الأمة ولتقدمها وتحررها ووحدتها. فالسوق الكبير الذي يبقى أمام حركة قوى الديمقراطية والتقدم، وأمام بناء تلاحمها وقوتها ووحدتها، وأمام بناء التحامها بحركة الجماهير العريضة وبناء حلفها الوطني الديمقراطي العريض، وأمام التقدم بذلك على طريق النضال لتحقيق أهداف الأمة، إنما هو نظم الهيمنة والاستبداد، والوسائل التي تبسط بها تلك النظم هيمنتها. الصياغات التي قدمت من قبل القوى الوطنية الديمقراطية في الوطن العربي، لبناء تلاحمها وجبهاتها وفعلها، في مواجهة الأزمة الراهنة التي تتخبط بها الأمة، وفي التصدي لنظم الردة ونظم الاستبداد الفاشستي المشرقي المتخلف، مازالت قاصرة حتى الآن عن أن تؤثر تأثيراً جدياً في موازين القوى أو في مجريات الأحداث لتعطي تباشير التغيير. وهي من خلال معاناة هذا الواقع، لا بدّ أن تجد نفسها مطالبة بابتكار طريق خاصة بها تعطيها الفعل والجدوى، لا تستغني في ذلك بالطبع عن الاستفادة من خبرات وتجارب حركات النضال الشعبي في العالم وما استخلصه المنظرون لتلك الحركات.

إن الموقف الأيديولوجي المشترك، والذي سبق أن أشرنا إلى أنه لا يعني التطابق، ومع ذلك فهو يعطيها المنطلقات الأساسية في تحديد مواقفها ومواقعها الهجومية الشاملة ضد النزيف الأيديولوجي الذي يمارسه الطبقة السلطوية المتحكمة. وأما الموقف السياسي الاستراتيجي المشترك، والذي يؤلف بينها ويصوغ وحدة إمكانياتها وقواها، فهو يوجهها لاتخاذ خططها النضالية الاستراتيجية منها والتكتيكية في مواجهة سياسات تلك النظم وسياسات القوى الخارجية المعادية لقضية الأمة العربية.

ولكن وللقدرة على الحركة والفعل وللتزويد بإمكانيات للتأثير في حركة الواقع، ولكي تحقق القوى الوطنية الديمقراطية هدفها الأول اليوم في ” التوجه نحو الجماهير ” والتوجه إلى الجماهير في مواقعها الشعبية كطبقات محرومة وكادحة وكفئات اجتماعية مهيأة لانتقال إلى مواقع النضال، وللتأثير في حركة الجماهير وتحريض نضالها وبناء تلاحمها الوطني والوقوف بها ومعها للتغيير الديمقراطي، فإننا مطالبون في سبيل ذلك بتعرف أحق لطبيعة الخصم الطبقي الذي نواجهه ولمقومات سلطته وسلطانه، وللأساليب التي انتهجها في احتلال مواقعه في الدولة والمجتمع وللأساليب التي يتبعها في فرض هيمنته والقوى التي يعتمدها… وبذلك نستدل إلى النهج الذي يمكن أن تسير فيه قوى التقدم للحركة والتصدي.

إن تعرف قوى الثورة الوطنية الديمقراطية إلى النهج الذي اتبعته قوى الاستغلال والاستبداد لبسط هيمنتها، وإلى الطريقة التي تمكنت بها القوى المضادة للثورة العربية، والقوى المعادية لتحرر أمتنا ووحدتها، من امبريالية وصهيونية أو من طائفية وإقليمية، في إجلاء حركة التحرر العربي عن مواقع وإنجازات تقدمت إليها، لتحتل تلك القوى المضادة الأرض والمصالح ولتبسط هيمنتها ونفوذها، إن هذا التعرف هو الذي يوجههنا إلى اختيار النهج المناسب في النضال وفي استرداد المواقع والدفع بحركة التحرير والتغيير.

إن الاستراتيجية النضالية للقوى الوطنية الديمقراطية لا يمكن أن ترسم على أساس الانتقال مباشرة من مواقع التبعثر والهامشية. وبمجرد تلاقيها وتحالفها، إلى انتهاج أسلوب المواجهة الشاملة، أي اتباع أسلوب ” الحرب الهجومية ” حسب التعبير العسكري، فضلاً عن أنها لا تملك بعد القدرة على ذلك ولا المقومات، فلا بدّ أن تحتل مواقع عديدة أولاً وأن تتمكن فيها وأن تتعدد وتتصاعد معارك نضالها من هذا الموقع ومن ذاك، لتنتقل منها بعد ذلك إلى المواجهة الشاملة.

إن التصدي لحركة الثورة المضادة في الوطن العربي ولنظم الفاشستية المشرقية، يمكن أن يطرح الأسلوب الذي سماه المفكر الماركسي الطلياني ” غرامشي ” منذ بداية العشرينات في هذا القرن، وفي مواجهة صعود الفاشستية إلى السلطة في إيطاليا، بحرب المواقع أو ” حرب الاستحكامات ” أي بنضال قوى التقدم من مواقعها المتفرقة أولاً، وبتكتيك احتلال المواقع في قلب الشعب وفي داخل القوى الاجتماعية وخلع هيمنة الطبقة السلطوية عليها.

إن نظم الاستبداد الفاشستي القائمة لم تصل إلى السلطة والحكم ولم تشكل طبقتها الجديدة والحاكمة ولم تمد مصالحها وتبسط هيمنتها على الدولة والمجتمع، إلا عبر تكتيكات متلاحقة ” بحرب الاستحكامات ” التي احتلت بها موقعاً بعد آخر من المواقع التي ” استحكمت فيها ” داخل القوات العسكرية القادرة على التغيير، ثم في مواقع سلطة الدولة وأجهزتها وأدواتها، وانتقالاً من ذلك إلى المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية، وكذلك في مجالات الاقتصاد والقوى الاقتصادية من إنتاجية وتجارية، وهي تملك اليوم من فوق كل وسائل السيطرة وهي تعمل لمد هيمنتها لكل مجال، ولا يقف طموح سيطرتها الفاشستية عند هذه الحدود، فهي تعمل لبسط هيمنتها على الأجيال المقبلة لتضمن استمراريتها ومستقبلها، وتقوم بذلك عبر التعليم والهيمنة على عقول الأطفال وتلقينهم بشكل وثني شعاراتها وتمجيد أبوية قيادتها. وهذه صورة من صور هيمنتها الأيديولوجية.

إن الحركة الصهيونية نفسها في مخططها الاستعماري الاستيطاني، والمنطلق من أيديولوجية عنصرية ودينية أسطورية، ومن مصالح رأسمالية دولية، أخذت في بداياتها وفي مراحل متلاحقة بعدها، باستراتيجية ” حرب الاستحكامات ” واحتلال المواقع في الهجرة والتهجير المقابل. وفي شراء الأرض والتملك ثم في النهب القسري والسلب، ثم في تشكل منظماتها الإرهابية وعملياتها العسكرية غير النظامية وصولاً إلى النظامية، وبمثل هذا النهج تمكنت ووصلت إلى الامتداد في الأرض واحتلال المواقع العربية فيها واحداً بعد آخر، لتصنع نفسها في النهاية في موقع التصدي بالحرب الهجومية والخاطفة…

ولو نظرنا إلى النهج الذي اتبعته الميليشيات الطائفية في لبنان وإلى الممارسات التي سارت عليها في بناء قواها وحركتها ونشاطاتها ثم في تكتيكاتها المتلاحقة ونشاطاتها الإرهابية فالقتالية بل وفي المنطلقات الأيديولوجية الفاشستية والوثنية وفي علاقاتها وتطلعاتها الدولية، لوجدنا أنها استمدت الكثير من الأسلوب الصهيوني الذي اتبع في فلسطين ومع الشعب العربي فيها.

والامبريالية في سياساتها الكيسنجرية المبدأ، وفي مدّ علاقات أجهزاتها واحتكاراتها داخل الوطن العربي والنظم العربية، من تقليدية أو مستجدة، مارست ومازالت تمارس أسلوب احتلال المواقع ومدّ الجسور بهدف الرصول إلى بسط هيمنة استعمارها الجديد.

وإذا كان هذا هو النهج الذي اتبعته لبسط الهيمنة، جميع القوى المضادة للثورة العربية في الداخل والخارج، فلا بدّ أن تتعلم منه هو أيضاً لتقلبه قوى الثورة العربية ضد أعدائها.

وبالأمس القريب قامت في إيران تجربة في التغيير الشعبي مازالت ساخنة، وهي تجربة إذا أعدنا لتاريخها لأعطتنا شاهداً. أولاً على الصيغة التي بسط بها النظام الشاهنشاه هيمنته على الشعب معتمداً على خبرات حلفائه الامبرياليين وتداخلاتهم، فهو قد مارس لعبة الأيديولوجية الفاشستية تحت شعار ما سماه ” الثورة البيضاء ” وتحرك بها لسحق قوى التقدم بالتعاون مع الأجهزة الأميركية والإسرائيلية، وبتخطيط منها مضى لبسط هيمنته وهيمنة أسرته، وعمل هو وجهازه العسكري الإرهابي على تزوير أفكار التقدم والديمقراطية، بحيث لم يترك أمام القوى الوطنية الديمقراطية على اختلافها، إلا المواقع الشعبية العمومية والتقليدية، ولكنها ومن هذه المواقع المتفرقة استطاعت أن تصعد وأن تحتل المواقع الوطنية كلها لتضعها في موقف المقاطعة للنظام وصولاً بها إلى صدامها الشعبي الشامل مع نظام الشاه وحماته الامبرياليين والصهيونيين وأن تحقق انتصاراً رائعاً للشعب وتغييراً ديمقراطياً، أي تغريراً بالشعب وبإرادته الجماعية. ونستشهد هنا بالتجربة الإيراني من حيث الأسلوب الوطني في إسقاط هيمنة النظام الامبراطوري، أما ما أعقب ذلك وما يدور اليوم في إيران من صراع بين القوى الوطنية فهو مؤشر آخر يدل على ضرورة التركيز المسبق للصيغة الديمقراطية في علاقات القوى وتوجهاتها.

لقد كان لينين ولا شك، يتميز بخبرة كبيرة في استراتيجية العمل الثوري وتكتيكاته، وبذلك قاد الثورة البلشفية إلى النصر. ولكن لينين بعد مرور خمس سنوات على بداية الثورة البلشفية أي في عام 1922، طرح فكرة على القوى الثورية في العالم. وهي فكرة ” الجبهة الواحدة ” في استراتيجية العمل الثوري. إنه طرحها في أواخر أيام حياته، وهو يرى كيف أم مشروعات التغيير الثوري في الغرب أصبحت متعثرة وطريق الثورة أمامها طويل، وكان يشاهد أيضاً بوادر صعود الفاشستية. وعندما طرح هذا الشعار نادى القوى الثورية في الغرب لأن تترجمه كل إلى ” لغتها الوطنية “. إن الحياة لم تتح للينين فرصة تفصيل ذلك المبدأ الاسترتيجي الجديد أو الشعار، ولكن عني بين ما عني فيه أيضاً، إن ما جرى في الاتحاد السوفياتي ليس نموذجاً يمكن نقله وتطبيقه وإن ظروفاً جديدة نشأت بعد ثورته.

إن غرامشي وهو في سجنه الطويل في ظل الحكم الفاشستي في إيطاليا، وجد ترجمته لهذا الشعار إلى ” لغته ” الوطنية. وخلاصة ما قاله غرامشي أن الثورة البلشفية يمكن أن تترجمها باللغة العسكرية في أنها جاءت على أسلوب حرب المواجهة الشاملة. أما الثورة بعدها في الغرب، وبخاصة في إيطاليا، وفي مواجهة السلطة الفاشستية وأساليب هيمنتها، وفي مواجهة الصيغ الامبريالية والرأسمالية الجديدة، لا يمكن أن تتقدم إلا على أساس استراتيجية ” حرب المواقع والاستحكامات “. لقد قال بضرورة التصدي الأيديولوجي العام، أما في المعركة السياسية وفي سبيل التغيير، فالاستراتيجية الثورية الجديدة، هي استراتيجية ” حرب المواقع ” وتحريك أوسع قاعدة ديمقراطية.

وعلى هذا الأساس تتقدم صيغة ” الجبهة الواحدة ” كجبهة لجميع القوى الديمقراطية التي تصعد في وجه الثورة المضادة والسلطة الفاشستية. إنها تتشعب وتمتد إلى المواقع المتفرقة، تبدأ من حيث الهيمنة السلطوية أضعف ثم غلى حيث هي أقوى وهكذا، إنها الجيش الذي يتشكل لا بدءاً من أركانه العليا بل من فصائله الصغرى، والتي يربط بينها خط ناظم هو المبدأ العام والاستراتيجية العامة والأهداف المشتركة.

إنها خلع الهيمنة باحتلال المواقع واحداً بعد آخر، بالتوجه العام أولاً إلى الجماهير ثم في أن تأخذ القوى الثورية مواقعها في قلب القوى الاجتماعية وفئات المجتمع، من فلاحية وعمالية وطلابية ونسائية وغيرها.

إنها ” الجبهة الواحدة ” الفكرة التي تنهض من خلالها كل قوة وكل فئة وتدخل في توجهات كل وطني ديمقراطي، وليست ” الجبهة الشكل ” كما يدعو لها البعض وتتحول جبهات تهزم قبل أن تعمل. إنها الجبهة التي تظل فكرة وإلى أن يعطيها الواقع مقومات الوجود والثورة. ونستشهد هنا بمثال كان في موقف عبد الناصر من دعوات الوحدة بعد هزيمة الانفصال، حيث قال ما معناه، أن الوحدة تظل قوة دافعة وأملاً حياً، ما بقيت فكرة يتوجه لها الشعب وتتوجه إليها القوى، إن القوى المعادية لوحدة أمتنا لا تستطيع أن تقتل هذه الفكرة، أما إذا ما تجمدت في صيغة ضعيفة وغير جماعية، فإن سهام الأعداء ستصب عليها، وعندئذ فإن الخطر لا يتهدد هذه الصيغة وحدها بل ويتهدد الفكرة.

*          *          *

د. جمال الأتاسي ( 1922- 2000)

دكتوراه في طب النفس والعقل ، أحد مؤسسي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وأمينه العام

 

يتبع.. الحلقة الثالثة عشرة والأخيرة: خـاتمـة والفهرس

التعليقات مغلقة.