( يصادف اليوم 15آذار انطلاق حركة شعبنا السوري العظيم في1980و2011، فكانت الثانية استمراراً للأولى، لذلك يعيد موقع «الحرية أولاً» نشر بيان «التجمع الوطني الديمقراطي في سورية» الذي وُزع في جميع أنحاء سورية بمثل هذا اليوم من1980)
بيان إلى الشعب
من أجل الحرية والديمقراطية والتغيير
تنهض في البلاد حركة شعبية تذكرنا بالتحركات الشعبية الكبرى أيام النهوض الوطني من أجل الاستقلال، حركة مطلبها الديمقراطية وعودة السيادة للقانون والشعب . ففي المدن الكبرى تنتشر تباعاً، منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، حالة إضراب شاملة، وتحتشد الجماهير بأشكالٍ مختلفة، وتسير المظاهرات الشعبية والطلابية الكبيرة في الشوارع، وتصدر بيانات القوى الوطنية والديمقراطية والهيئات الاجتماعية، ويطالب الجميع بالحرية والكرامة وإنهاء تسلط المخابرات على مقدرات الشعب، وإلغاء حالة الطوارئ التي ترهق البلاد منذ سبعة عشر عاماً . وإذا كانت الظروف الناتجة عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وبعض الشروط العربية والدولية قد ساعدت النظام على تأمين استقراره حتى الآن، فإن هذه الظروف والشروط لا يمكنها أن ترغم الشعب على البقاء مسلوب الحقوق إلى الأبد . فعدا عن أن النظام عجز عن صيانة حدود الوطن، دفع اقتصاد البلاد نحو التدهور، وجعل حياة المواطنين لا تطاق، وغيّب الحريات الديمقراطية، وألغى المساواة أمام القانون، وعيّشَ الشعب في ظل التعسف والتسلط والتمييز والاستبداد، بل دفع البلاد إلى حافة الهاوية، حافة الانقسام الطائفي الذي يتهددها بحربٍ أهلية مدمرة .
لوقف هذا التدهور، وللحيلولة بين البلاد وبين المصير المظلم الذي يدفعها النظام نحوه، هبت الجماهير الشعبية الغفيرة في حركة عفوية شملت البلاد من أقصاها إلى أقصاها .
عندما تصمّ السلطة أذنيها عن نداء الجماهير ومطالب الشعب في الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة، فإنها تسير على درب الخطأ . وهي تخطأ أكثر عندما تلجأ إلى وضع الجيش بمواجهة الشعب، والدبابات مقابل المواطنين، وتحاصر المدن وتقطع الطرق وتقيم الحواجز في الشوارع وتطلق الرصاص والقذائف على الناس وتفتش الأحياء وتهدم البيوت .
وتخطئ السلطة عندما تظن أن الحركة القائمة في البلاد ضيقة ومؤقتة وسطحية وبسيطة ويسّهل القضاء عليها . فلا يصح ترجمة إضراب كل هذه المدن السورية ترجمة خاطئة، ولا يصح عدم استيعاب المعنى العميق لهذا الإضراب كما لا يصح نسب هذه الحركة الشعبية لهذا التيار أو ذاك ولهذه الفئة أو تلك . فالحركة القائمة هائلة الاتساع وليست من صنع حزب واحد أو تيار منفرد، وليست استجابة لنداء قوة سياسية أو اجتماعية معينة . إنها حركة شعب بأسّره . وهي تعبير عفوي وأصيل عن شعب بأسّره . وهي ليست مؤقتة ولا سطحية ولا بسيطة، وبالتالي يخطئ من يظن أنه قادر على قهرها .
وتخطئ السلطة، كذلك، في محاولاتها نسّب التحرك القائم لفعل أو تأثير قوى خارجية معادية . الشعب لا يُحركه أعداء البلاد . والشعب هو مصدر كل وطنية . الوطنية تقاس فقط بمقدار الالتزام بالشعب ومصالحه وحرياته . التآمر الخارجي كان موجوداً وسيبقى موجوداً . لكن البحث عن أدوات التآمر يجب أن يجري في صفوف أخرى غير صفوف الشعب .
وتخطئ السلطة عندما تحاول دمغ الحركة الشعبية بالرجعية . فالشعب منبع التقدم . والموقف من الشعب والالتزام بحريته وحقوقه هو مقياس التقدم . واستخدام اسم العمال والفلاحين لن يجدي السلطة لأن العمال والفلاحين هم أول المتضررين من النهج القائم وأول المطالبين بالحرية والديمقراطية والتغيير . أما الشعارات ” اليسارية ” التي تطرحها السلطة الآن في سوق التداول، فلن تجد لها رواجاً، أو أذناً صاغية من الشعب الذي خبِرَ الأمور جيداً، وعرف عن كثب ماذا تعني الشعارات وكيف تتجسد على أرض الواقع .
وتوغل السلطة في الخطأ عندما تظن أن توزيع السلاح على الأنصار والأزلام وعملاء الأجهزة، وعندما تطلق يـد هؤلاء ويـد الأجهزة في الشعب وتُصعّد العنف وتُهدّد بإشعال نار الفتنة، أن ذلك كله هو الحلّ المناسب لأزمة النظام المتفاقمة، ولأزمة علاقته بالشعب، وأنه الطريق المناسبة لِكمّ الأفواه والقضاء على حركة الجماهير .
العنف لن يرهب الشعب . وهو سيرد عليه بتدعيم وحدته وتصعيد كفاحه . وسيجيب على الفتنة ومحاولات إشعال الحرب الأهلية والطائفية بتعميق تلاحمه وصيانة وحدته الوطنية تحت شعار ” الدين لله والوطن لجميع المواطنين ” .
إن الامكانيات لم تُستنّفد للخروج بسورية من المأزق الخطير الذي دفعها إليه نظام التسلط والاستبداد والفساد والتمييز الطائفي . والأوان لم يفت بعد لتجنيب البلاد مخاطر الاقتتال الطائفي والحرب الأهلية .
فلإنقاذ الوطن مما يتهدده من داخله من تفتت ومما يبيت له أعداؤه في الخارج، ولإنقاذ الوحدة الوطنية للشعب، ولإعادة بناء لحمته على قواعد ديمقراطية صحيحة . . .
وللنهوض بالبلاد، ووضعها على طريق التقدم الصحيح والتحرر، ولتكون قوية ومتماسكة في وجه أعداء الأمة العربية، وقادرة على إحباط مخططات التآمر الإمبريالي الصهيوني والتصدي الفعلي للتسوية الاستسلامية، وفي توظيف الجهود لتحرير أرض الوطن . . .
ولإعادة بناء الدولة على قواعد سليمة تمكنها من استرداد هيبتها في الداخل والخارج، ولإعادة بناء العلاقة الديمقراطية بين الدولة والمواطن، وليسود حكم القانون الديمقراطي وتتحقق مساواة المواطنين أمامه ويستردون شعورهم بالكرامة والأمن والطمأنينة، وحتى ينتعش الاقتصاد الوطني . . .
ولإعادة بناء حرية الوطن والمواطن، ورفع كابوس الاستبداد وإرهاب دولة الأجهزة والمخابرات، والتصدي لما أنزله النظام بهذا البلد من تفكك وتحلل أخلاقي وإزالة هذا التفكك والتحلل، وحتى تعود للقيم الأخلاقية الوطنية والقومية والإنسانية معانيها الأصلية في حياة الشعب . . . وللتوجه بثقة نحو المستقبل . . .
لا بد من التغيير الجذري والكامل للنهج القائم في البلاد، حتى تعود السيادة للشعب وحتى يتمكن من ممارستها في ظل نظام يقوم على أسس الديمقراطية والحرية والمساواة .
من أجل ذلك، ولفتح الطريق أمام الشعب ليقرر مصيره بنفسه وبحرية، لا بـدّ من تحقيق الإجراءات التالية :
أولاً – رفع الحصار عن المدن وسحب الجيش والقوات الخاصة وسرايا الدفاع إلى ثكناتها الخاصة، وسحب الدبابات من المدن ووضعها بمواجهة العدو الإسرائيلي . فمن عرقهِ ودمه دفع الشعب عشرات السنين لتكوين الجيش وتسليحه ليكون حارساً للحدود وقوة لتحرير الأرض .
ثانياً – إلغاء حالة الطوارئ التي فقدت مبرراتها وإلغاء كل ما نشأ على أساسها وخصوصاً محكمة أمن الدولة .
ثالثاً – إطلاق الحريات الديمقراطية للأحزاب والهيئات الاجتماعية والأفراد وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب وإصدار الصحف، وضمان حرية الحركة للمواطنين .
رابعاً – إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين بلا استثناء، ومن مختلف العقائد والآراء السياسية أو تقديمهم إلى محاكم علنية عادلة قانونية تضمن لهم الحق المشروع في الدفاع عن النفس .
خامساً – إلغاء تسلط أجهزة المخابرات على المواطنين وعلى الدولة، ووقف النمو السرطاني لهذه الأجهزة على طريق تحجيمها وإعادة النظر جذرياً في تكوينها وقصر صلاحياتها على الأمن الخارجي وحصر الأمن الداخلي بوزارة الداخلية وفقاً للقانون الديمقراطي .
سادساً – إقامة حكومة وحدة وطنية تحل مجلس الشعب القائم وتدعو لانتخاب حرّ لجمعية تأسيسية تصوغ دستوراً جديداً للبلاد يقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين .
إن جميع الوطنيين والديمقراطيين والقوى السياسية والهيئات الاجتماعية والشخصيات الوطنية مدعوون للعمل المشترك لتحقيق هذه الأهداف التي تشكل في الوقت الحاضر الحدّ الأدنى الضروري للخروج بالبلاد من العثار الكبير . لقد بدأت حركة الشعب من أجل الحرية والديمقراطية والتغيير، ولن تتوقف حتى تحقق أهدافها !
دمشق، منتصف آذار 1980 التجمع الوطني الديمقراطي
التعليقات مغلقة.