
( الحرية أولاً ) ينشر حصرياً كتاب «من الأمة إلى الطائفة، سورية في حكم البعث والعسكر» بأجزائه الثلاثة كاملاً للكاتب الأستاذ: ’’ميشيل كيلو‘‘.. الحلقة الأولى: تمهيد، ومدخل تمهيدي للجزء الأول
من الأمة إلى الطائفة
سورية في حكم البعث
قراءة نقدية
ميشيل كيلو
باريس ٢٠١٧/٢٠١٩
الجزء الأول
من تأسيس بعث عفلق إلى القضاء عليه
أو
من ١٩٤٧ إلى ١٩٦٦
تمهيد:
عالجتُ في هذا النص مراحل ثلاث، امتدت أولاها من عام تأسيس حزب البعث العربي عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٦٦، سنة الانقلاب على القيادة القومية والرئيس أمين الحافظ، الذي أسقطته قيادة “اللجنة العسكرية”, لتستبدل حزب البعث القائم بحزب بعث جديد قررت “اللجنة” بناءه بواسطة مؤسستها العسكرية.
امتدت المرحلة الثانية من انقلاب الثالث والعشرين من شباط عام ١٩٦٦ إلى السادس عشر من تشرين الثاني عام ١٩٧٠، عام انفراد الفريق حافظ الأسد (١٩٣٠ ـ ٢٠٠٠) بالسلطة، من خلال انقلاب عسكري أطاح بالأمين القطري المساعد لحزب البعث اللواء “صلاح جديد” (١٩٢٦ ـ ١٩٩٣).
وامتدت المرحلة الثالثة من عام ١٩٧٠ إلى قيام الثورة السورية في الخامس عشر من آذار عام ٢٠١١، التي لن اتطرق إليها في هذا النص، وفضلت أن أقّصر قراءتي على النظام الأسدي، لأُفرد في فترة لاحقة نصاً خاصاً بها، لما لها في نظري من أهمية استثنائية، وما أعتقد أنه سيترتب عليها من نتائج تتخطي سورية إلى الوطن العربي والعالم.
أمل أن يسهم هذا النص في تفسير غوامض الفترة التي اجتازها شعبنا بين حدثين مفصليين هما تأسيس البعث، والثورة على الأسدية.
الجزء الأول: من عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٦٦
مدخل تمهيدي:
ـ اذا كان هناك في تاريخ سورية الحديث تشكيل سياسي ناقض مساره الواقعي ما ألزم نفسه به من وعود ورفعه من شعارات، قبيل وعند وبعد إعلان ولادته يوم السابع من نيسان عام ١٩٤٧، ثم قبل وبعد مشاركته في الانقلاب على السلطة عام ١٩٦٣، والانفراد بها بين هذا العام وعام ١٩٦٥، فهو التشكيل الذي أسسه الراحلان ميشيل عفلق (١٩١٠ ـ ١٩٨٩) وصلاح الدين البيطار (١٩١٢ ـ ١٩٨٠)، وحمل اسم حزب “البعث العربي”، ثم ما لبث أن تغيّر إلى “حزب البعث العربي الاشتراكي”، بعد اتحاده عام ١٩٥٢مع “الحزب العربي الاشتراكي”، الذي كان قد اسسه الراحل أكرم الحوراني (١٩١٢ ـ ١٩٩٦) في حماه وريفها عام ١٩٥٠(1).
ـ وقد شارك ضباط حزبيون في الانقلاب الذي وقع في دمشق يوم الثامن من آذار عام ١٩٦٣ على ما كان يسمى “الجمهورية العربية السورية” (١٩٦١ ـ ١٩٦٣)، التي قامت بعد انقلاب عسكري وقع يوم ٣٠ ايلول عام ١٩٦١، لفصل سورية عن “الجمهورية العربية المتحدة (١٩٥٨ ـ ١٩٦١)”: الدولة التي نشأت عن وحدة سورية مع مصر، وصار اسمها في ظل الدولة الجديدة “الإقليم الشمالي” بينما أطلِق اسم “الإقليم الجنوبي” على مصر، حيث خدم ضباط بعثيون نقلوا إليها ليخدموا في الجيش الموحد الجديد، الذي ضم جيشي سورية ومصر السابقين، فشكلوا في مواقعهم الجديدة “لجنة عسكرية” رفض أعضاؤها حل “البعث”، الذي قبله قائداه، ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، ونال “موافقة جماعية من مؤتمر قطري عقده الحزب في الأول من شباط عام ١٩٥٨، استجابة لشرطين وضعهما الرئيس المصري جمال عبد الناصر (١٩١٨ – ١٩٧٠)، أحدهما وحدة القيادة وتأسيس تنظيم موحد، وبالتالي حل الأحزاب القائمة، وثانيهما عدم تدخل الجيش في السياسة”(2) .
بالنظر لقلة عدد هؤلاء الضباط، وتلاشي “البعث” بعد حل نفسه، بشهادة حنا بطاطو (١٩٢٦ ـ ٢٠٠٠) الذي يذكر في كتابه: “فلاحو سورية” : “أن
دوره قد انتهى عملياً مع إقامة الجمهورية العربية المتحدة”(3) فقد تعاون ضباط “اللجنة” على تنفيذ انقلاب عام ١٩٦٣ مع ضباط “ناصريين وشوام وحياديين”، وما أن نجح الانقلاب حتى سارعوا لإحكام قبضتهم عليه، فكان لهم ذلك خلال فترة انتقالية قصيرة، دامت نيفا وعامين حفلا بجهد مكثف لتطهير الجيش من التيارات الأخرى، وخاصة التيار الناصري القوي، عبر خطوات مدروسة قاموا بها من مواقعهم في قيادة الأركان والوحدات المقاتلة، وما تولوه من مسؤوليات وإمرة فيهما. ومع أن عدد أعضاء “اللجنة” لم يتجاوز آنذاك “سبعة عشر ضابطا جلهم من أصحاب الرتب الصغيرة والمتوسطة”(4) فإنهم مثلوا قوة أثارت اهتمام عفلق، كما نقل حنا بطاطو عن مؤسس البعث الثاني صلاح الدين البيطار، الذي أخبره “أن البعث قرر التواصل مع الضباط لأن أي حزب لن يكون آمنا فعلا، اذا لم يكن له موطئ قدم في القوات المسلحة”(5)، لكن هؤلاء رفضوا الاعتراف بقيادته والعودة إلى حزبه، وقطعوا أو جمدوا صلاتهم بهما، و”تصرفوا بحذر إلى حد إن قادة الحزب القدامى ظلوا حتى عام ١٩٦٤ على جهل تام بوجود “اللجنة” وغاياتها الحقيقية”(6). خلال بحث “اللجنة” عن انقلابيين يخططون مثلهم للإطاحة بالنظام القائم، أجرت مداولات عديدة مع الناصريين وغيرهم من كتل الجيش السياسية، أدت إلى القيام بانقلاب سيسمى فيما بعد “ثورة الثامن من آذار عام ١٩٦٣”.
ـ ما أن نجح الانقلاب، حتى شرع ضباط “اللجنة” يطبقون خطة خاصة بهم للانفراد بالسلطة: هدفهم الذي تحقق بين عامي ١٩٦٣و١٩٦٥، في فترة عصفوا خلالها بكتل الجيش الأخرى، ما أن انتهت، حتى بدأت مرحلة صراعات أشد ضراوة وعنفا، استمرت حتى عام ١٩٧٠، ودارت داخل “اللجنة العسكرية” وبين أجنحتها، ومرت بانقلابين عسكريين كبيرين : وقع أولهما يوم الثالث والعشرين من شباط عام ١٩٦٦ ضد الفريق أمين الحافظ (١٩٢١ ـ ٢٠٠٩)، رئيس الجمهورية المقرب من ميشيل عفلق، تخللته معركة استمرت ساعات عديدة في حي “أبي رمانة”، أرقى احياء دمشق، أرسل بعد حسمها إلى سجن المزة. ووقع ثانيهما يوم السادس عشر من تشرين الثاني عام ١٩٧٠، عندما أطاح وزير الدفاع الفريق حافظ الاسد بالامين القطري المساعد لحزب “البعث” اللواء صلاح جديد في انقلاب سلمي لم ترق فيه دماء، وأُرسل غريمه إلى سجن المزة العسكري بصحبة العدد الأكبر من رفاقه في قيادة الحزب، حيث بقي إلى ان توفاه الله بمرض مفاجيء يوم ١٩ آب عام ١٩٩٥، بعد خمسة وعشرين عاما من احتجازه دون محاكمة أو تهمة .
ـ وكانت قد فصلت بين الانقلابين حرب وقعت في شهر حزيران من عام ١٩٦٧، انتهت بهزيمة سريعة ومذلة نزلت بجيش “اللجنة”، الذي صار يوصف ب”العقائدي”، ولعبت دورا وازنا في الانقلاب الزاحف، الذي تكامل بين عامي ١٩٦٨ و١٩٧٠، وعرف ب”الحركة التصحيحية”، وأدى إلى سيطرة الاسد كممثل للجيش على السلطة في سورية.
ـ لم يقتصر صراع ضباط “اللجنة” على زملائهم في الجيش ورفاقهم في صفوفها، بل امتد إلى الحراك الشعبي المؤيد ل”جمال عبد الناصر (١٩١٨ ـ ١٩٧٠) والمطالب بما أعلنوا رفضه: إعادة الوحدة مع مصر. واستهدف تصفية ما بقي في الجيش من خصومهم، ووضع يدهم على حزب البعث، وهو ما تحقق بصورة نهائية بعد انقلاب الأسد عام ١٩٧٠، الذي أنهى فعليا وجود تيارين مدني وعسكري في الحزب والدولة، وفي أي منهما.
___________
هوامش:
(1). اكرم الحوراني. مذكرات أكرم الحوراني ، مكتبة مدبولي، القاهرة ، عام ٢٠٠٠ ، صفحة ١١٩٢.
(2). سامي الجندي: البعث، دار النهار للنشر، بيروت ١٩٦٧، الصفحة ٧٦.
(3). حنا بطاطو : فلاحو سورية. ترجمة عبد الله الفاضل ورائد النقشبندي. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت ٢٠١٤و الصفحة ٢٦١.
(4). المرجع السابق ، الصفحة ٢٨٣ . لكن الكاتب المصري محمد عودة ينفي ذلك في دراسة طويلة حول “العلاقة بين الناصرية والبعث” يقول إن الضابط عبدالغني قنوت كان يخبر عفلق بكل ما تفعله اللجنة استعدادا للانقلاب.
(5). حنا بطاطو: فلاحو سوريا، الصفحة ٢٨٣.
(6). المرجع السابق ، الصفحة ٢٨١.
………………..
يتبع.. الحلقة الثانية: البعث الأول
«ميشيل كيلو»: كاتب وباحث ومحلل سياسي سوري
التعليقات مغلقة.