الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حـوار العمـر.. أحاديث مع الياس مرقص … الحلقة الثامنة والأخيرة

بالذكرى الثلاثين لوفاة المفكر المرحوم «الياس مرقص» موقع « الحرية أولاً » ينشر كتاب “ حـوار العمـر.. أحاديث مع الياس مرقص

أجراها وحررها: جاد الكريم الجباعي *

الحلقة الثامنة والأخيرة:  ملحق “ وهو افتتاحيةً العدد /5/ من مجلة الواقع

ملحق: أفكار ومسائل للفكر العربي **

في افتتاحية عددنا الأول، عيّنا مبدأ وتوجّهاً:

وعي الذات من أجل وعي الواقع. بتعبير آخر: استقلال الوجدان وجهاد المعرفة وطرح المسائل والسعي إلى الإجابة عنها.

دعونا إلى إقامة الحد على الكلمات الكبرى والأكثر تواتراً في سوق الفكر والعمل. أدنّا فكرة “العمل” البراغماتية، فكرة “التسييس” المباشر؛ اعترضنا على فكرة “المعرفة” كشيئية ومحسوسية تحل فيها الكلمات محل الأشياء ويتحول فيها الواقع إلى أشباح. رفعنا لواء الفكر، لواء المعرفة. رفعنا رايات الديمقراطية والإنسانية والعقلانية والعلمانية والعروبة والتقدم، مع تأكيدنا أنها رايات ومفاهيم، ومعضلات: معضلات واقعنا وراهننا.

وخلال أربعة أعداد، تناولنا عدداً من المسائل في حاضر وتاريخ العرب والعالم. وبطبيعة الحال، لم نحقق كل ما أردنا تحقيقه، لكننا سرنا على هدي مبدأ الانطلاق.

إن طموحنا كبير. بل لنقل إنه متجاوز الحدّ. لكننا بالضبط اخترنا الجذرية. وذلك لأننا مؤمنون بأنه هكذا يجب أن تكون الأمور، وبأنه ليس من “حلّ” آخر. لا فائدة من الذهاب إلى فروع وحقول بدون الأصول والأساسات. آخرون كثيرون بين العاملين في ميدان الوعي العربي يشاركوننا هذا الرأي، يدركون أنه لا سبيل لتحقيق الاتصال والاندماج بين الفكر العربي والشعب، بدون التجرد والاستقلال. وإن هذه القضية التاريخية كلها تتخطانا كثيراً، بالتأكيد، بل إن الفكر كله لا يصنع التاريخ، لكن ليس من تاريخ ممكن بدونه، خصوصاً الآن. لن يكون للعرب نهوض مما هم فيه، إذا لم يقم الفكر بمهمته كفكر. على هذا الأساس بدأنا. ونتابع!.

                ***                          ***                       ***

إن هذه المجلة تسعى، في ظروف غير سهلة، إلى توسيع دائرة اهتماماتها وإلى ضبط محاور عملها.

في مجال المجتمعات العربية المعاصرة، نعمل على الإحاطة بجميع البلدان، مع الاستمرار على خط الفكر النظري. القصد أو المآل هو إعطاء صورة الوطن العربي كأمة حية، وكعالم راهن، وصورة عن كل بلد عربي كمجتمع واقع.

بتعبير آخر، في الحالتين، نهدف إلى بلوغ الموضوع كجملة أو كل، بعيداً عن تبخيره في مجردات أثيرية تسمي نفسها “قانونا”، ولم تعد سوى كلمات محببة كـ “الأمة” أو “الطبقة” و”علاقات الإنتاج” أو “الحضارة” و”التراث” أو “الأصالة” أو “الحداثة”. كل المجردات ما هي، في موقفنا ومسعانا، إلا أدوات العقل، المرتكز على مبدأ التجرد، في طريقه إلى بلوغ الموضوع الحقيقي كذات وحياة. هذه هي قيمة الكليات، وهذه هي جدواها وضرورتها المطلقة، بدءاً من أكبر الكليات.

نتابع مسائل القومية العربية ونقد الفكر العربي بوجه عام وبمختلف مدارسه الأيديولوجية.

إن الوحدة العربية ضرورة تاريخية راهنة، ضرورة وضرورات يجب أن توعى في عصر نمو التجزئة. الوحدة والتجزئة مستويات. لا حقيقة لتصنيم الموضوع في مانوية وحدة وانفصال أزلية.

القضية يجب أن تخرج من أسرها في الجانب السياسي: فكرة الدولة أي “الولاية على” البشر. يجب أن ننفذ إلى دائرة الكائن التاريخي ككل، إلى مستوى الكينونة الاجتماعية للبشر. فهو الحاكم على مستوى الدولة أو الولاية على البشر، حاكم عليه حكم الكل على الجزء، مهما تكن أهمية هذا المستوى وفاعلية هذا الجزء. يجب ترك التصور الروحي والنظري الذي يذوِّب فكرة التجزئة ونقيضها في الجانب السياسي، ثم يذوِّب أيضاً هذا المستوى نفسه في الحدود السياسية للدول، في الرمزية والخريطة.

بدون ذلك، إن النقاش عن قدم وعدم قدم التجزئة يفقد كل معنى صحيح. لنقل فوراً: كلاهما قديم، وهذا ما يجب الخروج منه. إن مسألة الوحدة العربية هي مسألة الأمة في التاريخ وفي الراهن.

ليس صحيحاً أن التجزئة “حديثة” و”مصطنعة”. التاريخ يقول العكس.. لكن الصحيح أن العصر الاستعماري والإمبريالي حوّلها وعمّقها. لم تعد التجزئة هي تمحور الأقطار على ذواتها، بل أصبحت تمحوراً على ذواتها وعلى الخارج، وعدم تمحور على ذواتها، أصبحت تناثراً للذات والذوات. هذه حالة جديدة فعلاً، ومصطنعة، بالمقارنة مع التجزئة السابقة، التاريخية، الطبيعية أو شبه الطبيعية.

كيف جرت وتجري الأمور؟ ماذا بعد رحيل الاستعمار، متجسداً بجيوشه واحتلاله واستيطانه وبأنظمة الولاية الأجنبية من “استعمار” و”حماية” و”انتداب”؟ ماذا عن عصر النفط والثورات؟…

في مجال التاريخ العربي والتراث العربي الإسلامي، سنواصل مجابهة المسائل على المستوى النظري الحيّ الذي التزمنا به.

حقب هذا التاريخ عديدة. مناطقه متنوعة. ثمة تواصلات وانقطاعات…

المسائل معقدة. إنها تذهب من مسألة المنهج أو الطريقة وصولاً إلى تاريخ حقبة محددة لبلد أو منطقة.

وبالأحرى، لنقل، بادئ ذي بدء، إن المؤرخ، أياً كان، يعتمد نظرية معرفة، ضمنية أو صريحة، ضمنياً أو صريحاً، عن الإنسان وتاريخه ومصائره اليوم.

هذه النقطة المبدئية يجب أن تخرج إلى الضوء. فهي في الغالب ضمنية أو مظلمة، وأحياناً ظلامية وظالمة. والظلم هنا، لا يصيب أحداً سوى هذه الأمة العربية. لا يمكن الذهاب إلى تاريخ شعبنا، كمعرفة علمية في بناء روح الشعب، مع الاعتقاد، مثلاً، بأن هذه الأمة صخرة صلبة وعاتية منذ أقدم العصور وألعوبة في أيدي الشياطين منذ أقدم العصور أيضاً. كلاهما باطلان في باطل. العرب بشر كسائر البشر، لهم مجتمعهم ومجتمعاتهم وتاريخهم وتواريخهم، شأنهم في ذلك شأن كل الأمم: الجميع في الدنيا. في مسار التاريخ، إن أحداً لم يخطئ الفردوس. تاريخ البشرية ليس ضلالاً. إنه خط وخطوط في واقع ـ و ـ ممكن. لا تقديس ولا لعن، بل اعتراف ومعرفة ونقد وتغيير.

في مضمار التاريخ العالمي، غرباً وشرقاً، إن متابعة الخط تفرض توسيع الدائرة، هنا أيضاً، في الزمان والمكان.

العالم ليس شرقاً يكون هو العرب أو حتى العالم الإسلامي وغرباً هو أوروبا. الصين، الهند، وما حولهما وبينهما من أمم وشعوب، عوالم كثيرة، عريقة وراهنة. هندوكية وبوذية، كونفوشية وطاوية، لغة صينية وعادات يابانية، زراعات وحرف وكثافات بشرية، إلخ، هذا بعيد غريب وعجيب، ويستحق أن يُعرّف. على الأقل (!)، من أجل نسبية الدنيا ومن أجل حقائق البشرية الكادحة في الدنيا والتاريخ. هذا “الشرق الأقصى” نصف البشرية، ونصف العالم الإسلامي جزء منه (باكستان، الهند، بنغلاديش، أندونيسيا، إلخ، إلخ). هذه العوالم وغيرها (أفريقيا السوداء، أميركا) يجب أن تُعرَف.

في التاريخ، العرب (شرق) إزاء أوروبا حصراً. إنهم غرب العالم الإسلامي، غرب آسيا، وفي منظور الأوروبيين، إنهم “الشرق الأدنى” و”أفريقيا الصغرى” و”المشرق”: هذه مصطلحات مقاربة تعبر عن حقيقة ما، تتخطى الجغرافيا المجردة. من الشرق الأدنى القديم واليونان وصولاً إلى الإمبريالية أو الاقتصاد العالمي والنفط، العلاقات لا حصر لها. حسب المنطق، حسب هيغل وحسب كلاوسيفيتس، “الحرب” أيضاً “علاقة”.

العصر الاستعماري الأحدث هو الذي يضم العرب إلى عموم “الشرق”، على أساس سياسي واقتصادي عالمي، إزاء وضد الاستعمار والإمبريالية. سياسياً، هذا يصل إلى مؤتمر باندونغ لشعوب ودول آسيا وأفريقيا (1955)، إلى مؤتمرات القاهرة ودلهي وأكرا والجزائر، وإلى مؤتمرات القارات الثلاث في هافانا. هذه الحركة التاريخية والسياسية، التي عبرت عن يقظة واستقلال وطموح إلى مستقبل، تراجعت فيما بعد. المواجهة “الاقتصادية” بين “الجنوب” و”الشمال” ليست في مستواها. أما “ثقْفَنة” الصراع، المنتشرة حالياً، فهي في شطرها الأكبر تعويض رجعي وتبديد لحقائق الدنيا وحاجات الشعوب.

لا اقتصادوية المجتمع ـ الطبقات ولا الماهيات الثقافية والحضارية بل الإنسان “جملة العلاقات الاجتماعية”! كثيرون هم الذين انتقلوا من الاقتصادية التاريخية والسياسية إلى ثقفنة التاريخ والصراع الراهن. كلاهما باطل. وبالنسبة للبعض، فإن انتقالهم المذكور لا يكاد يكون انتكاساً.

بين محبي “الأصالة” ومحبي “الحداثة”، بين أنصار “أوروبا” وأعداء “أوروبا” ضاعت المعرفة. معرفتنا بأوروبا، بالآخرين، بذاتنا. من يعتقد بأنه يعرف تاريخنا بدون أن يعرف تاريخ أوروبا، وتواريخ أمم وعوالم العالم، بدون أن يكون عنده تصور عن أمة آدم في التاريخ، واهم.

تاريخ أوروبا غير معروف، بدلاً من معرفته لدينا أيديولوجيات، تتعامل مع قطع صغيرة ومشوهة، شوهتها الأيديولوجية وشوهها الجهل وحسب.

أوروبا ليست، كما تصورها معظم رجال “النهضة” أو “العصر الليبرالي” العربي، أوروبا الثورة الصناعية والعلمية التي أنهت العصور الدينية المظلمة، أو أوروبا العصر الصناعي الباهر والفاتن مع الصليبية الكالحة التي عادت في شكل الاستعمار الحديث.. تاريخها تاريخ تشكل طويل وتطور حاسم، ويجب أن يعرف في مختلف حقبه ومناطقه: اليونان وروما، الانهيار في الغرب والعصر البربري، الصعود الشاق والطويل من البربرية إلى النظام الإقطاعي ونهضة القرن الثالث عشر، عصر النهضة والأزمنة الحديثة الكلاسيكية، الثورات البرجوازية، “الثورة الصناعية” وحركة العمال، الديمقراطية والاشتراكية ومسألتهما..

هذا التاريخ لا ينحل في ثنائيات من نوع “قديم” و”حديث”، و”سطوي” و”حديث”، “ديني” و”علماني”، ولا في حكاية مجردة جداً وبالغة المحسوسية عن أربعة أنماط إنتاج اقتصادي أو أربع تشكيلات اجتماعية ـ اقتصادية، تعاقبت في “أوروبا” في “فرنسا”، “ألمانيا”، “إنكلترا” إلخ. “فرنسا” لم تكن موجودة في “عصر الشيوعية” ولا في “عصر الرق”. ولم تكن موجودة في عصر البربرية الحقيقي، لكن هذا العصر البربري كان موجوداً في ما هو اليوم فرنسا، وفي ما هو اليوم الغرب. أمم الغرب نتاج تشكّل.

“الغرب” نفسه نتاج تشكل بدأ بالانهيار البربري الكبير، الذي أنهى المجتمع العبودي الحضاري حيثما كان موجوداً (أي في إيطاليا بالدرجة الأولى)، وانتهى بعد عدة قرون مظلمة وغنية إلى طفو الغرب كدائرة جغرافية جديدة للتاريخ وكعالم أرض وزرع وإقطاع هو قاعدة التطور التالي من تقدم وثورات.. هذا الغرب مفهوم واقعي وحقيقي وليس محض اصطلاح لفظي، ولا هو الشبح (السلبي الإيجابي) الذي يسكن الكثيرين عندنا.

هذا التاريخ، كجملة، مغاير لتاريخنا، ومغاير لتاريخ “الآخرين”، أو لتاريخ كل من هؤلاء “الآخرين”… كـ “عناصر”، الأمر بالعكس تماماً. سواء كانت العناصر “مضامين” الكينونة، أو “قطع” الحركة والصيرورة.

لا تكرار لتاريخ أوروبا ولا محاكاة لحاضر أوروبا. كلاهما حماقة. آخرون يحاكون، بما فيهم كأعداء” و”كارهون” لـ “أوروبا”. لكن، بصرف النظر عن كل اعتبار من هذا النوع، لا تكرار ولا محاكاة، بل:

أولاً، معرفة إن التاريخ دراما ومأساة ـ هكذا كان دائماً إلى الآن ـ مع انهيارات كبيرة جداً في بعض الأحيان. لكن التاريخ أيضاً تقدُّم.

إذاً، بهذا الوعي وهذا الاعتراف، أن نفهم ونعقل تاريخنا كتقدم وكتشكل، وكدراما ومأساة وانهيارات، إلخ، حتى لا تسيطر أشباح الماضي على عقولنا…

ثانياً، وعي الفكرة التاريخية، أخذها كعنصر أساس في روحنا وفكرنا. قصدنا بشكل خاص فكرة التقدم Progression، ضد القفزة الشاقولية إلى فوق، ضد ثورة الثوران وطيرانية التقدم. إن أعظم ثورة في التاريخ ليست إلا درجة على سلّم التاريخ. الثورة قاعدتها وخلفيتها تقدم وتدرج وهي قاعدة لتقدم وتدرج: هذا من زاوية التاريخ كمسار. لا شيء يفلت من الحدود سوى العدم الفارغ.

ثالثاً، وعي أن التاريخ منطق كينونة. الجانب التاريخي ـ التقدمي، التعاقبي ـ الزمني، محكوم بمنطق هو منطق لكائن: شروط وعلاقات، واقع وإمكان، تغير للأشكال، معقولية واقع.. بل ولنقل، مع مونتسكيو وهيغل وآخرين لا حصر لهم: طبيعة أشياء، ومنطق أشياء، ضد ذاتوية الطيران التقدمي واللفظي. إن مفهوم التاريخ لا يلغي مفهوم الكائن أو مفهوم الطبيعة، والثلاثة مفاهيم فلسفية…

كل تاريخ بشري هو تاريخ الإنسان الصانع والعاقل، بخيره وشره، كإنسان وكتاريخ.

إما المنطق والتاريخ وإما الجواهر والماهيات. ليس من خيار ثالث!.. ثم من الطبيعي أن يستخدم أصحاب الموقفين كل أنواع الكلمات بما فيها الكلمات الأربع الآنفة. كل الكلمات صحيحة ومبررة في سياقاتها الواعية أي المحددة والضاربة. بالمقابل وبالتلازم، ليس للإنسان عاصم عن الضلال، في كلمات: يكفي، لكي يضلّ، أن ينسى السياق، التقابلات (التعارضات)، إذن القصد والمعنى والاتجاه لكلماته. “المادة” و”المادية” وتابعاتها من اقتصاد وطبقات وهلمجرا يمكن أن تكون أدوات الذاتوية، ولا سيما ذاتوية الرجل الثوري “الذاهب” نحو هدفه ومثاله، والذي يعالج الواقع والبشرية كمادة بين يديه، كعجين أو صلصال.

الذاتوية هي المثالية، المثالية هي الذاتوية، هنا، نقصد بالمثالية: الضلال، المثالية المدانة والمدانة وحدها.

رابعاً، “المجتمع المدني” ليس ماهية أوروبية. بداياته قديمة. بل يمكن القول إنه يبدأ في هذا الوطن، في “المشرق” ويبرز مراراً في تاريخنا.

“المجتمع المدني” يتبلور ويطفو ويكتمل في شكل المجتمع البرجوازي الحديث، في أوروبا.

هذه مسألة كبيرة ومتعددة الوجوه، فلسفية وتاريخية. ما هذا المفهوم؟ ما “التباسات” المفهوم والمصطلح بين “مدني” و”برجوازي”، في اللغة (الألمانية ـ الفرنسية، الإنكليزية إلخ)، في الفكر، وفي … الواقع كمنطق وتاريخ، أي كجدل لكائن؟.

إن إنشاء لوحة تاريخنا وتاريخ أوروبا وتاريخ الشرق الآخر وغيره وسيلة كبيرة في هذا القصد. هذا معناه عرض التاريخ ومفهمته، أي مَثْلَنَته أو فَكْرَنته: نظر نظري حيّ.

مقارنة تتخطى فكرة “المقارنة” العادية، مقارنة تعني أن تاريخ الغير هو أيضاً تاريخنا نحن، تاريخنا الفعلي والممكن، خيراً وشراً. وكذلك العكس. من فكرة العمل والتعامل والحق والمساواة والقيمة إلى فكرة الحرب والفروسية والأرستقراطية والشعر وكنز المال، من “حروب الدين” إلى “التسامح” إلى “العلمانية”: هذا موجود في تواريخ كثيرة. تلك جميعاً مفاهيم، مقولات، إذن كليات وكونيات، بالغة الجدية والحقيقة. إنها، مع سواها، دنيا التاريخ المتناقض.

إذاً، المجتمع المدني! ومحور القضية: العمل، التعامل، القيمة، المساواة، الحق، الديمقراطية، كينونة المجتمع ذاتها.. قضية شعب، وليس حكاية مثقفين عن “علمانية” و”دينية”! هذا الثنائي الأخير، جدياً لا حكاية، تابع للجملة، جانبٌ في كلٍ.

إذاً، المجتمع المدني اليوم، لنا، لشعبنا ومجتمعاتنا، وفي راهن عربي عالمي يجب أن يوعى بتمامه! قضية المجتمع المدني هي أيضاً قضية الوحدة القومية، الوحدة العربية.

إذاً، المجتمع المدني! ليس لأنه هو مجتمع الخير والسعادة و”المثل الأعلى” وغاية التاريخ ونهايته.

بل: 1) لأنه الأرقى؛ 2) لأن التاريخ كله ـ بعد ظهور الإنسان العاقل كنوع ـ “يحمل” ـهُ؛ 3) لأنه هدف كبير ومحدد؛ 4) لأنه ضرورة قطعية لنا ويجب أن توعى.

خامساً، المجتمع المدني ليس غاية التاريخ. الراهن الكوني والعالمي يطرح، وبقوة متزايدة، قضية تجاوزه، أي تجاوزه إلى مجتمع أفضل، أقلّ شراً وأنانية ..إلخ، أكثر قابلية لعيش الناس، أو، حسب عنوان كتاب لمفكر معاصر: إلى “مجتمع يعاش معاً”، وحسب ماركس: إلى “المجتمع المؤنسن” أو “الإنسانية الاجتماعية”..إلخ.

هذا التجاوز، الجذري والمناقض، للمجتمع المدني، يرتكز حتماً على محرزه الإيجابي القطعي. لا رجوع إلى الشيوعية البدائية، البربرية، ولا رجوع إلى ما قبله وما دونه كجملة، بل مضي وتقدم. الرجوعات هذه ـ في عصر التقنيات البالغة “ذروة التقدم” ـ كارثة. والخيار قائم! تجاوز = حذف وابقى وتخطى. “التجاوز” بالمعنى الآخر = كاريكاتور قبيحة ومرعبة، وسقوط. هذا راهن فعلي.

المسألة مطروحة عالمياً، في هذا القرن وعلى مشارف انتهائه. الثورات الاشتراكية المعلومة، أو على الأقل المشهودة، بداية وبدايات، في دنيا الآلام والمعقولية. تلك جميعاً، على اختلافها وتضاربها، بخيرها وشرها، بمنجزاتها وأخطائها، بمآثرها ومآسيها.. تجربة كبيرة، ذات قيمة كونية دوماً. كل هذا ممكن، أفضل منه ممكن بالتأكيد، ومنشود. لكن أسوأ منه ممكن أيضاً وبالتأكيد.

لماذا؟ بسبب حالة التخلف؟ لأن الثورات الاشتراكية قامت في الشرق، بدون القاعدة الصناعية والحضارية والثقافية، وـ لنقل ـ بدون “المجتمع المدني” أو “المجتمع البرجوازي” كقاعدة مسبقة.. إلخ؟ أجل، أجل، بالتأكيد.

لكن إذاً، وأولاً، من وجهة نظر الوعي، يحصل هذا على قاعدة مسألة الواقع والهدف، ذاتها. الهدف ليس الواقع. ثمة هوة بينهما، دوماً. وهذه الهوة، المفهومية، لا تنحل في مسافة زمانية للشيء ـ الاقتصاد مع بعض توابعه. هذا واضح وجلي في الحالة الاجتماعية ـ السياسية للغرب: “الشروط الموضوعية” للثورة الناضجة كما يبدو منذ نصف قرن أو أكثر، الثورة الاجتماعية مشروع عتيد. ومن وجهة نظر القبح والبربرية، إن الحربين العالميتين والهتلرية وأشياء أخرى كبيرة في هذا القرن العشرين، ليست كائنة خارج دائرة هذا الغرب الفائق التقدم والمدنية والثقافة، بل هي كائنة، جوهرياً، داخل هذه الدائرة..

المسائل متنوعة، وما يجب أن يدان، قبل أية إدانة، هو: اللاتجرد، إذاً اللا “كل” الجزئية، التمذهب. وبتعبير آخر: ميكانيكا العلموية في خدمة الذاتوية. هذا الموقف الوثني يتخذ أشكالاً مختلفة بل ومتعادية. وهو في الغالب، ما يدعى: التزام. لم لا؟ لكن، بالضبط، هناك التزام نقيض! منه انطلقنا، وكان مبدؤنا مركزاً لدائرة… هذه المجلة مفتوحة بحكم دائرتها.

لقد ركزنا وسوف نركز على الفكر والثقافة، على الفكر العربي، على تطور الفكر الغربي، إلخ، لأن هذا الجانب من التاريخ، بدون أن يكون هو “السبب” و”الأصل” وما شابه، هو الأهم بمعنى ما، هو الأكثر دواماً وراهنية، وـ حين يؤخذ مأخذ الجد ـ فهو الأكثر فائدة للعمل.

لننظر إلى ماضينا وحاضرنا، في الحيثية الآنفة:

من الممكن القول إن “نمط الإنتاج الآسيوي” مثلاً قد اختفى. أو لنقل إن نمط الإنتاج الاقتصادي العباسي والفاطمي ..إلخ قد مضى في “شطره” الأكبر. فالانهيار المغولي، الدمارات التالية، ثم بشكل خاص العصر الاستعماري الغربي وأيضاً العثماني الأخير وصولاً إلى الاستقلال ودوله والعصر الإمبريالي المتقدم، ..إلخ، هذا كله قد غيّر نمط الإنتاج، النظام الاقتصادي، الطبقات، نظام الملكية، ككل وبالأساس والجوهر. الثقافة والفكر، الروح..إلخ، هذا أكثر ثباتاً ودواماً. لنقل إنه اليوم جمع من العباسي والعثماني والراشدي والأموي وما قبل الإسلامي..إلخ. إن القديم الفكري الثقافي والأيديولوجي أثبت وأوقع من القديم الاقتصادي. لماذا؟.

السبب هو التأخر؟ لنقل: “الفكر” متأخر عن “الاقتصاد”. لكن لنضف: إنه، في مثالنا، متأخر جداً عن المذكور، وـ أحياناً ـ متقدم جداً عليه، وعلى كل شيء، طائر إلى الأمام! إذاً لا بد من القول باستقلالية ما، ومهمة، للفكر عن “الاقتصاد”. وبالأصح، لنقل إن ارتباط الفكر كجملة ليس بالنظام الاقتصادي والطبقات، بل بالشروط المادية للكينونة الاجتماعية ككل، ليس بعلاقات الإنتاج، بل بالإنتاج ككل، وبالتالي بنمط الإنتاج ـ مع ـ الطبيعة خارج الإنسان وكإنسان: الإنتاج هو إنتاج وسائل العيش وإنتاج البشر، بقاء واستمرار النوع.

مقولة الفكر، الروح، الوجدان..إلخ، مرتبطة بمقولة العمل، الشغل..إلخ، وهنا ليس فقط فكرة الانعكاس Rerlet (الفكر انعكاس عن الواقع) بل أيضاً فكرة الاستباق Anticipation، إذاً الطابع المفهومي والمثالي أو المثلي، للفكر، الروح، الوعي. الفكر كمفهوم وكحقيقة يتضمن، مع الحاضر، الماضي والمستقبل. هنا قوته. ولا مستوى فكري بحصر المعنى إلا مرتكزاً على مستوى روحي، نفسي.. هذا كله معلن، ومشدد عليه، عند ماركس ولينين، وفي وعي كل مفكر عبر التاريخ، سواء كان نصيراً لنظام الرق أو الإقطاع أو البرجوازية أو لشيوعية القرن الثاني والعشرين، ولا يمتنع عنه ـ عدا عن حفظة الواقع ورجعيي التراث ـ سوى حمقى “المادية” و”الجدلية والتاريخية” من أنصار المعرفة العلمية والنظام الاشتراكي غداً أو بعد غد. هؤلاء يعرفون التشكيلة والشغيلة لكنهم لا يعرفون الشكل و”الشغل”..

وبالتالي إن اهتمام هذه المجلة بالفكر ليس معناه وقصده إهمالاً للاقتصاد، بل أخذٌ للتاريخ كجملة واهتمام بالراهن الفعلي: الفكر مصوب إلى الواقع، التحليل في خدمة “الكل”.

إن فكرة المجتمع لا تنحل في ثنائية اقتصاد وفكر. هذه الكلمات الثلاث يجب أن تكون موضع السؤال! كذلك كلمات ثقافة وحضارة..

في اهتمامنا بالفكر الغربي والعالمي، ننظر بشكل خاص في الماركسية، مسألتها ومسائلها.. إلخ، نظرياً في أعلى مستوى أي في المستوى الأكثر أساسية وابتدائية، وبالارتباط مع مسألة الثورة الاشتراكية في القرن العشرين، مع قضية مصائر الإنسان اليوم، بما فيهما التجربة العربية والعمل العربي.

هنا أيضاً المسائل متنوعة، نظرية وعملية.

هل الماركسية السائدة، الموجودة والفاعلة، الحاكمة والقائدة. إلخ، هل هي ماركسية ماركس ولينين وإنجلز؟ إذاً: بالضبط، ماذا قال هؤلاء؟ سؤال أول لا غنى عنه. باشرناه في عددنا الرابع. هذا بدأناه وهكذا كان يجب أن نبدأ.. يجب أن نتابع.

مادية ومادية فلسفية؟ ما المادية وما المثالية؟ كذلك: جدلية، تاريخية، علم اقتصاد ماركسي، اشتراكية علمية. كل هذه العناوين يجب أن تكون موضوعاً لمراجعة دقيقة. كلها، وبالضرورة، حاملة التباسات.. هذا سؤال تابع للسؤال الأول. لكنه أيضاً يتخطاه في الزمان.

هل الجدل ابتكار حديث نبت في رأس هيغل أو ماركس أو بعض ماركسيي باريس في أيامنا؟ هل هو نتاج لتطور سابق؟ وأي تطور؟ هل هو صفة ملازمة للإنسان، بما هو “الإنسان العاقل”؟ ما معنى عقل؟ منطق؟ ماذا يقول ماركس وإنجلز ولينين؟ وآخرون أياً كانوا؟. فالماركسية ليست مملكة أو نوعاً أو جوهراً قائماً بذاته. الذين فهمومها على هذا الشكل جعلوها لافتة وسحراً وديناً علمياً أو علماً دينياً، وضوحاً، “الوحدة الصخرية”، حتى في المستوى الأيديولوجي والنظري، قد ولّت.

ما شأن الماركسية كتصور وكمنهج ما تاريخنا الأخير، مع تجربة العمل العربي في القرن العشرين؟ .. ما هي مصائر الماركسية في العالم العربي؟ وآثارها على الفكر العربي؟ من الواضح أن هذه الآثار تتخطى كثيراً دائرة مجموع الذين يرفعون رايتها أو لافتتها.

هل الماركسية لا تصلح للعالم الثالث؟ للعرب؟ هل هي تصلح لكندا، فرنسا، بولونيا، الاتحاد السوفييتي، الصين، فيتنام..إلخ؟ أية ماركسية؟ هل “نجحت” هنا و”فشلت” هناك؟ ما معنى “فشل” و”نجاح”؟ ما هي المذاهب غير “الماركسية” التي نجحت؟. ماذا يريد وينشد السائلون عن نجاح الماركسية وفشلها؟ ما تصورهم للإنسان، الوطن، المصير والمستقبل؟ هل لديهم تصور؟ هل نحن أو سوانا من الشعوب في غنى عن تصور؟.

حين أقول “تصور”، فإنني أقصد شيئاً أكثر من بضعة أفكار ومن مجموعة أفكار. إن صاحب أصغر حرفة يتسلّح، في شغله المحدد، بما هو “أكثر من” بضعة أفكار أو مجموعة أفكار. إنه يتسلح بفكرة أو صورة أو تصور، إلخ، أي بشيء هو وحدة! التغيير المطلوب يختلف جوهرياً عن حرفة تتعامل مع المادة، لكنه عمل.

الأسئلة عديدة. الماركسية في السؤال. الجميع في المغطس. بمعنى ما، السؤال واحد. مسائل الماركسية هي مسائل العالم. لكن هذا معناه قبل أي شيء. وبالنسبة للوعي الماركسي أولاً: يجب على هذا الوعي أن يدرك أن المبتدأ هو العالم.

هذا يفرض دراسة الماركسية من وجهة نظر مفهومي الأيديولوجيا والمعرفة، أو بالأصح من وجهة نظر العمل والمعرفة والأيديولوجيا.

هذا يفرض دراسة مسألة الفكر، أمام الكائن، على جسر العمل وفي اتجاهه.

هذا يفرض دراسة مسألة المنطق “الجدل” والثورة “التاريخ” والديمقراطية “الشعب كذات”.

في اعتقادي، ثمة افتراق في الأساس بين مذهبين في الفكر: المذهب الجدلي والمذهب الوضعي. وثمة افتراق في الأساس بين الديمقراطية والليبرالية. وليس هناك قضية أخطر من هذه القضية المزدوجة بالنسبة للفكر العربي، لا سيما التقدمي، وبالنسبة للمفكر الماركسي العالمي، في الوقت الحاضر. كلاهما، بوجه عام، بعيدان عن الجدل وعن الديمقراطية.

هذه مسائل يجب أن نواجهها. إنها بآن معاً صلب النظرية والتاريخ. وليس الراهن العربي خارجهما.

هل من داع لأن أقول إن مسألة “المذهب الوضعي أو الإيجابي” مطروحة في عدد من الإسهامات الثمينة التي حظيت بها هذه المجلة خلال عامها الأول؟ بفضل هذه الإسهامات الضاربة، بات القارئ يعرف أن المسألة ليست بعيدة عن تاريخنا وحاضرنا، بل بالعكس تماماً! وعلينا الآن أن نستأنفها من بداياتها وأسسها النظرية، أن ندرسها في جميع جوانبها، أن ننظر إلى تاريخنا الأخير من وجهة نظر العمل الذي صار تجربة للعبرة والاعتبار… وباختصار أن ندرسها دراسة مبدئية منهجية ومصممة. أعتقد أننا لن نكون الوحيدين، إن آخرين سيدخلون الموضوع. الخيار بين الوضعوية كأوروبوية والتراثوية كهوية مزعومة خيار باطل. في رأيي، التراثوية شكل للوضعوية ويستخدم الشكل الآخر..

لتكن المرحلة المقبلة مرحلة مراجعة عامة في جميع المستويات. على هذا يجب أن نحرص! والمبدأ للمراجعة هو المبدأ الذي انطلقنا منه: وعي الذات، تجرد الوجدان، شرطاً لوعي العالم. وبمفردات العمل الإنساني: الالتزام كله، كل الالتزام ضد تناثر “الالتزامات”.

لنقل إن هذه القضية تتخطى كثيراً ما يسمى “الماركسية”. وفي رأيي: بدون هذه القضية، إن الماركسية تفقد ذاتها كماركسية. لكن بدونها أيضاً، لن يكون هناك، أولاً وأخيراً، وعي عربي لشعب عربي.

هذا ما أردنا أن نقوله في “معالم مشروع نقد وتجديد”…

ــــــــــ

(مجلة الواقع. عدد خاص ـ بيروت 1982)

……………………………………………….

الفهرس:

مقدمة المحرر ……………………………………………………….… 5

الفصل الأول: نقد الكلمات وتحرير المفاهيم والمقولات ………………….. 15

ـ الثنائيات الفلسفية ………………………………………………..…….17

1 ـ مفهوم المادة ……………………………………………….. …….19

2 ـ المادية والفلسفة المادية ……………………………………….…….27

3 ـ مفهوم الشكل ومبدأ التشكل ………………………………………….38

4 ـ الروح من المفهوم الشعبي إلى المفهوم الفلسفي .…………………….42

5 ـ الإيمان والإيمان الديني أو الإيمان الحسي والإيمان العقل…………… 50

6 ـ فكرة الله تؤسس سمو القانون ……………………………… .…….52

7 ـ مثلنة الإنسان …………………………………………… ……….57

8 ـ التكفير يهدم التفكير ……………………………………….. …….58

9 ـ المطلق الأخلاقي أساس كل مطلق …………………………. …….64

الفصل الثاني: المادية والمثالية ……………………………….. .…….69

1 ـ مآثر المثالية أو دفاعاً عن العقل …………………………… …….73

2 ـ الصفة الأفرادية للواقع …………………………………… .…….78

3 ـ نقد الحلولية …………………………………………….. ..…….82

4 ـ دفاعاً عن الشر، دفاعاً عن الحد والمعقولية ………………….…….85

5 ـ العلم والأخلاق ……………………………………………..…….97

الفصل الثالث: “بذرة الديالكتيك: الاستلاب والاغتراب ……………..…99

الفصل الرابع: الانحطاط ـ النهضة ـ عبد الناصر والناصرية…………. 115

1 ـ مفهوم الانحطاط وتجلياته ……………………………….. …….118

2 ـ وجود العدم وعدم الوجود ……………………………………….120

3 ـ فكرة النهضة …………………………………………… …….125

4 ـ رهان الحداثة …………………………………………… …….127

5 ـ تسييس الشعب …………………………………………..…….133

6 ـ نقد وتأسيس ……………………………………………..…….136

الفصل الخامس: إعادة إنتاج مقولات عصر النهضة وتعميقها ……… 149

1 ـ الحرية هي وعي الضرورة … والاختيار ……………….…….152

2 ـ قاموس دلالي ـ تاريخي ……………………………………….163

3 ـ المرحلة ومفاعيل الزمن ………………………………..…….168

4 ـ سمو الدولة …………………………………………….…….173

5 ـ الاستلاب الناجز هو نزع ملكية ناجز …………………….….180

ملحق أفكار ومسائل للفكر العربي ………………………..…….189

………………………………….

** كتب المفكر الراحل هذه المقالة افتتاحيةً للعدد الخامس من مجلة الواقع، وحال انفجار الحرب الأهلية اللبنانية دون صدور العدد في موعده، واضطر الياس مرقص إلى مغادرة بيروت. وظل يظن أن هذه المقالة قد ضاعت، وقد أشار إلى ذلك في حديثه ص 45. لذلك رأيت من المهم إثباتها ملحقاً بهذا الحوار.

……………………………………………………………..

انتهى الكتاب…

التعليقات مغلقة.