الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

مظلومية الضبّاط السنّة في القوات المسلحة السورية: ضبّاط الدرجة الثانية

أحمد عيشة *

خصّ الكاتب الأستاذ (هشام بو ناصيف**) الترجمة العربيّة في الجمهورية بالمقدمة التالية:

عرفت دراسة العلاقات المدنية–العسكرية في العالم العربي ازدهاراً ملحوظاً قبل عقود، حيث نُشِرَت أبحاثٌ مهمّة عن الأدوار السياسية للضبّاط العرب، من أبرزها مساهمات أنور عبد الملك، حي.سي. هورويتز، واليعازر بيري. شكلّت الانقلابات العسكرية آنذاك محور السياسات العربية ومحطّ اهتمام الباحثين، وترافقَ تراجعُ الانقلابات في العالم العربي مع نضوب الاهتمام البحثي بجيوشه، التي اختفت بشكلٍ شبه تام عن الرادار الأكاديمي لعقود. ثمّ كانت الحركات الشعبية العربية عام 2011، وبدا بما لا يقبل الشكّ أن دور الجيوش محوريٌ في مساراتها ونتائجها. تحرّك الاهتمام الأكاديمي مجدّداً بالجيوش العربية، ولكن الثغرة المعرفية التي خلفتها عقودٌ من الإهمال كبيرة، ولن تُغلَقَ عمّا قريب.

عندما تتحدّى حركاتٌ شعبيةٌ أنظمةً سلطوية، وتفشل قوّات الشرطة في قمعها، تصبح الجيوش خطّ الدفاع الاخير عن الستاتيكو. أحياناً، تلبّي الجيوش نداء الحكّام فتخسرُ الثورة لا محالة، بورما في العام 1988 والصين في العام 1989 نموذجاً. أحياناً أخرى، يتخلّى الجيش عن الحاكم فيسقط، الفيليبين في العام 1986 وأندونيسيا في العام 1999 نموذجاً. وأحياناً أخرى أيضا ينقسم الجيش على نفسه إذ يبقى جزءٌ منه في صفّ الموالاة، فيما ينحاز آخر إلى المعارضة في تمرينٍ أوّليٍ على حربٍ أهلية تأتي بعد ذلك بسرعة، هذا ما جرى في ليبيا واليمن 2011.

يعني ذلك أن مسار الحركات الشعبية يحدّده موقف الجيوش منها، وليس صدفة أن التحوّل الديموقراطي الوحيد المحققّ حتى الآن إثر الربيع العربي، قصدت به تونس، جرى على خلفية تمنّع الجيش التونسي، لا فقط عن نصرة نظام بن علي، بل أيضاً، عن تهديد بدايات التجربة الديموقراطية التونسية الوليدة، وإن كانت متعثرةً ومشوبةً بالاحتقان السياسي بين الإسلاميين وخصومهم.

من منظارٍ مقارن، هناك مسألةٌ جوهرية تستحقّ التفكير هي التالية. تشابهت الحركات العربية في كلّ شيء، وحتّى في شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» الذي حملته كلّها. مع ذلك، أفضت الى نتائج مختلفة بشدّة: تونس أنجزت تحوّلها الديموقراطي؛ في البحرين صمد الستاتيكو السلطوي؛ في مصر اهتزّ النظام ولم يقع، بل عاد بأسوأ مّما كان؛ أمّا سوريا واليمن وليبيا فغارقة في حروبٍ أهلية تطرح أسئلة جديّة حول قابليتها للحياة ككيانات موحّدة. دور الجيوش محوريٌ في كلّ ذلك؛ لو تصرفّت الجيوش العربية الأخرى كما الجيش التونسي لكان المشهد العربي اليوم مختلفاً جذرياً.

لذا لا بدّ من إعادة طرح مسألة العسكر في العالم العربي على بساط البحث. الحالة السورية مثيرةٌ للاهتمام بشكلٍ خاص على ضوء كلّ ما جرى ويجري في سوريا منذ العام 2011 حتى اليوم. وقد أتاح انشقاق عددٍ وازنٍ من الضّباط السنّة عن نظام الأسد خلال السنوات الماضية، فرصة الحصول على معلوماتٍ كانت سابقاً غير متاحة عن الجيش السوري. هذه الدراسة نُشِرَت بالإنكليزية في «جورنال أوف استراتيجيك ستديز»، عدد أغسطس/آب 2015. تستفيد الدراسة من بحثٍ ميدانيٍ مكثف لسبر المسألة الطائفية في سلك الضباط السوريين، وقد ركزت عليها لمحوريتها. ومن خلال سلسلة من المقابلات أجريتها خلال صيف 2014، بحثتُ في الجذور المسببة لمظلومية الضباط السنة، وغربتهم عن نظام الأسد.

*****************************************************************

انتشرت دراسات عدّة في السنوات الماضية لتسلّط ضوءاً جديداً على الدور السياسي للقوات المسلحة العربية، بعد أن أعاده الربيع العربي إلى الضوء[1]. لا تزال الدراسات الجديدة تعاني من مشكلتين اثنتين: الأولى، التركيز شبه الحصري على الجيش المصري، وإهمال معظم الجيوش الأخرى التي لا نعرف عنها الكثير حتى الساعة، الجيش السوري نموذجاً.

ثانياً، يبقى البحث الميداني عن الجيوش العربية نادراً2. هذه الثغرة يمكن فهمها في ضوء الصعوبات التي يواجهها الدارسون عند محاولة الحصول على معلومات عن المؤسسات العسكرية، ويسعى هذا البحث للمساهمة في ملئ الفجوة المعلوماتية بما يتعلق بالجيش السوري، حيث أركّزُ تحديداً على مظلومية/شكاوى الضباط السنّة فيه.

إن تمتّع الضباط العلويين بمعاملة خاصّة في الجيش، من المسائل المتوافق عليها في الكتابات حول سورية. على سبيل المثال، يقدم عمل نيكولاس فان دام سرداً تفصيلياً عن دور الولاءات الطائفية في الجيش السوري. انقلاب البعث 1963 فتح باب الصراع بين الضباط السنة والضبّاط المنحدرين من خلفيات طائفية أقلوية، وبعد تحطيم قاعدة السلطة السنية في الجيش، فتحَ التخلص من الضباط الدروز في العام 1966 الباب لسيطرة العلويين، بالرغم من الصراع العلوي الداخلي على السلطة بين مؤيدي الجنرالين حافظ الأسد وصلاح جديد.

يسبر تحليل فان دام كيفية أن الولاءات الطائفية والمناطقية والقبلية تتداخل وتدعم بعضها، وبالتالي تحدّد الولاءات السياسية للضباط المنحدرين من الأقليات الســـــورية المغلقة (العلويون والدروز على سبيل المثال)3. كما يوضح عمل حنّا بطاطو حول سورية أن من بين 31 ضابطاً عُينوا من قبل حافظ الأسد لقيادة القوات المسلحة السورية بين 1970 و1997، كان هناك ما لا يقلّ من 61.3% من العلويين. يزعم بطاطو أن تقوية الانقسام الطائفي في سورية في السبعينات، على خلفية تكثيف الصراع بين الأخوان المسلمين ونظام الأسد، إضافة للتدخّل غير المؤيد شعبياً للأخير في لبنان، زادَ من اعتماد الأسد على أقربائه وأبناء طائفته، ممّا كثف الطبيعة العلوية لنظامه4. كذلك أصدر كل من إيال زيسر، ميخائيل إيشنتادت، وجيمس.ت كوينلفان، دراسات تقريرية سلطت ضوءاً إضافياً على سياسات التحيّز الطائفي في الجيش السوري5.

تشكّل هذه الدراسات خلفيةَ بحثي حول تشكيلات الضبّاط السوريين، لا تبتعدُ مقاربتي الأساسية حول سياسات الاستقطاب الطائفي في الجيش عن الأبحاث القيّمة المذكورة أعلاه، ولكن مستوى التحليل مختلفٌ. بينما تسبرُ الدراسات السابقة الديناميكيات الماكروية للسياسات السورية، وبالتحديد الانقلابات ودور النخبة العسكرية في الصراع على السلطة، ركّزتُ أنا على الديناميكيات الميكروية ضمن تشكيلات الضبّاط. لا جدال طبعاً أنه كان لاستخدام الهويّات الطائفية وتكثيفها دورٌ مركزيٌ في استراتيجية عائلة الأسد الحاكمة للحفاظ على السلطة، ولا ضرورة بحثية تالياً لإعادة اكتشاف ما نعرفه على المستوى الماكروي. ولكن هناك أسئلةً على المستوى الميكروي لا تزال تحتمل التمحيص. مثلاً: كيف تؤثر سياسات التمييز الطائفي على المسار المهني والافكار السياسية للضباط السوريين؟ واستطراداً، كيف جذرّت خمسة عقود من التمييز الطائفي الفاقع المظلومية السنية في الجيش السوري؟ وكيف أثّرت علونة الجيش على العلاقات بين الضبّاط السنّة والضبّاط العلويين؟ ثمّ كيف يؤثر كلّ ذلك على الفعالية العسكرية للجيش السوري وأدائه الميداني/القتالي؟ هذا البحث محاولةٌ لتقديم أجوبة.

مراجعة الورقة والمساهمة النظرية:

لقد لاحظ دارسو سياسات الهويّة «Identity Politics» أن الانظمة الأوتوقراطية تعمدُ إلى استخدام الهويات الطائفية، في إطار سياسات البقاء والاستئثار بالسلطة. عندما ينجح الحاكم بإقناع جماعة عرقية أو دينية ينتمي إليها أن استمرار حكمه ضمانٌ لها، يقللُّ الرابطُ التضامني بين الحاكم وملّته من احتمال أن ينقلب الضبّاط الذين يشاركونه الخلفية العرقية أو الدينية عليه، سيّما إن كان سقوط حكمه يفتح الطريق لوصول حكّام من مجموعات أخرى يُنظر لها على انّها معادية6.

يلاحظ تيودور ماك لاوشلين مثلاً أن الضباط المستفيدين من سياسيات التمييز الطائفي، يعلمون أن سقوط النظام الذي يحميهم ينطوي على إمكانية أن يُطهروا/يُبعدوا عن الجيش، وبالتالي فالإمساك بالوضع القائم يصبح مسألة مصلحةٍ ذاتيةٍ لهم7. بالإضافة إلى ذلك، وبعيداً عن الاعتبارات المهنية المصلحية، فإن الضباط الموالين، ربما يكونون مقتنعين بأن نجاة مجموعتهم الجسدي، أو دورها السياسي سيكون في خطر، في حال سقوط الستاتيكو. ومتى صعّدَ المعارضون تحركَّهم ضدّ النظام وهدّدوا استمراريته، فإن المخاوف والكراهيات المشتركة تسهّل مساعي المستبدين لتأطير وتوصيف المحتجين كـ«الآخرين»، وبأنهم عملاءٌ لسلطات الأجنبية، وأعداء لا للنخبة الحاكمة فحسب، بل للجماعة الطائفية التي تنتمي اليها ككلّ وبذاتها. بهذا يصبح الدفاع عن النظام بمثابة دفاعٍ الجماعة عن ذاتها، وهذه النقطة بالتحديد تفسّر لماذا أثبت سياسيات التحيّز الطائفي مراراً فعالية تكتيكات الإنحيازات الطائفية في الجيوش، أي فعالية تزاوج العسكريين مع الأنظمة غير الديمقراطية. إن مظلوميات الضباط التي تعود لدوافع مؤسساتية «Corporatist» قد كانت القضية المركزية في عمل دارسين مهمين، بمن فيهم إريك نوردلينغر ورومان كولكوفيتز وتيموثي كولتون8.

بالمقابل، المظلوميات المتمحورة حول الطموحات الذاتية/المهنية للضبّاط، لم تُعطَ حقها في دراسات الانقلابات، ربما لأنها أقل قابلية للفحص، ولان الضبّاط غالباً ما يموّهون الدوافع الذاتية/المصلحية لحركتهم السياسية تحت ستار الدفاع عن الجيش كمؤسسة، (عمل صاموئيل ديكالو حول الانقلابات الإفريقية استثناءٌ جديرٌ بالملاحظة والاحترام)9.

إن دراسة طومسون اللامعة حول مظلومية صانعي الانقلابات، أوضحت أن معظم الانقلابات قد أشعلها مزيج من الشكاوى المؤسساتية المشتركة بما يخصّ حاجات الجيش التنظيمية. مثلاً الميزانية والاستقلالية والتماسك، والشكاوي المهنية المتركزة على الطموحات الشخصية للضباط الانقلابيين10.

تختلف المقاربتان في مستويات التحليل: نظرية المظلومية المؤسساتية تدرس الانقلابات من وجهة نظر الجيش كمؤسسة، بينما تركّز نظرية المظلومية المهنية على الدوافع المصلحية الأنانية لصانعي الإنقلاب. ومع ذلك، بالرغم من هذا الاختلاف، فإن كلا المقاربتين تنتميان للمدرسة المادية لدراسات العلاقات العسكرية–المدنية، وتساهمان في سطوتها المستمرة.   أحاججُ بأن المقاربتين، المؤسساتية والمصلحية، للعلاقات المدنية-العسكرية تقللان من أهمية العوامل غير المادية، مثل الأيديولوجيا أو الشعور بالمظلومية الدينية، في تحديد المواقف السياسية للضباط من الأنظمة الحاكمة، ومن بعضهم بعضاً. كما أحاججُ أنه ينبغي دراسة العوامل المادية وغير المادية على السواء، لفهم السلوك السياسي للضباط في الأنظمة الأوتوقراطية.

مخطط البحث:

ترتكز هذه الدراسة على عدة مقابلات مُركَّزة أجريتها في أيار وحزيران وتموز 2014، مع ضباط سنة سوريين كانوا قد انشقوا عن الجيش في 2012 و2013. عدا جنرالٍ واحدٍ متقاعد، كل مقابلاتي كانت مع ضباط عاملين حتى لحظة قرروا القطيعة مع النظام السوري. أجريت مقابلاتي في بلدتين تركيتين واقعتين على الحدود السورية، أنطاكيا والريحانية، كلتاهما قد أصبحتا مراكز رئيسية للاجئين السوريين منذ بداية الثورة في 2011. من بين الضباط الـ24 الذين قابلتهم، ثلاثة برتبة عميد، خمسة برتبة عقيد، أربعة برتبة مقدم، أربعة برتبة رائد، خمسة برتبة نقيب، وثلاثة برتبة ملازم أول.

إن رجحان الضباط العاملين في التدريس ضمن الأكاديميات العسكرية السورية، ومدرسة الإشارة والدفاع الجوي، يعكسُ حقيقة أن قلّة من الضبّاط السنّة يُعيّنون في مراكز ميدانية/قتالية ضمن الجيش، ويتاح لعددٍ أقلّ بعد الانضمام لفرق النخبة العسكرية، مثل الفرقة الرابع المدرعة أو فرقة القوات الخاصة.

دامت كل من المقابلات التي أجريتها في تركيا من ساعتين إلى خمس ساعات، ولا يوجد هناك اختلافٌ كبير بين الذين قابلتهم من حيث العمر والرتبة، حيث كان معظمهم ضباطاً صغاراً ومتوسطين. إن تجانس عينتي من تلك الزاوية يعكسُ حقيقة أن قلّة من الضباط السنة يُرقّون إلى رتبٍ أعلى في الجيش السوري، ومعظمهم يتقاعدون قبل أن يصلوا إلى رتبة عميد، ويصل عدد ضئيلٌ من الضباط السنة الى رتب لواء وما فوق. إضافة إلى أن عدداً قليلاً من هؤلاء السنة الذين وصلوا إلى رتبٍ عليا في القوات المسلحة انشقوا، وبالتالي فإن عينة الضباط السنة الذين قابلتهم كانت متماثلةً نسبياً فيما يخص المراكز في تراتبية الجيش، والعمر (أواخر العشرينات حتى أواخر الثلاثينات ومتوسط الأربعينات)، والوضع في تراتبية الجيش.

الخط الفاصل بين المدينة والريف، وهو فالقٌ محوريٌ تقليدياً في السياسات السورية، غير هامٍ ضمن سلك الضباط، حيث ينحدر أعضاؤه بشكل ساحق من الريف، بصرف النظر عن الانتماء الطائفي. ادّعى الذين قابلتهم بأنهم كانوا على علم بسياسات التمييز الطائفي المعادي للسنّة في الجيش قبل انضمامهم للخدمة العسكرية، وبرغم ذلك فقد التحقوا بسلك الضباط لأنه يَعِدُ الشباب الريفيين بشيءٍ من الارتقاء الاجتماعي في الحياة الخاصة، أو على الاقلّ هكذا أملوا.

الضباط السنة في الجيش السوري، جذور المظلومية:

إن جذر السخط لدى الضباط السنة في الجيش السوري ثلاثي الأبعاد: مهنيٌ ومؤسساتيٌ وعقائدي. أولاً، يشتكي الضباط السنة من المعاملة التفضيلية لزملائهم العلويين، فكلّ من قابلتهم عبّروا عن سخطٍ عميق على ما هو واضحٌ من تمييز ممنهج معادٍ للسنة في المؤسسة العسكرية. ثانياً، الضباط السنة حانقون نتيجة إهمال مصالح الجيش كمؤسسة، مما يتناقض بحدّة مع الجهود المبذولة لتزويد الوحدات العلوية المسؤولة عن أمن النظام بكلّ ما يلزمها، بما يضمن تفوّقها على وحدات الجيش النظامي لجهة التدريب والعتاد. ثالثاً، يشتكي الضباط السنّة من فرض منظومةٍ أخلاقيةٍ عليهم يرونها معاديةً لتعاليم الإسلام، مثل الضغط عليهم لمعاقرة الخمرة، وتحذيرهم من مراودة الجامع للصلاة فيه، خشية الوقوع تحت مجهر المخابرات المخيفة. أضف أن تحالف النظام مع إيران على خلفية النزاع الشيعي السني المتفاقم في الشرق الأوسط، يزيد من شكوك الضباط السنة، الذين ازدادت قناعتهم في العقد السابق لـ2011 بأن الخطاب الأيديولوجي للنظام قشرةٌ تخبئ طبيعته ودوافعه الطائفية.

المظلومية المهنية للضبّاط السنة:

حتى بداية السبعينات، احتفظ السنة بحضورٍ معقولٍ في سلك الضباط السوريين. أجريت أولى مقابلاتي مع عميدٍ متقاعدٍ انضم للأكاديمية العسكرية في 1970، قال إن نصف زملاء دفعته كانوا من السنّة11. بعدها، تكثّفت سياسات العلونة، لا سيّما بعد الهجوم على طلاب الضباط العلويين من قبل الميليشيات الإسلامية المتشددة في مدرسة المدفعية في حلب، وكذلك في أعقاب مجزرة حماة12.

منذ بداية الثمانينات صار العلويون حوالي 80-85 % من كل مجموعة متخرجة من الأكاديمية العسكرية13، وهذا يعني أن سياسات التمييز الطائفي  لنظام الأسد قد منعت  الثقل الديمغرافي السنّي من إعادة توليد نفسه في تشكيلات الضباط. الشكوى الأساسية للضباط السنة واضحةٌ وصريحة: التحيز الطائفي ضدهم يبقيهم إمّا خارج الأكاديمية العسكرية، أو في مراكز عسكرية هامشية فيما لو أُتيح لهم الدخول الى سلك الضباط.

تنقسمُ الاكاديمية العسكرية السورية إلى إحدى عشرة إدارة، أكثرها أهميّةً كليات المشاة والمدفعية والمدرعات14. إن الدخول إلى تلك الكليات مرغوبٌ من تلامذة الضبّاط، لأنها تزوّد الجيش السوري بالنخبة القيادية العليا فيه، فالضبّاط أصحاب المناصب العليا كآمري الفرق والفيالق، ينحدرون بشكلٍ كبير من المشاة والمدفعية والمدرعات15. هذا لا يعني أـن كل خريجٍ من تلك الكليات يضمن بالضرورة مركزاً مستقبلياً بارزاً، لكن الأكيد أن حظوظ خريجي الكليات الأخرى بالوصول إلى المراكز القيادية في الجيش أضعف بكثير. جديرٌ بالملاحظة هنا أن تلامذة الضباط لا يختارون تخصصهم بأنفسهم، ثمّ إن العلامات أو الكفاءة العملية ليست ذات أهمية في تحديد من يدخل إلى كليات المشاة والمدفعية والمدرعات. ببساطة، تقرّر قيادة الأكاديمية العسكرية أي ضابطٍ سيلتحق بأي كليّة في المدرسة الحربية، ومن نتائج هذا النظام أن كل دفعة تدخل إلى الكليات المميزة الثلاث، تتأّلف كل سنة من نسبة 90% من العلويين16. تلامذة الضبّاط من غير العلويين يوزعون بين مدارس أخرى، بغض النظر عن إنجازاتهم العلمية.  يثبّت هذا التكتيك السيطرة العلوية على المراكز القتالية الهامّة في الجي، ويبقي غير العلويين في حالة دونيةٍ دائمة.

تستمرّ السياسات التمييزية بعد التخرج، يفضّلُ الضباط عادةً أن يخدموا إما في أقسامٍ غير قتالية مثل وكالات المخابرات، والأقسام الادارية، أو في وحدات قتاليةٍ خاصة، مثل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة17، والقوات الخاصة، والقوات الخاصة الجوية (الفرقة 14 إنزال جوي)18.

تلك الإدارات هي وجهات مفضّلة لثلاثة أسباب: الأول هو الميزات المالية، وهذا صحيحٌ خصوصاً في وكالات المخابرات، حيث يقدم السياسيون ورجال الأعمال مكافآتٍ كبيرة لضباط المخابرات الذين بدورهم يؤمنون لهم الحماية19.

هذا ويحصل الضباط المعينون في المخابرات على بيوتٍ مجانية وسياراتٍ جديدة، وفقاً لعقيدٍ مدرسٍ سابقٍ في أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية: «إن حلم أي ضابطٍ هو أن يُقبَلَ في سلك المخابرات بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية، الناس غير المتآلفين مع سورية ربما يكون لديهم صعوبةٌ في فهم أهميّة حصولنا على السيارات والمنزل المجاني. الحال أنه يمكن أن يقوم ضبّاط الجيش بتوفير رواتبهم لسنوات دون أن يتمكنوا من شراء سيارة، دع عنك شراء منزل. ولذلك فإن الميزات الممنوحة لضباط المخابرات فيما يخصّ السيّارة والسكن هامّة جدّاً. حتى تكون قادراً على الزواج وتستقرّ، تحتاجُ أن تتملك شقةً وسيارة، وضباط المخابرات لا يتوجب عليهم القلق بخصوص ذلك، بينما علينا نحن أن نعاني ونقلق»20.

ثانياً، الضباط في الإدارات العسكرية يمكنهم أن يصبحوا أغنياء، كونهم يمسكون بالأمور التجارية للقوات المسلحة فيما يتعلق بصفقات السلاح والطعام والحاجيات الأخرى. هؤلاء الضباط لديهم الحرية ليقوموا بصفقات مع المزودين عبر الرشوة والسمسرة من ذلك21.

كذلك الضباط في وحدات القتال الخاصة لديهم العديد من الامتيازات، فهم أيضاً يحصلون على سياراتٍ جديدة وسكنٍ مجاني، بالإضافة إلى شعورهم بالاعتزاز والتفوّق بصفتهم «رجال بشار» (الحرس الجمهوري)، أو «رجال ماهر» (الفرقة الرابعة المدرعة)22، فيمكنهم بسهولة الحصول على قروض بنكية وأي خدماتٍ أخرى من المؤسسات العامة23.

 على مستوىً آخر، فإن الخدمة في وكالة المخابرات أو الأقسام الإدارية، يبعد هؤلاء الضباط عن صعوبات الحياة العسكرية. الوحدات الخاصة القتالية والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة تواجه بعضاً من تلك المصاعب، ومع ذلك هي تنتشر في دمشق، العاصمة السورية، حيث الخدمة أفضل بكثير منها على الحدود أو في بادية الشام.

أخيراً وببساطة، إن الأمر أكثر هيبةً أن تكون ضابطاً في وكالات المخابرات، أو في وحداتٍ قتاليةٍ خاصة، من أن تكون ضابطاً في إحدى الوحدات العادية. الضباطُ في تلك الأقسام المميزة يدركون أنهم ينتمون إلى «نادي سادة البلد»24.

يخسرُ الضباط غير العلويين المنافسة للانضمام إلى الأقسام المتمتعة بالمزايا المذكورة أعلاه في الجيش، صحيحٌ أن التحيّز الطائفي في سورية يشمل كل القطعات في الجيش، بمعنى أن الضباط العلويين يشكلون الأكثرية في كلّ وحدات القوات المسلّحة، ولكن الهيمنة العلوية فاقعةٌ بشكلٍ خاصٍ في وكالات المخابرات والوحدات القتالية الخاصة، وإلى حدٍّ أقل في الوحدات الإدارية.

تحديدا، التحيز الطائفي واضحٌ بشكلٍ خاص في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة والمخابرات الجوية والأمن العسكري. وأن تكون تلك الوحدات صاحبة امتيازات هو أمرٌ غير مدهش إذا فهمنا أهميتها لحماية النظام، لكن طبيعتها الطائفية تُفاقم الاستياء بين غير العلويين، وبكلماتٍ أخرى لنقيبٍ انشقّ عام 2013: «مسموحٌ للسنّة في القوات المسلحة أن يشغلوا فقط المراكز التي لا تهم العلويين، المكان الوحيد الذي أعرفه في القوى الجوية حيث يوازي عددُ السنة عددَ العلويين، وربما يفوقه، هو مطار التيفور العسكري القريب من الحدود العراقية. تبعدُ هذه القاعدة 90 كم عن حمص بعيداً في الصحراء، إنها واقعةٌ في أكثر الأماكن عزلةً، في مناطقَ سوريةٍ منسيةٍ حتى من الله، أي أنها مهجورةٌ بالمطلق، هناك حيث يُرسل السنّة كي يخدموا في القوى الجوية. وما هو صحيحٌ حول القوى الجوية صحيحٌ أيضاً حول سلاح المشاة، الأكثر خطورة من وجهة نظر أمن النظام»25.

وصبَّ تعليقٌ لرائدٍ منشقٍّ آخر في الاتجاه نفسه:

«الخدمة الأقل جذباً في القوات المسلحة هي ألوية الدفاع الجوي، حيث تتوزّع قواعد الدفاع الجوي فوق كل التراب الوطني، بعضها في الصحراء أو في مناطق بعيدة على الجبهات، لا أحد يريد أن يخدم هناك. وعلاوةً على ذلك، الضباط والجنود الذين يخدمون في الدفاع الجوي يجب أن يبقوا يقظين دائماً، فهم ينالون إجازات أقلّ من أي ضابطٍ أو جنديٍ آخر.

إن عدد السنّة الأكبر في الدفاع الجوي يشيرُ إلى الكثير حول وضعنا في القوات المسلحة، حيث يشكل السنّة أقلّ من 15% من تشكيلات الضباط، ومع ذلك يمسكون بكلّ العمل الشاق، لأنهم يحتاجون بشكلٍ دائمٍ إلى أن يثبتوا جدارتهم في أماكن عملهم كي يترقّوا، بينما على العكس بالنسبة للعلويين، فهم مقبولون في الكلية العسكرية لأهداف أمن النظام. لا يتوجب على العلويين أن يبذلوا مزيداً من الجهد حتى يترقّوا، فهويتهم الطائفية تكفي»26.

ثلاث نقاط إضافية من النزاع تتعلق بأن المنافسة على بعثات الدراسة خارجاً، وعلى الترقيات، تفاقمُ من مظلومية الضباط السنّة. حافظت القوات المسلحة السورية على علاقاتٍ ودية مع الجيوش الروسية والإيرانية والمصرية، كون مجموعة من الضباط السوريين قد درسوا وتلقوا أو نالوا درجات تعليمية متقدمة في موسكو وطهران والقاهرة.

المنافسة على التشكيلات للدراسة في الخارج شديدة، لأن الضابط المبتعثَ ينال تسهيلات عديدة. مثلاً، يحصل بشكلٍ ملحوظ على راتبٍ أفضل خلال فترة البعثات الخارجية، الأمر الذي يعطي للبعثات الخارجية جاذبيةً خاصة. إن مكتب شؤون الضباط وهيئة التدريب تختارُ المرشحين للبعثات التدريبية، وكلا المكتبين مسيطرٌ عليهما من العلويين، ويستاءُ منهما بشكل خاص الضباط السنّة الذين يدّعون بأن كلا المكتبين مسخران لامتيازات العلويين، بصرف النظر عن الإنجازات الأكاديمية الفعلية27.

ومن ناحيةٍ أخرى، إن كانت الترقيات أوتوماتيكية في المناصب الصغيرة والمتوسطة، فإن الأمر يختلف في الرتب العليا من عقيدٍ وما فوق. الضباط العلويون متميزون على غيرهم على مستوى الترقيات، وخصوصاً أولئك ممن لهم صلةٌ بالنخبة السياسية. هذه القضية محبطةٌ جداً للضباط السنة المتوسطين، حيث يخدم كثيرون منهم دون ترقية لمدّة عقدٍ من الزمن أحياناً، ويكونون قد وصلوا بعد هذه المدّة إلى سنّ التقاعد28.

أخيراً، يتشكّى الضبّاط السنّة من أن القلة منهم الذين وصلوا إلى المراكز المتوسطة أو العليا، لا يحصلون على النفوذ الذي يترافق عادةً معها، إن التأثير الحقيقي في الجيش هو بأيدي الضباط العلويين، ووكالات المخابرات ذات الهيمنة العلوية. فالجنود الذين يحتاجون إلى إذن مغادرة أو يرغبون بالنقل من لواءٍ أو وحدةٍ إلى أخرى، يطلبون من ضباطٍ علويين المساعدة وليس من الضباط السنّة، لأنهم يعرفون أين تكمن السلطة الفعلية في الجيش29.

ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ بأن الإجماع بين كل الذين قابلتهم، هو أن المعاملة التمييزية ضد الضباط السنّة اشتدت على عهد بشار، أي أنها صارت أكثر سوءاً من عهد أبيه.

يدعي الضباط بأن قبضة حافظ الأسد على جنرالاته كانت أقوى من بشار، وحيث أن حافظ الأسد كان قادراً على أن يكبح جماح النخبة العسكرية حتى يحافظ على الأقلّ على مظهر تضامنيٍ عابٍر للطوائف، ولو شكليأً في فيالق الضباط السوريين، كان بشار غير قادر على ذلك. أصبح النظام أكثر تفككاً تحت حكم بشار، بوجود أقطاب عسكرية نافذة تتنافس على السلطة، وعلى وضع تابعيهم العلويين في القطاعات المختلفة للقوات المسلحة. وبالتالي، تقلص نصيب السنّة من المناصب البارزة في الجيش كثيراً في العقد الأخير30.

تُبين الجداول (1-8) في ملحق هذه الدراسة، الحدَّ الذي وصل إليه الضباط العلويون في تمثيلهم ضمن القيادة العسكرية السورية تحت حكم بشار الأسد.

المظلومية المؤسساتية «Corporatist» للضباط السنّة:

زيادةً على الإحباطات المتعلقة بحياتهم المهنية، يتهم الضبّاط السنة النظام السوري بتجاهل المصالح الأساسية للجيش كمؤسسةٍ عسكرية. كما يقولون بأن النظام يبقي القوّات المسلحة، وعن عمد، قوّةً قتالية ضعيفة، ويخرق الاستقلال المؤسساتي للجيش بتحويل ما يتوجب أن يكون مؤسسةً وطنيةً بلا منازع إلى «شركة عائلية» كما يقول كثيرٌ من الضبّاط.

تقريباً، كل الذين قابلتهم يوافقون على أن الجاهزية القتالية للقوات المسلحة السورية بانحدارٍ ثابت منذ بداية التسعينات، وقد وصلت إلى حدودٍ دنيا سيئة للغاية عشية ثورة 2011.

يتشكى الضباط من السلاح الروسي الموجود بالخدمة، لأنه قديمٌ وسيّئ التصنيع. يدّعي ضبّاطُ القوى الجوية أن قاذفات الميغ الروسية 21 و23 تفتقرُ إلى الصيانة المناسبة وتحتاج بشدّة إلى قطع غيار، ممّا ينعكس سلباً على مستوى التدريب31. هذا ويصف ضباط المدرعات دبابات ت55 وت62 الروسية القديمة بـ«كومة خردة»32.

يقول ضباط الدفاع الجوي إن معداتهم أقلّ جودة من مثيلتها لدى اسرائيل، والتي تتمكن بسهولة من التشويش على الرادارات السورية، وعلى نظام الدفاع الجوي كلّه، في كلّ مرة تطير فيها مقاتلة إسرائيلية فوق سورية33.

إن الهموم التقنية للقوات المسلحة السورية هي مسؤولية يلقى باللوم فيها على عدم استجابة النظام لحاجات الجيش، يشتكي الضبّاط السنّة من فساد الضباط القادة العلويين، والذين يتهمونهم بجني أرباح ضخمة من صفقات الظل مع مزودي الأسلحة السيئة، وهي صفقاتٌ غير مكبوحة، بل مُشجّعٌ عليها من السلطات34.

كرّرَ كل من قابلتهم أن الضباط العلويين يسيطرون على مكتب التفتيش العسكري في القوات المسلحة السورية، ويستخدمون نفوذهم لكتابة تقارير كاذبة حول الجاهزية العسكرية مقابل الرشاوى. وفقاً لرائدٍ منشقّ: «الجاهزية القتالية جيّدة عندما تكون 80% من أسلحة الكتائب الثقيلة (دبابات ومدفعية ونقل عسكري) فعّالة. وكثيراً ما وجد المفتشون العسكريون أثناء جولاتهم بأن أقلّ من 40% من هذه التجهيزات بحالة جيدة، ومع ذلك يكتبون التقارير بخلاف ذلك مقابل الرشاوى التي يحصلون عليها من القادة العسكريين، الذين يرغبون أن تظهر وحداتهم جاهزةً على الورق. إن فساد المفتشين العسكريين معلومٌ في القوات المسلحة. ضبّاط الرتب العليا العلويون على معرفةٍ به، لكنهم لا يفعلون الكثير لتغييير الوضع لانهم يستفيدون منه، وأيضاً لأنهم لا يبالون»35.

يشتكي الضبّاط السنّة أيضاً من أوضاع المجندين، يتألف الجيش السوري بشكلٍ كبيرٍ من المدعويين لخدمة العلم، ويعتمد أداء القوات المسلحة السورية في الحرب تالياً على معنوياتهم وتدريباتهم. ومع ذلك، يعاني المجندون من ظروفٍ صعبةٍ خلال خدمتهم العسكرية، فهم يعيشون في ثكنات مكتظة تنقصها أساسيات النظافة. ثم إن الألبسة والأحذية بالية، والبنادق الروسية غير فعّالة. المجند الإجباري يبقى أحياناً جائعاً لأن كبار الضباط يحولون الحصص الغذائية من المتعهدين لحسابهم الخاص36.

 يقسم الضباطُ القادةُ المجندين الإجباريين إلى صنفين، المنحدرون من العائلات الغنية يصبحون مورداً إضافياً للدخل، مقابل استفادتهم من شروط خدمة سهلة وتمضية وقت أطول خارج الثكنات مقابل الرشاوى37.

أما المنحدرون من أصول فقيرة، فيُؤخذون كخدم وسائقين شخصيين. إن ظروف المجندين الإجباريين هي قضيةٌ حساسة بالنسبة للضبّاط السنّة، لأن معظم المجندين سنة، بينما معظم كبار الضباط من العلويين. لذلك يأخذ الأمر مسحةً طائفيةً تزيد من سخط الضبّاط السنّة38.

إضافةً إلى ذلك، إن الروح المعنوية المحبطة للجنود السوريين تُفاقم من المشاكل الناجمة عن الدونية التقنية للقوات المسلحة السورية من حيث الجاهزية القتالية. يقول لواءٌ ورائدٌ منشقّان التقيتهما: «لقد كنت دائماً على قناعة بأنه إذا وقعت في أي وقت حربٌ مع إسرائيل، فإن الجنود على الجبهة سيهربون، بدلاً من القتال. الجنود يعرفون أن دباباتهم بالكاد يمكنها أن تتحرّك، وتسليحها غير كافٍ، وأن الجنرالات يسرقون المبالغ المخصصة للغذاء. لا تضع جندياً في تلك الظروف، وبعدها تطلب منه أن يقاتل وينتصر في المعركة ضد جيش مثل الجيش الإسرائيلي»39.

«بعض كبار الضباط يمكن شراؤهم بعلبة سجائر، هل تعتقد أن الجنود يقاتلون ويموتون لأجل هؤلاء الجنرالات، إن أُرسلوا إلى المعركة؟ لو أننا ذهبنا للحرب مع إسرائيل، سيكون بإمكانها أن تصل إلى حمص خلال ساعتين. ولكن، لماذا ستقاتل إسرائيل نظام الأسد؟»40.

إن إهمال القوات المسلحة قد خلق تعقيداً أكبر في ضوء المعاملة التفضيلية التي تمتعت بها كل الوحدات القتالية الخاصة العلوية، لقد طلبَ ضباط الدفاع الجوي أن يحصلوا على صواريخ أرض-جو محمولة من نوع إيغلا 9 ك 38، كون نموذجها الأخير قد وضع في الخدمة من قبل القوات المسلحة الروسية في عام 2004، لكن عندما اشترت سوريا هذه الصواريخ من روسيا في العام 2006، كانت لصالح الحرس الجمهوري حصرياً41.

وبشكل مشابه، الدبابات الروسية القتالية ت 80 وت 90، الأكثر فعالية في الترسانة السورية، بقيت ملكيةً خاصّةً للحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة42. وكقاعدةٍ عامة، إن الأسلحة الجديدة التي تشتريها سورية تُستخدم أولاً من قبل الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة، وتُرسل إلى وحداتٍ أخرى فقط عندما يكون قد عفى عليها الزمن. وهكذا، عندما حصلت فرقة مدرعة في الجيش على الدبابة ت 62، كان قد تم تزويد الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة بالدبابة ت 72. حدث الشيء نفسه عندما تم استبدال ت 72 مع ت 80. يشكو الضباط بمرارة من تزويدهم فقط بـ«بقايا» الوحدات العلوية43.

يتهم بعض الضباط النظام بإضعاف القوات المسلحة عن قصد، ليحد من قدرتها على القيام بالانقلابات، والحفاظ على التفوق القتالي داخل الجيش لصالح القوات الخاصة العلوي44. ويؤكد ضباطٌ آخرون أن الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة هما المسؤولان عن أمن النظام، في حين أن الدفاع عن سوريا كبلدٍ مسؤولية القوات المسلحة ككل. وحسب الضباط السنّة، يفضل النظام أن يقدم الامتيازات للوحدات الخاصة على حساب القوات المسلحة النظامية، مما يكشف أين تكمن أولويته الحقيقية، ومما يكذّب أيضاً خطاب النظام بالصمود في الصراع ضد إسرائيل45.

إن ميل كل من حافظ الأسد وبشار الأسد لتعيين أفراد العائلة في مناصب قيادية في القوات المسلحة، فاقمَ الإحباط لدى الضباط السنّة. بدأ حافظ الأسد بتعيين أقاربه في المناصب العسكرية العليا عندما كان وزيراً للدفاع، قبل استيلائه على السلطة في عام 1970، وتابع ذلك بعد أن أصبح رئيساً. أصبح شقيق الأسد، رفعت، قائد وحدات الدفاع شبه العسكرية (سرايا الدفاع) في دمشق، وشقيقه الآخر، جميل، رئيساً لقسمٍ خاصٍ في وحدات الدفاع المكلفة بتأمين المناطق العلوية. وبالإضافة إلى ذلك، عدنان الأسد، ابن عم الرئيس، قاد سرايا الصراع، وهي وحدة شبه عسكرية أخرى في دمشق. وأخيراً، كان عدنان مخلوف، (أخ زوجته) المسؤولَ عن الحرس الجمهوري46.

في بداية التسعينات، أصبح باسل، الابن البكر للأسد الذي كان يتمّ إعداده لخلافة والده قبل وفاته في حادث سير، أحد أعضاء الحرس الجمهوري وقائد لواءٍ مدرعٍ من النخبة، على الرغم من أنه لم يكن سوى رائدٍ في القوات المسلحة. إن تكتيكات «كل السلطة للعائلة» لم تتغيّر عندما توفي حافظ الأسد، وتشمل القائمة غير الحصرية من أفراد العائلة المعينين في مناصب عليا في عهد بشار: شقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة المدرعة. نسيبه، ذو الهمة شاليش، المكلّف بقيادة الوحدات المسؤولة عن سلامة الرئيس وعائلته. قريبٌ آخر (ابن خاله) حافظ مخلوف الذي يرأس الفرع 251 في المخابرات العامة، ويُعتقد أنه الحاكم الفعلي لتلك الوكالة (المخابرات). وقريبٌ آخر، هلال الأسد، كان قائداً للشرطة العسكرية في الفرقة الرابعة المدرعة. وصهر الأسد، آصف شوكت، الرجل القوي في أجهزة المخابرات حتى وفاته في العام 201247.

يُجمِعُ الضباط السنّة على أن حافظ وبشار الأسد قد حوّلا الجيش إلى وكالةٍ عائلية، بدلاً من كونه مؤسسةً وطنية في خدمة سوريا ككلّ48.

المظلومية العقائدية «Ideational» للضباط السنّة:

بالإضافة إلى المظالم المادية، تقريباً جميع من قابلتهم اشتكوا مما يرونه أخلاقية عدوانية مناهضة للدين ضمن القوات المسلحة. الأغلبية الساحقة من الضباط السنّة الذين التقيتهم خلال البحث الميداني غير متحمسين لجماعة الإخوان المسلمون السورية، ولا للتشكيلات الإسلامية الأخرى في بلدهم، وكذلك في العالم العربي بأسره. ومع ذلك، فإن الضبّاط يحترمون الإسلام ويميلون للمحافظة الاجتماعية. يستنكر الضباط العلويون أي تلميحٍ للتدين بين زملائهم السنة، بما في ذلك الصلاة اليومية، والتي هي عماد الإسلام. الاحتكاك الناتج بين الضباط السنّة، وما يعتقدون بأنه طائفيةٌ علويةٌ مختبئةٌ وراء قشرةٍ علمانية، يذكي السخط السنّي داخل القوات المسلحة السورية. وفقاً لملازمٍ أوّل ومقدّمٍ، على التوالي: «أنا لم أجرؤ على الصلاة في مسجد الحي خلال أيام الإجازة، ناهيك عن الصلاة أثناء الخدمة. لو أن مخبراً شاهدني في المسجد، لكنت قد استدعيت على الفور إلى الأمن العسكري لشرح لماذا كنت حاضراً في مكانٍ يمكن أن يؤوي متطرفين وجهاديين. في الحقيقة، دائماً أتجنب ركن سيارتي بالقرب من المساجد، لمجرد أن أكون على الجانب الآمن»49.

«من أجل التقدم في الترقية، على الضابط أن يكون رخواً أخلاقياً. في عام 1993، استدعاني ضابط استخبارات إلى مكتبه، سألني: فيما إذا ذهبت لزيارتك، هل ستكون زوجتك حاضرةً؟ أوضحتُ بأنني من الريف السوري، وأن ذلك ليس من تقاليدنا أن تكون المرأة حاضرة عندما يكون الضيوف من الرجال وليسوا برفقة زوجاتهم. قلت له بأنه فيما إذا كان سيزورني دون رفقة زوجته، فزوجتي ستحييه، ولكنها لن تبقى برفقتنا، فردّ بأن هذه أخلاقٌ رجعية ولا تليق بضابط»50.

شكا لي الذين قابلتهم من أن رؤساءهم العلويين يتوقعون منهم أن يشربوا الويسكي في المناسبات الاجتماعية، وهم يسخرون من الضبّاط السنّة الذين يمتنعون عن القيام بذلك انسجاماً مع تعاليم الإسلام. العديد من المقابلات التي أجريتها تزعمُ بأن القلّة من الضباط السنّة الذين يشغلون مناصب عليا في التراتبية يتفاخرون بكل صراحة وعلانية بشرب الكحول، وأحيانا يحتفظون بزجاجات من الخمور في مكاتبهم داخل الثكنات بشكلٍ واضحٍ للعيان، كي يثبتوا أنّهم سنّة فقط إسمياً51.

ثمة نقطةٌ أخرى للخلاف وهي الحجاب، الشيئ المفضل لدى معظم الضباط الذين التقيتهم هو أن ترتدي زوجاتهم وبناتهم الحجاب. ومع ذلك، فإن الحجاب يشي بتعلّق بالعقيدة الدينية، والذي هو بالضبط الرسالة الخاطئة لضابطٍ يريد أن يتسلّق المراتب في القوات المسلحة. وهكذا، اختار بعض الضباط ألا ترتدي زوجاتهم الحجاب ليبقوا على الجانب الآمن مع النظام، بينما رفض آخرون أن يحذوا حذوهم بغض النظر عن العواقب على حياتهم المهنية. توافقَ كل الذين قابلتهم على أن سياسات النظام وشكوكه عززت التناقض الذي يقولون إنه مصطنعٌ بين هدفين، وهما الولاء لسوريا وللمؤسسة العسكرية من جهة، ومراعاة شعائر الإسلام من جهةٍ أخرى.

هذا النوع من الشعور بالضيق السنّي، مختلفٌ عن التنافس على الموارد والتقدم في سلك الضباط. على الرغم من سياسات التحيز الطائفية، فإن نظام الأسد رقّى بعض الضباط غير العلويين إلى مناصب أعلى في الجيش، من أجل نزع الصورة الطائفية عن وحداته القتالية الخاصة ووكالات استخباراته. أرسل النظام إشارةً إلى السنة في الجيش بأن التقّدم المهني يظل ممكناً لحفنةٍ منهم، شريطة أن لا يتبنوا التدين، ويفضل أن يكونوا، أشخاصاً ضد الدين. ولأن على الضبّاط السنّة أن يخفوا قناعاتهم الأخلاقية والدينية، يعتملُ فيهم شعورٌ عميقٌ بالذلّ والمهانة، الناتج عن اضطرارهم لتزوير قيمهم.

إن التشكيك في الرسالة الأيديولوجية النظام، كثّف الخلافات والتوتّر الكامن داخل سلك الضباط. حاول حافظ الأسد إضفاء الشرعية على حكمه عبر اتخاذ موقفٍ متشدّدٍ في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، وزعم التفاني في سبيل القضية الفلسطينية، كما أكد بشار الأسد أيضاً انحياز نظامه إلى «محور المقاومة»، في المنطقة الذي يزعم معارضة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط.

ومن المشكوك فيه أن يكون الضباط السنّة صدقوا يوماً أن حافظ الأسد كان فعلاً بطلاً عربياً قومياً، كلّ الذين قابلتهم يؤكدون أن انضمامهم للأكاديمية العسكرية جاء لكونها تفتح آفاقاً معقولةً للشباب الذين ينحدرون من أدنى شرائح الطبقات الوسطى الريفية، وليس لأنهم يعتقدون أن القوات المسلحة يجري إعدادها للدفاع عن سوريا أو لتحرير فلسطين. مجموعةٌ من العوامل جعلت المزاعم الأيديولوجية للنظام تبدو أكثر عرضة للشكّ في عهد بشار الأسد. أوّلًا، كما ذُكِرَ أعلاه، لقد تدهورت الاستعدادت القتالية للقوات المسلحة بشكل ملحوظٍ في العقد الماضي، فالطائرات الحربية الإسرائيلية حلقت مراراً في المجال الجوي السوري، وامتنع النظام السوري عن الردّ، حتى في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على قاعدة عسكرية داخل الاراضي السورية عام 2007. ثانياً، مع ازدياد الدور الإيراني في سياسات الشرق الأوسط، بدت سوريا مجتاحةً من قبل طهران. إن تبعية سوريا لطهران الظاهرة للعيان، تماماً مثل ضعفها العسكري، ضربَ أي مصداقيةٍ للخطاب الرسمي، وشعارات الممانعة التي يرفعها52.

إن اشتداد التوتر الطائفي في المنطقة عقب انهيار نظام صدام حسين في عام 2003، واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري(السنّي) في عام 2005، فاقمَ تململ الضباط السنّة من   التحالف مع إيران53.

وزادَ من اغتراب الضباط، عدم الارتياح النابع من الحاجة إلى البقاء باستمرارٍ على حذر في حضور زملائهم العلويين، وعلى الرغم من أن بعض الصداقات العابرة للطائفية نشأت في سلك الضباط، فقد ظلت الاستثناء وليس القاعدة. بشكلٍ عام، العلاقات الطائفية في القوات المسلحة يحكمها الشكّ والحذر المتبادلان. الطلاب في الأكاديمية العسكرية يصادقون أبناء طائفتهم، كما يتقاسم تلامذة الضباط غرف السكن الجماعي على أساسٍ طائفي54.

يعرف الضباط السنّة أن ثمة مخبرين من السنّة بينهم، أيضاً، لكنهم مقتنعون بأن جميع الضباط العلويين يكتبون تقارير استخباراتية عن زملائهم غير العلويين. ليس من المستغرب، في بيئة تفتقد للثقة بشكلٍ كبيرٍ جداً، أن تكون قيم الصداقة أو الزمالة العسكرية متدنيةً. يتحسّر كلّ من قابلتهم على ما وصفوه بضرورة «وضع قناعٍ دائمٍ» في حضور العلويين. وصفوا مراراً أنفسهم كدرجةٍ ثانية، وادّعوا أن مرؤوسيهم العلويين أكثر تأثيراً منهم في القوات المسلحة. وهناك إجماعٌ بين الضباط الذين التقيتهم على أن التنشئة الاجتماعية العسكرية، تجعل الشعور الطائفي بين الضباط أكثر وضوحاً، لأنه يغذي لدى العلويين الإحساس بالإفلات من العقاب، ويذلّ الضباط السنّة. الجيش بهذا المعنى يعيدُ إنتاج الطائفية السائدة في المجتمع السوري، ويكثّفها. لقد قال لي عدة ضباط التقيتهم، إنهم صاروا أكثر طائفيةً بعد أن خدموا في الجيش.

استنتاج:

كما هو مبينٌ في التحليل السابق، فإن أسباب سخط الضباط السنّة على نظام الأسد ثلاثة: مهنية، مؤسساتية، وعقائدية. كان التحيّز الطائفي مركزياً في استراتيجية بقاء النظام السوري، وبالتالي، بقي سلك الضباط السوريين يميل لصالح العلويين طوال العقود الماضية. وهذا يعني أن الضباط السنّة كانوا تحت مستوى التمثيل في جميع مستويات سلك الضباط، وبالتحديد في المناصب العملياتية والاستخباراتية. كان الإحباط متفشياً بشدة بين الضباط السنّة من ناحيةٍ مهنية، وضاعفَ من اغترابهم عن النظام ما أدركوه من إهمال متعمدٍ للجيش لصالح الوحدات الخاصة العلوية.

تفاقمَ سخطُ الضباط السنّة بسبب الأخلاقية المعادية للدين، المتفشية داخل المؤسسة العسكرية، وسطَ انهيار مصداقية مزاعم النظام العروبية. إن انشقاق الضباط السنّة في أعقاب التحركات الشعبية عام 2011، يعكس اغترابهم عن النظام، جنباً إلى جنب مع رفضهم لذبح المدنيين، ومعظمهم من المسلمين السنة، من أجل الدفاع عن النظام. وقد ركّزت هذه الدراسة على مظلومية الضبّاط السنة، ولكن ينبغي القيام بالمزيد للتحقيق في الديناميات الميكروية حول انشقاقهم عن الجيش.

وجهاتُ النظر التي جمعتها من مقابلاتي تزعمُ بأن العدد الإجمالي للضباط السنّة في الجيش السوري يتراوح بين 50000 إلى 60000، وأعلى تقدير لعدد الضباط الذين انشقوا عن القوات المسلحة السورية في أعقاب التحركات الشعبية عام 2011 هو 3000.

في الحقيقة، ظل الانشقاق ظاهرة سنية، إذ انضمّ عدد قليل جداً من غير أهل السنّة للثورة (أي المسيحيين، الدروز، الإسماعيليون)، وتقريبا لم ينشق أي ضابط علوي. التحيّز الطائفي هدفَ في الأساس إلى وقف مد الانقلابات في سلك الضباط السوريين المضطرب سابقاً، ولكن عندما جاء التحدي لنظام الأسد من التحرك الشعبي الذي تصاعد باتجاه التمرد، فإن التكتيك العازل للانقلاب نفسه أثبت فعاليةً في الحفاظ على تماسك سلك الضباط العلوي الموالي بشكلٍ تام.

هناك سؤالٌ لا تجيب عنه هذه الدراسة: لماذا انشقّ بعض الضبّاط السنة في حين بقي آخرون موالين؟ تحتاجُ الإجابة على هذا السؤال إلى مقابلة الضبّاط السنة الموالين، والتحري عن أسباب بقائهم الى جانب النظام، وهو أمرٌ لم يكن متاحاً لي لوجستياً.لا تشير البيانات التي جمعتها إلى أن الضباط المسيحيين والدروز والاسماعيلين استفادوا من معاملة تفضيلية من قبل النظام كأعضاء في جماعاتٍ «حليفة»، خلافاً للتصور الشائع، ولكن غير الدقيق. ومن المرجح أن هؤلاء الضباط يفضلون، كأعضاء في جماعات أقلوية، نظام الأسد على بدائل محتملة يهيمن عليها الإسلاميون، ولكن هذا أيضاً مجرد تخمين. نحتاج إلى عملٍ ميدانيٍ إضافي من أجل الكشف عن الديناميات الطائفية لدى الضباط، قبل، منذ ذلك التحول في العام 2011.

الملاحق:

طلبتُ من كل الذين قابلتهم أن يساعدوني في جمع البيانات المبينة في الجداول من 1 إلى 8، وبشكلٍ خاص مساعدة العميد عبد العزيز كنعان الذي أدين له بالعرفان. العقيد ياسر جابر، العميد محمد شاهيما، العقيد نشأت الحاج أحمد، واثنين من الألوية لم يرغبا في الكشف عن اسميهما، وساعداني على جمع البيانات التي تظهر في الجداول 1-8، وطلبا من زملائهما القيام بالأمر نفسه. لاحظ أن مكان الولادة/المنشأ هو الطريقة الأساسية التي تعامل معها الضباط  كعلامة متصلة بالهوية لتحديد الانتماء الطائفي لبعضهم. ويقول ضباطٌ جاءوا من الرستن، ومن المرجح أن يكونوا من السنّة إن زملائهم من اللاذقية من المحتمل أن يكونوا من العلويين، في حين أن ضباطاً من السويداء، أو وادي النصارى، من المرجح أن يكونوا بدورهم من الدروز والمسيحيين. الأسماء أيضاً مهمة، ضابط يدعى جورج أو الياس، من الواضح أنه مسيحي، في حين أن عمر هو من السنّة، وعلي أو حسين من المرجح أن يكون علوياً. أسماء الأسرة هي مؤشرٌ إضافي: مخلوف هو علوي في حين أن قباني لا يمكن إلا أن يكون من السنّة. بالنسبة للضباط، تحديد الانتماء الطائفي مهمةٌ سهلةٌ نسبياً.

الجدول 1- وزراء الدفاع وقادة الأركان في القوات المسلحة السورية في عهد بشار الأسد (2000-2011) وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 2- قادة القوات المسلحة السورية عشية ثورة 2011 وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 3- مدراء/رؤساء الوكالات الأمنية المسؤولة عن السيطرة على القوات المسلحة في عهد بشار الأسد (2000-2011) وفق الانتماء الطائفي55:

الجدول 4- قادة الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة المدرعة في عهد بشار الأسد (2000-2011) وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 5- قادة القوات الخاصة والقوات الخاصة المجوقلة في عهد بشار الأسد (2000-2011) وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 6- قادة القوى الجوية والدفاع الجوي في عهد بشار الأسد (2000-2011) وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 7- القادة الفرعيين في القوات الخاصة عشية ثورة 2011 وفق الانتماء الطائفي:

الجدول 8- القادة الفرعيين للقوات الخاصة المجوقلة (المظليين) عشية ثورة 2011 وفق الانتماء الطائفي:

………………………………

هوامش:

  1. انظر ريزا بروكس، «مهجور في القصر: لماذا انشق الجيش التونسي عن نظام بن علي في يناير كانون الثاني عام 2011»، مجلة الدراسات الاستراتيجية 36 (أبريل 2013)، 205-20. هيليل فريش، «الجيش المصري وربيع مصر، مجلة الدراسات الاستراتيجية 36/2 (أبريل 2013)، 180-204». فلورنسا غاوب «القوات المسلحة الليبية بين القمع وتأييد الانقلاب»، مجلة الدراسات الاستراتيجية 36/2 (2013)، 221-44. هشام بو ناصيف، «الجنرالات والمتسلطون: كيف يحدد مسبقاً مؤيدو الانقلاب سلوك النخبة العسكرية في الربيع العربي، فصلية العلوم السياسية 130/2 (2015)، 245-75. جوشوا ستاشر، «المتسلطون القابلون للتكيف: سلطة النظام في مصر وسوريا (ريدوود سيتي، كاليفورنيا: ستانفورد UP 2012)»؛ حازم قنديل، «الجنود والجواسيس ورجال الدولة: طريق مصر إلى الثورة (لندن: فيرسو، 2012)»؛ يزيد صايغ، «وكالات الإكراه: الجيوش وقوى الأمن الداخلي»، المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط 43 (2011)، 403-5. زولتان براني، «مقارنة الثورات العربية: دور الجيش»، مجلة الديمقراطية 22 (2011)، 28-39. هولغر ألبرخت، ودينا بشارة، «العودة على ظهور الخيل: التحول العسكري والسياسي في مصر» الحكم وقانون الشرق الأوسط، 3 (2011)، 13-23.2. الاستثناء هو يزيد صايغ، فوق/أعلى من الدولة: جمهورية الضباط في مصر (واشنطن العاصمة: مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أغسطس 2012)، 1-38.

    3. نيكولاوس فان دام، الصراع على السلطة في سوريا، السياسة والمجتمع في ظل الأسد وحزب البعث، نيويورك، «I.B.Tauris 1996».

  2. حنا بطاطو، الفلاحون في سوريا، أصول طبقة الأعيان الريفية وسياساتهم، برينستون، نيوجيرسي: برنستون «UP 1999»، 215-26.
  3. إيال زيسر، الجيش السوري بين الجبهات الداخلية والخارجية، مجلة الشرق الأوسط للشؤون الدولية 5/1 (مارس 2001)، بالرجوع إليها في 7 يونيو 2014 على العنوان التالي: <Www.gloria-center.org/2001/03/zisser-2001-03-01>. جيمس ت كوينليفان، التدقيق في الانقلاب: ممارسته ونتائجه في الشرق الأوسط، الأمن الدولي 24/2 (خريف 1999)، 131-65. مايكل ايسنشتادت، ألوية الدفاع السوري: لمحة عن وحدة عسكرية، ورقة غير منشورة، 1989. أنظر أيضاً بوانكليه، القوات الخاصة: التوظيف الديني والعرقي، 1916-1946، المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط 25/4 (نوفمبر 1993)، 645-60. باتريك سيل، الأسد والصراع من أجل الشرق الأوسط (بيركلي: منشورات جامعة كاليفورنيا ، 1988). الأسدير درايسدال، العرقية في سلك الضباط السوريين، الحضارات 29 /. 3/4 (1979)، 359-74. إيتامار رابينوفيتش، سوريا تحت حكم حزب البعث 1963-1966. تكافل الحزب–الجيش، القدس: إسرائيلUP، 1972؛ غوردون وتوري، السياسة السورية والجيش، 1945-1958 (كولومبوس: ولاية أوهايو، 1964). 6See.
  4. انظر فيليب روسلر، العدو من الداخل. قاعدة شخصية، الانقلابات والحرب الأهلية في أفريقيا، السياسة العالمية 63/2 (أبريل 2011)، 300-46؛ ثيودور ماكلوشلين، استراتيجية الولاء والانشقاق العسكري في التمرد/الثورة، السياسة المقارنة 42/3 (أبريل 2010)، 333-50. كوينيلفان، المرجع السابق. دونالد هورفيتز، المجموعات العرقية في الصراع. (بيركلي: منشورات جامعة كاليفورنيا 1985)؛ سينثيا إينول، عرقية الجنود وأمن الدولة في المجتمعات المنقسمة، أثينا: منشورات جامعة جورجيا، 1980.
  5. ماك لوشلين، المرجع السابق نفسه، 339.
  6. تيموثي كولتون، مفوضون وقادة، والسلطة المدنية: بنية السياسة العسكرية السوفيتية، كامبريدج، ماساتشوستس: 1979. إريك نوردلينغر، الجنود في السياسات، الانقلابات العسكرية والحكومات، إنجليوود كليفس، NJ برنتيس هول، 1977. رومان كولكوفيتز، الجيش السوفييتي والحزب الشيوعي، برينستون 1967.
  7. صموئيل ديكالو، الانقلابات ودور الجيش في أفريقيا، دراسات في الأسلوب العسكري، نيو هافن، ييل، UP 1976.
  8. وليام طومسون، مظالم صناع الانقلاب العسكري، بيفرلي هيلز، كاليفورنيا: منشورات سيج 1973.
  9. مقابلة، 7 أيار/مايو، 2014، أنطاكية، تركيا.
  10. مقابلة مع عقيد منشقّ (أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية)، 8 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  11. هذا الرقم أُعطي/قُدم لي من قبل كل من الذين قابلتهم، بعد أن سألت كل واحدٍ منهم حول توزيع الطائفي في مجموعته.
  12. تشمل الإدارات الأخرى مدارس الإدارة والتكنولوجيا العسكرية، الحرب الإلكترونية، هندسة التعدين، الدفاع الجوي، النقل العسكري، التسلح، والإشارة.
  13. مقابلة مع ملازم أوّل منشقّ (سلاح الإشارة)، 12 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  14. المرجع السابق نفسه.
  15. اكتسبت الفرقة الرابعة المدرعة سمعةً مرعبةً في الصراع الدائر في سوريا كرأس حربةٍ لآلة النظام القمعية، وكانت هذه الفرقة معروفةً باسم الوحدة 562 في السبعينات، ثم تم تغيير الاسم لاحقاً إلى سرايا الدفاع عندما قادها في الثمانينات رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، فيما بعد نُفي رفعت من السلطة عام 1984، وتغيّرَ الاسم ثانيةً خلال التسعينات إلى الفرقة الرابعة المدرعة.
  16. مقابلة مع عقيد منشقّ، (أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية)، 13 حزيران/يونيو 2014، أنطاكية، تركيا.
  17. المرجع السابق نفسه.
  18. المرجع السابق نفسه.
  19. مقابلة مع نقيب منشقّ (سلاح الجو)، 11 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  20. ماهر الأسد هو الشقيق الأصغر لبشار الأسد.
  21. مقابلة مع نقيب منشقّ (سلاح الجوّ)، مرجع سابق.
  22. المرجع السابق نفسه.
  23. المرجع السابق نفسه.
  24. مقابلة مع رائد منشقّ (أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية)، 15 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  25. مقابلة مع ملازم أوّل منشقّ (سلاح الإشارة)، مرجع سابق.
  26. المرجع السابق نفسه.
  27. المرجع السابق نفسه.
  28. الشبكة غير الرسمية من بارونات/أسياد الجيش العلوي المحيطة ببشار الأسد، وهم متهمون بالتحيز الطائفي، زيادةً عن مناهضة الضباط السنّة في القوات المسلحة السورية، وتشمل: ماهر الأسد (الفرقة الرابعة المدرعة)؛ آصف شوكت (نائب وزير الدفاع حتى وفاته في عام 2012)؛ الجنرال علي حبيب (القوات الخاصة)؛ اللواء عز الدين إسماعيل (مخابرات القوة الجوية)؛ اللواء جميل حسن (مخابرات القوى الجوية)؛ اللواء رفيق شحادة (الأمن العسكري)؛ اللواء هشام اختيار (مكتب الأمن القومي)، والعميد ذو الهمة شاليش (المخابرات العامة). مقابلة مع عقيد منشقّ (القوّات الخاصة)، 26 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  29. مقابلة مع عميد منشقّ (سلاح الجو)، 6 حزيران/يونيو 2014، أنطاكية، تركيا.
  30. مقابلة مع عقيد منشقّ، 7 أيار/مايو 2014، الريحانية وتركيا.
  31. مقابلة مع رائد منشقّ (الدفاع الجوي)، 14 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  32. قم بزيارة للمناطق النائية العلوية، وسوف تجد القلاع التي بنيت في كل مكان، في الكفرون وبيت ياشوط، والقدموس، وبلداتٍ أخرى. في أي بلدة علوية سوف تجد الفيلات الفاخرة المبنية على أفضل الأراضي. اسأل عن أصحابها وسوف تسمع أسماء ضباط من عشائر: شاليش، مخلوف، اسماعيل، دوبا، وحيدر. كيف حصل هؤلاء الضباط على المال لبناء تلك القلاع؟ حتى الجنرال في القوات المسلحة السورية لا يقبض أكثر من 800 $ دولار شهرياً. إنهم يحصلون على المال، ونحصل على المعدات ناقصة»، المرجع السابق نفسه.
  33. مقابلة مع رائد منشقّ (الدفاع الجوي)، 7 أيار/مايو 2014، الريحانية، تركيا.
  34. المرجع السابق نفسه.
  35. المرجع السابق نفسه.
  36. المرجع السابق نفسه.
  37. المرجع السابق نفسه.
  38. مقابلة مع عميد منشقّ (سلاح الجو)، 28 أيار/مايو 2014، الريحانية ، تركيا.
  39. مقابلة مع رائد منشقّ (الدفاع الجوّي)، مرجع سابق.
  40. المرجع السابق نفسه
  41. المرجع السابق نفسه.
  42. مقابلة مع عقيد منشقّ (سلاح الجو)، 15 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  43. المرجع السابق نفسه.
  44. جيمس كوينلفان، مرجع سابق.
  45. حازم صاغية، البعث السوري.. تاريخ مجاز، (بيروت: دار الساقي 2011)؛ وصبحي الحديدي، حلقات الأسد الأمنية، حتمية التفكك… بعد اختبار النار، جدلية، 31 يوليو 2011، http://www.jadaliyya.com/pages/index/2280.
  46. على حدّ قول أحد الذين قابلتهم: «حتى 1963 كانت القوات المسلحة السورية مؤسسة وطنية، حول انقلاب البعث في تلك السنة الجيش إلى ميليشيا الحزب. ما يسمى بـ«الحركة التصحيحية» التي قام بها الأسد في العام 1970، بعدها تغيرت الميليشيات إلى شركات عائلية»، مقابلة مع عميد منشق (الجيش)، 28 حزيران/يونيو 2014، أنطاكية، تركيا.
  47. مقابلة مع ملازم أوّل منشقّ (سلاح الاشارة)، مرجع سابق.
  48. مقابلة مع مقدم منشقّ (أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية)، 8 أيار/مايو 2014، أنطاكية، تركيا.
  49. مقابلة مع رائد منشقّ (الدفاع الجوي)، 7 أيار/مايو 2014، الريحاينة، تركيا.
  50. مقابلة مع عقيد منشقّ (سلاح الجوّ)، مرجع سابق.
  51. مقابلة مع عقيد منشقّ (أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية)، مرجع سابق.
  52. مقابلة مع رائد منشق (سلاح الجوّ)، مرجع سابق.
  53. وكالتا الاستخبارات الأخريتان في سوريا هما المخابرات العامة والأمن السياسي، وكلتاهما وكالاتٌ تهتم بغير العسكرين، كما أن الأمن السياسي مسؤولٌ عن الشرطة السورية.

—————-

المصادر:

– Brooks, Risa, ‘Abandoned at the Palace: Why the Tunisian Military Defected from the Ben ʿAli Regime in January 2011’,”Journal of Strategic Studies 36/2 (April 2013), 205–20.

– Colton, Timothy, Commissars, Commanders, and Civilian Authority: The Structure of Soviet Military Politics (Cambridge, MA: Harvard UP 1979).

– Decalo, Samuel, Coups and Army Rule in Africa: Studies in Military Style (New Haven, CT: Yale UP 1976).

– Drysdale, Alasdair, ‘Ethnicity in the Syrian Officer Corps’, Civilizations 29/3–4 (1979), 359–74. Eisenstaedt, Michael, “Syria’s defense companies: Profile of a Praetorian Unit”, unpublished paper, 1989.

– Enloe, Cynthia H., Ethnic Soldiers, State Security in Divided Societies (Athens: e Univ. of Georgia Press 1980).

– Frisch, Hillel, “The Egyptian Army and Egypt’s ‘Spring’”, The Journal of Strategic Studies 36/2 (April 2013), 180–204”;

– Gaub, Florence, ‘The Libyan Armed Forces between Coup-Proofing and Repression’,” Journal of Strategic Studies 36/2 (April 2013), 221–44.

– Haddad, Bassam, Business Networks In Syria. The Political Economy of Authoritarian Resilience. (Stanford: Stanford UPs, 2012).

– Horowitz, Donald, Ethnic Groups in Conflict (Berkeley: Univ. of California Press 1985).

– Kandil, Hazem, Soldiers, Spies and Statesmen: Egypt’s Road to Revolt (London: Verso 2012);.

– Kolkowitz, Roman, The Soviet Military and the Communist Party (Princeton, NJ: Princeton University Press 1967).

– McLauchlin, Theodore, ’Loyalty Strategy and Military Defection in Rebellion’, Comparative Politics 42/3 (April 2010),333–50.

– Nordlinger, Eric A, Soldiers In Politics. Military Coups And Governments (Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall 1977).

– Quinlivan, James T., ‘Coup proofing: Its practice and consequences in the Middle East’, International Security 24/2 (Autumn 1999), 131–65.

– Perthes, Volker, The Political Economy of Syria Under Asad (New York: I.B.Tauris, 1995).

– Rabinovitch, Itamar, Syria Under the Baʿath 1963-1966: The Army-Party Symbiosis (Jerusalem: Israel UP 1972).

– Roessler, Philip, ‘The enemy within. Personal Rule, Coups and Civil War in Africa’‘ World Politics 63/2 (April 2011), 300–46.

– Sayigh, Yezid, ‘Agencies of Coercion: Armies and Internal Security Forces’, International Journal of Middle East Studies 43 (2011), 403—5.

– Stacher, Joshua Adaptable Autocrats: Regime Power in Egypt and Syria (Redwood City, CA: Stanford UP, 2012).

Sayigh, Yezid, Above the State: The Officers’ Republic in Egypt (Washington DC: Carnegie Endowment for International Peace August 2012), 1–38.

– Seale, Patrick, Asad: The Struggle for the Middle East (Berkley: Univ.of California Press, 1988).

– Thompson, William The Grievances of Military Coup-Makers (Beverly Hills, CA: Sage Publications 1973).

– Torrey, Gordon, Syrian Politics and the Military 1945 – 1958 (Columbus, OH: Ohio State UP, 1964).

– Zisser, Eyal, ‘The Syrian Army Between the Domestic and External Fronts’, The Middle East Review for International Affairs 5/1 (March 2001), accessed on June 7 2014 at: <www.gloriacenter.org/2001/03/zisser-2001-03-01>.

* مهندس و كاتب ناشط ومترجم لغة إنكليزية

** أكاديمي لبناني وباحث العلوم السياسية في كلية كارلتون في ’مينوسوتا‘ بالولايات المتحدة الأميركية

المصدر: الجمهورية

التعليقات مغلقة.