الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

سلسلة حرب تشرين والمستقبل العربي – 4/6  

د. جمال الأتاسي

  رابعاً – من وحدة عام 58 إلى حرب تشرين

     عندما تُهزم الأمم وتنحط، ليمزقها الفساد ويتناهب أرضها وثرواتها الغزاة، يصبح تاريخها كله وراءها تتطلع إليه في حنين العاجز أو تهرب إلى التذكير به في تباهٍ فارغ، وما نهضت الأمم وتقدمت إلا وهي تصنع تاريخها مندفعة نحو المستقبل، وإلا وهي تصنع هدفها ومطمحهـا في المستقبـل.

     ومن كبوة العصور أخذت بالنضال تنهض أمتنا ويقظة الجماهير بدأت في الخمسينات من هذا العصر ثورتها، ضد الظلم والتخلف، ضد الاستغلال والاستعمار، ضد الفساد والتابعية، وضد التجزئة تنشد تحررها ووحدتها.. وبقيادة عبد الناصر وبثورية عبد الناصر وضعت في شـباط عـام 1958 اللبنـة الأولى في بنــاء وحـدتهــا.

     تلك كانت موجة من موجات الصعود الثوري لجماهير أمتنا العربية، عندما حققت وحدة مصر وسورية، وما انحسرت عنهـا أمام التآمر الكبير للقوى المضادة للثورة، إلا وتصميمها أن تعود وتُجدد هذا الصعود بعزيمةٍ أوعى وأمضى على طريق الثورة.. فجماهير شعبنا ما نظرت إلى تلك الوحدة كشيء انفصل وانتهى وأصبح من ذكريات الماضي الذي نحنُ إليه أو حملناه وراءنا، بل هي مازالت في وعي تلك الجماهير صيغة الانطلاق نحو المستقبل، وصيغة تجاوز الضعف والتخلف، وصيغة التصدي لأعداء الأمـة وقوى الـرجعـة والــردة.

     وذكرى يوم الوحدة، يوم قيام الجمهورية العربية المتحدة، ليست بالنسبة إلى حزبنا، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية، مجرد تجربة قامت أو ذكرى نقف عند مآثرها أو ثغراتها، بل هي تدخل في تكويننا وفي الدوافع الأولى التي قام عليها حزبنا.. فمن الإصرار عليها كبداية ومُنطلق، ومن أزمة انفصالهـا ورداً على الانفصال، قام ذلك التيار الجماهيري العريض الذي تقدم اتحادنا الاشتراكي ليكون الطليعة التي تقود نضاله، التزاماً بطريق عبد الناصر الثوري، وفي سبيل هدف مباشر وأول هو هدف ((إسقاط الانفصال وإعادة الـوحـدة)).

     إلا أن هذا الشعار، شعار ((عودة الوحدة))، وفي مواجهة جُملة التغييرات في حركة النضال العربي وفي التصميم وفي القوى، ومن استيعابنا لتطور تجربة عبد الناصر واستراتيجيته في التصدي للإمبريالية والصهيونية والرجعية وفي التحرر والتقدم وبناء الاشتراكية، لم يعد شعار ((عودة)) بل أصبح شعار تجديد المسيرة الوحدوية، وفي المستوى الـذي نسجت إليـه استراتيجية الثورة الناصرية الثورة القومية العربية، في أبعادهـا الـديمقراطيـة والاشتراكيــة.

     فتجربة وحدة عام 58 لم تأت لتؤكد أن الوحدة ممكنة وليست مجرد تطلع واحتمال فحسب، بل وجاءت في مرحلة صعودها بإرادة الجماهير وبثورية عبد الناصر، لتثبت أنها الطريق لتفجير الثورة العربية، لكي تأخذ هذه الثورة أبعادها ومضامينها التحررية والتقدمية والانسانية، كثورة في مستـوى العصــر.

     ولهذا تحركت ضد وحدة عـام 58 وضد الطريق الجماهيرية لهذه الوحدة، كل القوى المضادة للثورة العربية، داخلياً وعربياً ودولياً، فجاء الانفصال نكسة لحركة الثورة العربيـة وانتصـاراً لأعـداء التحـرر والاشتراكيـة والـوحــدة.

     فوحدة عبد الناصر، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، وما حركته تلك الوحدة لدى الجماهير العربية على مدى الوطن العربي الكبير، وما كشفته من إمكانيات أمة، ومن خلال ما يمكن أن تعطيه بوحدتها، ثم الطريق الذي سارت فيه تلك الوحدة لتعزيز تحررها الوطني والاقتصادي وبناء تقدمها، ولقد وضعها هـذا الموقف ومنذ أخذت تربط تحررها السياسي بالتحرر الاقتصادي وترسم بدايات التحويل الاشتراكي للمجتمع والدولة، في تصادم متصاعد مع القوى الرجعية والاستغلال في الداخل ومع الرجعية العربية كلها، ومع الإمبريالية العالمية والصهيونية.. إن تحالفاً خفياً بين هذه القوى المعادية للوحدة كلها هو الذي صنع مؤامرة الانفصال والردة ضد وحدة عبد الناصر، وهو الذي وضع هذه القوى كلها بعد الانفصال ضد عبد الناصر، وضد الاستراتيجية التحررية الاشتراكية الوحدوية التي حددتها مسيرة عبد الناصر بعد الانفصال، أي ضد العودة إلى طريـق الـوحــدة.

     لقد انتكست تلك الوحدة وتغلبت عليهـا قوى الردة، لأنها كشفت عن امكانيات وأهداف، ولأنها لم تَبّـنِ الأداة الجماهيرية المنظمة الصلبة القادرة على ربط أواصر هذه الوحدة لحمايتها من أعدائهـا.

     إن الوحدة ثورة، لأنها وحدة للجماهير العربية ولمصلحة هذه الجماهير، ولمصلحة أهدافها في التحرر من الاستعمار ومن الظلم والاستغلال.. ولأنها ثورة فهي لا تُصنع إلا بإرادة الجماهير، وبإرادتها الثورية الواسعة.. والثورة و بخاصة في هذه المرحلة من مراحل تطور الإمبريالية العالمية، تحتاج أكثـر من أي وقت مضى، لأداة نضالية صـلبة ومنظمة ولتحالف عربي وواعي بين الطبقات الكادحة ذات المصلحة الحقيقية في التحرر والتقدم والـوحــدة.

     والوحدة كما أخذ بها وتقدم نحوها عبد الناصر، هي خط التصادم الكبير مع الرجعية العربية ومع جميع القوى الاقليمية والاستغلالية والانتهازية في الوطن العربي، وهي محور التصادم الأساسي مع القوى الإمبريالية ومع إسرائيل ومطامع الغزو الصهيوني للأرض العربيــة.

     لقد كشفـت الوحدة عـن نفسها أمام أعدائهـا، كثورة وطريق ثورة، كإلزام والتزام بإرادة الجماهير العربية وبثورية الجماهير وتطلعها للتحرر الكلي من الظلم والتخلف والاستغلال، وكان لا بُـد أن تكشف نفسهـا، لأن المضي على طـريقهـا لا يـأتي مـن غفـلـة ولا بانقــلاب، وإنمـا بالصعود الثوري لحركــة الجمـــاهير.

     ربما جاءت وحدة عام 58 كاشفاً، لطاقات الأمة ولِما يمكن أن تصنعه هذه الأمة بوحدتها؛ جاءت حرب تشرين لعام 1973، لتكتسب هي أيضاً بما حركته على الصعيد الوطني والقومي والعالمي، منافسات أمة وضرورة وحدتها وما يمكن أن تكون إذا ما توحـدت.

     لقد حركت وحدة عام 58 جذوة النضال العربي، وحرب تشرين ألهبتها بشكلٍ أقوى، لقد خلفت تزاحماً جماهيرياً وطنياً وقومياً رائعـً، ودفعت الدول العربية كلها لأن تعطي ما أعطته للمعركة، ودفعت بها وهي بعيدة عن ساحات القتال إلى جبهات الحرب، وكادت حرب النظم أن تتحول… إلى حرب الشعب كله وإلى حرب تحرير.. فحرب التحرير العربية ضد اسرائيل والإمبريالية الأمريكية التي تساند إسرائيل، ما أن تأخذ أبعادها الحقيقيـة ولو من خلال الهدف المرحلي، هدف إزالة آثار عدوان حزيران لعـام 67، إلا وتقرر التغيير الثوري للنظم والقوى المتصدية لمهمة التحرير وإلا وتفـرض التغيير على طريـق الـوحــدة.

     وكما… أعداء الجمهورية العربية المتحدة، أعداء الوحدة إلى أن ضربوها بالانفصال وأقاموا حركات ارتداد ضدهـا وبعثروا القوى وعززوا، بشتى الوسائل، المصالح الإقليمية وإقليمية النظم فـإن اولئك الأعداء أنفسهـم، تقودهـم و تُحركهم بشتى الوسائل الإمبريالية الأمريكية، راحوا يُطوقون حرب تشرين حتى لا يفلت زمامها، فتتحول من حرب تسخين فتسوية، إلى حرب تحرير، إلى حرب تحرير فعلية بإرادة الجماهير العربية، إلى حرب وحدة وطنية حقيقية، وإلى حركات اندماج وحدوي بين عدد من الأفكار التي تتقدم بالمعركة ولِما تفرعت ظـروف المعركة.. وبعد التطويق لتلك الحرب، تحولت لعبة الإمبريالية الأمريكية إلى ترويض، فبينما تتجمد حركـة النضال وقوى النضال، تتحرك قوى اليمين والردة وكل القوى الصادة للثورة، والصادة بالدرجـة الأولى لطريق الوحدة التي أصبحـت بالضـرورة طريق الاشـتراكية أيضاً، لتضرب كل العوامـل الإيجابيـة التي فجـرتهـا حرب تشرين لصالــح حـركـة التحــرر العــربي.

     إن ثمة تحولات في مواقف النظم العربية التقدمية أو المُسماة كذلك، تُشكل بادرة خطيرة، وهي إذا ما بدت في الظاهر تكتيكية محضة في مناورات الصراع مع العدو الإسرائيلي، فإن ما تعكسه من تغييرات اجتماعية و سياسية طبيعة النُظم وفي تحالفاتها الطبقية الجديدة وعلاقاتها الخارجية والدولية، تجعل منها تحولات استراتيجية ذات انعكاسات سلبيـة خطيرة على حركة النضال العربي وعلى مستقبـل الثــورة العـربيــة.

     والذي يجري اليوم في مصر ليس بالمثال الوحيد، ولكنها وهي القطر العربي الأول والأكبر، وهي الـتي كانت أكثر تقدماً على طـريق التصدي والمواجهة، فإن التحولات التي طرأت على منطق سياستها العامة وعلاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية وإن التحولات التي تجري في داخلها وفي التركيب الـطبقي والسياسي والـفكري والإعلامي لنظامها، تُشكل ألغاماً إذا ما وضعتها قوى الردة لنسف الطريق الذي خطه عبد الناصر أي خط مصر الوحدوي الاشتراكي المتصادم كل التصادم مع الإمبريالية العالمية والقوى الرجعية، فإنها تنسف في الوقت ذاته كل النتائج الإيجابيـة لحرب تشرين، وما قدمته مصر من تضحيات كبرى وقدمته الأمة العربية وما فرضته من تراجعات على معسكر الأعــداء.

     وما يجري في مصر اليوم، وما يعود لساحة العمل فيها من قوى تتوجه باتجاه الإمبريالية الأمريكية ومن قوى عتيقة عفنة كانت قد أسقطتها الثورة، لا بد من كشفه والتصدي له، فعدواه يمكن أن تسري في أوصال نظم عربية أخرى من (النظم التقدمية) وفي سورية أيضاً تتحرك قوى اليمين والردة لتُغري بالتحول باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وباتجاه نظم النفط والرساميل الضخمة.. وما يتطلبه هذا التحول من تبدلات في العلاقات الاقتصادية والانتاجية، وفي بنيــة النظـام وتحالفــاتـه، وفي مواقفــه وروابطــه وعــلاقـاتـــه.

     إن الهدف الأول والمباشر اليوم للإمبريالية الأمريكية وللقوى المضادة للثورة على الأرض العربية، هو فك التلاحـم بيـن نظم الـتقدم وقوى الـتقدم وقطع الطريق أمام الوحدة، وتعزيـز إقليمية النظم وردها عن الطريق الاشتراكي، وتطويعها في طريق رأسمالية جديدة تغذيها المساعدات والأموال الخارجية، مع الإبقاء على واجهة من التقدم العربي ومن التعاون والتضامن في الخط المُحدّد والمُقنن الذي تتحمله الإمبريالية والرجعية العربية، خط الجامعـة العربيـــة.

    ولكن الخط الذي اكتشفته جماهير أمتنا، في تجارب نضالها ضد معوقات تقدمها وتحررها، في تجارب نضالها ضد الإمبريالية وضد قوى التخلف والتجزئة هو نقيض هذا الخط الـذي تعمل لترُدنا إليه قوى الرجعية بالتعاون مع الإمبرياليــة الأمريكيــة.

     وفي مواجهة ما يتكشف مـن تحركات رجعية ومشبوهة، ماذا تعمل قوى النضال العربي، وماذا تعمل القوى التي ترفـع شعارات التقــدم والثــورة؟؟

     إن قوى النضال ما لم تفد من تجربتها ومما عانته في الماضي، وما لم تفد من تجارب الشعوب الأخرى وثوراتها التحررية، وما لم تُحدد بوضوح أعداءها والمخاطر التي تتعرض لها، وما لم تُعزز تضامنها ووحدتها وتتقدم بخطى أوثق على طريق الثورة، فهي معرضة للسقـوط والسـحق.

     إن حرب تشرين وما خلفته من تأجج جماهيري في بداياتها، أعطت فرصاً لقوى النضال أن تتقـدم وهذه الفُرص تكاد تضيع اليوم أمام حركة التراجع والارتداد في حركة النظم التقدمية، وأمام قصور القيادات السياسية وعجزها عن النهوض إلى المستوى المطلوب من تحمل المسؤولية ومن التصدي للمهمات الثورية التي تطرحها المرحــة.

     إن الرد على المخاطر اليوم، لا يكون إلا بالإصرار وأكثر من أي وقـتٍ مضى، على طريق الثورة أي طريق الاشتراكية والوحدة وربط التحرر السياسي بالتحرر الاجتماعي بشكل جازم وقاطع.. إن محاولة فك هذا الارتباط الذي صنعته حركة الجماهير، بين التحرر والوحدة، وبيـن التحريـر والاشتراكية وبيـن الاشتراكية والـوحدة، هو اللعبة التي تلعبها اليوم داخل النظم والقوى، الإمبريالية والرجعيـة؛ ما يعشـش داخل ((النظم التقدمية))  من قيادات وسطية وانتهازية وما يترعرع من قـوى رأسماليـة جديدة متـلاعبـة وجشعـة هـو الـذي يفتـح الثغـرات أمـام القـوى الصـادة للثــورة.

     إن تجربة وحدة عام 58 ماثلة أمامنا، والانفصال إنما جاء بتآمر قـوى الـردة كما جاء أيضاً من ضعف قوى التقدم المتصدية لقيادة حركة الجماهير، ومن تخاذل وانتهازية الكثير من قياداتها، بحيث وضع بعضها نفسه في خدمة الانفصال وقوى الانفصال.. ولكن أزمة الانفصال وتألب قوى الـردة وتراخي وغدر القوى الانتهازية وتكالب القوى الامبرياليـة والرجعيـة ضـد الوحدة وضد قيـادة عبد الناصر، لم يُثنِ عبد الناصر عن طريقه الثوري ولم ينحرف بحركة الجماهير وطبقاتها الكادحة عن تطلعها الوحدوي وإصرارها على الطريق التي صنعت وحــدة عـام 58، بـل إن هـذه الأزمـة دفعت باستراتيجية عبد الناصر شوطـاً كبيراً إلى الأمـام وإلى أن يؤكـد في ((الميثاق الوطني)):

     إن وحدة الأمة العربية قد وصلت في صلابتهـا إلى حد أصبحت تتحمل مرحلة الثـورة الاجتماعية.. إن وحدة الهدف لا بد أن تكون شعار الوحدة العربية في تقدمها من مرحلة الثــورة السياسيـــة إلى الثــورة الاجتمــاعيـــة.

     إن وحـدة الهدف حقيقةٌ قائمة عند القواعـد الشعبيــة في الأمــة العــربيــة كلهــــا.

     إن وحدة عام 58 قد جاءت في مرحلة الثورة السياسية، أي في مرحلة التحرر السياسي ولإنجاز مهمات وطنية ديمقراطية، ولكنها ولكي تمضي في طريقها بالوحدة، ولكي تتمكن في أرضهـا ولكي تحمي نفسها ولكي تتسع وتمتد، وجدت نفسها مطالبة بأن تنتقـل إلى صـور الثـورة الاجتماعيـة، وأن تنجــز مهمـات التحـويـل الاشــتراكي.

     ولكن تحولها وقد بدأ أيام الوحدة من قوى، وقبل أن تُصلب عودها، وقبل أن تنهض بحركة الجماهير، التي تلتقي على وحدة الهدف وعلى ربط تحررهـا السياسي بتحررها الاجتماعي، وقبـل أن تُنظم هذه الحركة وأن تعلن مبادراتها وتجعلها هي السائدة وهي القائدة وهي الحامية للثورة وكيان الوحدة، مكن قوى الانفصال أن توجه لها طعنتها الغادرة.

     لقد ضُربت الوحدة وتمكنت منها قوى الانفصال، لأن الثورة الاجتماعية في دولة الوحدة لم تأخذ أبعادها الكاملة.. وبعد الانفصال وللعودة إلى طريق الوحدة، وحدة الجماهير والشعوب.. ولبناء دولة الوحدة، تقدم مطلب الاشتراكية، وضرب قواعـد الاستغلال، وتمكين الجماهير الكادحة من السيطرة على وسائل الانتـاج، والنهوض بها وعياً وتنظيماً لتصبح الأداة الصلبة لبناء نظام الثورة ولحماية الثورة، ليصبح هو المدخل إلى الوحدة، لأنه هو.. لتحرير إرادة الجمـاهير ولإطــلاق مبادراتهــا.

     وعبد الناصر عنـدمـا اندفـع إلى تركيـز دعـائــم التحــرر السياسي والتقــدم الاجتمـاعي والتحـول الاشتراكي في مصر كان يصنـع نقطـة البـدايـة الصحيحـة للانطــلاق الـوحـدوي في هـذه المـرحـلـة من مراحـل صراعنـا التـاريخي مـع القـوى الـرجعيـة ومـع الحـلـف الإمبريالي الصهيوني في العـالم ومـع إسرائيل أداة هــذا الحـلف وركيـزتـــه الكبـــرى.

     إلا أن هزيمة حزيران جاءت لتكشف أن هذا البناء الذي أقامه عبد الناصر، لم يكن صلباً بالقدر الكافي، وإن في النظام الذي أقامه ثغرات كبرى، وأن قوى الانتهاز والقوى الوسطية والمتخاذلة تبقى عند الأزمات وفي مراحل الخطر أو التراجع، حلفاً لقوى الـردة، ونقـطــة الضعف التي ينفــذ منهــا أعــداء الأمــة لضـرب الثـــــورة.

     فكان لا بـد مـن التغييــر وكان لا بـد مـن تجـذيــر الثـــورة وتعميقهـــــا.

     إلا أن عبد الناصر انصرف بهـم في هـذه المرحلة إلى بنـاء أداة الحرب وقـوة التحريـر وإلى بنـاء صمـود مصر في وجه الهجمـة الإمبرياليـة الصهيونيـة الشرسـة، التي كـانت تستهـدف أول مـا تستهـدف إسقـاط عبد الناصر وفـرض الارتـداد على مصر، وبالتـالي إجهـاض حـركة الثـورة العربيـة الوحدوية كلهـا.. وبنـاء قـوة مصر كانت نقطة الاستنـاد الأولى في استراتيجية عبد الناصر، لإيقاف سقـوط حركة النضال العربي أولاً ومن ثم للانطـلاق على طـريق التحريـر ومنـه إلى تحقيق أهداف الثـورة العربيـة.

     وكأن عبد الناصر أدرك ببصيرته التاريخية والثورية، أن لا بد لأمتنا أن تخوض من جديد تجربة الحرب بعزيمة وتصميم، لكي تتأصل ثورتها ولكي تقوى على التغيير الجذري، ولكي تنهض بثورتها إلى مستوى العصر.. بل ولكي لا تيأس الجماهير أو تبقى على الانتظار وما يغذيه الانتظار من تشتت ومن مشاعر العجز، باشر عبد الناصر حرب الاستنزاف وتحرك على طريق القتال، من قبل أن يستكمل بناء القوة القادرة على المضي في حرب التحــريــــــر..

     وجاءت الحرب في تشرين، جاءت وقد غاب صانع استراتيجية هذه الحرب وأداتها وطريقها عن مسرح القيادة.. إلا أن حرب تشريـن وقد بدأت كحرب اقتحام على جبهتين عريضتين وأخذت تمتد لتشمل أو لتنذر بالشمول، فإن الجماهير العربية كلها، جماهير ((وحدة الهدف)) اندفعت معها والتحمت بها وأخذت بها كحرب تحريريـة بالفعل، أي أن تلك الحرب في تصوراتها الأولى جاءت لتحقق أبعاداً كانت هي التصور الأساسي لاستراتيجية عبد الناصر، ولتطلعات الجماهير العربية، جماهير الاشتراكية والوحـدة.

     وفي حرب تشرين تفجرت طاقات أمة، وسقطت مشاعر التشتت والعجز التي صنعتها سنوات من التردد والانتظار لدى جماهير أمتنا، كما سقطت الكثير من الأساطير التي صنعتها إسرائيل في داخلها وفي العالم عن العجز العربي وعن طاقاتها الخارقة.. فالجماهير العربية اندفعت بكل تأججها الثوري والتحمت بقضيتها وأي التحام.. وباستعدادها لتقديم أقصى التضحيات ولأن تسـد بأجسادها كـل الثغرات التي يمكن أن تفتحها قوى الأعداء على أرض الوطن الكبير وفي جبهات القتال، وكان نداؤها العميق، ولـو لـم يُعلن هـذا النداء في تظـاهرات ومسيرات، أن لا يتـوقف القتـال إلا بدحـر العــدوان.

     وتكشفـت أمام العدو الإسرائيلي ومن وراء هذا العدو، تكشفت فجأة زيـف الأسـاطيـر التي نسجتهــا خــلال هـزيمــة حـزيــران وبـعـدهــــا.

     فالعرب يقاتلون، والعرب يهاجمون ويستبسلون، ووراء المقاتلين العرب طاقات أمة لا ينضب معينها، وأرض الوطن العربي عميقة وعميقة جداً في أبعادها الاستراتيجية بما لا تقوى عليه إسرائيل ولو وقفت قوى الإمبريالية والصهيونية العالمية كلها معها وفي صفها.

     وكأنه تكشف فجـأة للعـدو وللعالـم أجمع أننـا أمـة من مئـة مليون، وتمـلك طـاقـات أمـة عظيمــة.

     ففي حرب تشرين أبرز العرب طاقاتهم، وأبرزوا أسلحتهم كلها، وتقدموا بتضامنهم إلا أن الأعداء لم يخافوا ذلك التضامن الذي برز على السطح بين النظم والحكومات، فذلك التضامن له خلفياته وتكمن وراءه تناقضات ومصالح تستطيع القوى الامبريالية دائماً أن تلعب بها.. إن الذي خافه أعداء أمتنا كلهم، ذلك التضامن الأبعد والأعمى، الذي توحده المصلحة والهدف، وهو التحام جماهير الأمة ببعضها من خلال المعركة، وبمقدار ما تتسع هذه المعركة وتمتد.. فهذه الحرب منذ أن انضمت تحت شعار التحرير، أخذت تبشر الجماهير العربية، أخذت تبشر قوى الثورة بالوحدة، التي يفرضها التحرير ويصنعها التحرير، وأخـذت تُنـذر قــوى الـردة وقـوى الإمبرياليــة والصهيونيـة بهــذه الـوحـــدة.

     كان مـن المحتـم على هـذه الحـرب، أن تتحـول إلى ثـورة، أي إلى التغييـر الكبيـر في واقـع الأمــة، لــو تابعـت طـريقهــا كحـرب تحـريــــر.

     كانت ستفرض تغييرات كثيرة، وتدفع إلى اندماجات بين نظم وأقاليم وقوى، كانت ستخلق قيادات جديدة وتصميمات جديدة وتغييرات جديدة، وتنهض بحركة الجماهير لتصبح هي السائدة ولتفـرض قيـادتهــا للمسيـرة ووحــدتهـــا.

     فحرب تشرين أبرزت طاقات الأمة العربية كلها، واحتمالات وحدتها وما يمكن أن تصنعه على مسرح التاريخ الانساني والواقع العالمي من تغيير بهذه الوحدة.. ولكنها أبرزتها وكأنها تهدد بها ليس إلا، لقد جاءت حركة التفاف الإمبريالية الأمريكية عليها وحركة التفاف النظم معها، لتغمدهـا في قلبهـا.

     لكن الذين أسرعوا ويسارعون من الحكام للتوافـق مع الخطط المرسومة، ولما تُبشر به قوى كثيرة في العالم عن رغبة ((في إحلال السلام)) وسارعوا إلى ((الفصل بين القوات))، خافوا هم أيضاً من هدير الجماهير، ومن أن تصنع الحرب وحدة المناضلين ووحدة الأمة، وأن تصبح هذه الحرب ثـورة، وأن تدفع إلى أهداف ثورة ونظـام ثــورة.

     فليس الملوك وحدهم يخافون على عروشهم من حركة التقدم وثورة الجماهير، بل وكأن النظم الحاكمة العربية كلها، بما فيها النظم الجديدة والطبقات الحاكمة الجديدة، بما فيها مـن مصالح ومراكز قوى مصلحية، أصبحت كلهـا تخاف من ثورة الجماهير، ومن المضي على طريق الوحدة التي تريدها الجماهير ومن المضي على طريق الاشتراكية ومـا يفرضه من تغيير ولذلك خافت كلها من المضي في مخاطرة الحرب التحريرية، لأكثر مما هو مرسـوم لهــا ومُــحدد…

     إن الجماهير التي تجمعها ((وحدة الهدف)) لم تتردد لحظة أمام المخاطرة ولم تبخل ببذل الدم والمضي على طريق الحرب، كانت فرصتها لتأكيد دورها وإرادتها في الدفع للتغيير.. فالحرب التي أبرزت دور المقاتل العربي، ودفعت الشعب أن يسد بتضحياته وإقدامه الثغرات التي كانت تفتحها نقائض القيادات، أخذت تفرض بشمولها إشراك جماهير الشعب فيهـا، غيـر أن النظــم لـم تكن مستعـدة لمثــل هــذا الامتــــداد.

     الحـرب أبـرزت أن ((التنسيق العسكري)) بين مصر و سورية كما جـرى، غيـر كافٍ و أن امتــداد القتـال يفرض أن ينشَـد هـذا الجسر من التضامن بين القطريـن و قـد جمعتهمـا وحـدة المصيـر، أن ينشَـد بالوحــدة، لا وحـدة الحـكام في الاتـفـاق و التخطيـط فقـد ثبـت أن هــذه الـوحـدة حتى في مستوى القيــادة العليـا رجـراجـة، بـل وحــدة المقـاتليـن و الـوحـدة التي تنهض بهـا حـركة الجمـاهير و تعـزز تصميمهـا و مضيَهــا على طــريـــق الكـفــــــاح.

     و الحـرب أبـرزت الحـاجـة و الحـاجــة المُـلحـة لأن تنـدمـج العــراق بسورية من خــلال المعــركـة لتنتقـل العــراق إلى ساحــة القتــال، لا طــلائـع جيش يشارك لمعـركة محـدودة ثم ينسحب، بـل لتنـدمــج في المصيـر المشترك أيضاً و مـا يفـرضـه هـذا المصيـر من تغييـر و من وحـدة في القتـال و وحـدة بين المقـاتليـن و من وحــدة في السياسـة التي تقــود حـركــة القتــال و تصميـم المقـاتليـن.. و كـذلك كـان من السهـل أن تدمـج الحــرب ليبيــا بمصر في كـلِ شيء.

     و اليــوم نعـرف أن إسرائيل في الأيـام الأولى من القتــال كادت تنهــار مقـاومتهـا لـولا أن أنجدتهــا الولايات المتحدة الأمريكية بقصوى طـاقـاتهــا التـدميـريـــة.

     و اليـوم ندرك سر ذلك الدفـع الحثيث من الإمبرياليـة الأمريكية على طـريق ((الفصل بين القوات)) المتحـاربـة و إنهــاء حـالــة الحـــرب.

     فالإمبرياليـة تعـرف قبــل غيــرهـا، و من خـلال مصالحهـا الكبـرى و خبـراتهــا، أن امتـداد حـالــة الحـرب تحـرك براكيـن الثـورة، ثـورة الأمــة العـربيــة، و الهـدف الأول للإمبرياليـة إجهــاض ثــورات الشعــوب و تعـزيــز مـواقــع القــوى المُنـاهضـة للثــورة.

     و اليـوم تحيـك الإمبرياليـة الأمريكية لعبتهـا، و يتقـدم بهـذه اللعبـة بعض النظـم و الحكام العـرب، و كأنها إنجـاز جـاء تتـويجـاً لانتصـارات حققناهـا في حرب تشرين، و مـا هي إلا عمليـة مُبيتـة لإجهـاض المكاسب الحقيقيـة لتـلك الحـرب، و مـا فتحتـه من إمكانيـات للمستقبل العـربي و لحـركة الجمــاهير.

     و عندما ننادي اليوم جمـاهير مصر و قوى التقدم فيها للعودة إلى طريـق عبد الناصر، و إلى رفض تحـركات قـوى الـردة و القـوى التي تحـولت عن هـذا الطـريق، طـريق التصادم مع الامبريالية و طريق الوحـدة و الاشتراكيـة، و عنـدما ننـادي الجمـاهير العربيـة كلها إلى اليقظة و إلى الإصرار على الطريق الذي صنـعَ وحـدة عـام 58، و صنـعَ المكاسب الأولـيـة لحـرب تشرين، و إلى الـوقـوف في وجـه اللعبـة الامبرياليـة الجديـدة… فـلأن الصمت و الانتظـار و القعـود جانبـاً لــم يعـد جـائـزاً بالنسبـة لأي منـاضل و لأيـة قــوة تقـول بالتقــدم و الاشتراكيـة… فــلا بــد للمـؤمنيـن بطـريق الثـورة كطـريق وحيـد للتحـرر العـربي الكلي و لاجتيـاز فــاصل التخـلف و النهـوض إلى مستـوى العصـر، أن يُزيحـوا الغشـاوات عـن عيـونهــم، و أن يعـرفـوا أيـن يضعـون أنفسهـم و لا مكـان لهـم اليـوم إلا في قـلب حـركـة الجمــاهير.

     إن الانتصـارات الحقيقيـة هي التي تصنعهــا الجمــاهير و تتقــدم بنـا نحـو أهدافهــا، و كل مـا يحيـد بنـا عن تلك الأهـداف، خسارة كبـرى، أيـاً كانت البـدائـل و التعـويضــات.

     لقد تراجع العدو الإسرائيلي قليلاً و سيتراجع أكثر، و هـذا ما يفرضه منطق الحياة و منطق التاريخ.

     و لكـن منطـق الحيــاة و منطـق التـاريخ يفـرضان أن نتقـدم.. و تقـدُمنـا لـن يكــون إلا على طـريـق التحــرر و الاشتراكيـة، لا طـريـق عــون الامبرياليــة الأمريكيـة و الــرساميــل البتـروليـــة المحكومــة بسماسـرة الاحتـكـارات الـدوليــة و نـاهـبي الشـعـــوب.

     و تقدمنـا لـن يكـون إلا على طـريـق الـوحـدة، الـوحـدة التي تصنعهـا الشعـوب بنضالهـا، لا طـريـق تضـامن النظـم الاقليميـة و صعـود الطبقـات الحـاكمــة و البـرجـوازيــات الجـديــدة.

     و في مواجهـة الذين يبشرون بصنع الازدهـار و الاعمـار في المنطقـة بتغيير النهـج و التراجـع إلى المـواقـع الاقليميـة و إلى أسلـوب جديـد من الصعـود الرأسمالي و لـو تحـت قيــادات تظـل لابسـة لبـوس التقــدم و تتــزيـن بالشعـارات الاشتراكيـة و الوحـدويـة، فـإن موقفنـا هـو بالتـأكيـد ضد هـذا الحـل و إلى جانب قضيـة جمــاهير شعبنا و كل من يؤكـدون الالتزام بطـريق الثـورة القـويــم.. الطـريـق الـذي صنع وحــدة مصر و سورية، صنـع الجمهورية العربية المتحدة التي أصـر عبد الناصر على أن تحتفظ مصر باسمهـا و شعـارهــا بعـد الانفصـال، رمـزاً للإصـرار على استئنـاف المسيـرة الـوحـدويــة.

     الطـريق الذي صنع وحـدة الهـدف لـدى جمــاهير أمـة، و الطـريـق الـذي حـرك الطـاقـات النضاليـة الكبــرى لهـذه الأمــة كمـا تكشفت عنـد حـرب تشـريـن.

     و على هـذا الطـريق نكتشـف وجــود صـلـة وُثـقى في مسار حـركـة الجمــاهير، بيـن اندفاعهــا إلى الـوحـدة في شباط عـام 58 و اندفاعهـا على طريق حـرب التحـرير في تشرين، كما و نكتشف أكثـر من قـرابة و صـلـة بيـن مؤامـرة الانفصال و بين اللعبـة التي تلعبها الإمبريالية الأمريكية بعد حرب تشرين.

     فعنـدما لا يتواصل التقـدم و لا تتـلاحق خطـوات التغييـر الثـوري، و عنـدما تتـراخى قـوى النضال، و يتـراجـع التـأجـج الجمـاهيـري و ينحسر، و عنـدمـا تسـود مصالـح الحـكام فـوق قضيـة الشعب، ينفتـح البــاب للنـكسات و لقــوى الـــردة.

     و حـرب تشـرين، و بعـد سـنـوات من الإعــداد و الانتظــار، و بعـد كثيــر مـن التضحيـات دفعتهــا جمــاهير الشعب من دمهـا و جهـدهـا، كان مفـروضاً أن تعطي دفعـة تحــرريـة كُبـرى إلى الأمــام و أن تغيّــر الكثيـر.. و الدفعـة التحـرريـة التي نشـدتهـا الجمــاهير، لا تقتصر على تـراجعـات من العــدو عن الأرض الـتي احتلتهــا في عـدوان حـزيـران، بـل تستهـدف تغييــرات في الـواقــع العـربي و في الـنـظـم العـربيـة تـؤكـد التقــدم نحـو أهـداف الجمــاهير.

     و لكـن الـذي يجـري اليـوم غيـر ذلك، و كـأن تـراجعـات العـدو لا تـأتي إلا عبـر تـراجعـات عربية أيضاً.. و كأن حـرب تشرين مـا جـاءت إلا لتُثبت أننـا قـادرون على أن نحـارب و كـفى، لنرجـع بعـدهـا أدراجــاً إلى الــوراء نعـانـق الإمبرياليـة و نُسجـل لهـــا ((جهـودهــا البنـــاءة)) و نُمجـد نخـوة الرجعيـة العــربيــة  و نستجــدي سخـاءهــــا.

     لقـد قـلنــا قبـل المعـركة و إبـانهــا و بعــدهــا بضـرورة محـاصـرة ((النظـم التقـدميـة)) بالإيجـابيــة لتعطي أقصى ما يمكن أن تعطي للمعـركة و أقصى ما يمكن أن تعطي على طـريـق التـقـدم، مـن خـلال الظـرف و مـن خــلال إمكانيــاتهـــا.

     و كنـا نعـرف أن النظـم بمعطيـاتهـا و مقـوماتهـا، و كذلك بمعطيـات المـرحلة الـتي يمـر بهـا نضال أمتنـا و الـظـروف الـدوليـة التي تحيـط بنـا، لا تـؤهلهـا أن تخلـو بقضيـة نضـالنـا ضد الحلف الإمبريالي الصهيوني لأكثـر من الهـدف المرحـلي المحدد و هـو هـدف إزالة آثـار عـدوان حـرب حزيـران، و أيدنا حـركة النظـم باتجـاه تحصين هــذا الهــدف.

     و لكننـا رفضنا و نرفض بكل تصميـم أي انتقـاص من هـذا الهـدف.. كما نرفض و ترفض جمـاهير أمتنـا كلهـا أن يكـون الـوصول إلى هــذا الـهـدف، وصـولاً عـاجــزاً مشوهـــاً، و على حساب الأهــداف الكبـرى لنضال جمــاهير أمتنـا، أو بالتحـول عـن طـريـق تـلك الأهــداف.

     و اللعبـة الامبريالية الرجعيـة التي تُلعـب اليـوم، هي تطـويـق ((النظـم التقدميـة)) كلهــا (و هي و لا شك منعـة التـقـدم) و إغـراءهـــا بالتحـول حفـاظـاً على وجودهـا و مصالحهـا أو لمـزيـد من المكاسب و المنـافــع، بـل و هي تُـدخـل بعض هـذه النظـم في لعبـة تطـويـق كل القــوى.

     فأيـة قـوة تقـدم مجـدية تقـف في وجه اللعبـة و تثبُتُ ضدهـا، أي نظـام تقـدمي يقف في خـط أهـداف الجمــاهير، و يستقطب تطلعـات الجمــاهير، مثلمـا وقـف عبد الناصر بمصر بعـد مـؤامــرة الانفصال و مثلمـا صمـد بمصـر و استقطـب.. سيصبـح نقـطـة الارتكــاز لإحبـاط تـلك اللعبـة الامبرياليـة، و تمهيـداً لتجـديـــد الانطـــلاقـــة الثـوريــة، تـلك التي مهــدت لهـــا وحـــدة عبد الناصر و تـلك التي مهــدت لهـــا استراتيجيتــه لحــرب التحـريـــــر.

     فـأمـام حمـلة التـراجـع لا بـد لقـوى التقـدم و جمــاهير الاشتراكيـة و الـوحــدة أن تقـف بحــزم و أن تـؤكـد ضرورة تعميـق طـريـق الثــورة؛

     وأن تقــول: لا للفسـاد و لقــوى الانتهــاز و الـرجعـيــة،

     وأن تقــول: لا لمـن يطعنـون الخـط الاشتـراكي،

     وأن تقــول: لا لمـن يسـدون طـريـق الـوحـــدة،

     وأن تـؤكـد تصميمهــا على الـدفــاع عـن خــط التقــدم في وجـه أي ارتــداد أو تــراجــــع.

 النصف الثاني من شباط 1974

—————————
يتبع.. 5/6؛ من هذه السلسلة

التعليقات مغلقة.