الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

حـوار العمـر.. أحاديث مع الياس مرقص ….الحلقة السادسة


بالذكرى الثلاثين لوفاة المفكر المرحوم «الياس مرقص» موقع « الحرية أولاً » ينشر كتاب “ حـوار العمـر.. أحاديث مع الياس مرقص

أجراها وحررها: جاد الكريم الجباعي *

الحلقة السادسة: الفصل الرابع الانحطاط ـ النهضة ـ “

عبد الناصر والناصرية:

ـ أستاذ الياس، نقدتم الفكر القومي، بنقدكم فكر ساطع الحصري وميشيل عفلق.

# أنا نقدت ساطع الحصري ولم أنقد ميشيل عفلق وزكي الأرسوزي رحمهما الله.

ـ ولكننا لم نقرأ لكم شيئاً في نقد الناصرية بوصفها أحد جناحي الفكر القومي والحركة القومية إذا صح التعبير، أرجو أن تعالجوا هذه النقطة.

# مع العلم أني وعدتكم أكثر من مرة، منذ عشرين سنة، بأن أقوم بهذا العمل، إلا أنني كنت حذراً وإن كنت وما زلت معارضاً على الأقل لتسعة أعشار الانتقادات الموجهة لعبد الناصر، باسم شتى أنواع اليسار من ماركسي وشيوعي وقومي وبعثي واشتراكي.. إلخ. وطلبك اليوم معقول وطبيعي وسأستجيب له.

أول نقطة أريد قولها إن نقد عبد الناصر، نقد مرحلة عبد الناصر وتفكيره وأيديولوجيته، ونقد الحركة الناصرية أو ما يمكن أن نسميه الحركة الناصرية في الوطن العربي، ونقد التفكير كله، نظام الدولة، نظام الواقع، إن نقد هذا كله جزء مهم، ونوعاً ما أهم جزء في فهم التجربة التاريخية للعرب، أي في فهم تاريخ العمل العربي، وفي فهم الواقع العربي من حملة نابليون بونابرت وزمن محمد علي باشا وأشباهه في ليبيا وفي تونس وفي العراق وسوريا. وفي هذا التاريخ يجب أن نقوم بعمل تصفية حساب دقيقة، يجب أن نفهم هذا التاريخ. وما دمت سأتكلم مطولاً أسمح لنفسي أن أكرر من البداية أنني عندما أنظر إلى هذه البراكسيس، هذه التجربة العربية الطويلة أحب دائماً أن أقسمها إلى ثلاث مراحل أو ثلاث حقب: حقبة النهضة أو العصر الليبرالي، وحقبة الثورة حقبة القومية العربية، عهد عبد الناصر، وهي حقبة قصيرة، وحقبة ثالثة هي حقبة تدهور وانقسام وضياع، تغطي ربع القرن الأخير أو العشرين سنة الأخيرة. طبعاً هذه الحقب متداخلة. الحقبة الأولى الطويلة، كل هذا التاريخ الذي نحن بصدده يبدأ من قاعدة هي عصر الانحطاط أو حالة الانحطاط. لذلك يجب أن أبدأ بحالة الانحطاط.

1 ـ مفهوم الانحطاط وتجلياته :

دخل العرب، بصفتهم هذه، في مسار انحدار متنوع ومتكامل منذ عدة قرون. لذلك الانحطاط بدايات قديمة جداً وأخرى أحدث وبدايات أكثر حداثة. هناك المجتمع المملوكي والحالة المملوكية وهناك العصر العثماني وانحدار العرب من عام 1500 إلى عام 1800، ولدينا اليوم تيارات، لنسمها دينية ثورية إسلامية ثورية ارتدادية، وأصر على وصفها بالثورية والارتدادية، تنكر وجود عصر انحطاط، وترفض مقولة الانحطاط والانحدار، وتقول هذا وهم، وأن الذي اخترع هذا الوهم هم الصهيونيون الماسونيون الغربيون المتمردون، وأنهم اخترعوا هذه الأوهام ليسوغوا الكلام عن عصر النهضة. من جهتي أقلب الأمر على وجهه الآخر، هؤلاء يرفضون مقولة الانحطاط لأنهم يرفضون النهضة، فمقولة النهضة صارت عندهم عفن الأجنبي الكافر، ويمكن أن ينال هذا الموقف المساعدة من بعض الأوساط الماركسية، إذ يرى هذا البعض أن عصر النهضة هو أولاً وأخيراً عصر الامبريالية الغاشمة، عصر الغزو الاستعماري الغاشم، عصر الخراب..إلخ. إذن للناقش الموضوع نقطة نقطة: قلما يصرح التيار الديني الثوري الارتدادي بهذا الموقف، إلا من وقت لآخر، ولكنهم لا يقفون عنده كثيراً، لأن أسلوبهم يقوم على الاختزال والشعارات. وأنا أرجوهم وأناشدهم أن يقفوا عند هذا الموضوع جدياً كي نتفاهم. هل هناك انحدار أم لا؟ إذا سألتموني ما الانحدار سأثبت لكم أن من القرن العاشر إلى القرن الثامن عشر ارتفع عدد سكان إنكلترا من مليون أو مليون ونصف نسمة إلى ثمانية ملايين في زمن الثورة الفرنسية ثم إلى عشرين مليوناً فأكثر. فرنسا ارتفع عدد سكانها من بضعة ملايين في القرن العاشر الميلادي إلى 25 مليوناً في زمن الثورة الفرنسية. هذا نمو في حجم بني آدم، نمو تعداد الناس، نمو وجود البشر، أما عندنا فقد حصل العكس ركود مستمر مشفوع ببعض الانحدار ثم انحدار شديد. عام 1520م كان هناك نحو خمسة آلاف قرية تدفع الضريبة، وفي سنة 1800م لم يبق منها سوى 1500 ـ 2000 قرية. وانحدر عدد سكان بلاد الشام إلى مليون ومئة ألف نسمة حسب مختلف التقديرات، وانحدر عدد سكان مصر إلى مليونين ونصف عام 1820. في بداية عهد محمد علي باشا لم يكن عدد سكان مصر سوى ثلاثة ملايين، العراق شهد كارثة أكبر. والسؤال، ما أسباب انحدار عدد السكان في تلك الأزمنة؟ هناك أسباب عدة وآليات مختلفة متفاعلة متراكمة ومتراكبة ومتكاملة، كانت الزراعة قد تقلصت، وهي إنتاج العيش. إنتاج العيش تقلص وتراجع في العراق وسوريا ومصر وتونس وليبيا على امتداد قرون، والصحراء امتدت على الأراضي المزروعة. القرى تقلصت وبعضها ماتت، مدينة دمشق انحدر عدد سكانها إلى بضعة آلاف في القرن الثامن عشر. يرافق ذلك عادة انحدار الأمن وانحدار القانون ونمو المصادرة بدلاً من نمو الملكية، ولجوء الناس إلى كنز ما يدخرون ذهباً، أي إلغاء التراكم وإلغاء الملكية، المصادرة سقوط العقل بمختلف المعاني، سقوط العقالة بين البشر والعلاقات بين الناس، انغلاق العائلة وانغلاق الطائفة على نفسها، والخوف المتبادل وسقوط الحب بمختلف المعاني (من الغزل بالحرام إلى الغزل بالحلال) ومهما كان فإن المرأة تتحول إلى غرض. يضاف إلى ذلك امتصاص العاصمة اسطنبول للأقاليم. عندما كان الرحالة الأجانب يأتون إلى اسطنبول كانوا يجدونها عاصمة بهية، مدينة، مدينة السلاطين، أجمل وأروع مدينة في العالم. وحين كانوا يصلون إلى الأناضول وإلى حلب وحماه وحمص ودمشق كانوا يقولون الآن فهمنا سبب بهاء العاصمة، وكانوا يصفون الأناضول والعراق ومصر بالقفر والأسى والأسف والفقر (دي زولاسيو).. تحول البلاد إلى قفر وفقر يخيم عليه الأسى والأسف، أنا لا أشتم العثمانيين ولا سلاطين بني عثمان، بل أتحدث عن علاقة الإنسان بالأرض وعلاقة الإنسان بالإنسان، وقصة هذه العلاقة طويلة لا تستنفذ في أن المغول اقتلعوا الشجر أو أن العثمانيين فعلوا كذلك في الحرب العالمية الأولى.

2 ـ وجود العدم وعدم الوجود :

فلسفياً نتكلم عن الجذر اللاهوتي للفلسفة الغربية في العصور الوسطى، وبعدها فوجئوا بمسألة الله الفلسفي اليوناني الصانع المشكِّل، والله (السامي) العربي اليهودي المسيحي الإسلامي: الله الخالق من العدم. هذه نذكرها في الكتب وذكرها محمد عابد الجابري، وأنا أستميحكم عذراً لأقول شيئاً آخر: هذه المشكلة في الغرب وجدوا لها حلاً جميلاً، أو أحد الحلول الجميلة بأنه لا، عبارة الله خلق العالم من العدم يجب أن نفهمها كما نفهم عبارة النجار صنع الطاولة من الخشب، الله خلق العالم من العدم، يعني أن العدم مادة في صلب الكون، كما أن الطاولة مثبتة بالمسامير العالم مثبت بالعدم، تاريخ الإنسان صراع بين الوجود والعدم، وحين لا يجاهد الوجود ضد العدم، فإن الوجود يتقلص والعدم ينمو. عدم ماذا؟ يقول هيغل: في الوجود، في الواقع، العدم هو دائماً عدم معين، عدم شيء ما. في تاريخنا نما العدم وتقلص الوجود. وأي عدم هو الذي نما؟ عدم الوجود، عدم الزراعة، عدم الحرية والأمن والقانون والحب والكرامة. فإذا كان البشر أربعة ملايين وأصبحوا بعد 400 سنة مليوناً ونصف فمعنى ذلك أن العدم هو الذي ينمو. وهنا في عصر الانحدار والانحطاط اشتدت وتعززت وتبلورت المنظومة الأيديولوجية اللاخلقية أو المناهضة لفكرة الخلق، المنظومة الأيديولوجية الحلولية المانوية، التكرارية الدورانية والانحدارية التقلصية. حس الانحدار تغلب واتخذ صيغة أن العصر القديم هو العصر الذهبي، العصر العالي، وما بعده فساد متزايد، وعدم متزايد. فكرة المشروع سقطت، لم يعد هناك مشروع. لم يعد هناك قذف إلى الأمام، الروح ضعفت، وخفضت إما إلى روح حيوانية وإما إلى لا روح. هذه الناحية الأيديولوجية الثقافية العميقة في المبدأ الخلقي أو العقيدة الخلقية تعني أن الله هو الذي خلق العالم وخلق الإنسان واستخلفه في الأرض، فالإنسان إذن يتابع الخلق. الله خلق الطبيعة عموماً وخلق الإنسان ويومياً الله يخلق النفوس ويصنع النفس في الفرد. النفس ليست موروثة من الأب والأم، النفس مخلوقة من الله، النفس فردية، وليست جماعية، وليست وراثية. وكل قول آخر هو كفر، ومن ثم، فإن الإنسان المخلوق الذي نفسه مخلوقة هو الذي يتابع الخلق. والبشرية المخلوقة تخلق العالم المدني الذي نعيش فيه والذي هو ملكنا ونحن ملكه وإليه ننتمي. هذا العالم المدني كله خلقه ويخلقه الإنسان وهنا مسؤولية الإنسان. المجال مفسوح فيه للإنسان أن ينمو. والتاريخ الأوروبي في الاثني عشر قرناً الأخيرة هو تاريخ نشوء ونمو، مثلما كان تاريخ سوريا قبل عشرة آلاف سنة أو أكثر وتاريخ العراق ومصر القديم وما بعد القديم. لكن تاريخنا الحديث تاريخ تقلص. ولو تساءلنا على الصعيد الديمغرافي ما هي نسبة سكان سوريا إلى سكان العالم قبل عشرة قرون أو اثني عشر قرناً في عصر الرشيد أو المأمون وما هي نسبتهم عام 1800م؟ بالطبع لا أعرف الجواب، ولكن من المؤكد أن هناك عوالم تنمو وخاصة العالم الأوروبي الذي هو العالم الأوروبي الأمريكي الأسترالي، في الوقت الذي كان فيه عالمنا يتقلص.

يريد بعضهم ألا نسمي العثمانيين مستعمرين. حسناً، في الواقع هم غير مستعمرين. ليتهم كانوا مستعمرين، الاستعمار من الإعمار. بهذا المعنى الأنكلو ساكسون في أستراليا وأمريكا هم المستعمرون والبيض في أقصى جنوبي أفريقيا والهولنديون والروس في أوكرانيا والقرم وشواطئ البحر الأسود وجنوب روسيا، والصينيون في تلالهم الجنوبية، أما التركي فلسوء الحظ لم يكن سوى حاكم وجندي وجابي ضريبة، همه الرفاه. كان ماركس يقول: في حكومة الاستبداد الشرقي ثلاث وزارات: وزارة نهب الخارج (وزارة الحرب) ووزارة نهب الداخل (وزارة الجباية) ووزارة الأشغال العامة. وفي معظم العصر العثماني كانت وزارة الأشغال العامة معطلة، أو لم تتقدم، أما وزارة الحرب فقد أفلحت ودقت أبواب فيينا مرتين. شملت الامبراطورية العثمانية كل بلاد العرب ما عدا المغرب الأقصى واليمن وكل شعوب البلقان الزراعية ونصف شعوب حوض الدانوب والمجر ورومانيا وجنوبي روسيا. فيما بعد توقفت وزارة الحرب وزارة نهب الخارج وليس بإرادة السلطان واشتد نهب الداخل واختلط الخارج والداخل. انتقلت الحرب إلى الداخل، حرب الدولة على القبائل وحرب القبائل على بعضها، حالة من حالات الغزو القديمة، كأن قانون الغزو صار قانوناً عاماً مثل قوانين الطبيعة، واستمرت هذه الحالة طويلاً وظلت في بعض المناطق إلى اليوم. بعض العرب يتصورون الغزو فروسية وشعر بطولات وغزلاً وثأراً شريفاً، لا، الغزو موت ونهب وسبي نساء. هذا كله يجعلنا ندرك معنى حالة الانحطاط. كان ياسين الحافظ رحمه الله يقول لي: إقرأ يا الياس خطط الشام. أقول لـه والنتيجة؟. فيقول: دمشق كانت قبراً ويستعمل كلمة قبر، دمشق عاصمة الأمويين كان سكانها خمسة آلاف نسمة. دمشق هذه في شبابي الباكر كان سكانها ثلاثمئة ألف، في وقت من الأوقات كانت ألفين أو ثلاثة أي كانت على وشك أن تندثر مثل بابل. إن رموز الانحدار الكبرى، العالمية بابل وتدمر.. قد تقرأ اليوم مقالاً سوفييتياً أو ألمانياً بعنوان: انحدار بابل، وإذا بالمقال يخشى أن تكون بابل هي ألمانيا، أو الجنس البشري. ما أصاب بابل وتدمر وما أصاب أقواماً ودولاً كبيرة قد يصيب فرنسا أو ألمانيا أو إنكلترا وقد يصيب الجنس البشري كله. هذه الرموز العالمية الكبيرة من تاريخنا، فإذا كان وجود بابل وتدمر لم يجعلنا نفكر في الكليات فإن الذنب ذنبنا.

من حالة الانحطاط تنطلق بدايات النهضة. تريد أن تضع النهضة بين مزدوجين، أقول لا، بلا مزدوجين. وأستطيع أن أقول إنها ليست نهضة فقط، بل ميلاد جديد، مثل كلمة (البعث)، هناك ميلاد جديد، وبعث. كلمة بعث جميلة، هناك صعود من القبر. مما لا شك فيه أن حملة نابليون هذه ميزتها، محمد علي باشا هذه ميزته، لقد بدأ تحرك ما، تحرك عظيم: رفاعة الطهطاوي في كتابه رحلتي إلى باريس، هذا الكتاب الهائل جداً سنقف عنده.

التيار الديني الثوري الارتدادي يهاجم المستشرقين والرحالة، أقول: إن علم المستشرقين الكبار علم كبير جداً وعظيم جداً، وإن الذين جاؤوا إلى بلادنا منهم كانوا عظماء، ليتنا نترجم تقارير رحلاتهم إلى بلادنا. وعلى كل حال فولنيه ليس رحالة تافهاً، بل فيلسوف كبير، وإلى اليوم لم يترجم كتابه. فولنيه هذا جاء إلى سوريا ومصر لمدة سنتين، عام 1780 قبل الثورة الفرنسية وقبل حملة نابليون بقليل، كتابه مهم جداً، فهو مفكر وفيلسوف ترك أثراً كبيراً في الأدب الأمريكي وأعظم من درس فكرة الأطلال وفكرة الانحدار. فإذا كنتم ترون جميع هؤلاء كفاراً فإنني أنصحكم أن تقرؤوا يوميات البديري الحلاق “حوادث دمشق اليومية من 1740 ـ 1760” البديري الحلاق الدمشقي يكتب مذكراته عن دمشق، فهو يقدم صورة واقعية عن دمشق وعن أسلوب التفكير السائد وعن العجز واليأس، إنه يقدم صورة واقعية عن الانحدار والانحطاط. وأنصحكم بقراءة كتاب الجبرتي، وقبل الجبرتي عودوا إلى ابن إياس ستجدون فيه أن العثمانيين بعد استيلائهم على مصر صادروا سبعاً وعشرين حرفة من القاهرة ومصر، وأمسكوا بالمعلمين الجيدين من 27 حرفة وأخذوهم إلى اسطنبول وفعلوا في القاهرة كما فعل تيمورلنك في دمشق.

أنهى العثمانيون استقلال العرب . قبّل العثمانيين، أي في عهد المماليك، كانت القاهرة (مصر) هي عاصمة العرب. العثمانيون أنهو استقلال العرب. لم يعد العرب متمركزين على ذاتهم، أصبحت القسطنطينية هي العاصمة وتحول العرب إلى مادة وأداة من أدوات العثمانيين للاستيلاء على بلاد البلقان وحوض الدانوب، لم يعد العرب سادة مصيرهم. أنا أفضل مستبداً عربياً ينتمي إلى بلاده وإلى طبقة من طبقات مجتمعه يتخذ منها مستشارين ويظلون على علاقة بالبلد، على أي مستعمر أو فاتح. العثمانيون ألغوا استقلال العرب. واليوم نسمع أتراكاً يقطعون مع العثمانيين 100% في حين يريد فريق من العرب أن نمدح العثمانيين. هذا غير معقول!. كم انحدر العقل العربي!. هذا برهان غليون لا يرد إلا على منتقدي العثمانيين، على من ترد؟ المفروض أن ترد على البديري الحلاق وعلى ابن إياس ويجب عليك أن تنقل الجبرتي بصدق وترد عليه، إن لم يعجبك فهؤلاء جميعاً شخصوا حالة الانحطاط.

3 ـ فكرة النهضة :

في القرن التاسع عشر بدأ تحرك متنوع وبطيء ومتدرج، أبرزه تحرك محمد علي باشا. وبدأ مفكرون لبنانيون ومصريون وخير الدين التونسي..إلخ هذا هو تاريخ عصر النهضة. أحسن كتاب عن فكر النهضة، هو كتاب ألبرت حوراني “الفكر العربي في عصر النهضة” وعنوانه الأصلي بالانكليزية “الفكر العربي في العصر الليبرالي”، له ترجمة عن دار النهار جيدة جداً. وإنك لو جمعت عشرين مفكراً (وحكواتياً) عربياً وطلبت منهم القيام بدراسة عن رشيد رضا فلن يأتوا بأحسن من ذلك الفصل عن رشيد رضا في كتاب ألبرت حوراني. كم نحن العرب مساكين؟ إذا أردت العمق والنفاذ تجده عند هذا الكاتب، بل إذا أردت الوطنية أيضاً تجدها عنده أيضاً مع أنه متمغرب. هنا ـ بصدد فكرة النهضة وعصر النهضةـ يمكننا أن نرسم المسار الديمغرافي، ليس لدي أرقام بل تقديرات أترك للمستمع وللقارئ أن يتحقق منها ويدققها ويضبطها ويقومها: أعتقد أنه من سنة 1830 إلى 1920 ارتفع عدد سكان مصر من مليونين ونصف إلى سبعة ملايين، وتعداد سكان سورية من مليون ونصف إلى ستة ملايين حتى سنة 1945، أما العراق فقد انخفض عدد سكانه بسبب الطاعون إلى 700 ألف، ثم نهض ونما إلى مليونين فأكثر وصولاً إلى الحالة الجيدة نسبياً، وهي الانفجار الديمغرافي الذي لن أدخل في بحثه الآن. ويمكن أن ندخل فيه بعد ذلك، لأن من المؤكد أن للغرب علاقة بذلك، للإمبريالية والحضارة الغربية، ويمكن أن نضع بين قوسين منذ الآن: لولا الحضارة الغربية والأدوية الغربية والمضاد الحيوي والسلفامين والـ د.د.ت والكينا..إلخ لما كان لدينا تفجر ديمغرافي اليوم، إذا أردتم أن تشتموا الغرب وتلعنوه فافعلوا ذلك لكنه هو الذي صنع هذه الأدوية، وأسهم في تخفيض عدد الوفيات، إذ كان ثلاثة أرباع العائلة يموتون.

القرن التاسع عشر هو عصر النهضة، والقرن العشرين كذلك، وعصر استعمار واحتلال وانتصار استعماري وحركة وطنية، وعصر الحداثة والتعليم الحديث والكتاب المدرسي. لم يكن عندنا كتاب مدرسي من قبل، كان التعليم مقصوراً على الكتاتيب (ج. كتّاب). كان المتعلم من أصحاب الحظوة يقرأ المتنبي مثلاُ، ولكن لم يكن عندنا كتاب عن تاريخ الأدب العربي. ويبدو لي أننا إلى اليوم لم نؤمن بالكتاب المدرسي، ومكتبتنا خالية من المعجمات والأطالس المساعدة في التعليم.

والآن يمكن القول: إن فكرة النهضة أكيدة تماماً كما هي فكرة الانحطاط أو الانحدار أكيدة. والبرهان على فكرة النهضة صواب وإصابة. إنها فكرة مناسبة وضاربة. فلأول مرة عاد العرب إلى النمو الديمغرافي في عصر الاستعمار الغربي والانتداب والاحتلال. وعاد الوطن العربي إلى النمو. في سوريا مثلاً بدأ الانحدار منذ نهاية العصر الروماني، العصر البيزنطي بداية انحدار، العصر الأموي والعصر العباسي الأول ثبات، بعد ذلك انحدار بطيء، العصر العثماني انحدار واضح، القرن التاسع عشر والقرن العشرون عوة النمو، هذا إذا أردنا أن نرسم منحنياً ديمغرافياً لسورية يبدأ منذ عشرة آلاف سنة إلى اليوم. يمكن القول أنه كان تعداد السكان في بلاد الشام منذ عشرة آلاف سنة خمسين ألفاً، ثم صار بعد نشوء القرى مئة ألف، ثم مع نشوء المدن والدول صار مليوناً، في العصر الروماني بلغ 5 ـ 7 ملايين، ثم بدأ الانحدار إلى أن أصبحنا مليوناً أو مليون وربع. في القرن التاسع عشر عاد النمو، ففكرة النهضة إذن فكرة تلامس الحقيقة وتلامس الواقع، نما الوجود بعد تقلص.

4 ـ رهان الحداثة :

ما هي العيوب في العصر الاستعماري، وهو العصر الوطني، النهضوي؟. بلا شك العيوب كثيرة، ولسنا في معرض الفحص التفصيلي لذلك. ثمة عيوب كثيرة وأزمات ومشكلات، ولكني أفضل الحديث عما هو من الأسس، وعن القضايا المهمة في هذا العهد الطويل. أولاً في الصدام بين الوطن العربي والاستعمار هناك ثلاث مراحل: المرحلة الأولى مرحلة الهجوم الاستعماري التي انتهت بانتصار الاستعمار على الوطن العربي ممثلاً بالمجتمع التقليدي. وهذه المرحلة على العموم مرحلة حربية: الأمير عبد القادر الجزائري وسلطان باشا الأطرش، وغيرهما يقاتلون الاستعمار بالسلاح. المرحلة الثانية مرحلة كمون وسكون في الجبهة الوطنية السياسية، مرحلة اختمار داخلي وتحولات. المرحلة الثالثة هي نشوء الحركة الوطنية الحديثة بقيادة حزب الشعب والكتلة الوطنية ورابطة العلماء، في هذه المرحلة صارت الحركة الوطنية محمولة من قبل المجتمع الحديث ومركزها في المدن وسلاحها الأحزاب وليس القتال في الجبال، الإضراب والتظاهر وطلاب الجامعة والرأي العام والصحافة والأحزاب، وهذا جزء مهم من الحداثة. وقد انتهت هذه المرحلة بانتصار الوطن ممثلاً بالمجتمع الحديث، انتصار الوطن العربي على الاستعمار وإحراز الاستقلال أي جلاء الجيوش الأجنبية وخروج المندوبين السامين وخروج مليون أو مليون ونصف من المستوطنين الفرنسيين من الجزائر، منهم موظفون وكوادر وأغنياء مستثمرون ومنهم فقراء..إلخ، ونيل بلادنا استقلالاً وسيادة حقوقية وقانونية شيء مهم جداً وليس أمراً شكلياً فقط، وإنما أمر شكلي قطعي، عدنا إلى مقولة الشكل الأرسطية. ولا يوجد ما يمكن أن يبرئ قادة الاستقلال والشعب المستقل والأمة بعد الاستقلال. وأخشى أن نكون استعملنا كلمة الامبريالية (التي أستعملها الآن أول مرة) مشجباً نعلق عليه عوراتنا وذنوبنا وآثامنا وأخطاءنا. قبل الاستقلال كنا نتحدث عن الاستعمار وكان واقعاً متعيناً، وكانت الأمور واضحة، بعد الاستقلال صرنا نقول الامبريالية، وجاءت مقولة لينين أيضاً الامبريالية والاحتكارات، أي صرنا إزاء شيء خفي وغير مباشر. لم نعد نستطيع أن نقول اليوم ما كنا نقوله قبل الاستقلال. لو سألنا قادة الحركة الوطنية في سنة 1936 أو 1940 أو 1945 من هم هؤلاء الفرنسيون لأجابوا إنهم مستعمرون، هذا أكيد ولكنهم متقدمون علينا وأرقى منا. والمواطن العادي عندما كان ينظر إلى المرأة الفرنسية وهي تتسوق سافرة كان يمكن أن يقول إنها سافرة وكافرة وربما عاهرة، ولكنه يعود بعد ذلك هو أو ابنه ليتساءل ربما كان هؤلاء الفرنسيون على حق. نحن نساؤنا عاطلات في البيوت لتربية الأولاد، وهل يحسنَّ تربية الأولاد حقاً؟ وهل عندنا شيء اسمه تربية حقاً. يجب أن لا ننسى أن رفاعة الطهطاوي قال: شعب فرنسا لديه شيء واحد اسمه التربية. كأنه أراد أن يقول: نحن في مصر ليس لدينا تربية وكأن الإنسان بمفهومنا ينشأ ويكبر وحده، الله هو الذي يجعله يكبر وكفى. لا يوجد فن وعلم وتقنية اسمها التربية. والتربية من ربا يربو أي زاد ونما. التربية أخت الحرية. إنني أربي أولادي لأن أولادي عندهم حرية، ومن ثم، هناك نقاش. البلد الذي يفقد التربية يفقد الحرية معاً. حرية ابني تنمو مع نموه وتحمله المسؤولية وصيرورته سيد نفسه أكثر فأكثر وقليلاً قليلاً حتى يبلغ الاستقلال. هناك أناس يرفضون فكرة الاستقلال من زاوية المحبة، هذا غلط. الإنسان هو شخصية إنسانية، التربية فيها طرفان بل عدة أطراف.

العرض الذي قدمته وذكرت فيه سوريا والجزائر مثلين ينطبق على جميع البلدان العربية بدرجات متفاوتة، ولكن يجب أن نبرز دور مصر واستثنائية مصر، وأعتقد أننا جميعاً معتادون واعتدنا وتعلمنا وأدركنا أن مصر ليست فقط الشعب الخانع كما تصور السوري خطأ في زمن الوحدة. إذا كان المثقف السوري يصف المصري بالخنوع، لأن هوى السوري والعراقي وغرامهما وعشقهما الغضب والثورة على الطالع والنازل. تعلمنا بعد ذلك أن مصر عدا عن ميزة الهوية هوية مصر العربية المصرية الإسلامية مع الأقباط، إذ غيرها ليس لديه هوية بقدر ما لديه عقدة هوية. فالمصريون غير معقدين بالهوية، مصر لها ميزة مهمة أخرى في القرن التاسع عشر ارتبطت لديها الحداثة بالاستقلال الوطني والسيادة. محمد علي باشا وإبراهيم باشا يمثلان الحداثة والاستقلال معاً، والإنكليز والامبريالية العالمية هبوا آنذاك لنجدة القديم ولنجدة الخلافة ممثلة بالدولة العثمانية وبالطوائف في لبنان وسوريا. والخلافة ضد محمد علي وضد الاستقلال والسيادة وضد المشروع العربي موضوعياً. ربما هناك كثيرون خارج مصر ينظرون إلى الحداثة على أنها بنت الاستعمار، ولكن في مصر يفترض أن يكون أمثال هؤلاء أقل بكثير، فعند المصريين حداثة، ومحمد علي باشا اشتغل في مصر، وهنا أريد توكيد أطروحتي القديمة وهي أن عصر النهضة والاستعمار والحركة الوطنية كان له نتيجة سيئة أو جيدة وسيئة وهي خروجنا من القبر أي صعودنا إلى أمة وشعب بالمعنى السياسي للكلمة، وليس بالمعنى الديمغرافي فقط. وهذا الصعود لم يكتمل طبعاً، ولكننا صعدنا إلى ذلك. وحين استعملنا واخترعنا مفردات جديدة من نوع الأمة العربية وليس الأمة الدينية والروحية، وكلمة الشعب بدلاً من العامة، والثقافة بالمعنى الحالي للكلمة، وغيرها من الكلمات، وما أحوجنا إلى قاموس تاريخي دلالي في هذا الموضوع، كانت هذه الكلمات ومثيلاتها تعبيراً عن مجيء الجديد والحديث. ففي القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عاشت الأمة ومارست عملية صعود وخروج من القبر، صعود وتكون لشعب وذات، بداية محاولة. بعد أن أقحمنا في تاريخ العالم وفي التاريخ العالمي الذي مركزه أوروبا بصفتنا مادة وموضوعاً لهذا التاريخ، أردنا بشجاعة وبصورة طبيعية أن نتحول من مجرد مادة وموضوع إلى ذات وفاعل وصانع، إلى أمة تشارك في صنع تاريخ العالم وتصنع تاريخها هي، هذا هو الوجه العظيم. والوجه السلبي كان المرحلة التي انتهت إلى تشكيل وإلى تكون مجتمعين في كل قطر وأمتين وكذلك اقتصادين وثقافتين. وأنا أقول أمتين داخل كل قطر لا أستعمل كلمة أمة بالمعنى الرائج ولا بمعنى لينين حين وصف غربي لندن وشرقي لندن أي الفقراء والأغنياء بأنهما أمتان لتوكيد الهوية الطبقية، لم أقل أمتين طبقتين، بل قلت مجتمعين أمتين: المجتمع الحديث أي المدن الحديثة والأحياء الحديثة في المدن والمصانع والبورجوازية والطبقة العاملة والطبقة الوسطى الحديثة وطلاب الجامعات وهم قلائل بل نوادر وكذلك طلاب الثانوي وهم قلائل وبعض المناطق الزراعية القليلة المتقدمة. والمجتمع القديم والتقليدي في الريف وفي الأحياء القديمة في المدن وفي الحرف القديمة ناهيك عن البدو، ومعهم ثقافة تقليدية شعبية ومعهم مشايخ أيضاً، وكذلك جمهرة النساء، ولندع النساء جانباً لأن الأمر هكذا وهكذا. المجتمع الحديث هو مجتمع السياسة وهو دائرة الأحزاب ودائرة السياسة. وأنا أعد عملية عبد الناصر ومشروع عبد الناصر هو مشروع توحيد هاتين الأمتين في أمة واحدة، أي أن حركة التاريخ وحركة الصعود يجب أن تضم هذين الشطرين معاً الحديث والقديم، وإلا فمن المستحيل أن نتحدث عن نهضة، هنا يمثل عبد الناصر امتداداً ومواصلة للنهضة ويمثل عملية دوران وثورة وعودة إلى البدء من أجل انطلاق جديد. وفعلاً نذكر أنه في أيام معينة من عام 1955 كانت المظاهرات في دمشق مثلاً تضم الواحدة أربعة آلاف متظاهر ثم أصبحت تضم خمسين ألفاً وكنت تسمع عن مظاهرات في دمشق وحلب ومراكش والقاهرة واللاذقية والخرطوم في اليوم نفسه، يعني أن السياسة نفذت إلى المجتمع التقليدي، أي إن المجتمع التقليدي تحرك. وجاء عصر الترانزيستور وصار البدوي يسمع إذاعة صوت العرب، ونمت الحركة وصارت قومية تحررية وثورية، وصارت شاملة لمختلف طبقات الأمة للبدو والحضر وسكان المدن والأرياف وللعسكر ورجال الدين.. توسع كبير وتعمق كبير إنه بحق عصر الجماهير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التيارات الارتدادية الثورية الدينية الحالية لم يكن موقفها واضحاً من عبد الناصر وأعتقد أنه كان لديها موقف معلن يمتدح عبد الناصر من وقت لآخر، أو لا يشتمه على الأقل، وموقف ضمني هو الحقد على عبد الناصر. وأن الجماهير تلاشت حركتها وانكفأت بعد عبد الناصر وأقصد بالجماهير المعنى الإيجابي للكلمة الذي ثبت في التجربة العربية وهو أن الجماهير هي الكتل الكبرى + فكرة التقدم. من دون فكرة التقدم تتحول الجماهير إلى غوغاء وإلى مجرد كتل كبرى. والتيارات الارتدادية متطاحنة وليس بوسعها تقليد عبد الناصر ولو أرادت ذلك. ففكرة التقدم جوهرية جداً عند عبد الناصر. عبد الناصر حارب الاستعمار ولكنه لم يحارب الثقافة الغربية، وكان يعلم ويعلن أنه تنقصنا ثقافة، عبد الناصر كان يطور الأزهر وتعليم الأزهر وهكذا دواليك. ونستطيع أن نتوسع بهذه القضية، فقد كان عبد الناصر يرفع لواء السلام العالمي ويعمل في الوفاق الدولي وكان أول بند عنده تحريم الأسلحة النووية والنشاط من أجل السلام العالمي والمطالبة به، في حين نجد العرب في السنوات الأخيرة قد رموا هذا الشعار، والذين يريدون أن يقلدوا عبد الناصر رفضوا هذا الشعار، وما زالوا يرفضونه، ولا يعرفون حتى اليوم كيف يصلحون موقفهم ويسترجعون موقف عبد الناصر. فإن المطلوب من أمة العرب أن تكون في مقدمة الشعوب العاملة والمناضلة من أجل السلام ومن أجل نزع السلاح الذري وجميع أنواع السلاح. كان عبد الناصر يقول بوجود دائرة عربية ودائرة إفريقية ودائرة إسلامية لمصر، قال الدائرة العربية هي الأولى وقال بوجود دائرة إسلامية، أصدقاؤه نحو عشرين معظمهم غير مسلمين: أحمد سوكارنو وأحمد سيكوتوري ولكن هناك المطران مكاريوس ونهرو وتيتو والسيدة بندرانايكا وخروتشوف وشو إن لاي وكذلك باتريس لومومبا وربما ديغول ما دام بن بلة توسط لديغول من أجل التفاهم بين القاهرة وباريس، فدعا عبد الناصر ديغول مباشرة لزيارة مصر، هذا ما رواه بن بلة بعد خروجه من السجن. يجب أن لا ننسى هذه النقطة. وإن عبد الناصر قارئ لكتاب البحر المتوسط، ولو أنه عاش مدة أطول لرفع لواء دائرة يسميها حوض المتوسط. ومن المؤكد لو أن عبد الناصر حي اليوم كان سيمد يده إلى باريس أو بون أو برلين، سيمد يده إلى الوحدة الأوروبية من أجل التفاهم، ولو أنه موجود كان سيرحب بالتفاهم بين موسكو وواشنطن، في حين نجد ثواراً من العرب ينتابهم الحقد والعداء والخوف من التفاهم الدولي، كأنهم يتصورون أن العرب سينتصرون لو حدثت حرب عالمية فتاكة، وهناك من يتصور أن انتشار الإرهاب الدولي يمكن أن يدمر باريس وليس القاهرة ودمشق وطرابلس وبغداد والجزائر، كأن هذه العواصم والبلدان لا يصيبها الإرهاب الدولي. فإذا حصل لقاء اليوم بين الإرهاب والسلاح النووي فالمشكلة خطيرة. ربما تجد بعد عشر سنوات إرهابياً يحمل سلاحاً نووياً في حقيبته ليفجر ويموت. هناك من يتصور أن هذه المشكلة خاصة بأوروبا وليست مشكلتنا. لماذا فقط لأوروبا وليس لنا أيضاً؟ وهناك من يظن أننا معصومون من مرض السيدا. نحن لسنا معصومين من أي شيء على الإطلاق، ما يصيب الشعوب الأخرى يصيبنا ويمكن أن يصيبنا قبلها.

5 ـ تسييس الشعب :

لقد سميّتُ عصر عبد الناصر بعصر الجماهير. وأريد أن أذكر أنه في أيام معينة من عام 1955 (باندونغ) و56 تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر و58 الوحدة بين سوريا ومصر وثورة 14 تموز في العراق و1961 الانفصال السوري و1963 في 8 آذار و1967 هزيمة مصر وهزيمة العرب أمام إسرائيل و1970 وفاة عبد الناصر.. في أيام محددة من هذه السنوات كنا نرى تحرك الجماهير في جميع العواصم العربية وفي جميع المدن والقرى، كان التحرك عفوياً ولكنه كان ضخماً. يوم وفاة عبد الناصر بكاه الناس بمن فيهم من كانوا في السجن في عهده، لأن لدى الناس شعوراً بخطورة ما ستكون عليه الأوضاع بعده. كان الناس في كل مكان يشاركون في جنازته الرمزية. رجل يموت فتعمل له جنازة رمزية، يهزم فيثبَّت في منصبه ومكانه. جميع الفذلكات والأدلجات التي تحدثت عن ذكاء عبد الناصر وعن تكتيكه في تعيين زكريا محي الدين حتى يرجعه الشعب أو أن عبد الناصر سيحرر فلسطين من البحر إلى النهر أو أن ضباط الطيران كانوا هم المذنبين.. هذا كلام لا يقبله العقل فالمذنب الأول في هزيمة 67 هو عبد الناصر لأنه رأس الدولة وليس في ذلك شك. تبرئة عبد الناصر هي إهانة كبيرة لـه. وخطابه كان واضحاً يوم الاستقالة. هؤلاء الذين يريدون تحنيط عبد الناصر وتحويله إلى مومياء ووضعه في السرمدية وفوق التاريخ ويصرخون باسمه ويعملون بعكسه، دائماً هؤلاء يهينون عبد الناصر.

في الغرب هناك من يقول إن عبد الناصر هو ملك الديماغوجيا. هذا الكلام مغلوط. أنا أقول: إن عبد الناصر كان يمثل العقل ضد الديماغوجيا. وكنت أتمنى لو أنه كان يكرر ما قاله في غزة يوماً: أنا ما عنديش خطة لتحرير فلسطين، ولو كان لي أن أنصحه لنصحته بتكرارها في إذاعة صوت العرب يومياً. وليته قسم العرب (وهم مقسومون) بين الديماغوجيا والعقل وبين المزايدة والعقل، وبين العقل وكل أنواع المزايدات.

بعد عبد الناصر جاءت مرحلة ثالثة، حقبة انحدار وتمزق، طبعاً هذه الحقبة الثالثة بدأت ضمن الحقبة السابقة ولا مجال لتبرئة تلك الحقبة الثانية من الحقبة الثالثة، يمكن لأحدنا أن يبرئها ولكن هذا غلط، ويمكن القول إن الحرب على عبد الناصر من اليسار، يعني من قبل الشيوعيين والقوميين ولا سيما القوميين العرب الذين صاروا فيما بعد ماركسيين لينينيين ومن الفلسطينيين عموماً وحواتمة وحبش خصوصاً، كانت نتيجتها الانتصار على عبد الناصر وتمزيق الحالة وتضييع الدنيا. ولكن المرء يتساءل: ما موقف عبد الناصر من هؤلاء جميعاً؟ ألم يستطع أن يدرأ هذا الموضوع، وإلى أي مدى فهم هذا الموضوع؟ هذا من جهة، ومن جهة ثانية، إن هذا الموضوع ليس كل شيء، فثمة ما هو أكثر من ذلك، وغير ذلك، ثمة سياسة عبد الناصر وفهم عبد الناصر وأيديولوجيته وطريقة تفكيره. وهناك دولته ونظامه ومجتمعه، وهناك أمة العرب. وهنا نعود إلى ياسين الحافظ الذي أستطيع القول إنه أجاد جداً عندما أشار إلى المجتمع وإلى التخلف والتأخر ولم يبرئ عبد الناصر أبداً. وأعتقد أنني سأتحفظ على مقولة البورجوازية الصغيرة في مرحلة من تاريخ ياسين، إذ لم يكن الكلام عن البورجوازية الصغيرة في مكانه، معظمه لم يكن في مكانه، فلو كانت الطبقة العاملة في السلطة فهل يعني أن الأمة لم تكن لتنهزم؟ وحول ستالين وهتلر، هل انتصر ستالين على هتلر لأنه يمثل الطبقة العاملة؟ يقولون اليوم إن ضحايا الحرب نحو ثلاثين مليوناً وليس عشرين مليوناً كما قالوا من قبل، هناك أقوال مختلفة لا أستطيع أن أحل الأمور بقولي إنه يمثل الطبقة العاملة وكذا وكذا. هنا يجب أن نفصل ونفرز حكاية الطبقة العاملة والبورجوازية الصغيرة عن قضية التأخر وقضية المجتمع وقضية الأمة وقضية الحضارة وقضية فكرة الدولة..إلخ هذا هو الذي يجب أن نمسك به في المستقبل، هذا هو الصحيح. لو تسألني ما هو حكمي الأخير على لينين أي على لينين في ذروة لينينيته الجيدة أقول: إن لينين في السياسة الاقتصادية الجديدة نظر إلى مشروع التمدن على أنه مشروع ثقافي تاريخي طويل وشامل لكل المجتمع ولكل الناس وهذا شيء عظيم جداً جداً، ولكن من جهة ثانية بقي لديه وهم حول الطبقة العاملة، كأنها سحر. كأنه إذا ضاعفنا وأكثرنا أي ضممنا إلى اللجنة المركزية خمسين عاملاً فلسوف تنحل مشاكل النظام. إنني لا أرى هذه القدرة السحرية وإنني منذ 25 سنة كنت أشير بأن هذه لا تعجبني. ففي الوقت الذي يتكلم فيه لينين عن الطرق والمواصلات والجرارات والكهرباء ويتكلم عن السوفييت وعن حلف العمال والفلاحين وعن الفلاحين أوافقه. وعندما يتكلم عن المدرسة وضرورة ألا يجوع هذا المعلم وأن يأكل خبزه.. كتابات لينين في سنة 1921 ـ 1922 أوافقه عليها، وإنه لشيء جيد جداً أن يتكلم عن عيوب الأشخاص الذي هم حلفاؤه: تروتسكي وستالين وغيرهما. أما قصة هذا البند: الطبقة العاملة، فلا. إنني لا أريد عمالاً، أريد مثقفين، وماذا أقصد بالمثقفين، ليس المثقفين الذين نعرفهم، لا، فمن الممكن أن يكون المثقف الذي أقصده عاملاً وابن عامل منجم ويكون مثقفاً ممتازاً، لا أريد مناضلين أريد مثقفين، مفكرين. المناضلون الذين لا أريدهم هم الذين يحتلون مكاناً ليس مكانهم الصحيح، فإذا أبدى مناضل شجاعة وذكاء وأريحية وفدائية في الحرب الأهلية فهل أضعه رئيس جامعة، أو مدير مصنع؟ لا ذلك لا يصح ولا يجوز. إذا كان لديه مؤهلات رئيس جامعة أو مدير مصنع أضعه حيث تقضي مؤهلاته. أما أن نقول له أبليت حسناً في معركتنا ضد القوزاق وسوف ندربك ستة أشهر ثم نضعك مدرساً لعلم الاقتصاد السياسي الماركسي، فهذا كلام فارغ.

الثقافة قضية كبيرة وطويلة وشاقة. لينين رفع لواء الثقافة بلا شك ورفع لواء الثقافة البورجوازية خاصة، وكنت أتمنى لو تصالح مع أبناء النبلاء، ولو تكلم عن ثقافة النبلاء لأن روسيا بلاد نبلاء أيضاً، فمن الممكن أن يكون هناك مهندس نصف ميسور أو فقير وأبوه نبيل من النبلاء. أنا أقول أهلاً وسهلاً إذ يمكن أن يكون هذا المهندس وطنياً أكثر من نصف رفاقنا في الحزب ومن غير الضروري أن أقحمه في مهمة صنع الثورة البروليتارية في أستراليا. مهمته أن يبني وطنه. وهنا أعود إلى ياسين الحافظ. يجب أن ننتهي من قصة البورجوازية الصغيرة والطبقة العاملة، اشعر أنها قضية مغلوطة في الأصل وهذا الشعور كان يلازمني طوال عمري واليوم لم تعد مقبولة ويجب أن تصحح، وياسين تجاوزها أيضاً وصححها في الآونة الأخيرة.

6 ـ نقد وتأسيس :

يبدو أننا نتكلم كلاماً متقطعاً. أعود إلى نقد عبد الناصر مباشرة، فكل نقد وجه إلى عبد الناصر من اليسار مرفوض، أي يسار كان. نقد عبد الناصر باسم الطبقة العاملة، باسم الجماهير الكادحة، باسم الكاستروية أو الماوتسي تونغية، أو باسم لي مبياو أو ليم بياو + فانون + غيفارا. إنني أذكر أشخاصاً مختلفين لكن المعنى مفهوم: باسم تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، باسم شعب عربي واحد لا شعبين أو أمة واحدة وشعب واحد.. لا، إنني أفضّل مليون مرة صيغة عبد الناصر: أمة عربية وشعوب عربية أو شعوب الأمة العربية، الأمة العربية. فهناك قوم عربي، في الأساس، كبر وكبر وزاد، التاريخ حمل لهذا القوم العربي نمواً مطرداً، حتى في عصر الانحدار والانحطاط: اللغة العربية تمتد وتتوسع وتصبح شعبية وعامية..إلخ وهناك أقطار عربية، وشعوب عربية وعبد الناصر طرح صيغة شعوب عربية وأمة عربية، هذا الموقف قريب من الشعب وهو موقف معقول وسليم. بخلاف الموقف العروبي الذي لا يقبل إلا بكلمة “شعب عربي” هذا الكلام ليس لـه معنى. هنا أريد أن أروي واقعة طريفة: عام 1959 كنا في جريدة الجماهير، فكتبت مقالاً عن أحمد عرابي، قلت فيه إن حركة عرابي أكدت عروبة الشعب المصري والجيش المصري، فجاءني أحد أصدقائي من العروبيين القومويين يُعرب عن استهجانه واستهجان “الشباب” قولي الشعب المصري والجيش المصري، وإذا به يريدني أن أقول إن حركة عرابي أكدت عروبة شعبنا في الإقليم الجنوبي وجيشنا في الإقليم الجنوبي، فدهشت من هذه المزايدة وقلت لـه: ربما ترجعوننا غداً إلى رمسيس وإلى عمر بن الخطاب. إذن كل نقد وجه إلى عبد الناصر من اليسار كان مغلوطاً سواء كان باسم فلسطين أو باسم الوحدة العربية، والشعب العربي الواحد والعلم الواحد وغيره من الرموز، أو باسم البروليتاريا وحزبها الثوري والجماهير الكادحة والاشتراكية العلمية والماركسية.. هذا كله مغلوط ومرفوض، وأنا لم أومن به طوال حياتي. ولم أعلق آمالاً على الاتحاد الاشتراكي العربي ولا على حزب الطليعة والحزب الطليعي وإذا عدت إلى كتابي “نظرية الحزب عند لينين” تجد أنني لم أتبن شيئاً من هذا.

إذن ما هي مقاربتي النقدية لعبد الناصر؟ هذه المقاربة تتضمن عدة جوانب: أولاً أعتقد أن عبد الناصر لم يعط القضية الثقافية والفكرية حقها الكامل، مع أنه أعطاها أكثر بكثير مما أعطتها إياه جميع الأحزاب التقدمية، ولكنه لم يعطها كفايتها. كانت تحتاج إلى أكثر من ذلك الذي قدم. الثقافة بمختلف المعاني. ولعبد الناصر نفسه كلمات جميلة في هذا الصدد منها قوله: إننا بنينا السد العالي ولم نستطع توفير النظافة في مستشفى القصر العيني. ولعله فكر بأننا شعب نكرر الحديث النبوي “النظافة من الإيمان” ولكننا في الواقع لسنا مع النظافة. وإننا لنلاحظ أن أغلب الناس الميسورين وشبه الميسورين يؤمنون بالنظافة داخل بيوتهم، ويمكن أن يؤنبوا زوجاتهم من أجل ذلك، ولكنهم في الوقت ذاته يرمون أعقاب سجائرهم وقمامتهم ومهملاتهم في الشارع العام. نريد النظافة في بيوتنا ولا نريدها في الحديقة العامة والشارع العام (والأماكن العامة والمرافق العامة، نصون ما هو ملكنا الشخصي ونعيث فساداً وتخريباً في الملكية العامة الاجتماعية). هذا جزء من موضوع الثقافة التي هي تشكيل الإنسان وتربيته. ولعبد الناصر قول آخر ورد في كتابه “فلسفة الثورة” حول الأحزاب في مصر، حين جاءه ممثلو هذه الأحزاب تباعاً وكان كل حزب يغض من شأن الأحزاب الأخرى، فوضع عبد الناصر يده على الخلفية المملوكية للمجتمع المصري، من وراء الستار كل واحد ضد الآخر، ومعروف أن ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني.. تعاملوا مع عبد الناصر على هذا النحو من اليوم الأول. ربما تقول لي كانوا مختلفين فيما بينهم ونقلوا خلافاتهم إلى عبد الناصر، أقول: حسناً، ولكن ليتهم أعلنوا خلافاتهم للشعب، وليتهم خاطبوا عبد الناصر علناً وجهراً وواجه بعضهم بعضاً أمام الناس وأمامه. الشعب كان يتصورهم متفقين فإذا هم مختلفون، لماذا لم يخبروا الشعب بخلافهم فيدخلونه في مشكلاتهم أم إنهم نخبة سماوية؟.

ثانياً: إن عبد الناصر قائد عسكري، ضابط، عندما نطلع على نوعية الكتب التي قرأها يوم كان شاباً وأستاذاً في الكلية الحربية، نجدها كتباً مهمة. ولكن، بماذا كان يفكر عبد الناصر وما هي مسائله وأسئلته ومعضلاته، وعم يبحث؟ إنه يعرف عم يبحث ولكن هناك أناساً لا يعرفون عم يبحثون وما هو دورهم وإن هؤلاء لا يرون شيئاً ولو قرؤوا كل كتب الأرض. ومع ذلك أؤكد أن عبد الناصر لم يول الثقافة والفكر حقهما. وهناك نقطة تتعلق بذلك، فأنا لا أنتقد عبد الناصر لنقص العلمية، أنتقده تقريباً بالعكس، فقد كان في كثير من الأحيان،  ينجر إلى العلموية. ففي اليوم الذي قال فيه: لا توجد إلا اشتراكية واحدة هي الاشتراكية العلمية قرنها بالجرار كأنه يقول لا توجد مئة طريقة لقيادة الجرار بل طريقة واحدة. يومها لم أكن مسروراً بهذا التعبير “الاشتراكية العلمية”. وإذا سألتني ماذا كنت يومها؟ أقول: كنت ماركسياً. سمني ماركسياً ولكن لا تقل عني اشتراكياً علمياً. هذه العبارة لا تعجبني. وأذكر يومها أنني طرحت هذه المسألة على ياسين الحافظ فقال ياسين إن عبد الناصر يرد على مقولة الاشتراكية العربية والاشتراكية الإسلامية وكذا.. قلت له: نعم، ولكنها تتضمن جانباً آخر، إنني لا أريد أن يقع عبد الناصر تحت تأثير المناخ الوضعوي والعلموي، وهذا الوقوع هو أصلاً ضد شعبية عبد الناصر أيضاً. كنت أريد منه أن يكون مع العلم ولكن هناك فارقاً كبيراً بين العلم والعلموية. ومشكلتنا أنه لم يكن هناك ماركسية ديالكتيكية تحاور عبد الناصر وتجادله، وتقف معه فكرياً نداً لند تناقشه ويناقشها. ولكن، لو أن عبد الناصر تبنى “نظرياتنا” قبل ثلاثين عاماً لما كان عبد الناصر بتاتاً. إذ لم تكن “نظرياتنا” أفضل من نظرياته. فقد تبين أن الزراعة الكولخوزية السوفييتية لم تكن أحسن حالاً من الزراعة المصرية.. وحكم حزب الطبقة العاملة لم يكن أفضل من حكم بيروقراطية عبد الناصر، حتى على صعيد الرشوة. فقد وجد في بلدان أوروبا الشرقية أكثر من صلاح نصر.

روى لي أحمد حمروش مرة أن في الماركسية عشرين نقطة تبنى منها عبد الناصر سبع عشرة نقطة واعترض على ثلاث. ومما اعترض عليه أذكر مسألتين أولاهما تتعلق بالدين. رفض عبد الناصر موقف الماركسية من الدين، يومها سررت بموقفه هذا، فنحن نعرف أن عبد الناصر يصلي وربما يصوم وأن إيمانه العقيدي ليس مثل إيمان المسلم المتوسط، وأنا أعتقد أنه كان أكثر انفتاحاً على ما يسمى الباطنية وعلى التصوف وعلى قضايا مختلفة من هذا القبيل. وهذا شيء جميل وطبيعي من إنسان مسلم مؤمن بالإسلام وبالله ورسوله ويشهد الشهادتين وإذا حج يحج من قلبه. وعندما قالوا لي إنه رفض موقف الماركسية من الدين وإنه متمسك بالدين قلت لهم معه حق. والمسألة الثانية تتعلق بقيادة الطبقة العاملة فهو غير مؤمن بقيادة الطبقة العاملة. وفي هذه قلت لهم معه حق أيضاً. وقيل لي إن أحمد حمروش روى، ثم قرأتها بعد ذلك، أن عبد الناصر اعترض بشدة عندما وجد أن عاملاً يمكن أن يرأس ضابطاً وامتعض من ذلك، وأن عقله البورجوازي الصغير رفض ذلك. والله، ربما أنا كذلك أيضاً، يمكن أن أمتعض ولا أقبل، ولا أعرف كيف يكون موقفي بالضبط. وعلى كل حال هذا متوقف على العامل نفسه لكي لا نتسرع في الحكم، ولن يكون لدي رد فعل مباشر، ولكن إذا وجدت إن هذا العامل دون مستوى المسؤولية لا بد أن أعترض. ويقولون لي ألا تؤمن بقيادة الطبقة العاملة، أقول: بلى وبحزب الطبقة العاملة أيضاً، ولكن لا أقبل أن يقود فلان فلاناً فقط لأنه فلان. ما هي الطبقة العاملة؟ تمهلوا قليلاً، ما هذه الديماغوجيا العمالية؟ طبعاً عبد الناصر كان معه حق. ماذا، هل تلومونه لأنه لم يقم كولخوزات؟ ربما رويت لك مرة أن خروتشوف حذر عبد الناصر من إقامة كولخوزات في مصر. كان ذلك على شاطئ البحر الأحمر عام 1964 أي قبل سقوط خروتشوف بقليل. وقال له أيضاً ليكن معلوماً أن بوخارين كان على حق وأن تروتسكي وستالين معاً مجنونان وبوخارين هو الأمين لخط لينين. ومن المعروف أن خروتشوف كان يستعد لرد الاعتبار لبوخارين، ليس فقط لتبرئته من تهمة التجسس، بل ليؤكد أن خطه كان هو الصحيح. ولو حصل ذلك لكانت نقلة كبيرة في مسيرة خروتشوف. وإنني أتساءل الآن: ترى هل كانت هذه النقلة المتوقعة هي السبب في سقوط خروتشوف؟ لأن قيادات كثيرة ورجال مخابرات سيذهبون معها. لو فعل خروتشوف ذلك لألقى الشبهة على كل الخط الذي ساد زمن ستالين.

في مقاربتي النقدية لعبد الناصر أيضاً أن عبد الناصر كانت تنقصه الفلسفة ، لم تكن لديه فلسفة، ولم يكن لديه أحد يقوم بذلك. وربما لذلك طوى عبد الناصر وعصر عبد الناصر العصر السابق بسرعة وطويا معه قضايا كبيرة ومقولات مهمة برزت في عصر النهضة. هذا خطأ كبير. كلنا يعرف أن عبد الناصر خفّض سعد زغلول ومجد مصطفى كامل أكثر مما يستحق، مجد كذلك أحمد عرابي أكثر مما يستحق. هذا غلط. ربما كان عبد الناصر يعيد النظر في ذلك في سنواته الأخيرة. يعني كأن عبد الناصر والضباط الأحرار، العسكر، جاؤوا لنقض عصر الوفد وأنهم كانوا يستطيعون أن ينقضوا أكثر فأكثر. وهذا طبيعي في مجال السياسة الداخلية فالوفد مد يده إلى الانكليز ووقف ضد الملك فاروق الذي كان يمثل الاستقلال عام 1941، وأن الوفد تراجع وصعدت قوى أخرى. كان الوفد يمثل 90% من مصر فصار يمثل 60% ثم 40% بعد ذلك. عبد الناصر كان يستطيع أن يطوي العصر الوفدي والتاريخ الوفدي أكثر فأكثر، ولكن هذا غلط. المفروض أن يدرك عبد الناصر أن مرحلة الوفد مرحلة حقيقية وأن للوفد شعبية كبيرة حقيقية. صحيح أن البدراوي باشا قال كذا وكذا وسائر الباشوات، ولكن ربما كان كثير من الفلاحين إلى جانب الباشوات. على كل حال هذه مراحل التاريخ. أما على صعيد المقولات، مقولات عصر النهضة فإنها لم تدرس، بل طويت، المسائل التي كانت مطروحة لم تُتابَع. في أواخر عهد عبد الناصر أعيد طبع كتاب علي عبد الرازق “الإسلام وأصول الحكم” هذا شيء مهم، ونشرته مجلة الطليعة وهذا أهم. هذا أحسن عمل قامت به مجلة الطليعة، مع أنه جاء متأخراً. مقولة الحرية، مقولة الديمقراطية.. ويجب أن نعترف أن محمد حسنين هيكل كتب حول أزمة المثقفين وأزمة الديمقراطية ولكن هذا أيضاً جاء متأخراً ولم يتابع جيداً. ويجب أن نعترف أيضاً، بالمقابل، أنه لم يكن هناك من يتابع هذه الأمور. هل الشيوعيون مثلاً كانوا سيتابعونها. لم يكونوا قادرين على ذلك، ولم يكونوا ديمقراطيين. فهم بعد أن خرجوا من سجون عبد الناصر وغالبيتهم مثقفون جيدون وطيبون لم يكونوا قادرين على ذلك نفسياً وفكرياً. متابعة هذه المسائل تحتاج إلى ثقافة كبيرة لكي تدرس الديمقراطية بدون تسرع. ويجب الفصل بين الديمقراطية ومقولة الديمقراطية والهدف الديمقراطي من جهة وحزب الطبقة العاملة الصنديد هذا من جهة أخرى. ألم يكن المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي السوفييتي والفضائح التي كشف عنها تحفز على إعادة النظر في كل شيء؟. الماركسيون المصريون بتسعة أعشارهم لم يعيدوا النظر، بل رفضوا إعادة النظر كأن وظيفتهم باتت هي الوساطة بين القاهرة وموسكو، وسطاء خير بين الوطن والمعسكر الاشتراكي، في حين كان يجب أن تكون مهمتهم غير ذلك. يجب أن يكونوا طليعة مصر وعلى علاقة وثيقة مع الشعب وأن يطرحوا مسائل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومسألة القانون واستقلال القضاء.. هذا كله يجب أن يدرس، وكذلك كلمة صناعة ماذا تعني وكلمة زراعة وكذلك مسألة حقوق المرأة أو ما يسمى عندنا قانون الأحوال الشخصية. ما هذه الأحوال الشخصية؟ الظاهر أننا في مصر وعندنا ابتكرنا في القرن التاسع عشر شيئاً اسمه الوضع المدني أو الحالة المدنية وشيئاً آخر اسمه الأحوال الشخصية. عندما قرأتها ورأيتها مؤخراً فوجئت. أذكر أنني حين وصلت إلى بلجيكا للدراسة أواخر 1946 وكان عمري يومها سبعة عشر عاماً، ملأت استمارة من خمسة أسطر: الاسم والكنية، والعمل أو المهنة وبعد ذلك الحالة المدنية: عَزَب أو متزوج أو مطلق. هذه هي الوضعية المدنية، الأحوال الشخصية. الأحوال الشخصية هي الوضعية المدنية، وإذا بها عندنا غير الوضعية المدنية. فهي الأحوال المذهبية والطائفية، لكنها تبينت أنها الحيوانية. إذن الزواج والطلاق خارج المجتمع كمجتمع، خارج المدنية، خارج الحالة المدنية. إلى متى يظل الزواج عندنا يعقد بعقد سري، كم رأينا مثل هذه الزيجات السرية؟ أمس رأيت ذلك في مسلسل دمشقي، (مسلسل أبو كامل)، وهذا في الواقع كثير وجله غير معروف. يجب أن ننتهي من هذا. إلى متى نظل نقلد الفقهاء ونتبعهم. فكروا في هذه القضايا من جديد. قاسم أمين بدأ التفكير من جديد ورأى في الزواج رباط ود ورحمة، وكل ما قاله الفقهاء ثانوي وتافه. يجب العودة إلى الآية القرآنية لاستنباط شيء جديد منها، شيء إنساني يؤمن بالأسرة ككائن جديد ككينونة جديدة وليس كامتداد لخط الجد والأب الذكوري إلى ما لا نهاية. الأسرة كائن جديد: أنا وأنتِ اتفقنا على إنشاء كينونة جديدة هي الأسرة. هذه الأسرة، هذه العائلة شيء جديد. إذا كنا غير مؤمنين بجديد في ميدان العلاقة بين المرأة والرجل فكيف نؤمن بجديد في ميدان المجتمع ككل؟ كيف نتكلم عن تقدم وعن تطور إذا كنا في الموضوع الروحي البيولوجي، الاجتماعي البيولوجي الذي هو الزواج والعائلة لا نؤمن بشيء جديد، بتأسيس لجديد ونشوء لجديد، فكيف في مستوى الأمة والوطن والسياسة والمجتمع؟ عندما يقول الكثيرون: نريد تطوراً وتغييراً وتجديداً. أقول هذا كذب، لا تريدون جديداً. لماذا؟ لأن هذه الذي تسمونه تطوراً وتغييراً وتجديداً مضروب في ما تسمونه خلية المجتمع (العائلة) تضربون الموضوع من أساسه، تضربون التقدم والصعود والارتقاء.

وما دمنا أتينا على ذكر التيار الديني، أرى أن الحل ليس في المباحثية، وليس بإرهاب الدولة وليس في السجن والتعذيب، هذا كله يجب أن يُدان من قبلنا، وكذلك يجب أن نعترض على إدانة جميع الأحزاب لعبد الناصر بدعوى اضطهاد عبد الناصر لها، لأن جميع هذه الأحزاب كانت أيديولوجياتها وبرامجها تعلن أنها انقلابية، وإذا تسلمت السلطة ووصلت إلى الحكم فسوف تستأصل الشيطان أيضاً. ها هم الشيوعيون في الاتحاد السوفييتي وفي أوروبا الشرقية وفييتنام وغيرها ماذا فعلوا؟ أصحاب هذه الأيديولوجيات والبرامج لا يحق لهم أن يهاجموا عبد الناصر بتهمة اللاديمقراطية والمباحثية فهم كاذبون وبلا مصداقية. أنا أريد ديمقراطية لي ولغيري، أريد الديمقراطية لي وكذلك لخصمي، أو لا أريد الديمقراطية بل أريد سلطتي وحكمي. وفي أحسن الأحوال كأنني أقول لعبد الناصر: لماذا اضطهدتني وأنا وطني، وهناك غيري غير وطني؟ وفي أسوأ الأحوال كأنني أقول له: لا يجوز لك أن تضطهدني لكني إذا تسلمت السلطة فسوف أضطهدك أنت وكل جماعتك. ولكن هذا كله لا يسوغ أن نمتنع عن شجب وإدانة جميع حالات الاضطهاد وجميع حالات نقض حقوق الإنسان، ولا يجوز أن نمتنع عن شجب وإدانة السجن بلا محاكمة، والتعذيب والقتل والموت في زمن عبد الناصر وعهده. ولا يجوز أن نقبل حجة من يقول إن هذه الأعمال قام بها عبد الحميد السراج أو زكريا محي الدين، بل يجب أن نقول إن هذه الأعمال تمت برئاسة عبد الناصر وأهلاً وسهلاً. فهل سنكتب التاريخ غداً ونقول مثلاً إن بطرس الأكبر غير مسؤول عن كذا وكذا، بل إن بعض المواطنين هم الذين أخطأوا وهؤلاء حفنة أرذال؟ أو إذا قام واحد وقال: لا، إن بطرس الأكبر هو المسؤول وهو الذي قام بكل ذلك فهل نقول لـه: يا كلب أنت ضد بطرس الأكبر؟ ليس هناك في التاريخ رجل عظيم بلا أخطاء، وليس هناك أحد بلا أخطاء. ولكن السؤال ما هي سياسة ذلك الرجل؟ أليس سياسياً؟ أم هو حلاق أو حذاء؟ حتى الحلاق يجرحنا قليلاً ونختلف مع ذلك الحذاء ولا ندفع لـه إذا كان هناك عيب في صنعته. أما القائد السياسي ومؤسس الدولة فإن أخطاءه تكون أكبر وأخطر هكذا الناس والتاريخ.

يجب أن نتجرد كلياً من القناعة الضمنية العاطفية أنه كان من الممكن بفضل عبد الناصر وحركة الجماهير أن نحقق الجنة على الأرض. هذا النفس الضمني غلط، وهذا غير موجود سويسرا ليست جنة وكذلك السويد، ويجب أن نعلم الناس أنه جريمة منا وكفر منا أن نتصور أن ما أصابنا، نحن العرب، أسوأ مما أصاب شعوباً أخرى على الكرة الأرضية. وأخيراً عرفنا أن الاتحاد السوفييتي ليس جنة، ولا كمبوديا.. يجب أن نعلم الناس الهدوء والنظر بهدوء. ما أصاب شعوب الأرض أكثر بكثير مما أصابنا وكذلك الكمبوديون. وفي رأيي أن تسعة أعشار شعوب أوروبا أصابها في القرن العشرين أكثر مما أصابنا بكثير، أما إذا كنا نتصرف عاطفياً وذهنياً كأننا صغار أو نتصرف بتجارة ديماغوجية فإننا نتصرف بغرور كأننا بشر من طينة أخرى أو ملائكة أو أبطال والمفروض ألا يصيبنا سوء وألا يضربنا أحد. لماذا هذا التصور؟ أليس كل الناس يضربون عندنا وعند غيرنا، أما زلنا على هذا الاعتقاد؟.

عبد الناصر دخل فعلاً في العالم، عبد الناصر رجل داخل العلم، وكما قلت عن خصومه بأنهم خارج العلم وخارج العالم أما هو فداخل العلم والعالم، ولكني أتساءل عن مدى واقعيته. ماذا أقصد بالواقعية؟ التجربة السوفييتية علمتنا الكثير، ففي الوقت الذي تكون فيه قيادة الحزب هي الدولة، والدولة هي الحزب، فإن مثل هذه الدولة تتصور أن الواقع كواقع غير موجود، الموجود فقط هو خطة الدولة. والبشر والواقع منفذون لهذه الخطة. الواقع هنا لم يعد لـه أي نوع من الاستقلال. ونستطيع أن نسمي ذلك بالبيروقراطية أو التصور البيروقراطي والفلسفة البيروقراطية. التصور البيروقراطي عن العالم وعن الواقع. ومن دون أن أسترسل في الحديث عن الاتحاد السوفييتي، يبدو لي أن موقف عبد الناصر الأيديولوجي، في هذه المسألة، هو الخوف من التناقض الداخلي والصراع الداخلي، من جهة بسبب ما أسميته الفلسفة البيروقراطية العامة، ومن جهة أخرى بسبب الأيديولوجيا كما أعتقد، بسبب الأيديولوجيا العربية الإسلامية بصفتها منظومة أيديولوجية شرقية. هذه الأيديولوجيا تنظر إلى المجتمع بصفته كتلة متراصة، المجتمع صخرة (إياكم والفرقة). كأن تاريخ المسلمين اختار شعار: إياكم والفرقة. الفرقة فتنة والفتنة أشد من القتل. اختار ذلك بدلاً من الخيار الآخر: وأمرهم شورى بينهم. وهذا يفترض أنهم مختلفون. فالجماعة مهما قل عددها، ولو كانت عشرين مسلماً سنياً من صحابة الرسول، فهي أفراد مختلفون ومن ثم فهم مدعوون إلى التشاور والديمقراطية والتسوية، ولو لم يكونوا مختلفين لما كان هناك حاجة إلى التشاور، ولما كان للدعوة إلى التشاور أي معنى أو مسوغ إذا لم نسلم بالاختلاف. فإذا كان شعارنا العملي هو التشاور والديمقراطية والتسوية فمعنى ذلك أن مبدأنا النظري، مبدأنا في النظر والرؤية، رؤية الواقع، مبدأنا في علم الواقع منطلقاً من علم واقع البشر والمجتمع، يجب أن يكون أن الجماعة والمجتمع أفراد مختلفون بشر مختلفون، زمر مختلفة، أحزاب مختلفة، وهكذا دواليك. اختلاف ـ تناقض ـ صراع ـ تسوية، قانون حل الخلاف ومجيء خلاف جديد وحله وهكذا وإشادة البناء الذي هو القانون، إنشاء العمارة على مر السنين، عمارة القانون. لطالما فكرت في هذه النقطة، وقد أخذت في تفكيري أشكالاً مختلفة، الآن أخذت هذا الشكل: عندما يتسلط علينا الخوف من التناقض والفرقة والصراع فإنه سيضعفنا ومصدر ذلك أننا لا نتصور الصراع إلا اقتتالاً، صراع بالسكين. إن الجو العام عند جميع الناس وعند التيارات الارتدادية الدينية الإسلامية وعند الأحزاب السياسية جميعها تبدو السياسة كأنها حرب. ونستطيع أن نعود إلى التاريخ القديم التاريخ العربي الإسلامي وما قبله تاريخ بيزنطة وروما وخلفاء الاسكندر المقدوني، بدلاً من أن تكون الحرب شيئاً محدوداً وامتداداً للسياسة تمثل السياسة كأنها صراع حربي. يجب أن نفهم تاريخنا: هناك دين جديد، الإسلام، يجب أن ينتشر: المدينة ضد مكة، فتح مكة، والفتوحات وحروب الردة، ثم الفتوحات العربية الإسلامية وصولاً إلى المغرب والأندلس وإلى آسيا الوسطى.. وبعدها وبعدها. الشيء الناتئ في ذهننا عن السياسة في تاريخنا هو أنها حرب داخلية، حرب جيوش.. وإذا بنا في لبنان عام 1975 في حرب تحولت فيها الأحزاب إلى جيوش. يجب أن ننتهي من هذه الرؤية وأن نفهم تاريخنا بصورة صحيحة، لعل تصورنا عن تاريخنا مجحف بحق هذا التاريخ. وفي جميع الأحوال يجب أن نخرج من الحرب إلى السياسة، أي يجب أن نخرج من الحرب إلى الصراع السياسي، فالأحزاب أحزاب وليست جيوشاً. مما سبق نرى أن عبد الناصر كان لا يريد “الفرقة” لا يريد التناقض. فكرة الأمة متسلطة عليه بصورة معينة. وكلنا نعرف أن المقولات رايات. مقولة الأمة مقولة عظيمة وكذلك مقولة الأمة العربية ومقولة الشعب وقس على ذلك. ولكن هذه المقولات أياً كانت ومهما كان عددها يجب أن تُفحص ويجب أن تُنقد ويجب أن يقام عليها الحد، وبصفتها حدوداً لا أستطيع أن أشمل الواقع وأقول جوهر الواقع هو الأمة. هذا كلام ليس لـه معنى. وكذلك لا أستطيع أن أقول: جوهر الواقع هو الطبقة. فهذا أيضاً ليس لـه معنى. ليس هذا جوهر الواقع. المقولات هي أدوات المعرفة للوصول إلى صورة الواقع، ولكي أنشئ صورة الواقع، لكي أنشئ لوحة الواقع. هنا الديالكتيك.

هذه المقاربة النقدية لعبد الناصر، هذا النقد لعبد الناصر هو نقد راهن يصيب كل واحد منا، ويصيبنا جميعاً، وهو نقد ذاتي لكل واحد منا، ونقد ذاتي للأمة. ولي أنا بصفتي طرفاً جوانياً موجوداً هنا وليس برانياً، وذلك لكي نفهم جميعاً ماذا ينتظرنا في المستقبل ولكي نتخلص من الأشباح وأحمدُ الله أنني أعيش هنا في اللاذقية وليس في أوروبا أو بين الخمير الحمر ولن أدخل في تفاصيل ذلك.

…………………………

* كاتب وناشط حقوقي ومفكر سوري

——————–
يتبع.. الحلقة السابعة: الفصل الخامس “ إعادة إنتاج مقولات عصر النهضة  وتعميقها “

التعليقات مغلقة.