الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كيف تبدو صورة العالم اليوم

انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بتبلور نظامين عالميين أحدهما بزعامة أمريكا المنتصرة في الحرب بأقل الخسائر، والآخر بزعامة الاتحاد السوفييتي الذي بانتصاره مع الحلفاء، كان الخاسر الأكبر بشرياً بحدود 20 مليون إنسان غالبيتهم من الشباب وبذلك نشأ حلف وارسو الذي ضم الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له في ما سمي المعسكر الاشتراكي، وبالمقابل قام حلف شمالي الأطلسي بقيادة أمريكا، وبدأت بذلك حرب بين الحلفين سميت الحرب الباردة التي لم ينتج عنها حروب بين دول الحلفين، إلاّ أن جهود الحلفين انصبت على الدول خارجهما في محاولات لكسب واستيعاب هذه الدول، وبذلك ذاقت تلك الدول الأمريّن من الضغوط والتدخلات والحصار، باستثناء بعض الدول المحظوظة التي وجدت الدعم والرعاية بانحيازها لأحد المعسكرين.

في عام 1955 جرت محاولة من بعض الدول لكسر هذا الاستقطاب بقيام كتلة ثالثة سميت دول عدم الانحياز والحياد الإيجابي بزعامة مصر عبد الناصر والهند بزعامة نهرو ويوغسلافيا بزعامة المارشال تيتو واحمد سوكارنو زعيم اندونيسيا وضمت أكثر من ثلاثين دولة من القارات الثلاث بشكل رئيسي آسيا وأفريقيا وأوروبا وكان لها إنجازاتها الواسعة بدعمها حركات التحرر في قارات العالم ونشرها مبادئ التعايش السلمي والعدالة والحرية وعدم الانحياز لأي من المعسكرين. إلاّ ان هذه الكتلة أصابها الوهن بعد وفاة مؤسسيها وأصبحت كتلة كبيرة من حيث العدد بدون فاعلية تذكر .

 بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، تغولت أمريكا على العالم كله بزعمها أن العالم أصبح بقطب واحد وأن هذا الانتصار يتيح لها التحكم بمصائر العالم منفردة، وساعدها على ذلك امتلاكها لناصية الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي الكبير الذي حصل منذ البدء بغزو الفضاء .

   جهد فلاسفة ومفكرو ومنظرو النظام الرأسمالي منذ ذلك الوقت باجتراح الحلول الخبيثة لإدامة تفرد وتفوق أمريكا على كل العالم وبقاءها الآمر الناهي حتى نهاية العالم، ومع أن لينين وصف الإمبريالية كأعلى مراحل الرأسمالية، فلم يكفها ذلك، فابتدعت العولمة لدمج اقتصاديات الدول جميعها  في بوتقة واحدة تديرها هي لتزيد من هيمنتها وأصبحنا نعيش بنظام جديد أسمه النيوليبرالية ليصبح العالم بذلك قرية صغيرة تديرها أمريكا مالياً وسياسياً وتفرض حتى نموذجها في كل مناخي الحياة على جميع البشر.

    النتيجة، نحن  نعيش الآن في ظل نظام لا يرحم الشعوب الفقيرة والشعوب الأقل تقدماً، فالكبار وخاصة أمريكا، يخططون وينفذون، ومع تراجع دور الأمم المتحدة التي أريد لها عند تأسيسها أن تكون الرائز لنظام عالمي متوازن ومستقر وأكثر أماناً ورفاهاً، توحشت الدول الأكثر تقدماً وزاد نهبها وتحكمها بالعالم، فأصبحت تلك الدول تقول: لا تصنع فنحن نصنع لك لأن تشتري ولا تفكر في أمن العالم فنحن لها وعندما نقرر أن أفغانستان والعراق مثلا تهددان النظام العالمي الذي يخصنا فنحن سنسوق الدول تحت اسم تحالف دولي وندمر البلدين ونقتل الملايين، ولا ضير من الاعتراف بذلك لتتأكد الدول الأخرى أننا جادون ولن نسمح لأحد أن يتجاوز ما نضعه من مخططات  للعالم، سنزيد نهبنا للدول الأخرى بحجة حمايتها وسنأخذ أموالها برضى ملوكها ورؤسائها ومشايخها الذين يعتبروننا حماتهم من أوهام نصنعها معهم لتضليل شعوبهم، وعندما تقوم انتفاضات واحتجاجات تطالب بالحرية والكرامة والعدالة نقول: سنترك الجميع يلعبون وندير اللعبة، فليس لنا أي مصلحة بإنهاء هذه  الأوضاع لصالح أحد، ونبيع مزيداً من الأسلحة ونقبض مزيداً من الأموال فكما قال ماكرون الفرنسي أن النظام في سورية يقتل السوريين وليس الفرنسيين فما دخلنا!.

    عندا أعلن التحالف الدولي في سورية والعراق الانتصار على ما سمي بتنظيم الدولة وقتل زعيمها، أقيم مخيم لأسر المسلحين الذي قتلوا أو اعتقلوا أو هربوا في شمال شرق سورية إسمه الهول ضم حوالي 67 ألف معتقل بينهم أكثر من ثلاثين ألف طفل أعمارهم بين 5 إلى 12 سنة يعيشون حياة تفتقر إلى أدنى مقومات العيش ولو بالحد الأدنى، فلا تعليم ولا غذاء ولا مياه نظيفة. تنتمي هذه الأسر لأكثر من 67 دولة منها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وبلجيكا….الخ، وترفض هذه الدول عموماً إلى الآن باسترداد أطفالها وأمهاتهم وإعطاءهم جنسياتها، وهي بذلك تساهم بخلق جيل جديد من المقاتلين المتطرفين بحرمانهم من هذه الجنسيات عدا عن حرمانهم من التعليم الذي هو الأساس في إبعاد جيل الشباب عن التطرف.

   النظام العالمي الحالي لا يهمهم مصير هؤلاء ولا مانع من تحولهم لمتطرفين وبذلك يتم ضمان استمرار الفوضى والقتل في هذه المنطقة.

    النظام العالمي يرى ما يجري منذ عقد من الزمان في منطقتنا ويغض الطرف عن ذلك خصوصاً أن هذا النظام يتحالف مع أكثر الحكام دموية وتسلطاً وفساداً، ويتحالف مع المجموعات العاملة على تقسيم وانفصال الأوطان، ففي سورية هناك “قسد” حليفة التحالف الذي تتزعمه أمريكا ويضم مثلا فرنسا والسعودية والعراق والإمارات…. وها هي في ليبيا تقوم الأمم المتحدة كتغطية للدول النافذة تقول أنها ستوقف الحرب وستدعم حل سياسي ولكن من يتعمق في الموضوع يرى أنهم يعملون ذلك على أرضية إعادة تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق ضمن محاصصات جهوية كما فعلت في العراق وكما تحاول أن تفعل في اليمن عبر إعادة تقسيمه إلى شمال وجنوب لتمحي من الذاكرة أن هذه الدول كانت  موحدة، ولأن هذا النظام العالمي لا يريد لنا أن نفكر ولو بعد حين بإعادة توحدنا فلذلك لا بد من تقسيم المقسم واستبعاد أي تفكير بوحدة أو بتضامن فلا بد أن نبقى متناحرين ويستحكم العداء بين أبناء الشعب الواحد، وليس مثال السودان ببعيد.

يبقى نحن في سورية، فمصيرنا لم يعد بيدنا، وهذه أول خطوة نحو التقسيم ونحو اجتراح حلول تخدم هذا النظام العالمي ولا تخدم الشعب السوري، وبمساهمة من النظام وما يسمى بالمعارضة التي نخجل من تسميتها معارضة.

الحل في سورية لن يكون إلا بإقامة نظام وطني ديمقراطي عبر إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته كما قلنا في بداية هذه الثورة، فليعلم الجميع ذلك ولن يمر حل إلاّ  الحل الذي يوافق عليه شعبنا ولو بدى للجميع أن شعبنا غير مالك لإرادته وخياراته ،فهذا الشعب الذي فجر هذه الثورة العظيمة بقادر على تصحيح المسار ولو طال الزمن وكره الكارهون.

التعليقات مغلقة.