الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

المُفكِّر العراقي رشيد الخيّون: تجارب «الإسلام السياسي»فضحت عيوبه..وإدارة بايدن لن تُراهن على الإخوان

حنان عقيل *

التوظيف السياسي للأديان كان وما زال مُعضلة تواجه البشريّة على مدار تاريخها، على إثره تفجّرت الصراعات والنزاعات وما زالت، بدءًا من مجتمعات ما زالت أسيرة أفكار ماضوية جرى إرساؤها بغية تحقيق مكاسب سياسية، لكنها اكتسبت قداسة وبقيت راسخة في الذهنية العربية، مرورًا بتقلد إسلاميين زمام السُلطة بعد خداع ممنّهج لشعوب ظنت أن شعارات جوفاء قد تصير واقعًا، وانتهاء بجماعات إرهابية تتخذ من النص الديني مطية لنشر الفوضى وإشاعة الكراهية في العالم. انطلاقًا من تلك الوقائع الراهنة والماضية، تكتسب الكتابات التي تشتغل على تفكيك ذلك الوضع أهميتها، فالنبش في التاريخ ضرورة لاستقراء الواقع ومتغيراته. وفى هذا الصدد، تعتبر أعمال المُفكر العراقي رشيد الخيّون، الحاصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، من أهم الجهود العربيّة الراهنة، إذ أصدر عددًا من المؤلفات البارزة في هذا المضمار منها: «١٠٠ عام من الإسلام السياسي بالعراق»، و«جدل التنزيل: تاريخ القرآن ومسألة خلقه»، و«بعد إذن الفقيه». ينطلق الخيّون في عمله الفكري من قناعة أوردها في الجزء الثاني من كتابه «١٠٠ عام من الإسلام السياسي بالعراق»، الذى تناول فيه ظاهرة الإسلام السياسي برصد أبرز الأحزاب والجماعات التي تتخذ من المرجعية الدينية أساسًا في الشأن السياسي، بأن «السيطرة باسم الدين وآل محمد وأصحابه، ومن يمثلهم من فقهاء ومراجع دين ما زالت قوية، وحتى ينتبه الناس إلى معاشهم مقابل الخضوع الأعمى للمقدسات، يحتاجون إلى وعى وثقافة واقعيين، لم يكن الدين الحقيقي والإيمان الصحيح بالله ضدهما بمكان».

وفى كتابه «بعد إذن الفقيه» يرصد الأحكام الفقهية التي تُكبّل المرأة، رغم ارتباطها بسياقات تاريخية مُنقضية، أما في كتابه الأحدث «العقاب والغلو في الفقه والتراث الإسلامي» الصادر في العام ٢٠١٩، فيناقش فيه الأحكام الفقهية المُستندة إلى تأويلات المُفسرين دون أن تكون منصوصًا عليها في القرآن، مثل أحكام الزنا والرِدة.

«الدستور» حاورت المُفكر العراقي حول بعض القضايا المطروحة في أعماله الفكرية، منطلقين منها نحو مناقشة واقع الإسلام السياسي في الوقت الحالي في ظل المُتغيرات العربية والعالمية الراهنة.

إلى نص الحوار:

■ تعرضت في كتبك لا سيّما «العقاب والغلو في الفقه والتُّراث الإسلامي»، و«بعد إذن الفقيه»، لإشكالية سُلطة المدونات الفقهية التي تعلو أحيانًا كثيرة فوق النص الديني، لتُقِر أحكامًا وعقوبات مثل قتل المرتد والزاني، دون وجود نص ديني واضح.. كيف تشكّلت تلك المنظومة؟

صارت آراء الفقهاء وفتاواهم ومقالاتهم نصوصًا دينية أيضًا، والمقصود بسؤالكِ أظن «النَّص القرآني»، فهذا هو النص الثَابت الذى لم يتدخل فيه الفقهاء، بعد ظهور المؤسسات والمراجع الفقهيَّة، إلا بالتفسير والتأويل. أمَّا ما يخص الحديث النَّبوي، فهو الأقوال والممارسات النبوية، ومنها ما ليس ثابتًا، لأن رواة الحديث أنفسهم جعلوه درجات: صحيح، وحَسن، وضعيف، وغريب، بل ومنه الموضوع والمكذوب، ونقول الموضوع، لأنّ هناك مَن يُجيز الوضع على لسان النَّبي لمصلحة الدين مثلما يعتقد. غير أن ذلك ما تختلف فيه المذاهب الإسلاميَّة، وعلى هذا الأساس لكل مذهب أسانيده ونصوصه في الحديث، مع وجود المشتركات.

حددتُ في كتاب «العِقاب والغلو في الفكر والتُّراث الإسلاميّ» عدة عقوبات بالقتل؛ لا أصل لها في القرآن الكريم: الرِّدة، والزناة المحصنين بالرجم، وعقوبة السب لله أو النبي، ويزيد فقهاء الإمامية عليها سب الأئمة الاثني عشر وفاطمة الزهراء، وقتل الساحر. على أن هذه العقوبات وردت في الحديث النبوي، فالقرآن ليست فيه عقوبة بالقتل، ما عدا القصاص، أي قتل القاتل، لكن الآية تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (البقرة: ١٧٨). أي عقوبة القتل قصاصًا ليست مفروضة إذا حصل توافق بين القاتل وولى الدم على دفع الدِّية.

■ كيف يمكن برأيك الفِكاك من تلك المنظومة؟

رغم أن هذه المنظومة مِن صُنع الرِّجال، فقد ظهرت كأنها دين يمكن تسميته بـ«دين الفقهاء»، والسبيل للفكاك منها يكون بترك المعاملات، وخصوصًا ما يتعلق بالعقوبات، للدولة، التي تُشرعها بقانون مدني، تتناسب مواده مع روح العصر، ولا تتُرك للفقهاء، تحت حجة أن الإسلام دين الدولة، أو ما نجده في الدساتير، الإسلام أصل التشريع، أو مصدر التشريع الوحيد، أو الأول، أو من مصادر التشريع، كل ذلك يُبرر تدخل الفقهاء، بما حتَّى يتعارض مع القرآن نفسه، لأن الشريعة مِن وضع الرجال، وموادها قابلة للنقاش، هذا، ويبقى شأن العبادات بإشراف الفقهاء، وتوجيه النَّاس بها، لأن العبادات هي ما بين الناس والله، أي حق الله، تحتاج إلى شرح وتوجيه، لكن المعاملات تحتاج إلى أدوات تشريع تتناسب مع الحياة.

■ قلت إن «الاجتهاد الجماعي واعتماد مقاصد الشريعة» من أهم الأفكار المتداولة في التجديد الديني.. هل يمكن التعويل على المؤسسات الدينية في تقديم إصلاح ديني حقيقي ينطلق من تلك الأفكار، ومن قراءات مغايرة للنص الديني تعي في أطروحاتها دور السياقات التاريخية في توجيه المدونة الفقهية؟

يمكن التعويل على المؤسسات الدينية الكبرى في الإصلاح، ذلك إذا توفر رجال أكفاء لهذه المهمة، لكن هذا لم يتحقق، والسبب أن رؤساء المؤسسات الدِّينية، أو محافل المؤسسات نفسها، لا تنشد الإصلاح، إلا في حدود ضيقة جدًا، فوجودها يعتمد على استلهام الماضي والبقاء على المنظومة الدينية نفسها، على اعتبار أن الإصلاح أمر خطير على مؤسساتهم ومواقعهم فيها.

معلوم أن المدونة الفقهية تختلف من مذهب إلى آخر، وما يتسامح به هذا المذهب يتشدد فيه المذهب الآخر وهكذا، لا أرى جدوى من إصلاح المدونات الفقهية، إنما المرجو ألا يكون للفقهاء وصاية على الدولة في شأن المعاملات، وخصوصًا في شأن العقوبات، ومعاملة النساء، فالفقهاء تحت ضغط كثبان من الروايات والأحكام، إن تجردوا عنها لا تبقى لمؤسساتهم تلك الحظوة والسّطوة. لذا على الدولة أخذ المبادرة في القوانين التي تتناسب مع روح العصر، وهذا بطبيعة الحال يعتمد على طبيعة نظام الدولة نفسه.

■ برأيك، لِم لَم تُسفِر جهود المفكرين والمثقفين المُفككة لهذه المنظومة الفقهية عن خلخلة بنيتها الراسخة؟

أختلف مع هذا الرأي، إن جهود المثقفين لعبت دورًا كبيرًا، وزحزحت من سطوة الفقهاء على المجتمع، وسؤالك نفسه هو ثمرة تلك الجهود، ولكن قد لا تكون تلك الجهود سريعة التفاعل والتأثير، إنما يجرى تأثيرها بطيئًا لكنه راسخ وثابت، أما ترين أن المرأة خرجت تطالب بحقوقها لتتساوى من حيث المعاملة مع الرجل، وحصلت في العديد من المجتمعات والدول على مشاركة سياسية، وعلى قوانين أحوال شخصية منّصفة، بحذف قوانين كانت مجحفة بحقِّها، لقد جرى ذلك بفعل ما قدمه المثقفون والمثقفات من رؤى جديدة، وهذه المعارك الحامية، على مواقع الإنترنت وفى الندوات والمؤتمرات، تشهد بأن الفعل الثقافي قد دخل حيز التطبيق. تحقق ذلك حتى غــدا الفقهاء يدافعون عن مواقعهم، بالتكفير والإقصاء، وأعد ذلك تعبيرًا عن الهزيمة.

■ كيف يمكن التغلب على الحساسية العربية الجمعية إزاء محاولات إعمال العقل في المسائل الدينية بحيث يكون للجهود الفكرية التحديثية أثر ملموس على أرض الواقع؟ وما أسباب تجذُر تلك العقلية برأيك؟

لا أتفق مع الكتابات والأفكار المستفزة للناس في عقائدهم، فقضية المثقف أو مثلما تفضلتِ التحديث، ليست إثبات وجود الخالق أو عدمه، ولا وجود الدين من عدمه، ولا ما يخص عقائد هذا المذهب أو ذاك، فمهما كان الإنسان يعتقد ويعبد، فتلك شئون شخصية، هذا ما يجب الوصول إليه، وهو حماية عقائد الناس، وفصلها عن الدولة والسياسة والشأن العام.

أرى أن يكون التركيز على مجابهة توظيف الدين في السياسة والأحزاب، لأن السلطة التي تسفر عن الجماعات الدينية الحزبية هي تطويع المجتمع لمسلماتها الماضوية، وتستغل الناس وتحشدهم لها، بشعار الدفاع عن الدين.

كما أنني لا أجد تلك العقلية متجذرة، مثلما تفضلتِ، فقبل عقود الصحوة الدينية، تقدمت المجتمعات دون أن تتخلى عن الدين، وكلما كان خطاب التحديث هادئًا خاليًا من الاستفزاز، الذى تستغله الجماعات الدينية يكون مؤثرًا، وبالتأكيد إنها معركة ثقافية تاريخية.

■ بعض الأطروحات الفكرية تُركز على كون النصوص الدينية بالأساس هي منبع الأفكار العنيفة والمتطرفة، التي يستند إليها الإرهابيون، وأنه لا مناص من تجاوزها للتخلص من استشراء التطرف والإرهاب.. هل تتفق مع هذا الطرح، وكيف تنظر للمسألة؟

نعم، تُعد النصوص الدينية المادة التي يستند إليها المتطرفون والمعتدلون أيضًا؛ لكن النص الذى يُعتمد في شائعة التَّطرف أو التَّشدد، وبالتالي العنف والحرب لهما سبب مرتبط بزمنهما يقف عندهما، أما النص الذى يُعتمد في شائعة الاعتدال والسلام والمودة بين البشر، وإن كان مرتبطًا بحدث معين، فإنه لا ينتهي عند ذلك الزمن، والسبب أن للعنف وقتًا يقف عنده، وإلا ما استمر الجنس البشري، وما شيّد الإنسان حضارة، وما تقدمت العلوم والآداب، فخلال العنف والحرب يحل الخراب وفى ظل الاعتدال والسلام يكون العُمران.

إذا أُخذت النصوص الدينية خارج زمنها، وأشير إلى أنها صالحة لكل زمان ومكان، بالفعل تكون رافدًا للتطرف والعنف، على سبيل المثال ربَّما تكون فتاوى ابن تيمية، المتوفى ٧٢٨هـ مناسبة للظرف الذى كان يعيشه المسلمون، وهو الغزو المغولي لديارهم، وهى تُعد مادة للإرهاب عندما تُطبق في عصر مختلف مثل عصرنا. هنا نذكر عبارةً لمعاوية بن أبى سفيان، المتوفى ٦٠هـ، أو ما نُسب له، برواية البلاذري في «أنساب الأشراف» ورواية ابن عبدربه في «العقد الفريد»، شارحة لاختلاف الأزمنة، وما يناسب كل منها، عندما قال: «معروفُ زماننا هذا منكرُ زمانٍ مضى، ومنكرُ زماننا معروفُ زمانٍ لم يأتِ».

ما يتعلق بالنصوص، أنها محكومة بمَن يوظفها وفق عقيدته أو اتجاهه الفكري، إذا كان متطرفًا أو معتدلًا، وللخليفة على بن أبى طالب الذى اغتيل في ٤٠ هـ قول عميق في معاملة النص، عندما يقول في حديث له عن الخوارج: «هَذَا اَلْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ اَلدَّفَّتَيْنِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ اَلرِّجَالُ». أقول: هناك تفسير وتأويل، يتحكم به المفسرون والمؤولون!

■ في كتابك «بعد إذن الفقيه» تحدثت عن الأحكام الفقهية المُقلِصة لحقوق المرأة، برأيك لِماذا هذا التعنت في كل ما يخص تغيير أوضاع المرأة العربية وإعادة النظر في الأحكام الدينية التي ما زالت عاملة رغم ارتباطها بسياقات ماضية؟ هل يمكن القول إن ثمة نسقًا ثقافيًا ذكوريًا أكثر رسوخًا يسهم في تعزيز تلك الوضعية؟

إن معاملة المرأة، بين التطرف ضدها والانفتاح على حقوقها في المساواة، تعكس طبيعة النظام أو المجتمع، وطبيعة أي جماعة سياسيَّة أو اجتماعيَّة أو دينيَّة، فتقدمها وتأخرها يعد مقياسًا لنهوض المجتمعات، لا يُتهم رجال الدين وحدهم في الموقف المتشدد من المرأة، إنما رجال القبيلة هم الأكثر، وهذا يدخل في العرف القبلي، فكيف إذا اجتمع الفقيه وشيخ القبيلة على المرأة؟! في هذه النقطة بالذات يكون التحالف بينهما متينًا جدًا، وقد حصل بالفعل منذ صدر الإسلام، وكلاهما يُعبران عن حلف يكاد يكون مقدسًا، حتَّى تجاوز النص الديني نفسه إلى القبول بالعرف القبلي، وصار العرف قانونًا.

بلا شك، إن من أولويات الإسلاميين تطبيق الشريعة على المرأة، فأول ما فعله رجال الدين عندما فرشت لهم سجادة السلطة بإيران والسودان وأفغانستان، أن أعلنوا الحجاب رسميًا على النساء، وهذا من طلائع أسلمة المجتمع، وإعلان انتهاء زمن ما سموه «الجاهلية»، وبداية زمن آخر يسمونه «عصر النور»، مع أن الحجاب، أي حجاب الرأس، ليس فيه نص قرآني، فالقرآن أشار إلى الجيوب وهى الصدور وليس الرؤوس، وقصة ذلك معروفة، وقد تبسطت بها في الكتاب الذى أشرتِ له.

كذلك بتطبيق شريعة كل مذهب في ما يخص الزواج والطلاق والإرث وكلها تقع على كاهل المرأة، ومع ذلك بدأت حركة تحرير المرأة من هذا الاستلاب من قِبل الرجل، حتى تمكنت المرأة وأخذت تُشكل ضغطًا اجتماعيًا لنيل حقِّوقها، أخذت مطالباتها تهز هذا النسق الثقافي الذكوري في أكثر من مجال، ويبقى للدولة دورها الرئيس في إنصاف المرأة، وذلك يعتمد على توجهها، أعنى الدولة.

■ أشرت في كتابك «العقاب والغلو في الفكر والتراث الإسلامي» إلى أن التطرف المعاصر بدأ مع دعوات تحويل السلفية إلى نظام سياسي.. كيف تنظر إلى واقع الإسلام السياسي في الوقت الراهن بعد تجاربه في الوطن العربي؟

لم أشر إلى ذلك بالضبط، بقدر ما أشرت إلى أنَّ التطرف المعاصر بدأ بما عُرف بالصَّحوة الدِّينية، والصَّحوة هذه جمعت السلفية مع الإسلام السياسي الذى تمثل بداية بالإخوان السنوسيين بليبيا، ثم على هداهم قام الإخوان المسلمون بمصر، فقد سيَس أو حزَب الإخوان المسلمون السلفية التقليدية، عندما عملوا داخل المجتمع السعودي، حتى ظهر واشتد أمر الصحوة التي بدأت في نهاية السبعينيات «١٩٧٩» من القرن الماضي مع تسلم الإسلاميين السلطة بإيران، والحرب الأفغانية، وثالثهما حادثة جهيمان العتيبي بالاعتصام في الحرم المكي، ثم إشاعة فكره السلفي الخانق، لكن قبل بضع سنوات بدأ المجتمع السعودي يفكك تلك السلفية، بخطوات اتخذتها الدولة تباعًا، ستؤثر بلا شك على المنطقة كافة.

ليس لي القول في وضع الإسلام السياسي حاليًا، بشقيه السُني والشيعي، سوى الإشارة إلى أن تجاربه في السلطة فضحت عيوبه وعرته تمامًا، فاتضح أنَّه لا يملك برنامجًا نهضويًا، ولا حلًا، مثلما كان يعبر عنه بشعار عائم «الإسلام هو الحل»، وإيران اعتمدت فطرة غير منطقية في الحكم، وهى «ولاية الفقيه» أو نيابة الإمام الغائب المنتظر، حتَّى جعلت جماعات الإسلام السياسي الإسلام نفسه مشكلةً لا حلًا.

■ في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة وعلى رأسها المصالحة الخليجية الأخيرة، كيف ترى مُستقبل الإسلام السياسي في المنطقة؟ وهل يُمكن التعويل على تقليص مُحتمل للدعم القطري والتركي لتلك التيارات؟

أعتقد أن فشل الإسلام السياسي، وعلى وجه الخصوص الإخوان والضائقة التي تعيشها إيران، لم يعد لدى القطريين ما يغريهم به، فقد صار الإخوان وتنظيمهم الدولي عائقًا لقطر للتعايش في وسطها الخليجي، الذى ينفر مِن الحزبية والعقائدية. أما عن تركيا فالأمر مختلف، فهي تتبنى نظامًا انتخابيًا، وتعتبر ركيزة للعلمانية، أي فصل الدين عن الدولة، ليس للإخوان المسلمين إلغاؤه، ولو تمكنوا لفعلوها وأعلنوها خلافة عثمانية، فرجب طيب أردوغان، الذى أسماه الإخوان سلطان الأمة، في وضع قلق حاليًا، أفقدته المعارضة مدينة إسطنبول، وبرحيله ينتهى الدعم التّركي للإسلام السياسي، وها هو عاد طالبًا الصفح من أوروبا، محاولًا إعادة التفاهم من أجل الانتماء للكتلة الأوروبية، واستمرار دعمه للإسلام السياسي لا يؤهله لذلك.

■ هل تتوقع أن تسير الإدارة الأمريكية الجديدة على خطى سياسات الرئيس الأسبق أوباما؟

أعتقد الزَّمن اختلف، وبايدن الآن أصبح رئيسًا، يريد أن يمهر رئاسته بسياسة مختلفة، فإذا كانت إدارة أوباما قد راهنت على الإسلام السياسي، لكنها شهدت انهياره، وانتهت اللعبة، التي كانوا يظنون أنهم يتعاملون مع إسلاميين منفتحين، مختلفين عن القاعدة وداعش، من دون تقدير أن هذه الجماعات ظهرت من ذلك الرحم، مثلما الميليشيات وأحزاب الله ظهرت من الرحم الإسلامي الإيراني.

* كاتبة وصحفية مصرية

المصدر: الدستور المصرية

التعليقات مغلقة.