حسين عبد العزيز *
أن يعلن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد أن “الانتخابات الرئاسية” المقبلة (المقرر إجراؤها منتصف 2021) ستجري في موعدها، بغضّ النظر عن أي شيء آخر، سواء أكان ما يتعلق بالقرار 2254 أم بمسار اللجنة الدستورية؛ فهذا موقفٌ ليس بجديد من حيث المضمون، لأنه يعبّر عن الموقف الحقيقي للنظام الرافض أي تسوية تؤدي إلى تنازلات سياسية، مهما كانت بسيطة. لكن تصريح المقداد حمل دلالات عدة، من حيث الزمان والمكان:
1 – اختار النظام السوري، ممثلًا بالمقداد، موسكو ليطلق هذه التصريحات، ولم يختر طهران التي كانت محطته الخارجية الأولى له بعد تسلّمه مهام وزير الخارجية.
لا يتعلق الأمر في كون موسكو هي المعنية بالمستوى السياسي فحسب، بقدر ما يتعلق بتوجيه رسالة إلى روسيا، من داخل عاصمتها، مفادها أن المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة شيء، وما يجري على الأرض في سورية شيء آخر تمامًا. بتعبير آخر: لن يقدّم النظام تنازلات سياسية مهما كانت، ولن يقبل بتقاسم للسلطة مع أي طرف آخر، وعلى روسيا أن تصحح مسار بوصلتها السياسية، في الشأن السوري، وأن تنهي فكرة ممارسة ضغوط على دمشق للقبول بتسويات سياسية.
تتقاطع تصريحات المقداد مع ما سرّبته الصحفية اللبنانية راغدة درغام، إذ كتبت في صحيفة (النهار)، نقلًا عن مصادر موثوقة من روسيا، أن المقداد أبلغ المسؤولين الروس بأن الأسد ليس راغبًا ولا جاهزًا للرحيل، وأنه مستمرٌ في موقعه مهما كانت الظروف والنتائج. ويشير ذلك إلى أن النظام يعمل على دفع موسكو إلى العمل في سياقات أخرى غير السياق السياسي، ويمكن للنظام أن يقدّم للروس تنازلات فيها، مثل العلاقة مع إيران وفق شروط معينة، والعلاقة مع إسرائيل، والعلاقة مع تركيا (إدلب)، والعلاقة مع الأكراد (شرق الفرات).
2 – حملت تصريحات المقداد رفضًا واضحًا للقرار الدولي 2254 الذي ما يزال يشكّل المرجعية القانونية-السياسية للحل في سورية.
وقد جاءت عبارته حول القرار الدولي 2254 مقحمةً في سياق حديث المقداد عن “الانتخابات” المقبلة، للتأكيد أن النظام السوري يرفض نصّ هذا القرار الذي جاء انعكاسًا لواقع لم يعد موجودًا الآن، وبالتالي فإن النظام في حِلّ من هذا القرار، دون أن يقول ذلك بشكل مباشر ورسمي.
3 – عدم ربط “الانتخابات الرئاسية” المقبلة بنجاح اللجنة الدستورية يعني، بالتحديد، عدم وجود ربط بين مسار جنيف من جهة، والعملية السياسية التي يجريها النظام منفردًا من جهة ثانية.
لم يربط المقداد بين “الانتخابات” وعمل اللجنة الدستورية، وإنما ربط بين “الانتخابات” وبين نجاح اللجنة الدستورية، أي أن الواقع السياسي على الأرض لن يكون انعكاسًا لنتائج اللجنة الدستورية، وإنْ نجحت في التوصل إلى صيغة دستورية جديدة. واللافت للانتباه أن أول تصريح يؤكد عدم وجود ربط بين “الانتخابات الرئاسية” في النظام السوري وبين اللجنة الدستورية، جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أثناء زيارته لدمشق في مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي.
4 – حالة الارتياح السياسي التي يعيشها النظام الآن مقارنة بـ “الانتخابات الرئاسية” التي جرت منتصف عام 2014، حيث جرت “الانتخابات” السابقة، في وقت كان المجتمع الدولي متفقًا على صيغة بيان “جنيف 1” الذي دعا إلى تشكيل هيئة حكم ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، أما “الانتخابات” المقبلة، فهي تأتي بعد انزياحات سياسية دولية، تجاوزت فعليًا نصّ بيان “جنيف 1″، لتستقر على الصيغة التي جاءت في الفقرة الرابعة من القرار الدولي 2254: “عملية سياسية بقيادة سورية تيسّرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية”.
تأتي “الانتخابات” المقبلة، في ظل غياب الضغط العسكري على النظام، مقارنة بعام 2014، وفي ظل تراجع عدد من الدول العربية عن معارضتها للنظام. بعبارة أخرى: إن الواقع القانوني-السياسي الدولي الآن هو أكثر ارتياحًا للنظام، مقارنة بعام 2014. وليس معروفًا إلى الآن ما ستؤدي إليه العقوبات الاقتصادية الأميركية خلال الأشهر المقبلة، بالرغم من أن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جويل ريبرون قال، في حديث خاص إلى صحيفة (العربي الجديد)، إنه “لا يجب التقليل من أهمية قوة الضغط الاقتصادي المقترن بالعزلة السياسية، إذ يمكن أن يكون لذلك تأثير شديد جدًا مع مرور الوقت”. ولم يكتف ريبرون بذلك، إذ تحدث عن “بعض الأدوات الأخرى التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها، والتي تنوي استخدامها، على سبيل المثال يتم اتخاذ بعض إجراءات إنفاذ القانون الآن، وكذلك بعض إجراءات العدالة الجنائية”.
المراوحة في المكان:
في ظل اقتصار الضغوط الدولية على الجانب السياسي والاقتصادي، منذ نحو عامين؛ أصبح المسار التفاوضي محصورًا في مسار اللجنة الدستورية، وهو مسار يصبّ في مصلحة النظام، إذ لا توجد سقوف زمنية للوصول إلى صيغة نهائية للدستور أو إلى إعلان دستوري.
ويترتب على ذلك أمران: الأول أن المعارضة أصبحت أسيرة لعمل اللجنة الدستورية، بعدما خسرت كثيرًا من الأوراق، سواء على المستوى العسكري الميداني، أم على المستوى القانوني السياسي، بعدما تجاوزت تطورات الأوضاع في سورية نص القرار الدولي 2254 الذي طالب بوضع جدول زمني لصياغة دستور جديد. ويُخشى في هذا الإطار أن تنزلق المعارضة دون أن تدري إلى تقديم تنازلات سياسية تدريجية، تنتهي إلى إفراغ اللجنة الدستورية من محتواها، كما جرى خلال الجولة الأخيرة، حين جاء في الورقة التي قدّمها وفد المعارضة: “يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده، عن طريق صناديق الاقتراع، بدون تدخل خارجي”. والأمر الثاني امتلاك وفد النظام القدرة على تعطيل عمل اللجنة، بإضافة مبادئ وفقرات متنوعة تخضع للنقاش، مثل ورقة اللاجئين، ومن ثم إدخال الأمم المتحدة ووفد المعارضة في متاهات لا سبيل إلى حصرها. هكذا، اختزل الصراع التفاوضي في اللجنة الدستورية وحدها، لكن بينما تفتقر المعارضة إلى أدوات الضغط، يستغل النظام غياب الأسقف الزمنية للحل من أجل تثبيت نفوذه على الأرض، وهكذا أصبح الطرفان (المعارضة، النظام) يعولان على المراحل الزمنية، على أمل أن تحدث متغيرات تصبّ في مصلحة كلّ طرف.
* كاتب سوري
المصدر: حرمون
التعليقات مغلقة.