الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

 الأطفال في سورية: قتل وفقر وبرد ولا تعليم

                    

بينما يموت الطفل السوري من البرد والجوع والقهر والقصف والمرض، تستمر في جنيف اجتماعات اللجنة الدستورية، دون النظر إلى مصائر الناس والأوطان، وتغدو رحلة الشتاء والصيف لوفودٍ بائسة لم ينتخبها الشعب السوري، ولم تذهب إلى هناك (كما يبدو) من أجل مصالح هذه الثورة وهذا الشعب، بل لغاياتٍ أخرى لم تعد خافية، وهو ما يزيد المسألة سوءً، لتكون أكثر مهزلة وقهراً، وهي التي دأبت على الذهاب إلى هناك رغم كل ما لاقته وتلقاه من تسويف ومماطلة، ولعب في الوقت الضائع، من قبل نظامٍ مجرم ما برح مستمراً بفصول المقتلة السورية، وسط صمت دولي غير مفهوم وغير مبرر، وأمام ومع داعمين مجرمين يتوافقون ويتساوقون مع جل ما يقوم به نظام الاجرام الأسدي من همجية وطغيان ضد الشعب السوري.

حيث يستمر انتهاك القانون الدولي الإنساني، ويلقى أطفال سورية (حسب منظمات أممية) ما لم يلاقيه شعب عبر التاريخ الحديث للأمم. وها هي منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وفي تقريرٍ لها صدر مؤخراً تقول: ” إن أكثر من نصف الأطفال في سورية ما يزالون محرومين من التعليم، بعد مرور نحو عشرة أعوام على بدء الحرب في هذا البلد”.

تقول المنظمة في بيان مشترك صادر عن المدير الإقليمي لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، (تيد شيبان)، والمنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية للمسألة السورية، (مهند هادي)، إن «الأطفال في سورية يواصلون دفع ثمن الأزمة التي ستترك علامة قاتمة في ذكرى مرور عشر سنوات على بدئها، التي ستحل في مارس (آذار) من هذا العام، فأكثر من نصف الأطفال ما يزالون محرومين من التعليم».

وأكد أيضاً، أنه «يوجد في سورية أكثر من 2,4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المائة تقريباً من الفتيات، ومن المرجح أن يكون هذا العدد قد ارتفع خلال عام 2020 نتيجة تأثير جائحة (كوفيد – 19)». ثم أضاف إن «نظام التعليم في سورية يعاني من الإجهاد الكبير، ونقص التمويل، والتفكك، وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال».

وبحسب البيان، فإن «الجائحة أدت إلى تفاقم تعطّل التعليم في سورية، ولم تعُد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سورية صالحة للاستخدام، لأنها تعرضت للدمار أو للضرر، أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية». وأوضح، أن «الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدارس، يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية». ودعا البيان النظام السوري المجرم إلى ” الامتناع عن الهجمات على المرافق التعليمية وطواقم قطاع التعليم في جميع أنحاء سورية”. وقال إن «الأمم المتحدة تؤكد وقوع حوالي 700 هجوم على منشآت التعليم وطواقم التعليم في سورية، منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال»، مضيفاً أنه «تم تأكيد 52 هجوماً في العام الماضي» من قبل النظام بالطبع. وبحسب البيان، فإن المنظمة «تواصل تقديم الدعم من خلال شبكة واسعة من الشركاء، لكن الأموال آخذة في النفاذ، وقطاع التعليم يعاني من نقص مزمن في التمويل». ورأى كذلك أن «تمويل التعليم المستدام سوف يساعد على مدى طويل الأمد، على سد الفجوة وإدماج الأطفال في التعليم، وتزويدهم بالمهارات التي يحتاجون إليها لإعادة بناء بلدهم عندما يعود السلام إلى سورية».

وضمن سياقات التعنت من قبل النظام السوري واستمراره في سياسة القتل والحصار والمماطلة في جنيف وغير جنيف، فإنه لا يمكن للعملية التعليمية في الداخل السوري أن تسير دون تأمين مستلزماتها الأساسية، من مدارس تحتوي على بنى تحتية كاملة، من أبواب ونوافذ ومقاعد ووسائل تدفئة في فصل الشتاء وغيرها، إضافة إلى توفير الكادر التدريسي والإداري الكافي، ونسخ وافرة من الكتب. ويشير غير متابع أممي لواقع الأطفال والمدارس في سورية إلى أن الريف السوري في جل الجغرافيا السورية يفتقد إلى المدارس المجهزة التي تم تدمير معظمها عبر قصف قوات النظام في وقت سابق، بالإضافة إلى التخريب المتعمد، كما تفتقد مدارس الريف الكوادر التعليمية المختصة التي هُجر معظمها من الريف باتجاه الشمال السوري أو إلى خارج سورية، ناهيك عن عجز أو تعاجز مؤسسات النظام التعليمية عن تأمين  الكتب الكافية ولوازم الدراسة من قرطاسية وغيرها لما تبقى من مدارس الريف أو ما يستخدمه السكان من أماكن لتعليم أبنائهم في الوقت الحالي، ما دفع بعدد من المدرسين لتوجيه نداءات استغاثة لمديرية التربية في محافظة حمص خاصةً، للقيام بدورها في تحسين العملية التعليمية.

رب قائل يقول أليس تأمين الخبز أولاً؟ فهذا النظام الذي يعجز عن تأمين رغيف الخبز للسوريين، وهو لو أراد الاهتمام بالقطاع التعليمي والطفولة لكان اهتم أولاً بتأمين رغيف الخبز للسكان الذين فضلوا البقاء في الريف على النزوح باتجاه الشمال السوري.

وهي حقيقة موضوعية إذ يؤكد بعض المتابعين أن سكان الريف السوري وكذلك المدن تحت سيطرة النظام يعانون أزمة حقيقية في سبيل تأمين قوت يومهم. أزمة دفعت الغالبية العظمى من السكان لعدم الاهتمام بتعليم أطفالهم مقابل الاهتمام بتأمين قوت اليوم.

وواقع حال الطفولة والتعليم في سورية يشير إلى أن من كانوا يوصفون بأنهم أهم المدرسين غادروا الريف، إما إلى الشمال السوري أو إلى خارج سورية، ما ترك مصير أطفال الريف معلقاً بيد من يرغب بالتعليم دون النظر إلى مستواه الأكاديمي أو تحصيله العلمي، فالمهم الآن لدى النظام أن تبقى أبواب المدارس مفتوحة وأن يستمر توافد الطلاب، بشكل شكلاني ليس أكثر.

وهو الذي سبق وقام (أي النظام) بتدمير يومي وممنهج للبنى التحتية للتعليم عبر قيامه وبشكل مكثّف منذ العام 2012، بقصف المدارس بالطائرات والدبابات والمدافع واعتقال المعلمين أو قطع رواتبهم. وتم تقدير عدد المعلمين الذين هُجِّروا إلى الشمال السوري بنحو 40% والذين تعرضوا لإصابة قرابة 10%، والذين تسربوا إلى سوق العمل بنحو 20%، وهناك نحو 13% من المعلمين هاجروا إلى تركيا ولبنان والأردن والدول الأوروبية.

وغير بعيد عن معاناة الطفل السوري اليوم ما يعيشه مع قدوم برد وأمطار الشتاء الغزيرة فوق خيام السوريين الآيلة للسقوط أصلاً. حيث أقبلت العواصف الشديدة وعبثت بالعائلات النازحة، ويعيش الطفل السوري وذويه معاناة كبيرة إبان طقس الشتاء القاسي، حيث سبق وفرّ أكثر من مليوني شخص من العنف وقصف طائرات النظام وروسيا، واحتموا في خيام هشّة ومباني مدمرة. وتوفي، الكثير منهم جراء ذلك، عندما انهارت فوقهم الجدران، ويعيش ملايين السوريين في الشمال في خيام وسط الفيضانات والثلوج. ناهيك عن وصول الجائحة الكورونية التي تفتك بالسوريين في الشمال والجنوب وكل سورية، وتقول منظمة اليونيسيف أنها تعمل بلا كلل أو ملل أثناء جائحة (كوفيد-19) لتوفير الدعم المنقذ لحياة الأطفال، وتقول إنه ” لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا. نحن بحاجة إلى تمويل وبحاجة إلى الوصول للعائلات والأطفال. والأهم من ذلك، يجب وضع حدٍّ لهذا العنف المستمر “.

من هنا يمكن القول إن أطفال سورية وكل السوريين يعانون ليس فقط من الهمجية العسكرية السلطوية، وليس فقط من تخلي العالم المتحضر، بل هناك الكثير من أنواع المعاناة، مازالت تفتك بطفلنا السوري، من برد و(كوفيد-19) وجوع، ولا تعليم، ومن أمراض شتى، وسط تجاهل من معظم دول العالم، وتخلي حتى من أصدقاء الشعب السوري المفترضين.

التعليقات مغلقة.