الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

’’الفضل‘‘ على حق.. مَن يُقلّد مَن، الإسلام السياسي أم أنظمة الاستبداد؟

نصري الصايغ *

يكمن الخطر في الكتابة عن الأخطار الدينية. كتابة تشبه القفز فوق صفوف القتلة. هناك خوف دائم من المساس بالشعائر والطرق وأنواع “الإيمان” وظلامة الممارسة. علماً، أن الحاجة راهناً، تفرض أن تقال الحقائق والوقائع بصوت مرتفع. الاثارة والانتباه ودقة الوصف والتزام الافصاح تفترض إزالة غلالة الكتمان والتجرؤ على الإفصاح حتى الافتضاح.

هناك ما يجب أن يموت، وما يلزم أن يزاح، وما يقتضي أن يُنفى، ما يجب أن يُمنع، لتصبح السيرة الذاتية للديانات، سيرة إنسانية، لا سيرة نصية تفضل المنع على الحرية، والكبت على الانفتاح. بل تذهب أحيانا إلى أبعد من ذلك، من أجل تنقية “السماء الأرضية” من فتاوى القتل والمنع والكذب. إن مواجهة أمواج الأخطاء هي وسيلة فضلى لعدم الإقامة في الخطأ.. مثل هذه المجازفة تضع الإنسان أمام مرآة جديدة، يرى نفسه فيها جريئاً على الصواب، ليس عليه إلا أن يخرج من الصفوف المرسومة، ويقف، ولو وحيداً، في مواجهة الغلط والإبهام واللامبالاة والخضوع والرثاء.

إن حماية الخطأ إثم كبير، والتناسي ليس إلا حيلة كاذبة لتبرير الإقامة في العجز والتسليم للدين السائد، بكل ما هو حقيقي ونبيل وإنساني وحر وخلاّق.

’’الفضل شلق‘‘ اختار أن يرسم خطاَ فاصلاً بين الزيف الديني السياسي الرهيب، وبين تعيين الإنسان مصدراً، بدل أن يكون متلقيا وملقناً بالقوة. لقد كنس الذاكرة من رواسب لا يطيقها إنسان عادي جداً.

تجرأ الفضل شلق على الطقوسية المريضة، على الإمرة الدينية، على الطاعة الخائفة، على الاستبداد المذهبي والديني، على إلحاق العقل بالنقل، على “حضور القديم وإزالة الجديد”، على “الولاية” الفقهية – السياسية – المالية، على تقديم الشكل على المضمون، والثوب على الروح والحجاب على الجمال، لكون الجمال عورة تستر، على السيف الذي يشهر لكونه “أصدق من الآية”… كشف الفضل شلق فداحة الحروب الدينية التي شنتها قوى ظلامية على المجتمع، وعلى وجوه الشبه بين السلطة الدينية وحكومات الاستبداد وأنظمتها. والأفدح من كل ذلك، كيف تم القبض على الله، وتوظيفه في المعارك المتناسلة: الصغيرة في صغائرها، والكبيرة في كبائرها.

مقالة الفضل شلق في موقع 180 بوست (https://180post.com/archives/15616) تفتح الطريق لوعي مأساوي عميق: الإسلام السياسي يقلّد الاستبداد السياسي بضمير ديني يُثاب عليه ولا يُعاقب. مقالته، وهي تدين الماضي والحاضر، تشير إلى الخطر الملازم لشعوب، كان حظها في هذا العالم، انها ابتليت بأدوات التخلف، وهمجية الاستعمار، ومذبحة التقسيم، وسرقة الهوية، وانظمة الاستبداد، وضيق الأفق الديني، والأخطر، فشل كل محاولات الخروج والهجرة من هذه الموبقات، والتوجه لبناء مجتمع يستحق مواطنوه الحرية وملازمة العقلانية وصوابية التقدم، وموجبات التحرير، تأسيساً على نظرة إنسانية أولاً، في بيئة امتنعت أن تمتثل لمثل عادية، بلغتها دول، بالارتكاز إلى كون الإنسان مواطناً وحراً وملتزماً ومبدعاً ومسؤولاً، وليس بحاجة إلى إملاء وليّ أو وصيّ أو مقلد أحمق.

لقد كشف الفضل شلق “أنظمة الموت” التي كانت سبباً لنشوء كوارث وطنية وقومية، أصابت المجتمعات بوباء الاستبداد السياسي والاستبداد الديني. أليس كل ذلك جعلنا نعيش في معازل موبوءة وملاجئ معتمة؟

هذا أولاً، ماذا بعد؟

لم تحصل الصحوة الإسلامية من دون مقدمات وأسباب. أفتح هنا فسحة للأسئلة، بل للسؤال الأول وما يليه: لماذا حدث كل هذا؟

لا بد من أسباب ووقائع وأحداث ومسارات، ساهمت في خلق كيان إسلامي سياسي، يتصدى لمعضلات سياسية واجتماعية وثقافية وإيمانية. لم يأت الإسلام السياسي من فراغ، ولا الصحوة الإسلامية كانت من دون بيئة حاضنة، اكتظت بالأسباب الموضوعية الصارخة والصاخبة. لولا تلك الأسباب، لعرفنا، ربما، إسلاماً بناءً مساهماً في تلوين المجتمع بثقافة متعددة الأبعاد، ماديا وروحياً، إنسانياً وإلهياً، سياسياً واجتماعياً. لقد كانت هناك إرهاصات كثيرة لولادة إسلام نهضوي، منفتح على الفكر النقدي، متطلع إلى تاريخه وتراثه ليقرأه بعين نقدية، لتنقية الدين، من كل ما علق به من مسائل، لم تكن من الدين في شيء، إنما كانت من السلطات المسيطرة في كل شيء. لا يمكن ولا يجب إهمال التاريخ أبداً. فلنفتح صفحاته صفحة صفحة، ولنحاول أن نتلمس الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

لماذا حدث ما حدث؟

العودة إلى بدايات القرن العشرين، تلزمنا بقراءة أحداث تلك الفترة التأسيسية، التي كانت سبباً في كل هذا الخراب السياسي والديني والوطني والقومي والإنساني والثقافي. نحن اليوم، في ذنب القافلة البشرية. كثيرون يسيرون إلى الأمام، أما نحن، فليس أمامنا إلا الوراء. إننا نتراجع، وقد ننقرض، وتخرج منا سلالة أتباع وعبيد ومأجورين وظلاميين. كأننا خرقة ممزقة أو ممسحة لدول، على رأسها “إسرائيل” العظمى.

انتهت الحرب الكونية بانتصار البريطانيين والفرنسيين والشريف حسين. انتهت دولة الإسلام العثماني. بعدها بأعوام، وللمرة الأولى ربما في التاريخ الإسلامي، بات المسلمون بلا خلافة. كانت خسارتهم فادحة. ارض الإسلام، التي ظلت أرضهم، منذ انتهاء الفتوحات الإسلامية، انتهى زمنها. صارت الأرض محتلة ومقسمة. جريمة في وضح التاريخ: خيانة الشريف حسين ومشروعه الوحدوي، وتقسيم خريطة المشرق العربي وفق اتفاقية سايكس بيكو، إعلان وعد بلفور بمنح جزء من فلسطين وطناً قومياً لليهود، ومن تبقى مؤود في كيانات على قياس عائلات وأقليات وإثنيات وأرومات.

للمرة الأولى يشعر المسلمون أنهم في عراء سياسي ديني. لا خلافة، لا أرض إسلامية، لا دولة إسلامية. كان ذلك مريعاً. المسلمون دخلوا التاريخ بعد تنفيذ سايكس بيكو في العراء. مبعثرين، قلقين ومهزومين. الدول التي أنشئت كانت على نموذج غربي مشوه وناقص.

في الأصل، لم يكن العرب في دول، بل في ولايات وإمارات تحت سلطة العثمانيين المسلمين. شعر المسلمون بفداحة الخسارة. فأي مسار سيسلكون؟ كانوا مرفوضين في الدول المصطنعة الجديدة. الأنظمة التي سادت، كانت على شاكلة الغرب، بسيادة منقوصة. الحداثة التي كانت تتقدم كانت معطوبة بسبب الرعاية الإلزامية سياسياً، عبر الانتداب، وطاعة الأنظمة والحكومات لإملاءات بريطانيا وفرنسا.

ما العمل؟

تشقق وضياع وأسئلة. لا تعويض عن خسارة الخلافة والأرض والنظام. عوّلوا على القومية قليلاً ثم تراجعوا. الإسلام التنويري لم يكن يفي بغرض الأصول الدينية. التنويريون انخرطوا في تجربة فاشلة مع القوميين والحداثيين والغربيين. النظم التي تنشأ غربية منقوصة السيادة. كان الحل، في تكوين الجماعة الإسلامية. “الأخوان المسلمون” في مصر أولاً ثم، من هذا الرحم، تخرّجت جماعات عديدة انتشرت في أنحاء البلاد  العربية والإسلامية. وكان ذلك التواجد مفهوماً. كانت البلاد العربية تحت الاحتلال المباشر العسكري والسياسي والقانوني، من الجزائر إلى ليبيا الى تبعية مصر إلى سوريا ولبنان والعراق والخليج العربي والسودان. العرب المنتصرون في الحرب، خسروا في السياسة. كانت الخسارة قاتلة.

المشهد مأزوم. العرب مشتتون في كيانات معتلة. السلطات، إما في صراع مع الاستعمار وإما في مهادنة ومساكنة وقبول أو في رفض. الغرب يجترح وسائل استعمارية جديدة: الشكل السياسي “وطني”، المآل غربي. العرب الرافضة معارضة وتسعى إلى دولة مستقلة ونظام متحرر، مبني على مكتسبات الحداثة: حرية، ديموقراطية، عدالة، حقوق،…الخ. المسلمون يبحثون عن معنى لوجودهم وعن طريق إلى حضورهم. هم يرفضون الغرب وأدواته من العرب المطيعين. ينظرون بعدائية إلى الحداثة ونتاجاتها. يحنون إلى ماض قديم، يعود إلى الأصول. لا تفاؤل بأي جماعة مدنية أو علمانية أو حديثة. صراعٌ صامت ومعلنٌ وبناءٌ على السطح بلا أسس، لا قومية ولا دينية.

العرب، توسلوا القومية هدفاً وشعاراً والوحدة غاية لا مفر منها. فلا خلاص مع التقسيم والتبعية. ومشروع الإسلاميين أضغاث إيمان لا يجد مكاناً ومكانةً. تنامى المشهد وأنتج قوى أصيلة في ولائها لأرضها وشعبها وسعيها لإقامة دولة حديثة، عادلة، مستقلة، سيدة، قوية. مثّل هذا الهدف عدد من القوى القومية الوحدوية التي انقلبت على انظمة متخلفة ورجعية. انخراط نخب من الجيش مع هذه التيارات والأحزاب القومية، أوصل هؤلاء لتسلم السلطة، بانقلابات عسكرية، وبأهداف قومية، سرعان ما سقطت في ممارسة الحكم، بديكتاتورية عسكرية فجة. تضاءلت فسحة الحرية. إنعدمت. أقفل الباب أمام الشعب وقواه المختلفة. تمكن القوميون، بواسطة السلاح والعسكر من أن يتسلموا الحكم في سبع دول. كان عداء هذه الدول منصبا على شعوبها أكثر مما هو على أعداء الأمة في الخارج والداخل.

الوحدة دماء وأحقاد:

عاش المسلمون تحدي الوجود بهويتهم الدينية. أسّسوا مجموعاتهم على قاعدة أسلمة السلطة والمجتمع. تنظيم “الأخوان المسلمين” كان الرحم الذي ولدت منه جماعات عديدة، سياسية وتبشيرية وجهادية مقاتلة، تسعى إلى إقامة سلطة الدين، في أرض الإسلام، بدل سلطة العقائد القومية التي تولت تأسيسها على قاعدة العروبة، أرضا وشعبا ومؤسسات وتحالفات. دفع الإسلاميون ثمنا باهظا من خلال صدامهم مع عسكر “الدول القومية”، التي كانت شعارا لا واقعا، لأنها فشلت في إقامة وحدة، ونجحت في معارك الأنظمة “الوحدوية” في ما بينها.

في مرحلة الصعود القومي، عقدت آمال على الوحدة، وعلى التحرير. لم يحصل شيء من هذا القبيل. فشل الوحدويون في أن يتحدوا. نجحوا في أن يتآمروا على بعضهم. فشل الوحدويين كان كارثة من صنع الوحدويين. الوحدة الضئيلة بين مصر وسوريا خلّفت كيانين معاديين. “الوحدة” مع اليمن سقطت في الدماء والرمال. الوحدة بين سوريا والعراق اسفرت عن أعمق الأحقاد. الأخوة الأعداء في حزب واحد. العداء بينهما، فاق عداؤهما لـ”إسرائيل”. لم يكن صدفة أن تصبح سبع دول عربية، “متوجة” بسلطات “وحدوية”، منكوبة بقيادات كرست الانعزال وأدمنت الخلافات مع “أعدائها الوحدويين”، فيما الكيانات اللا قومية، الممسوكة سياسياً من قبل دول الغرب، استطاعت أن تؤسس قواعد تعاون ومجالس تعاون.

فازت القطرية المتعصبة على العروبة “المعادية والمتوجسة من الوحدة”. انشغلت الدول “القومية”، في ترسيخ سلطتها. ازدهرت السجون. القمع هو الخبر السياسي اليومي. الحرية عدو يلزم مكافحته واستئصاله. لا خوف إلا من الحرية. القمع مدرسة. الترهيب مذهب. شد العصب الحزبي والعائلي صراط مستقيم. وبسرعة تحولت القومية إلى سلطة وراثية، وعصبية مذهبية وعائلية ومنفعية. استعداء الشعب وقواه المنتجة وكتابها ومثقفيها، قانون مقدس. تحوّلت الكيانات القومية إلى سجون مخيفة ورهيبة ومرعبة وغابت دولة القانون بعد اغتيالها.

المسلمون كانوا ضحية الاستعمارين أولا. انتزع منهم كل ما كان عندهم، ولو شكلاً، الغرب لم يلتفت إلى هذه الفئة المتجذرة، راهن على اتباع من عائلات مالكة أو متأصلة أو ذات نفوذ، كما اعتمد على نخب ثقافية متأثرة بالثقافة الغربية ومكتسبات الحداثة والموالية للغرب، واستبعد كل قوة حداثية مناوئة للغرب، ولو كانت تحلم وتعمل لتطبيق قيم الحداثة في الأنظمة والثقافة والتعليم وأساساً السياسة.

الفشل كان نصيب الجميع. لا دولة قومية، بل دول قطرية منغلقة، وأحد ضحاياها أيضا الإسلام السياسي، صاحب مشروع استعادة الأرض والنظام والدولة. هذا الإسلام السياسي حلم وعمل ليكون البديل. فشل لكنه بقي على أهبة الانقضاض.

من أين كل هذا العنف؟

السجن العربي “القومي” الكبير. أقفل الباب أمام الفكر والعقل. تم تجريف الأمة من الثقافة والنقد والسياسة. لا سياسة إلا ما يصدر عن جزمة السلطة. هي الفكر والكتابة والسياسة وادعاء الإنجازات. الإسلاميون خرجوا من مواقعهم لإقامة دولتهم، فاقيموا في السجون، إلى جانب كل من يفكر أو يكتب أو يصرح بما هو مغاير للسلطة. تم تأميم الحياة والفكر والعقل. السجون كانت مكان إقامة الإسلاميين وأعدائهم الليبراليين واليساريين والتقدميين والديموقراطيين والعلمانيين، نزلاء السجون كذلك، إلى جانب خصومهم الإسلاميين. لقد وحدت “الدول القومية” كل أعدائها عبر تنحيتهم من الحياة العامة والنشاط السياسي. لكن الإسلامي قادر على الصبر والتحمل، بفعل الإيمان الديني المتين، فيما لا تقوى القوى المدنية العلمانية اليسارية.. على تحمل هذا الظلم الباهظ. صمد الإسلاميون في السجون. خارت قوى الآخرين. لهذا، وعند أول انتخابات “مرحرة” قليلا في مصر، بيت الإسلاميين الأول، فاز الإسلاميون بـ 99 نائباً. أليست هذه دلالة على أن الإسلاميين مشروع دائم للمستقبل. وهكذا كان. فعندما اندلعت صحوة العام 2011، خرج الإسلاميون ليحتلوا الصفوف الأمامية، وحولوا المساحات السياسية إلى أبشع أنواع العنف، الذي اصوله، في التراث الإسلامي الذي سجلته كتب ومجلدات.

لقد وفّرت دول المسالمة الإسلامية في الخليج الدعم المالي واللوجستي لعدد من المؤسسات، أبرزها حركة “حماس” في فلسطين، وعباسي مدني في الجزائر، وحسن الترابي في السودان، وحزب النهضة في تونس، ولم ينفصل هؤلاء عن أمهم السعودية، إلا بعد احتلال الأميركيين للعراق.

لقد انتشر الإسلام السياسي بعدما أُفرغت الساحات العربية من القوى السياسية التي كانت ذات عقود أملاً في نقل الأمة من حال التبعية والعبودية والانقسام إلى حال الاستقلال والحرية والوحدة.

السؤال المحرج هو التالي: من أين كل هذا العنف؟ ولماذا تعددت أصنافه وابتدعت التصفيات فيه. بكل ما في الفداحة من بشاعة وتقزز وقرف واستنكار؟ من أين هذه الهمجية؟

’’الفضل شلق‘‘ على حق: ”على هامش دولة الاستبداد نشأت فرق الإسلام السياسي”، ولكن وسائل هذا الإسلام، ومنابع وسائله ومعاركه وعقوباته، جزء منها تم فيها تقليد الأنظمة الاستبدادية، والقسم الأفدح مستقى من مرويات تاريخ المعارك الإسلامية التي يزخر فيها تراث العنف، منذ ما بعد السقيفة. لقد حُلت كل المشكلات تقريباً، بعد موت الرسول بالسيف، الذي كان المرجع الأول والأخير في البت بمصائر الناس في الصراع والخلاف. معظم ما ارتكبه الإسلاميون الأصوليون، مأخوذ من بطون الكتب. ولو راجعوا فقط سيرة خالد بن الوليد، ووسائل العنف التي ارتكبها، ما أغضب الخليفة عمر بن الخطاب وطالب بإقالته ومحاكمته، لتعلموا من هذه السيرة ما ارتكبته “داعش” و”النصرة” ومن على شاكلتهما.

إن هؤلاء الذين ينوبون عن الله في كل شيء، حولوا الأرض إلى جهنم. هم أسياد الدين، والناس عبيد. هم الذين يحددون الحلال والحرام ويوفرون الحطب لكل حرب أهلية.

أخطر ما خلفته هذه الحقبة، سقوط التفكير. فالإسلام السياسي هو المرجع، بل هو الدين الجديد.

أين الإيمان؟

هذا التعميم لا يستقيم. فالتشيع السياسي، بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، في نهاية السبعينيات، اختط لنفسه مسارا مضادا لمسار الإسلام السياسي السني. قد يتشابهان في ما له علاقة بالانقلاب على المجتمع وتقاليده الحديثة وقيمه الجديدة، واقتناعه بعدالة حقوق الإنسان، وحقوق المرأة الخ.. إلا أن الصراط السياسي الشيعي، ظل في مواجهة المشروع الغربي والمشروع الإسرائيلي على مدى عقود. وقام تحالف ممانع، وتصدى له تحالف سني خليجي، عربي، إسلامي، سني، بلغ مرحلة الاصطفاف مع إسرائيل عبر عملية التطبيع، أو جريمة التطبيع.

هذا الفارق الكبير بين المذهبين سياسياً، يسمح بتعيين وجهة الجهاد، وتثمينها، مقابل استهجان الصمت الإسلامي السني، على ارتكاب دول وجماعات لجريمة التطبيع والالتحاق بالأعداء. على أن وجوه الشبه على المستوى الاجتماعي والثقافي والحداثي، تكاد تكون نسخة طبق الأصل، عن التراث القديم الذي يستقي منه المذهبان قواعد السلوك والتفكير والتبشير.

أخيراً.. الأمام وراءنا. إننا نتقدم إلى الماضي، فإلى أين سنصل بعد هذا المسار؟ قليل من المخيلة يدلنا على الظلام القادم.

ابحثوا عن سراج ديوجين في وضح المأساة.

*مثقف وكاتب لبناني

المصدر: 180 درجة

التعليقات مغلقة.