عمرو حمزاوي *
إذا كان هناك من أمل لإحياء الحركة الديمقراطية في مصر، فإنه يظل معقودا على منظمات المجتمع المدني المستقلة والمجموعات العمالية والطلابية والشبابية التي تدافع عن حرية التنظيم وحرية التعبير وحقوق الإنسان في أجواء تضييق حكومي ممنهج. غير أن تلك المنظمات والمجموعات لن تخرج من الوهن الذي تحدثه بها الملاحقة الأمنية والقيود القانونية ما لم تبحث عن مساحات جديدة لفعلها وتقم بتحديث أدواتها.
فمنظمات المجتمع المدني، على سبيل المثال، تجتهد لرصد انتهاكات الحريات والحقوق وتوثقها في تقارير دورية. تفعل ذلك إيمانا منها بضرورة إيصال صوت الضحايا إلى الرأي العام ورغبة منها في ممارسة الرقابة على الحكومة وتفعيل أعمال مساءلة ومحاسبة الجهات الحكومية المتورطة في الانتهاكات. على الرغم من الأهمية المجتمعية والسياسية القصوى للرصد والتوثيق والنشر فضلا عن شرعيتها الأخلاقية، إلا أن قطاعات واسعة من الرأي العام في مصر لم تعد تهتم بمعرفة واقع الحريات والحقوق وصارت عازفة عن التعاطف مع ضحايا الانتهاكات إما تحت وطأة الأزمات المعيشية أو تصديقا لخطاب الإنكار الحكومي بصددها. أما الحكومة، فهي تراوح بين إنكار حدوث انتهاكات وبين الاعتراف بوقوع انتهاكات فردية ليست ممنهجة. وترفض في جميع الأحوال الخضوع لمساءلة ومحاسبة منظمات المجتمع المدني.
إزاء عزوف الرأي العام واستعلاء الحكومة ليس أمام منظمات المجتمع المدني سوى المزج بين الاهتمام بالحريات والحقوق المدنية والسياسية وبين الانفتاح على قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تكافح الأغلبية الساحقة من المصريات والمصريين لضمانها. في ظل معدلات الفقر المرتفعة ومع اضطرار الحكومة لتطبيق سياسات الإصلاح الهيكلي وفقا لاتفاقاتها المتتالية مع صندوق النقد الدولي، تتعاظم معاناة الفئات الفقيرة والمتوسطة وتأتي حقوق كالحق في العمل والحق في المسكن اللائق والحق في الظروف المعيشية الكريمة والحق في التأمينات الاجتماعية في صدارة أولويات الناس.
ما لم تنفتح منظمات المجتمع المدني على قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتشتبك مع السياسات الحكومية في هذا الصدد، سيتواصل العجز عن إنهاء عزوف الرأي العام فيما خص الحقوق والحريات السياسية والمدنية.
يتعين على منظمات المجتمع المدني فيما خص خطابها العلني الرافض لانتهاكات الحريات والحقوق أن تنتقل من عموميات تقريظ الجهات الحكومية المتورطة في الانتهاكات إلى اقتراح سياسات وممارسات بديلة من شأنها إيقافها. تعديلات قانونية، إجراءات للمساءلة والمحاسبة، إجراءات لتفعيل الرقابة والتوازن بين السلطات، برامج لتأهيل ضباط وجنود الشرطة، برامج لتوعية الرأي العام وشرح الأخطار الناجمة عن الانتهاكات، هذه وغيرها من السياسات والممارسات البديلة يمكن لمنظمات المجتمع المدني العمل على صياغتها وتدقيقها وتكرار الدعوة للحكومة للشروع في حوار جاد حولها وحول مجمل قضايا الحريات والحقوق.
وإن تمسكت الحكومة بالإنكار وغابت عنها إرادة إيقاف الانتهاكات والامتناع عن قمع المواطن والمجتمع، يستطيع المجتمع المدني في هذه الحالة إثارة شيء من النقاش العام حول قضايا الحقوق والحريات.
أما المجموعات العمالية والطلابية والشبابية، وهنا يمتد العمود الفقري للحركة الديمقراطية المصرية، فلم تعد قادرة على الاهتمام بالقضايا السياسية الكبرى بجانب اشتباكها المستمر مع أمور كالحريات النقابية وضمانات حرية التنظيم وحرية التعبير عن الرأي في الجامعات وحماية الشباب المعارض للحكومة من التعقب الأمني. والأجدى للعمال والطلاب والشباب هو التركيز على أمورهم المباشرة، والسعي لبناء توافق عام مساند لهم ومتفهم لمطالبهم المشروعة وغير مستعد للخلط الظالم بينهم وبين جماعات وعصابات الإرهاب والعنف التي لا تريد غير الدماء والدمار.
توافق عـام كهذا لن يلزم على سبيل المثال المتعاطفون مع مطالب العمـال بمعـارضة شاملة للحكومة، وسيعفي المجموعـات الطلابية من أعبـاء تجاوز حرم الجامعة، وسيجبر الحكومة على الحوار مع الشباب.
* كاتب وأكاديمي مصري
المصدر: القدس العربي
التعليقات مغلقة.