حزب الاتحاد الاشتراكي العربي حرية * اشتراكية*وحدة في سورية
التقرير العام للمؤتمر السادس
لحزب الاتحاد الاشتراكي العربـــــــــــــي
في ســــــــــــــــــورية
– ١٩٧٣ –
القســــــــــــــــــــم الســـــــــــــياســـــــــــي
(الجزء الثالث 2 – 2) والأخير
لنتكلم قليلاً عن تجربتنا وعن مواقف لعبد الناصر بالنسبة لموضوع التنظيم الناصري القومي:
قبل عدة سنوات وفي حياة عبد الناصر كنا نواجه ضغطاً داخل اتحادنا الاشتراكي يدفع باتجاه التنظيم القومي، وكان هذا الضغط يأخذ منحيين:
في المنحى الأول: ومن خلال ما نعلن دائماً من التزام بطريق عبد الناصر وقيادته كانت أكثر القواعد تطالبنا بإلحاح بالاتحاد مع تنظيم عبد الناصر في إطاره الناجز أي أن يكون اتحادنا الاشتراكي فرعاً من فروع الاتحاد الاشتراكي المصري، أو تطالبنا بأن ننادي عبد الناصر لإقامة التنظيم الناصري الموحد أو التنظيم القومي للناصريين .
أما المنحى الآخر الذي كان يأخذه ضغط القواعد أحياناً ومن خلال التأكيد على هويتنا الناصرية والقومية فكان يطالبنا بأن ننطلق من أنفسنا بالتنظيم القومي، أي أن نلتقي مع قوى ناصرية أخرى في لبنان والأردن والعراق وننظم الاتحاد على أساس قومي ففي المنحى الأول كان المنطلق الذي يتوجه به تنظيمنا لعبد الناصر يتلخص في أن يحوِّل العلاقة بيننا وبينه من مجرد التزام استراتيجي عام بقيادته إلى علاقة تنظيميه، وكذلك كنا نركز على أن الجماهير الناصرية في الوطن العربي جماهير عريضة وهي تمثل أقوى وأكبر تيار على الصعيد القومي عامة وعبد الناصر هو القادر وحده على تنظيمها وتوحيد طلائعها تحت رايته بدلاً من أن تظل هكذا سائبة تتجمع في تكتلات ضعيفة ومتناحرة أو تحاول جذبها واحتوائها التيارات السياسية الأخرى .
فمــــاذا كان رد عبد الناصر على هذا كلـــــه؟
إن عبد الناصر كان يرى (ولقد قالها للمطالبين أكثر من مرة) إن تجربة الاتحاد الاشتراكي لم تأخذ أبعادها ولم تكتمل ولم تنضج بعد النضج الكافي فكراً وتنظيماً لتصبح قابلة للتصدير أو لتصبح قادرة على أداء الدور المطلوب في التنظيم القومي. فهي تجربة مازالت مرتبطة بنظام مصر وظروفه ولا بد أن تنضج وتكتمل أولاً. وكان يقول أيضاً: إننا نعيش ظروفاً صعبة في صراعاتنا مع القوى المعادية لتحرر أمتنا ولمواجهة هذه الظروف لا بد أن نستفيد من أقصى ما يمكن من طاقات لمواجهة التحديات والأخطار، والنظام في مصر من خلال مسؤولياته الوطنية والقومية الضخمة ومن خلال الواقع العربي الراهن، وليقوى على أداء دوره وتحمل مسؤولياته بحاجة لأن يتعاون مع نظم ومع قوى وطنية وتقدمية ليست ناصرية أي ليست على الطريق التي يصعد فيها عبد الناصر نحو المستقبل الاشتراكي الوحدوي، وإذا ما تعجلنا في دفع الأمور على طريق التنظيم الناصري القومي أو إنشاء فروع للاتحاد الاشتراكي أو تبني هذا التنظيم الناصري أو ذاك في قطر أو اكثر من الأقطار العربية فإن هذا سيوقعنا في متاعب قد لا تخدم قضيتنا وتشغلنا في صراعات مع قوى نتعاون معها ونحن بحاجه لها للمواجهة المباشرة أو القريبة مع اعدائنا، فان الإعلان عن تنظيم عربي مرتبط بقيادة مصر سيدخل مصر في صراع مع نظم وقوى عربية هي الآن صديقة أو حليفة لمصر أو تتعاون معها في هذا الميدان أو ذاك كما أن مثل هذا الإعلان أو العمل سيدخل التنظيمات الناصرية الناشئة في الأقطار العربية كسورية مثلاً أو غيرها أمام ضغوط كبيرة من النظم وستتحرك كل القوى الأخرى عندها لا القوى الرجعية والعميلة التي هي عدونا بل وسيتحرك ضدنا قوى ونظم تقدمية ووطنية لا يصح التصادم معها، وأمام الضربات التي يمكن أن توجه من أكثر من جانب فإن مصر ليست في موقع القادر على الحماية أو التدخل وليس من المصلحة أن تتدخل كما أن هذه التنظيمات الناصرية غير قوية بالقدر الكافي ولا تملك القدرة على مواجهة القوى التي تتحرك ضدها في هذه الحال، كما وأنها لا تملك الطاقة على التغيير..
فالمطلوب إذاً في هذه المرحلة تطوير تجربة الاتحاد الاشتراكي في مصر لتقدم نموذجاً له القدرة على الجذب نحوه والتأثير في الآخرين ولا بد من تطوير تجربة وتنظيمات القوى الصاعدة على ذات الطريق وفي الأقطار العربية الأخرى من خلال ممارستها لدورها الوطني أولاً والتمرس بالعمل السياسي والقدرة على الفعل في القوى الأخرى التي من حولها، بل وفي المحاولات الأخيرة مع عبد الناصر حول العلاقة التي يمكن أن تقوم في هذه المرحلة بين القوى الناصرية وبين القيادة الناصرية في مصر كان عبد الناصر يقول (ليس عندي بعد تصور كامل ومحدد لصيغة في تنظيم العلاقة، إلا أنه من الممكن أن نفهم العلاقة في هذه المرحلة أو أن نكونها على الشكل الذي تقوم فيه العلاقات بين الاحزاب الشيوعية وبينها وبين قيادة الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي.. ).
إن العلاقة بين الأحزاب الشيوعية ليست علاقة قومية وليس بينها مثل هذه الرابطة ولكن الروابط بين القوى القومية العربية، مازالت وبخاصة من الناحية الفكرية والنظرية أقل من الأواصر التي تربط الأحزاب الشيوعية ببعضها .
والحديث هنا عن العلاقة بين أحزاب وقيادات حزبية، إنما فهمناها أيضاً بمقصد التمييز بين نظام الحكم والتنظيم السياسي الشعبي. أي أن العلاقة في هذه المرحلة لا بد أن تملك استقلالية عن النظم بل وعن نظام عبد الناصر نفسه وذلك لتملك سلامة التكوين الثوري فلا تقع أسيرة ظروف النظام الخاصة وسياساته التوفيقية. ولكي تملك القدرة على التطور والبناء كما تملك حرية الحركة واتخاذ المواقف المبدئية والجذرية .
ان عبد الناصر نفسه كان يعيش نوعاً من التناقض تجاه هذه المسالة، فهو رئيس نظام حكم ويحمل مسؤولياته ويعمل على تطويره ضمن معطياته الخاصة وضمن ظروف تطوّقه، وهو قائد جماهيري يتطلع إلى التعبئة المنظمة للجماهير وهذا ما عبر عنه البعض عندما أرادوا التمييز بين مصر الثورة ومصر النظام أو الحكم وعلى دور عبد الناصر القيادي في الحالتين وكم من مرة عانى عبد الناصر هذه الازدواجية وتمنى لو يتخلى عن رئاسة الدولة ليمسك بزمام العمل الشعبي والتنظيم السياسي الجماهيري. وهكذا ظل شعار الحركة العربية الواحدة معلقاً وظل أملاً، إنه هو المطلوب لصنع الطريق الصحيح إلى الوحدة القومية ولصنع الأداة الحقيقة للثورة العربية إلا أن عبد الناصر بعد الهزيمة انصرف بكل طاقاته وهمه إلى بناء القوة المقاتلة لتحقيق الهدف الذي حمله على عاتقه هدف إزالة العدوان. وترك لحركات النضال العربي أن تتفاعل لتتبلور شيئاً فشيئاً صيغة العمل الموحد، إلا أن شيئاً لم يتبلور بعد بشكل صحيح وملموس .
أما في المنحى الثاني أي المنحى الذي كان ومازال يطالبنا بالخروج من الطابع الذي مازال إقليمياً وقطرياً لتنظيمنا، لنتحرك وننظم وننتظم على الصعيد القومي فهو إذا ما كان منحى صحيحاً من الناحية المبدئية فلا بد أن يوضع في إطار استراتيجية ناصرية تدفع على طريق الحركة الواحدة فعلاً فلا تتحول إلى محاولة تضاف إلى غيرها من المحاولات التي تُجزئ حركة الجماهير الناصرية ولا توحدها، أو تضيف تنظيماً إلى جانب التنظيمات المتعثرة الأخرى، وفي حياة عبد الناصر كنا منطلقين من الالتقاء عند قيادة عبد الناصر فليس لمجموعة أو تنظيم أن تتصرف بشكل يحاول تجاوز هذه القيادة أو التجاوز عنها فضلاً عن أن هذا لم يكن ممكناً بأية حال وبعد غياب عبد الناصر وضمن المعطيات الراهنة للعمل باسم الناصرية والولاء لطريق عبد الناصر لم نجد أن بمقدور نظام من النظم أو حركة من الحركات بعد أن تتقدم وتقول إنها البديل في القيادة أو في القدرة على مباشرة توحيد القوى وتنظيمها .
وهكذا بقينا في مواقع العمل على إنضاج التجربة الناصرية وتوضيح طريقها وهذا هو ما بمقدورنا أن نفعل كتمهيد، ولسنا وحدنا الممهدين للوصول إلى المطمح الكبير والذي فشلت دونه جميع المحاولات الحزبية السابقة في إقامة التنظيم الثوري القومي .
وفي هذا السبيل أخذنا نطالب النظم التي تقول بالناصرية بأن تطور تجربتها في التنظيم السياسي. وفي هذا السبيل أخذنا نطالب القوى الناصرية في الأقطار الأخرى بأن تطور تجربتها في بناء تنظيم حزبي ملتزم بالاستراتيجية الناصرية الوطنية والقومية. وعملنا لمساندة إقامة تنظيمات ناصرية حزبية تضع الصيغة الكاملة للاتحاد الاشتراكي (أي الصيغة التي تقول بتحالف قوى الشعب العامل قاعدة وبالتنظيم السياسي الطلائعي قيادة لهذا التحالف) هدفاً لتحركها وتنشط للفعل في القوى الوطنية التقدمية الأخرى دفعاً على هذا الطريق .
ولا شك بأن الصعود هكذا من مواقع متفرقة لا يؤدي لوحده إلى الهدف فلا بد من تلاقٍ قومي بين هذه التيارات والاتجاهات لتبادل الخبرة وبلورة التجربة المشتركة وحث الخطوات ولئلا تظل هذه المحاولات محاصرة ومحصورة في أطرها الإقليمية أو تتأقلم في ظروف عملها الوطني ولا تحافظ على الدفع الناصري الثوري الذي يتطلع أبداً إلى عملية التجاوز، تجاوز الأطر الإقليمية وتجاوز التنظيمات لنفسها باتجاه الحركة الواحدة التي لا بد أن تكون متقدمة عليها كلها .
لربما أننا حتى الآن لن نعطِ وضوحاً كافياً لتصورنا للحركة الواحدة اطاراً ومضموناً وطريقاً يوصل إليها ولكن ما من إنجاز ثوري تحقق إلا بحرارة النضال وبتحرك جماهيري يدفع إليه ويعطيه ضرورته، وكثير من العناصر والفئات التي تقول بوحدة العمل أو وحدة الأداة لم تعمل إلا تفتيتا في حركة الجماهير أو هي متخلفة عن أن تتقدم كطليعة في وعيها ووضوح فكرها وتصورها .
ونحن إذا ما رفضنا هنا في الماضي الكثير من الدعوات و(الوساطات) لتوحيد القوى الناصرية أو ما يسمى كذلك فلأننا وجدنا فيها محاولة لتطويق حركتنا وشدها إلى الوراء، وإلى المتاهات وإطار التجمعات المتناقضة التكوين والفكر والتي لا توصل إلى شيء. وفضلنا أن نتابع تكوين أنفسنا كحزب ناصري وأن نفعل في الآخرين بفكرنا ومواقفنا وبالحوار الإيجابي الذي يتطلع إلى إرادة الجماهير العريضة إلا إلى تلك التكوينات المصطنعة التي تعوم على سطحها وفضلنا الحوار مع القوى الوطنية التقدمية كلها ولم نقصره على من يسمون أنفسهم بالناصريين ولم نجد منهجاً يحقق التلاقي في هذه المرحلة أكثر من العمل الجبهوي .
من المفروض أن الناصريين وكلهم يقولون بطريق عبد الناصر أن يكونوا مهيئين لأن يتوحدوا قبل غيرهم وأن يقيموا تلاحماً بينهم أقوى من التلاحم الجبهوي وأن العمل الجبهوي يقوم بينهم وبين غيرهم من القوى التي لا تلتقي معهم في كل شيء. هذا من الناحية النظرية ليس إلا، فلقد أشرنا منذ البداية إلى ما يعترض الطريق الناصري من انقسامات وتناقضات .
ولكن هل نظل نتعثر ونتردد. أوليس هناك من سبيل إلى صعود جديد في التنظيم القومي؟
تلك مسألة مطروحة اليوم بحرارة في مواقع عربية متعددة وتطرحها بخاصة قيادة الثورة في ليبيا العربية وتدفع على طريقها .
ولقد جرت لقاءات ومحاولات عديدة على الأرض الليبية وبمبادرات من القيادة الليبية وكنا في البداية بعيدين عنها، ثم دخلنا في الحوار وأرسلنا بوفد من اتحادنا للقاء الأخير الذي عقد في طرابلس تحت شعار الدعوة إلى وحدة القوى الناصرية، لقد ذهبنا إلى هناك لنسمع الطروح ولنقول رأينا ولكي لا نبقى بعيدين عن محاولة تجري لوضع تصور للتنظيم القومي الموحد. إنهم يسمونه تنظيماً ناصرياً ونحن نفضل أن نسمي هذا التنظيم الناصري (بالتنظيم القومي الموحد)، لأن برأينا لا تكون حركة الثورة العربية الشاملة ولا تكون وفية كل الوفاء لطريق عبد الناصر إذا لم تتقدم لتحيط بقوى الثورة العربية أي بالقوى التي تتطلع إلى تحقيق الأهداف الكبرى لأمتنا في الحرية والاشتراكية والوحدة .
ولقد قابلنا بإيجابية وارتياح الدعوة الليبية مع شيء من التحفظ لما هناك من تباين بين الكثير من منطلقاتنا ومواقفنا ومنطلقات ومواقف الأخوة الليبيين ولكنا وجدنا أخيراً أن البقاء بعيداً لا يُجدي ولا بد من الدخول في الحوار ومحاولة الفعل والتأثير .
وكان من مصادر ارتياحنا وأسباب إيجابيتنا ما نلمسه من حرارة وحماسة في حض القيادة الليبية على العمل القومي واللقاء القومي ومن الحض على النضال ثم إن قيادة الثورة في ليبيا لم تقدم نفسها كقاعدة كقائدة ورائدة وكبديل للقيادة الناصرية، ولو أن بعض الجماعات الناصرية الانتهازية والمتخلفة تحاول تحريضها على ذلك ودفعها إليه .
إن الأخوة الليبيين يخوضون تجربة لم تنضج بعد ولكنهم لا يقدمون تجربتهم كأرض للالتزام ولا قيادتهم كمحور للالتفاف، إنهم يقدمون حماستهم وإمكانياتهم لخدمة هدف ويقدمونها على طريقتهم وهم ينادوننا بحرارة لتوحيد القوى، والحرارة والحماس لازمين إلا أن هناك أموراً كثيرة أخرى لازمة قبلهما، ونحن لا نريد أن نقف عقبة أمام أية عملية تقصد فعلاً توحيد قوى ودمجها ببعضها ولكن لنا تجربتنا وأمامنا الكثير من التجارب المتعثرة التي لا نريد أن نقع فيما وقعت فيه ولا نريد السير في خطوات مصطنعة تظن التوحيد فيما لا يحمل بعد أواصر التوحيد وتبقى على التناقض وتداريه لينفجر من جديد ذلك عند أول موقف جدي .
ولكنها قضية مطروحة، قضية توحيد القوى وإذا ما ذهبت قناعتنا إلى أن الظروف لم تنضج بعد لهذا التوحيد فهذا لا يعني أننا ندعو للتراجع أو التوقف بل نريد الدفع بقوة لإنضاجها واختصار الزمن ويمكننا أن نلخص مواقفنا من هذه الدعوة ببعض النقاط:
1- لإنضاج هذه التجربة لا بد أولاً من إنضاج تصور مشترك للفكر القومي التقدمي وللاستراتيجية الناصرية، فما هناك من تلاقٍ حول الأهداف العامة والشعارات غير كافية بعد لتكوين القاعدة الأيدولوجية التي لا بد منها لقيام تنظيم قومي ثوري، فأن نقول بأننا نعتمد خط (فلسفة الثورة وميثاق العمل الوطني وبيان 30 مارس) قاعدة للوحدة الفكرية ليس بالشيء الكافي لأن فهم هذا الخط الذي من فلسفة الثورة إلى بيان 30 مارس وما يعطي من دفع نحو المستقبل. مازال فهماً متبايناً بين القوى التي تقول بالناصرية ولقد حددنا نحن فهمنا وتطلعاتنا .
2- لكي نكون مؤهلين لأن نتحد في تنظيم قومي أو أن نقيم مثل هذا التنظيم لا بد أن تتفق إرادتنا على هذا الطريق وأن تتوحد تصوراتنا لصيغة هذا التنظيم، ولكي يستطيع هذا التنظيم أن يقول إنه هو أداة الثورة العربية الواحدة لا بد أن يكون مؤهلاً بالفكر لذلك وأن يستوعب أيضاً تجارب التنظيم القومي التي قامت في الماضي ويعرف نقائصها وثغراتها ليستطيع أن يتجاوزها ويتقدم عليها، ولا بد أن يكون مؤهلاً للإحاطة بالقوى الثورية العربية على أوسع نطاق ممكن ولا يكتفي بالتوجه إلى من يسمي اليوم نفسه ناصرياً فحسب .
3- إن هذا التحرك باتجاه التنظيم القومي لا يجوز في هذه المرحلة أن يبدأ من الالتصاق بنظام من النظم العربية أو بعدد من النظم بل لا بد أن يبدأ مستقلاً عنها، فليس بعد من نظام عربي تقدمي يستطيع ان يقدم نفسه على أنه النموذج المطلوب أو على أنه قد أحاط بحركة الجماهير وجسّد مطامحها كلها، ثم إن لكل نظام اليوم ظروفه الإقليمية الخاصة ويخضع لظروف وعلاقات لا يجوز حبس حركة الجماهير والقوى الثورية في إطارها ثم إن مثل هذا الربط يوقع النظم والقوى في مآزق وتناقضات لا تستطيع مواجهتها.
وليست جماهير الثورة العربية هي المطالبة بالتكيف مع شروط النظم بل إن النظم هي المطالبة بأن تغير باتجاه إرادة الجماهير وأن تتكيف مع هذه الإرادة.
لننظر مثلاً إلى طبيعة النظم في دول الاتحاد الثلاثي وطبيعة العلاقات القائمة في ما بينها وإلى ما يمكن أن يحصل كردود فعل تجاه تحرك النظام الليبي من فوق النظم الأخرى باتجاه القوى الناصرية أو تحرك الناصريين من الأقطار الأخرى باتجاه النظام الليبي، بل وللنظر إلى أوضاع النظام الليبي نفسه وإلى أوضاع النظام المصري وكلاهما يقومان على (اتحاد اشتراكي) ويعملان لوحدة اندماجيه بينهما. ولننظر إلى ميثاق اتحاد الجمهوريات العربية نفسه وإلى ما يقول به من علاقات بين القيادات السياسية للنظم الثلاث ومن إقامة جبهة بينهما على المستوى القومي وكيف يمكن أن ينسجم مثل هذا التحرك مع التحرك الذي لا يتقيد بالنظم وقيادات النظم .
إن قيادة حزب البعث في سورية فرضت أن العلاقة التقدمية في سورية بها، بل وحين أقامت (الجبهة الوطنية التقدمية) حصرت تحركها وتحرك قواها في إطار القطر، وحصرت العلاقة القومية بحزب البعث فبمنطق ميثاق الاتحاد أخذ النظامان في ليبيا ومصر بمبدأ أن يكون حزب البعث وحده هو إطار الاستيعاب الوطني في سورية وهو وحده صلة الوصل على المستوى القومي، ولأنه مفوض بإزالة وإذابة القوى الأخرى في إطاره. كما يأخذ الاتحادان الاشتراكيان في مصر وليبيا بإطارهما في إزالة وإذابة القوى فيهما. وتلك مسيرة لا تتفق مع مفهومنا الناصري للعمل القومي ولا مع نظرتنا لما بين هذه النظم من تباين ولما يتركز فيها من مقومات وعوامل إقليمية .
وفي مواجهة هذا كله، وبأخذ هذه العوامل كلها بعين الاعتبار فإننا نتحرك في حوارنا مع النظم والقوى.
إن الدفع الليبي والحض على وحدة الأداة ووحدة القوى شيء ثمين ولكن لا بد من السير على طريق واضحة فشروط إقامة التنظيم القومي لم تستكمل بعد ولا بد من حل الكثير من التناقضات التي تقف على طريقه.
واتحادنا الاشتراكي يجد نفسه من خلال منطلقاته القومية واستراتيجيته الناصرية ملزم بأن يتحرك على المستوى الوطني وعلى المستوى القومي في آن واحد. إن المؤهلات الراهنة للعمل بالنسبة لنا في هذه المرحلة هي مؤهلات تعاون جبهوي على الصعيدين القطري والقومي وبمقدار ما نفعل قطرياً على طريق الوحدة الوطنية وبمقدار ما نفعل على المستوى القومي في تحديد مفاهيم وأطر العمل الثوري والتنظيم الثوري، نمهد الطريق ونسير نحو الحركة الواحدة .
واذا اردنا تلخيص مجمل اتجاهاتنا فيما يتعلق بالناصرية والعمل القومي في فترات كانت:
١ – إن عبد الناصر لم يترك لنا إيديولوجية كاملة للعمل القومي والثورة العربية ولا ترك لنا فلسفة شاملة بل ترك لنا تجربة نماها بالممارسة وبالعمل والنضال وترك لنا قواعد عامة في التفكير وخطوطاً في العمل هي الخطوط التي تركز عليها نضال جماهير أمتنا وأكثرها كان معلناً كشعارات وأهداف من قبل أن ينهض بها عبد الناصر، إلا ان عبد الناصر ملأها بمضامين وأغناها بالممارسة وطورها بالتجربة بحيث أصبحت قواعد واضحة وثابتة لاستراتيجية نضال بعيدة المدى.
٢ – إننا ونحن نركز دائماً على النواحي الإيجابية والمتطورة والثورية في تجربة عبد الناصر وفي استيعابنا للتراث النظري والتطبيقي الذي خلفه لنا فإن هذا لا يعني أننا غافلين عما كان في تلك التجربة من تعثر أحياناً ومن ثغرات. وفي حياة عبد الناصر كنا نتساءل دائماً بقلق ماذا لو ذهب عبد الناصر دون أن يستكمل أبعاد تجربته وبخاصة فيما يتعلق باستكمال بناء النظام الديمقراطي الشعبي المتماسك الصلب وفي بناء التنظيم السياسي الطلائعي وفي بناء الحركة العربية الواحدة بل وفي الدفع بخطوات أساسية على طريق وحدة أمتنا. لقد ذكرنا المبررات التي جعلت عبد الناصر لا يدفع على طريق إقامة الحزب الناصري أو التنظيم القومي الموحد، ولهذه المبررات ثقلها اليوم ليس إلا لغياب عبد الناصر، ولان عبد الناصر كان قادراً على أن يوحد، وأن يرفع التيارات والقوى ذلك المستوى الذي كان يدفع به دائماً باتجاه أكثر تطوراً وتقدمية وثورية، أما اليوم فليس هناك من يستطيع أن يؤدي مثل هذا الدور. والثغرات التي بقيت في تجربة عبد الناصر من هذه النواحي نلمس آثارها اليوم في التحولات التي جرت في مصر بعد غياب عبد الناصر بما يدل على أنه لم يضع الركائز والضمانات الكافية في نظامه، ونلمسها أيضاً في تراجع دور مصر القيادي للأمة العربية وتشتت مواقف الناصريين والتشويهات الكثيرة التي أدخلها البعض على الناصرية وعلى مسيرة عبد الناصر .
٣ – إننا كاتحاد اشتراكي أو كتنظيم من تنظيمات الحركة الناصرية استطعنا أن نقف على الصيغة المتطورة في الناصرية وأن نلمس إيجابياتها وأن نعطي تصوراً متقدماً لها وبهذا لربما كنا أكثر الجماعات الناصرية تقدماً في هذا المضمار. إلا أننا لا ندعي لأنفسنا قيادة ولا ريادة ولا نقدم أنفسنا بديلاً بل نعتبر هذه الحركة التي هي حزبنا ما هي إلا حركة فعل في الآخرين للدفع بخطوات صحيحة نحو الأهداف التي عمل من أجلها وقضى من أجلها عبد الناصر .
٤ – نحن نأخذ بصيغة حزب الاتحاد الاشتراكي الكاملة أو المتكاملة (كما عرضناها) صيغة للعمل الوطني والتنظيم السياسي وهذه الصيغة يمكن الوصول إليها بطرق مختلفة حسب ظروف كل قطر ومعطيات القوى الفاعلة في ساحته إلا أن هذه الصيغة تظل ناقصة وإقليمية ومقطوعة عن أبعادها القومية ما لم يكن التطلع فيها منذ البداية إلى حزب الاتحاد الاشتراكي القومي أي إلى الصيغة الأشمل والأكمل التي هي الحركة العربية الواحدة .
٥ – إن مقومات النظم والحركات العربية التقدمية الراهنة والتي تقول بالأهداف الواحدة غير مؤهلة بعد ضمن ظروفها ومعطياتها لتجاوز نفسها مباشرة في اتجاه الحركة العربية الواحدة أي في اتجاه توحيد أداة الثورة فالصيغة الجبهوية وعلى المستوى القومي أيضاً مازالت هي الصيغة الممكنة والتي يمكن أن تهيئ المناخ لبلورة الفكر المشترك والاستراتيجية الموحدة وصيغة التنظيم الموحد. هذه قناعتنا ولكننا لن نقف عثرة على الإطلاق أمام المساعي والمحاولات التي تدفع على طريق توحيد القوى. إلا أننا وأياً كانت الصيغ التي تتبلور أو نشارك في بلورتها، سنظل نحافظ على هويتنا كحزب واتجاه سواء في العمل الجبهوي القطري أو في العمل القومي إلى أن نجد أن ثمة مؤهلات كافية لتجاوز تنظيمنا إلى التنظيم القومي الموحد الذي نجد منه أداة للتنمية العربية قادرة على الإحاطة والاستيعاب ونجد فيه الفكر المتطور بالالتزام الصحيح والعميق بالأهداف والسير الواضح نحوها .
إننا في القسم النظري والذي سياتي بحثه بعد هذا التقرير السياسي المُهيأ للمؤتمر سنقف ملياً عند المسائل الفكرية وعند طرق الممارسة العملية والتنظيم، التي يطرحها العمل الناصري الثوري، ولكننا نقول منذ الآن، إن قناعتنا تذهب إلى أن التجربة التي سرنا فيها، والتي ندعو الطلائع الناصرية في الأقطار العربية الأخرى إلى ممارستها وهي تجربة بناء الحزب الثوري على مبادئ عبد الناصر ومن استخلاص استراتيجية عمل ونضال من مبادئ عبد الناصر وممارساته، هي تجربة متقدمة حتى الآن على غيرها من صيغ العمل الناصري، فلا عودة عنها ولا تراجع إلى الوراء نحو صيغ أقل نضجاً وتقدماُ منها. والناصرية كثورة قومية عربية تحررية اشتراكية وحدودية، الناصرية كثورة جماهيرية مستمرة ولم تأخذ بعد كل ابعادها، هذه الثورة بحاجة لأداة قوية صلبة، ومثل هذه الأداة لا تبني تجمعاً ولا من قوى مشتتة ومتباينة المنابت والأفكار، بل هي تبنى بقوى متلاحمة فكراً ونظماً، وهذا التلاحم لا يوفره إلا الحزب والحزب الثوري. والناصرية كثورة اجتماعية وسياسية في آن واحد. هدفها تحرير الأمة وتوحيدها وبناء دولة عصرية ديمقراطية وبناء مجتمع عربي اشتراكي موحد، لا يقود مسيرتها إلا فكر ثوري متقدم على كل ما سواه، إلا طلائع القوى الأكثر تقدماً في فكرها واستيعابها ومنهجها وكذلك في تضحياتها ونضالها .
إن بناء الحزب الناصري ليست عمليه عملية إضعاف أو تجزيئ للتيار الناصري كما يتصور البعض، بل إنها هي الإطار الحقيقي للتوحيد ولبلورة الفكر الموحد ولإنضاج التنظيم الجماعي المتلاحم ولدمج المناضلين من خلال الالتزام بالفكر الموحد، بمشروع نضال بعيد المدى، واضح الاستراتيجية والهدف .
نحن نعرف ان اتحادنا الاشتراكي العربي مازال تجربة جزئية ومحدودة وإطارها القطر السوري، إلا اننا لسنا تجربة تجزيئية، فنحن لم نجزئ الناصريين، بل عملنا ونعمل على الإحاطة بالناصريين الحقيقيين، الناصريين الثوريين الذين استوعبوا تجربة عبد الناصر في أقصى ما وصلت اليه، الذين يدعوَن دائماً إلى تطوير هذه التجربة باتجاه مطامح الجماهير وباتجاه المستقبل.
إننا تجربة جزئية ولكنا تجربة تنزع إلى الاكتمال وتدفع بقوة نحو “الحركة العربية الواحدة ” إلا أن الحركة العربية الواحدة بمفهومنا، هي اكتمال وليست تراجعاً إلى صيغ من التجمع ثبت قصورها، ونعود ونؤكد أن الحركة الواحدة ستكون التنظيم القومي الثوري الطلائعي الموحد الذي يقود تحالف قوى الشعب العامل على مدى الوطن العربي وعلى هذا الطريق نعمل وندفع ..
. . / . .
أيلـول ١٩٧٣
انتهى…
التعليقات مغلقة.