الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

كمال الطويل في مقهى بالحسين يستمع إلى «حكاية شعب» لعبدالحليم حافظ من أسوان.. ونجاح شعبي هائل للأغنية التي تحكى قصة «السد العالي»

سعيد الشحات *

انتهى عبدالحليم حافظ من تقديم أغنية «حكاية شعب» في الحفل الساهر بأسوان يوم 10 كانون الثاني/ يناير، ليلة 11 كانون الثاني/ يناير، 1960، بعد قيام الرئيس جمال عبدالناصر، والعاهل المغربي محمد الخامس، والرئيس السوري شكري القوتلي، بوضع حجر الأساس للمرحلة الأولى من مشروع السد العالي يوم 9 كانون الثاني/ يناير 1960.. كانت الأغنية مفاجأة، وغير مسبوقة في كلماتها ولحنها، وأثارت جدلاً ومخاوف قبل تقديمها بين عبدالحليم، ومؤلفها أحمد شفيق كامل، وملحنها كمال الطويل.

يذكر مجدى العمروسي، صديق عبدالحليم ومدير أعماله، في كتابه «أعز الناس»، أنه بمجرد أن قام عبدالحليم بحركة الانتهاء، وقفل الأغنية، حدثت المفاجأة التي أذهلت الجميع، عاصفة من التصفيق، وصيحات هستيرية من عشرة آلاف كانوا يحضرون الحفل في أسوان، صفق جمال عبدالناصر، ووقف رجال الثورة على أقدامهم يصفقون، ويشيرون لعبدالحليم أن يعيد الأغنية، طلب «عبدالناصر» من عبدالحليم إعادة الأغنية، أراد أن يبدأ من أول غنائه، لكن عاصفة من الاعتراضات قابلته: «عاوزين من أول المزيكا، وواحد من الجمهور صرخ: وانت تخرج بره وتخش تاني.. فعلاً خرج عبدالحليم إلى كواليس المسرح وبدأت الموسيقى، وبدأ الكورال ودخل عبدالحليم، وبدأت الأغنية، ولكن بشكل آخر وتصفيق، واستعادة مقاطع، وترديد بعضها مع عبدالحليم».. كان كمال الطويل يتابع الحفل من القاهرة، ولم يستطع البقاء في البيت، وقادته قدماه إلى مقهى في «سيدنا الحسين» جلس فيه مع الناس، واستمع معهم إلى الأغنية.

كانت «حكاية شعب» واحدة من أغانٍ كثيرة خلدت معركة السد العالي، منها قصيدة أم كلثوم «كان حلماً فخاطراً فاحتمالا ثم أضحى حقيقة لا خيالا» تأليف عزيز أباظة، وألحان رياض السنباطي، وقدمتها في قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 1959، وقدم محمد عبدالوهاب أغنية «ساعة الجد» عام 1960، وأغنيات «حديد أسوان» لـمحمد قنديل، كلمات عبدالفتاح مصطفى، ألحان أحمد صدقي، و«اعمل لنا مفتاح»، كلمات صلاح جاهين، وألحان أحمد صدقي، و«على أسوان يا ريس» لـمحمد عبدالمطلب، و«هنا في مكان السد» لـمحرم فؤاد، و«طول ما انت معانا يا ريس» لـهدى سلطان، و«السد» لـشادية، كلمات حسين السيد، لحن مراد منير، و«يا أسطى سيد» لـفريد الأطرش، كلمات اسماعيل الحبروك.

في لقاء خاص بي مع الموسيقار عمار الشريعي عام 1996 لمناقشته حول طبيعة «الغناء الكلثومي في مرحلة ثورة 23 تموز/ يوليو 1952»، ونشرته في كتابي «أم كلثوم وحكام مصر»، قارن الموسيقار الكبير بين «حكاية شعب» لعبدالحليم، و«كان حلماً فخاطراً» لأم كلثوم، و«ساعة الجد» لعبدالوهاب، قائلا: رغم أن الأغنيات الثلاث كانت لمعركة واحدة هي معركة السد العالي، إلا أن هناك اختلافاً في السمات والمذاق الغنائي لها، كما أن كل أغنية حملت سمات صاحبها، فأغنية عبدالحليم قامت على التدفق والشعبية والسيطرة الجماهيرية: «تسمعوا الحكاية».. يرد الكورس: بس قولها من البداية.. عبدالحليم: هي حكاية حرب، ونار بينا، وبين الاستعمار فاكرين، لما الشعب اتغرب جوه في بلده.. كورس: «آه فاكرين».

يضيف «الشريعي»: «افترضت الأغنية هنا وجود جمهور يتم الحديث معه، ثم نامت على كتف الفلكلور المصري بعبارة «ضربة كانت من المعلم».. جملة صغيرة وقصيرة، ترددها الحارة المصرية.

يضيف عمار: «أما أغنية «كان حملا فخاطرا فاحتمالا» لأم كلثوم فهي قصيدة شعر، وأم كلثوم تصدت للقصائد في الغناء الوطني، وربما يقول البعض: إنها قدمت العامية مثل «حولنا مجرى النيل يا سلام على ده تحويل».. والرد على ذلك يكمن في أنها كانت تستطيع أكثر من غيرها تصدير الغناء العامي والفصيح إلى الأمة العربية، كانت هي الأكثر سيطرة على الوجدان العربي، ويقبل منها الجمهور العربي ما يتردد في قبوله من الآخرين، ولهذا يقبل منها أغنيتها الوطنية العامية، وقصيدتها الوطنية الفصحى، وقصيدة «كان حلما فخاطرا فاحتمالا» مثلت الأغنية الرصينة التي تصلح للتصدير لكل الأمة العربية، بما شملته من لحن يقوم على كبرياء وعنفوان السنباطي، الذى جمع عبقرية الموسيقى العربية كلها، وقدم هذه القصيدة بفكر موسيقى له مقدمات تؤدى إلى نتائج.. أي فكر مخطط يصلح للتصدير إلى الأمة العربية.

يتدفـق الشـريعي: «أما أغنيـة “ساعـة الجد” لمحمد عبدالوهاب، كلمـات حسين السيد، فاتسمت بسمات عبدالوهاب الباحث دائمـاً عن الفكر الجديد، والموضوع الجديد، وهذه الأغنية تعاون فيهـا للمرة الأولى والأخيرة مع المايسترو العبقري عبدالحليم نويرة، ونتج عن هذا التعاون ولادة أغنيـة مزجت بين غنـاء عبدالوهاب الهـادر الرصين، والدقـات العماليـة وكأن عمليـة البنـاء تحدث لحظـة الغنــاء».

* كاتب صحفي مصري

المصدر: اليوم السابع

التعليقات مغلقة.