الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

أزمة رفض “هيكل” نشر قصيدة “صلاح جاهين” «إلى جمال عبد الناصر»

سعيد الشحات *

اعتذر الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير «الأهرام»، للفنان صلاح جاهين عن عدم نشر قصيدة قصيرة في ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر، فنشرتها مجلة الشباب في عددها الأول يوم 15 كانون الثاني / يناير، في مثل هذا اليوم 1973، لكن أزمة سياسية كبيرة هبت بسبب نشر القصيدة، حسبما ذكرت جريدة «الأخبار- القاهرة» في عددها الخاص عن مئوية ميلاد جمال عبدالناصر «15 كانون الثاني/ يناير 2018».

كان «جاهين» ينشر أشعاره ويقدم كاريكاتيره اليومي في «الأهرام» منذ عام 1962.. يؤكد هيكل في حوار له بجريدة «الخليج – الإمارات»: «صلاح جاهين فنان لا يتكرر فهو شاعر وممثل وكاتب سينمائي، ورسام كاريكاتير عبقري، ومثل هذا الفنان كان لا بد أن يكون موجودا في الأهرام، ويكفى أنه رسام الكاريكاتير الوحيد الذي لم يكن يذهب إلى رئيس تحريره للبحث عن أفكار لرسوماته».

انطلق إبداع «جاهين» مؤيدا لثورة 23 تموز / يوليو 1952 وعبدالناصر، وأبدع أغانيه الوطنية لهذه المرحلة، وكانت صدمته الهائلة في نكسة 5 حزيران/ يونيو 1967 ثم وفاة عبد الناصر «28 أيلول / سبتمبر 1970»  قال في مقدمة ديوانه «أنغام سبتمبرية»، إنه اختار اسم الديوان «ربما لأن عواطفي تعودت أن تجيش في سبتمبر من كل عام، منذ أن كان الفيضان يأتي في هذا الشهر محملاً بعطر كان يملؤني بنشوة عجيبة ورغبة خفية في الارتواء والاحتواء، أو ربما لأن عبدالناصر مات كمدا في سبتمبر».

يجمع «جاهين» في «أنغام سبتمبرية» عدداً من قصائده منها «صورة» التي غناها عبدالحليم حافظ ولحنها كمال الطويل، و«عناوين جرانين المستقبل» و«الدرس انتهى» وقصيدته «أمر الله» في ذكرى وفاة عبد الناصر الأولى، ويقول فيها:

«حتى الرسول مات وأمر الله لا بد يكون

بس الفراق صعب وإحنا شعب قلبه حنون

وحشتنا نظرة عيونك للبلد يا جمال

والحزم والعزم فيها وحبها المكنون

وحشتنا عبسة جبينك وأنت بتفكر

ونبرتك وأنت بتعلمنا وتفسر

وبسمة الود لما تواجه الملايين

وقبضة اليد لما تدق ع المنبر»

يؤكد في مقدمة الديوان: «أشهد أني لم أكتب شطرة منه طمعاً في شيء أو خوفاً من شيء».

في ذكرى مولد جمال عبدالناصر 15 كانون الثاني / يناير 1973، كتب جاهين قصيدته التي رفضها هيكل وهذه القصيدة هي:

«إلى الرئيس جمال عبدالناصر

العنوان: قلب قلب قلب مصر

في ذكرى يوم مولدك

بنؤيدك

يا أيها المصري العظيم

وبنوعدك

مهما غبت حنوجدك

ومهما مت

مصر ح ترجع مرة تانية

تولدك

الراسل / شعب مصر».

كانت علاقة هيكل بالسادات وقتئذ تشهد شدا وجذبا، وانتهت بإقالة هيكل من رئاسة تحرير الأهرام 2 شباط / فبراير 1974، وكانت الأجواء السياسية تشهد خطوات لافتة، أبرزها قرار السادات بالإفراج عن قادة الإخوان المسجونين، ويشير الدكتور محمود جامع في كتابه «عرفت السادات»، إلى دوره كوسيط في هذا الأمر، بالإضافة إلى لقاءات باستراحة الرئاسة بالإسكندرية في صيف 1971 بين السادات وعدد من قادة الجماعة في الخارج بينهم سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، وأقدم السادات على خطوة أخرى وهى، طرد الخبراء السوفيت يوم 8 تموز/ يوليو 1972، وزاد نفوذ قيادات تتبنى سياسة إفساح المجال للإخوان لمواجهة الناصريين واليساريين.. كان كل ذلك مؤشراً أمام هيكل بأن هناك انقلاباً قادماً على عبدالناصر وسياساته، فرأى عدم نشر قصيدة «جاهين»، غير أن مجلة «الشباب» فعلت العكس.

تذكر «الأخبار» أن أمانة الشباب في الاتحاد الاشتراكي «التنظيم السياسي الوحيد» قررت إصدار «الشباب» يوم 15 كانون الثاني/ يناير 1973 ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر، واختار أمين الشباب ووزير الإعلام الدكتور أحمد أبو المجد، الكاتب والناقد رجاء النقاش لرئاسة التحرير، واختار «النقاش» أسرة تحرير فيها محمود دياب الكاتب المسرحي، والدكتور فاروق أبوزيد أستاذ الإعلام، وعادل حمودة، ومحمد جبر، وحسنين كروم، ومحمد بركات، وحسين العشي، سكرتيرا للتحرير.

عرف «النقاش» بأمر القصيدة التي كتبها «جاهين»، فذهب إليه في بيته، وطلبها منه لنشرها، ورغم تعجب «جاهين» من أن مجلة جديدة تعتزم نشر قصيدة رفضها هيكل بكل نفوذه، إلا أنه سلمها له، وفى «15 كانون الثاني/ يناير 1973» صدر العدد الأول بغلاف صورة ملونة لعبدالناصر، وهو يخطب ملوحاً بيده وتحتها كلمته: «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، وكانت القصيدة على صفحتها الثالثة.

هبت العاصفة، وتزعمها محمد عثمان إسماعيل أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي، الذى كان يقوم في نفس الوقت بدوره الذى تدفع مصر ثمنه حتى الآن، ويشهد عليه اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق في مذكراته: «كانت الخطوة الأولى التي اتخذها السادات بعد صدامه مع مجموعة ما أطلق عليهم «مراكز القوى» في 15 أيار / مايو 1971 هي إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل ما يسمى بالجماعات الإسلامية في الجامعات، واستمر بعد ذلك نموها، وامتد نشاطها إلى كثير من القرى والمدن».. يؤكد: «بدأت أمانة التنظيم في الاتحاد الاشتراكي بقيادة محمد عثمان إسماعيل في إنشاء ودعم تلك الجماعات التي بدأت تأسيس وتنظيم تشكيلاتها في الكليات الجامعية المختلفة، مستخدمة جميع الإمكانيات والأساليب حتى وصل الأمر إلى حد دفعها إلى الصدام مع العناصر الماركسية واليسارية في أي مناسبة يتاح لها أن تختلق مثل هذا الصدام».

تعامل «إسماعيل» مع قصيدة «جاهين» والعدد الأول من «الشباب» على أنها تفسد طبخته المسمومة، فقاد الهجوم على المجلة، ورغم دفاع «أبو المجد» إلا أنه اضطر إلى استبعاد «رجاء النقاش» وأسرة التحرير بالكامل.

* كاتب صحفي مصري

المصدر: اليوم السابع

التعليقات مغلقة.