الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

إليه في يوم ميلاده(1)

الشاعر نزار قباني

زمـانُـك بستـــان وروضــك أخـضـــــرُ                وذكـــراك عـصفــورٌ مـن القـــلب ينـقــــرُ

مــــلأنا لـــك الأقــــداح يا مــن بحبــــه               ذكــرنــاك كمــا الصــوفــيُ بـــالله يـذكـــرُ

دخلـتَ عـــلى تاريخــــنــا ذاتَ ليــــــلةٍ              فـــرائحـــــــةُ التـــــاريـخ مســكٌ وعنبــــرُ

تأخـرت عـن وعـــــد الهـوى يا حبيبنــا               ومـا كنت عـن وعـــــــد الهــوى تتـــأخــرُ

سـهِـدنا وفكـرنــــــــا وشاخـت دموعنــا             وشـابـت ليـاليــــــــــنا ومـا كنــت تحضـــرُ

تُعــاودني ذكـــــــــراك كـل عشيــــــــةٍ               ويــورق فكــــــري حيــن فيــــــكَ أفكـــــرُ

وتأبى جــــــراحي أن تضـم شِـفـــاههــا            كـــــأن جـــــــراح الحـــــب لا تتخــثـــــرُ

أحبـك لا تفسـيــــر عنــدي لصبــــوتـي             أفـســــرُ مــــــاذا؟ والهــــــوى لا يُفـســــرُ

تأخـــرّت يا أغلــى الرجـــالِ فليّــــلنـــا              طــويــلٌ وأضـــــواءُ القنـــاديــل تسهـــــرُ

تأخــرتَ فالساعـــــــات تأكــل نفسهـــا            وأيامنـــــا فــي بعضهــــــــــا تتعـــثـــــــرُ

أتســأل عــن أعمـــارنا؟ أنـت عمّـــرُنا             وأنـت لنـــا التــــاريـــخ أنـت المحـــــــررُ

تضيق قبـــــــــور الميتيــن بمــن بهـــا            وفـي كل يــومٍ أنـت في القبـــــــر تكبـــــرُ

تأخــرّت عنـا فالجيـــــــــــــادُ حزينـــةٌ              وسـيفـك مـن أشــواقــــــــه كـاد يكـفــــــرُ

حصـانك في سينـــــاء يشــربُ دمعـــه         ويا لعــــذاب الخيــــــــــــــل إذ تتــذكـــــرُ

نســـــاء فلسـطـيـن تكحــــلّـنَ بالأســى         وفـي بيـــت لحـــــمٍ قـاصـــراتٌ وقُصــــرُ

وليمـــون يافــــــا يابـسٌ في حقــــولـه          وهـل شجــرٌ في قبضـــــة الظلـم يـُزهــــرُ

رفيقَ صــــــلاح الدين هـل لك عــودةٌ          فـإن جيـــوش الـروم تنهـى وتــــــــــأمــرُ

رفاقك في الأغـوار شــــدوا سروجهـم          وجنـــدك في حطيـن صــــــلوا وكبــــروا

تغني بـك الدنيــــــــــــا كأنـك طـــارقٌ          على بـركــات الله يـرســو ويُبــــــــحــــرُ

ويبـكيـــك صـفـــافُ الشــآم ووردهـــا         ويبـكيـــك زهــــرُ الغـوطتيـــن ودمــــــرُ

تنــــــاديك مـن شـــوقٍ مـــــآذن مـكــة         وتبكيــــك بـــــدر يا حبيبـي وخيــــــبــرُ

تعـال إلينــا فالمــــــروءات أطـــــرقت          ومـوطــنُ آبــــــائي زجــــــاج مكســــرُ

هزمنا ومـا زلنــــــا شتـــــــــات قبـائل           تعيـشُ على الحقــد الدفيــن وتثـــــــــأرُ

يحاصرنا كالموت ألف خليفــــــــــــــة           ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصــرُ

أبا خالــد أشكــــــــــو إليــــك مواجعي          ومثلي لـه عــــــــــذر ومثـــــلك يعــــذرُ

أنا شجـر الأحـــــــــــزان أنـزفُ دائمـاً            وفي الثلج والأنـواء أعطــــــي وأثمــــرُ

وأذبـح أهــل الكهـف فــوق فراشـــــهم       جميعـاً ومـن بـوابـة المــــــوت أعبـــــرُ

وأتـركُ خـلفـي ناقـتـي وعبـــــــــاءتـي         وأمشـي أنا في رقبـــة الشــمس خنجـــرُ

وأصـرخ يا أرض الخـرافــات احبــلي         لعـل مسيحــاً ثانيــاً ســوف يظهـــــــــرُ

…………………………..

 (1). ألقيت في يناير 1971 في ذكرى ميلاد القائد جمال عبد الناصر …

المصدر: نزار قباني، الأعمال السياسية الكاملة

التعليقات مغلقة.