مَحمود الجاف *
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت الثورة التي اطاحت بالشاه من الاحداث المُهمة التي غيرت وجه التاريخ وساهمت في تمزيق واضعاف الأمتين العربية والاسلامية ونشر الشرك والالحاد والتطرف وزيادة نُفوذ أمريكا والكيان الصهيوني . والأحداث التي حصلت في مسيرتها كشفت الكثير من الأسرار منها ما جرى في مُؤتمر كوادلوب الذي عقد عام 1979 وضم رؤساء اربع دول هي : امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا . فقد قال الدكتور ابراهيم يزدي وزير الخارجية الايراني الاسبق : ان اول اتصال مع امريكا كان عبر السيد جيسكار ديستان ثم وزير الخارجية الامريكي وكنتُ اقوم بترجمة الرسائل الى الخميني الذي كان يرد عليها واسلمها الى مندوب سفارتهم في باريس . وعندما اعربوا عن قلقهم لاحتمال قطع الامدادات النفطية عنهُم أجاب الخُميني : لن نفعل . وحينَ كان الجيش الروسي يحتل افغانستان كانوا قلقين حول من سيملأ الفراغ الذي يُخلفهُ الشاه بعد رحيله ؟ ولهذا وافقوا عملاً بنظرية مُستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي في إدارة جيمي كارتر التي تقول: في حال رحيل الشاه فان القوى الوحيدة التي تستطيع الوقوف في وجه الخطر الشيوعي هي المُؤسسة العسكرية ورجال الدين الذين لديهم القدرة على تعبئة الجماهير . ويُضيف: كان قادة الثورة مُرتبطين بأمريكا عن طريق المُهندس بازركان واية الله موسوي اردبيلي والدكتور سحابي مع السفير الامريكي (سالیوان) كما ان هناك لقاءات مُباشرة بين الدكتور بهشتي وسالیوان . وفي المُناظرة التي جمعتني عام 1999م مع المُهندس عباس عبدي قلتُ لهُ: تم احتلال السفارة ولكن أين وثائق مُباحثات بهشتي مع الأمريكان؟ لم يُجب في حينها لكنهُ قال في مكان آخر: حصلنا على وثائق عرضناها على الخميني الذي نظر إليها وقال: ’’بهشتي الآن عضو مجلس قيادة الثورة وليس من الصحيح إفشاءها في الوقت الراهن …‘‘.
وقال: استُقبلت الملكة فرح ديبا في الولايات المُتحدة باعتبارها رئيسة دولة وهذا يعني أنها ستكون نائبة للملك إلا أن العسكريين الأمريكان عارضوا هذه الخطة لأنهُم سيفقدون قواعد الحُكم في ايران . وكان الغرض من وصول الجنرال هايزر (مبعوث الرئيس الأمريكي) ليطلب من الجيش عدم القيام بانقلاب عسكري حتى يعتبر جزءاً من الثورة وهو نفس العمل الذي قاموا به في الفليبين عندما أراد ماركوس أن يصبح رئيساً فدخل الجيش على الخط وأبعده وعندما فازت السيدة أكينوا قاموا بترحيله ولهذا اصبح الجيش جزء من عملية التغيير . وحول عملية تبديل النظام سُئلَ . هل كان نظام الجمهورية الإسلامية البديل الاوحد للنظام الملكي؟ اجاب: ان شعار آزادي استقلال جمهوري إسلامي قد رُفع لأول مرة في التاسع من مُحرم عام 1979 فقد كان الخميني يطرح في بيانته أن الشعب لا يريد النظام الملكي ولم يقل أي حزب أو تجمع لماذا لا تكون كسائر الجمهوريات الغربية . لم يقولوا لا نُريد جمهورية اسلامية . هذه الامور وغيرها كشفها يزدي في كتابه الذي صدر تحت عنوان مساعي الأيام الاخيرة وتحدث فيها عن أسرار يُكشفُ النقاب عنها لأول مرة .
ومثلما أوصِدت أبواب الكويت والجزائر بوجه الخميني كان بإمكان فرنسا أن تفعل نفس الشيء ولا يُسمح لهُ أن يتخذ من (نوفل لوشاتو) مقراً لهُ . وخلال ثلاثة أشهر سجل مئات اللقاءات الصحفية والخطابات المُوجهة للشعب الإيراني ليثير من خلالها زوبعة أطاحت بالشاه وكل هذا الذي حدث كان بدعم الفرنسيين فما هو سر الصمت الأمريكي؟! ثم من المُستفيد من اغتيال وإزاحة مُصطفى الخميني عن الطريق؟! فقد ظهر ولدهُ حُسين على الفضائيات وأعلن مُعارضتهُ لولاية الفقيه التي أقامها جدهُ الخُميني كما وجه نداء إلى الخامنئي لإجراء استفتاء لتحديد مصير النظام قبل ان يأتي الطوفان ويقضي على الجميع . في 23 . 10 . 1977 وجد جثة هامدة في الطابق العلوي من البيت وكان سبب الوفاة هو السُم . لماذا تخلت أمريكا عن حليفها وحارس مصالحها في الخليج وقررت أن يكون البديل رجل الدين؟! واذا كانت هي من دفعت باتجاه وصولهم للسلطة فما هو التفسير المنطقي لتحالف الخميني مع الشيوعيين ولماذا احتجز موظفوا السفارة الأمريكية رهائن؟!
كان الملك فيصل قد أعلن عن أيقاف توريد النفط للدول التي تؤازر الكيان الصهيوني في حرب عام 1973 فترك ذلك الموقف أزمة عالمية عانت منها دول كثيرة من بينهم أمريكا وكان رد فعل الغرب تجاهه بأن دفعوا الأمير فيصل لاغتياله بأطلاق النار عليه ولكن ماذا عن الشاه؟! كان وقوفه مع الدول العربية وإيقاف توريد النفط خيانة عظمى! فماذا ينتظر من أسياده! ثم تأييده لانتفاضة الدول النفطية في قمة الأوبك ورفع سعر برميل النفط من ثلاث دولارات إلى ثمانية وعشرون! وكان توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران التي قضت على التمرد الكردي الذي كان الشاه يُمولهُ القشة التي قصمت ظهر البعير فقد كان هدف الغرب اثقال كاهل العراق اقتصادياً وسياسياً . وتحسن العلاقات العربية الإيرانية لا يخدم الأجندة الأمريكية التي تهدف إلى جعلها مصدر تهديد للعرب خصوصاً أن مشروع المرحلة القادمة هو تقسيمها والشاه غير مُؤهل لهذه المُهمة . ولهذا أمروه بالخُروج وبلغوهُ أن طريق المطار مُؤمَن لهُ !! وبعد خروجه لم يستقبلهُ سوى أنور السادات .
إذا عدنا إلى التاريخ . عندما أسس الشاه اسماعيل الدولة الصفوية عام 1501م اصطدم بصخرة دولة الخلافة العثمانية القوية وهذا يعني دخوله تحت نفوذها ففرض (التشيع الصفوي) على الإيرانيين بالقوة وقام بتكريس الطائفية والشعوبية ليشق الوحدة الإسلامية وينشر بذور الحقد والكراهية في مُجتمعاتها لمصالحه الخاصة!.. . في الفترة التي سبقت الثورة الإيرانية بدأت التحركات الأمريكية للنهوض بتنظيمات (سنية) مُتشددة لمُواجهة الشيوعية وظهر العديد منها علناً عام 1980 أهمها (مكتب الخدمات) لتجنيد المُجاهدين من أجل القتال في أفغانستان . أسسها عبد الله عزام ومنها تطور (تنظيم القاعدة) وحتى لا يُهدد مصالح الغرب كان يجب ان يُماثله تيار (شيعي) مُتشدد يساويه بالقوة ويُعاكسهُ بالاتجاه .
أي تطبيق فكرة الصفويين وهذه المرة سيكون على يد الخميني (هدام الإسلام) كما وصفه (كاظم شريعة مداري) يحكم إيران ويدعو للطائفية والعرقية وما أن تصل دعواته إلى الوطن العربي سيفرقه (طائفياً) (سنة وشيعة) خصوصاً ان هناك (تيار سني مُتشدد) سيردُ عليه وهكذا يتم إغراق المنطقة بالنزاعات والأيدولوجيات التي تُؤدي إلى زعزعة الأمن القومي . وهذا الأمر سيقود إلى المطالبة بالتقسيم الجغرافي . وما أن تصبح إيران مصدر تهديد للعرب فانهُم سيكونون بحاجة إلى الحماية دائماً وهذا يعني بقاء القوات الاجنبية في المنطقة .
لقد بدأ تجهيز إيران منذ سنوات طويلة لتكون مصدر الخطر الجديد ولهذا عندما انسحبت القوات البريطانية من الجزر الاماراتية الثلاث عام 1971 سلمتها الى الشاه وعندما حل محلهُ الخُميني استمر الوضع على ما هو عليه . يعرف المُقربون من الخُميني أنه لا يثق بأحد لهذا كلف ابن أخيه (رضا باسند يداه) بالتفاوض مع الأمريكان بشأن الرهائن كما فعل مع زوج ابنته (صادق طباطبائي) الذي كان حلقة الوصل بينهُ وبين الكيان الصهيوني . إن التخوف من عودة الشاه للسلطة على حساب الصفقة التي أبرمَت معه في فرنسا صار حقيقة أرعبته فما كان منه إلا ان طرق أبواب الشيوعيين لضمان دعم السوفييت له إذا ما نكثت أمريكا بوعودها! ثم أمر أتباعه بالهجوم على سفارتها وأخذ الموظفين رهائن كحركة لوي ذراع ! وأعلن في حينها أنهم سيكونون ثمن لتسليم الشاه من أجل مُحاكمته! ثم اعتقل بعض الشخصيات بحجة انهُم عُملاء لأمريكا على أساس أنه حصل على وثائق من السفارة تدينهم بمن فيهم رئيس الجمهورية أبو الحسن بني صدر . وقد خلصت المُفاوضات التي أجريت معهُم على موقف غريب حيث رفض الجانب الأمريكي إطلاق سراح الرهائن إلا بعد الانتخابات! دخل الحزب الجمهوري بمُرشحه (رونالد ريغان) بوعود إطلاق سراحهم عندما يدخل البيت الابيض! وفعلاً في اليوم الأول له رئيساً للولايات المُتحدة الامريكية هبطت طائرة تحمل الرهائن قادمة من طهران!
إن للخميني طرق مُلتوية للتخلص من مُنافسيه حتى صادق قطب زادة الذي كان احد الذين حضروا التفاوض مع الأمريكان قبل الثورة ألقي به إلى حبل المشنقة في سجن نيفين عام 1982 بتهمة التآمر ومن ضمن من قتلهم الأخوين (ستماجلي) رغم انهُم منحوهُ أموالاً طائلة وحتى الطائرة التي نقلته من فرنسا إلى إيران هم من استأجرها له!
من الذي قدم خدمات لأمريكا والكيان الصهيوني بقدر ما قدمها الخميني لهُم ؟ ومن الذي أدخلنا في مشاكل داخلية وبدأ بنشر التشيع الصفوي بالمنطقة ؟! لقد أظهرت سلسلة أخرى من الوثائق انه لم يكن مُعارضا لبيع النفط إلى إسرائيل . كذلك فإنهُ بدأ منذُ 15 كانون الثاني/ يناير 1979 ولفترة أسبوعين مُفاوضات مُباشرة مع الإدارة الأميركية تمهيدا لمُغادرته باريس إلى طهران لإعلان نظام ولاية الفقيه . وفي إيران كانت السفارة الأميركية تسابق الزمن للتنسيق بين مُساعديه مهدي بازركان ومحمد بهشتي من جهة وقادة السافاك (جهاز المخابرات) وجنرالات الجيش من جهة أخرى . إن الواقع الذي رأيناه يُؤكد بما لا يقبل الشك ان الخُميني دجال ولا علاقة لهُ بالإسلام . وقد كان فكرهُ الذي نرى نتائجهُ الآن من الأسباب المُهمة في تراجع شعوبنا دينياً واقتصادياً وعلمياً واخلاقياً واجتماعياً وفي الوقت الذي يُحاولون بناء مراقد او مزارات لتخليده في العراق، كان يجب على أتباعه أن يدوروا في الأزقة والحارات التي كان يتمتع بها في فرنسا ليشيدوها هناك . لم ولن يفعلوا لأن تلك الشعوب تعرف اللعبة وتحمل من الثقافة ما يكفيها لمعرفة ان هذه الأفلام الصفوية لا علاقة لها بأي دين .
* كاتب عراقي وأحد شيوخ العشائر في ديالى
المصدر: دنيا الوطن الفلسطينية
التعليقات مغلقة.