الحرية أولاً , والديمقراطية غاية وطريق

التقرير العام للمؤتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي العربـــــــــــــي في ســــــــــــــــــورية- ١٩٧٣ – الجزء (2-2)

حزب الاتحاد الاشتراكي العربي                                                                        حرية * اشتراكية *وحدة                           في سورية

                                 التقرير العام للمؤتمر السادس

                          لحزب الاتحاد الاشتراكي العربـــــــــــــي

                                 في ســــــــــــــــــورية

                                        – ١٩٧٣ –

 القســــــــــــــــــــم الســـــــــــــياســـــــــــي

(الجزء الأول 1 – 2)

 والمؤتمر الرابع كان نقطة تحول للاتحاد عن أسلوب في العمل الوطني والقومي المغامر وغير مجدِ فضلاً عن أنه أصبح متخلفـاً عن مسيرة عبد الناصر واستيعابه لظروف المرحلة والمخاطر الكبرى التي تتهدد أمتنا وضرورة تلاحم قـواها النضالية والتقدمية كلها، ومن هنا فقد ترك المؤتمر الرابع جانباً المنهاج المرحلي الأول وما فيه من مقولات تصادمية مع القوى التقدمية الأخرى وما فيه من مقولات سلبية لا تتناسب في شيء مع طبيعة المرحلة ولا مع طاقاتنا وإمكانياتنا والتي أخذت تعزلنا عن التأثيـر في الآخرين وتجعل سياسات الاتحاد لا مجدية وغير فاعلة في حركة وعي الجمـاهير. فالمؤتمر الرابع أكد على خط إيجابي في العمل الوطني ومازلنا على هذا الخط، وجعل من العمل في سبيل تلاقي وتعاون القـوى الوطنية التقدمية داخل القطر والعمل في سبيل بناء الوحدة الوطنية في سورية على أسس جبهوية وديمقراطية صحيحة هدفاً استراتيجياً أساسياً . وعلى هذا الطريق سرنا وباستلهام تجربة عبد الناصر في هذا المجال أيضاً عملّنا وتأكدت ملامح أخرى مميـزة لاتحادنا الاشتراكي في ســــورية .

   تلك بعض المنطلقات الكبرى التي وضع لبناتهـا الأولى المؤتمر الرابع والتي تأكدت دائماً في مجمل مواقفنا وسياساتنا، وأعطت منهجاً واضحاً ومتميزاً لمسيرة حزبنا وكان لها أثر فاعل في علاقاتنا بالقوى الوطنية التقدمية على المستوى القطري وفي الإطار القومي العام بل في المجال الـدولي أيضـاً.

   لقد كان من المفروض أن تطور تلك المنطلقات التي أكدها المؤتمر الرابع ليقوم عليها منهاج مرحلي، ولكن إذا لم يحصل ذلك سيظل وضع ذلك المنهاج المفصل مهمه أساسية من المهام الضرورية التي لم نؤدها بعد ولا بُد أن تنجز في أقرب فرصة ممكنة، فالواقع أن مسيرتنا السياسية و الفكرية لم تمضي عفواً في السنوات الثلاث الماضية ولم تمشي بالتردد والتلكـؤ، والعودة إلى مجمل مواقف الاتحاد وكتاباته خلال هذه الفترة يتضح معها بشكل لا لُبس فيه أننا كنا نتبع بالفعل نهجاً واضحاً متكاملاً أصبح اتحادنا معروفاً به، فمواقفنا لم تكن عُرضة للتناقض والتقلب، وإذا ما أصاب التعثر والضعف بعض مواقفنا أو تصرفاتنا فإن ذلك يظل في نطاق الأخطاء والتقديرات التكتيكية فحسب هذا رغم صعوبة الظروف التي مررنا بها ورغم التغيرات الكثيرة التي طرأت و تعاقبت حولنـــا.

‏   ولكن هذه الظروف المتغيرة بالإضافة إلى قصور في طاقاتنا الذاتية وإمكانياتنا لم تمكننا من التقدم إلى وضع استراتيجية كاملة أو دليل عمل ثوري وإيديولوجية متكاملة لحزبنا. يمكن أن يكون هذا تقصيراً بالإضافة إلى مهمات كثيرة أخرى عجزت قيادة الاتحاد عن أدائها، والمأمول أن يرفع هذا المؤتمر قيادة جديدة تملك قدراً أكبر من الطاقات و الإمكانيات للوفاء بهذه المهمات، ولكن يخطئ كثيراً الذين يعتقدون أن الإرجاء المتكرر من قبل القيادة لانعقاد المؤتمر كان عن تحفظ تجاه أعضاءه أو تحسب من المواجهة والمحاسبة أو رغبة على المحافظة مدة أطول على مواقعها القيادية بل قد يكون العكس هو الصحيح، لكننا كنا نشعر بمسؤولياتنا عن مصير هذا التنظيم وأمنه ومن خلال الرغبة الأكيدة في أن يأتي هذا المؤتمر عامل بناء يدفع بالتنظيم إلى مواقع ارسخ وأقوى وأن يكون فاعلاً في تعزيز مواقعه ومواقفه وقدراته، والجواب على هذا كله وتقييـم هذه التقديرات كلها إنما سيعطيه هذا المؤتمر نفسـه .

   إلا أننا وبعد التأجيلات لنأتي للمؤتمر في مناخٍ موات، مناخ تنظيمنا والمناخ السياسي من حولنا فإننا لم نوفق إلى ذلك وها نحن نأتي لنواجه ظرفاً جديداً يحاصرنا ويلاحق خطواتنا وموقفنا منه لا يحتمل التأجيل، وهو متعلق بالتحديد بطبيعة علاقتنا مع النظام البعثي بعد أن تجمدت علاقتنا الجبهوية معه. إنهُ ظرفٌ دقيق يطالبنا بالكثير من الدقة والتبصر، ولا بد من أن نلتمس فيـه مواقع خطواتنا على أرض الواقع بكثير من العقلانية و بغير انفعال . فشعار جبهة القوى الوطنية التقدمية كأساس لبناء وحدتنا الوطنية في هذا القطر ضمن معطيات المرحلة وضروراتها يجسد هدفاً استراتيجياً هاماً من أهداف سياسة اتحادنا الاشتراكي، ولقد خُضنا في تجربة الجبهة وكنا نريد أن نأتي إلى هذا المؤتمر بحصيلة للتجربة غير التي انتهينا إليها. كنا نريد أن نقف أمامكم لندافع عن ميثاق الجبهة ليقرر المؤتمر اعتماده كمرتكز أساسي في رسم استراتيجية تحركنا السياسي وعملنا المقبل، و إذا ما أخذت علينا قواعد التنظيم بعض التنازلات التي قدمناها للوصول إلى صيغة ممكنة للعمل الجبهوي في ظل نظام البعث القائم، فإننا لم نعد في موقف مناقشتها وتبريرها فمقعدنا في الجبهة أصبح خالياً ولكننا نستطيع أن نؤكد بأننا لم نُفرّط ولم نتخاذل عن التزاماتنا ولهذا المؤتمر أن يعطي الحكم على مواقفنا، ومن المعروف من الجميع أن هذا المؤتمر سيقرر أول ما يقرر فيه موقفنا الجبهوي.

   وسنقدم أمامه بأقصى ما يمكننا من الموضوعية مسيرة هذه التجربة الجبهوية ليعطي تقييمه وتقـريره على بينة وبمسؤولية كامـلة .

   ينعقد هذا المؤتمر أيضاً في ظرف خطير تمر به أمتنا في صراعها الكبير مع الصهيونية والإمبريالية وفي وقت أصبح فيه شعبنا أمام تساؤلات ملحة لا عن المصير البعيد والمستقبل لقضية أمتنا في تحررها الكلي ووحدتها الشاملة، وإنما عن المصير القريب الذي يُـقرر في هذه الأشهر من خلال حركة الأحداث الجارية بالنسبة لتطوير الصراع في منطقتنا العربية وأمام الصيغة التي تصعد بها قوى المواجهة العربيـة.

   ولا بد في مثل هذا الظرف الصعب أن نقرر موقفنا وأين يكون موقعنا في العمل وكيف يكون منهج تحركنا، ومن البديهي أن موقفنا مهما تغيرت الظروف ومهما ضُيق على تحركنا، لا يمكن أن يكون في حال من الأحوال إلا الموقف الوطني التقدمي والصلب و الموقف القومي الثوري الأصيل؛ وهذا ما برهنت عليه مسيرتنا دوماً وستُبرهن عليه ولن تستطيع أن تُبدل من مواقفنا في شيء أو تخّرجنا عن موقعنا في طليعة قوى التقدم في هذا القطر استفزازات الآخرين وأقاويلهــم .

   يوم عُقد المؤتمر الخامس للاتحاد، عُقب إعلان عبد الناصر قبول مبادرة روجرز و عُقب وقف إطلاق النار وقُبيل وفاته كنا في موقفٍ صعب وموقعٍ عسير تجاه مواقف النظام السوري آنذاك قبيل الحركة التصحيحية إلا أن الحيرة لم تتملكنا طويلاً واستطعنا أن نوضح التزاماتنا ومواقفنا وأن نثبّت أقدامنا في موقعنا الوطني التقدمي وأن نتابع مسيرتنا .

   واليوم اذ تتحرك الأمور في المنطقة ومن حول هذا القطر بالذات في الاتجاهات المتوترة التي تتحرك فيها، فإن مواقفنا لا بد أن تكون أيضاً دقيقة ومحسوبة، وإذا لم تكن المعطيات واضحة بالقدر الكافي أمامنا فإن الاحتكام لمنطلقاتنا المبدئية التي لا تزداد كل يوم إلا إيماناً بصحتها، سيكون عادياً لنا في خطواتنا وفي مراجعة وتصحيح ما يتعثر منها أو يفشـل.

   إننا مع النضال الوطني الذي لا يقبل المساومة أو المهاودة و مع النضال الديمقراطي التقدمي الذي يُعزز مبادرات الجماهير ويـؤمن بإرادتها، وهما عنوان النضال في هذه المرحلة على الصعيد الداخلي بالنسبة لنـا.

   ونحن مع النضال الوحدوي ومـع الكفاح الحاسم الذي لا يتوانى ضد الامبريالية والصهيونية ونحن دائماً وأبدأ على طريق عبد الناصر ضد الرجعية والتخلف، قوة طليعية من قوى اليسار العربي والثورة العربية وبهذا تتحدد مواقفنا ومواقعنـا .

ولكن تحركنا في الممارسة العملية لسياستنا الوطنية التقدمية الديمقراطية الشعبية كان من خلال استراتيجية الجبهة الوطنية التقدمية ولم نتحول عن هذه الاستراتيجية. فنحن أول من رفع شعارها بعد الهزيمة ونحن الذين أكدنا طريقها كصيغة لا بد منها في هذه المرحلة لصنع صمود القطر وصنع وحدته الوطنية والدفع على طريق وحدة القوى وعلى طريق أهداف نضال جماهير أمتنا ونحن الذين دفعنا دفعاً حثيثاً على طريقها قبل الحركة التصحيحية ومن خلال التطلع إلى هذا الهدف المباشر مشينا في التعاون مع الحركة التصحيحية، فاختيارنا لطريق العمل الجبهوي لا ينفصل عن تصورنا لطبيعة المرحلة وحاجات المعركة والأهداف المباشرة للنضال العربي، ومن ثم تصورنا الواقعي للإمكانيات الراهنة للقوى الوطنية التقدمية ومواقعها، وكذلك لطبيعة النظام الوطني التقدمي في سورية وامكاناته ولقد خضنا في تجربتين للعمل الجبهوي أولاهما تجربة عام ١٩٦٨التي أردناها تحركاً وطنياً تقدمياً للضغط على النظام لينفتح للعمل الجبهوي بعد أن رفض المبادرات التي تقدمت بها القوى التقدمية بعد الهزيمة لإقامة صيغة من العمل الجبهوي بينه وبينها.

   ولكنها تجربة ضربها النظام وفجرها قبل أن تتقدم خطوة واحدة إلا في إعلان ميثاق عملها ولقد فشلت تلك التجربة بسبب ضعف امكانياتها وضعف تماسك قواها وتضارب مقاصد تلك القوى في الجبهة وبسبب ضعف تقديراتها لواقع القوى وواقع النظام وواقع حركة الجماهير التي أملت بمساندتها، ولقد نقدنا أنفسنا بالنسبة لتلك التجربة بشكل موضوعي ولا مجال الآن للعودة إلى تلك التجربة أو الوقوف عندهـا.

   وعندما قامت الحركة التصحيحية تقدمنا من منطلق التعاون والتأييد دفعاً على طريق إقامة جبهة بين القوى الوطنية التقدمية، يكون حزب البعث قطبها الرئيسي بعد أن أعلنت الحركة التصحيحية إيمانها بالعمل الجبهوي ورفضها للانفراد والتفرد وانفتاحها للتعاون الجدي مع القوى التقدمية والاعتراف بها وانفتاحها على حركة الجماهير العريضة.

   وخضنا في تجربة التعاون الإيجابي مع حزب البعث بدءاً من المشاركة في الحكم وفي المجلس التشريعي المُعين ( مجلس الشـعب ) وفي النشاطات العامة، ثم في الحوار من أجل وضع صيغة للعمل الجبهوي في إطار ميثاق مُلزم، ثم كان تعاوننا في إطار الجبهة بعد إعلان ميثاقها، وهكذا انتقلنا بتنظيمنا عبر كثير من المعاناة ومن العمل والحوار الدائمين داخل إطار الاتحاد، من مواقع السلبية والتصادم إلى مواقع الإيجابية والتعاون. لربما أن إيجابيتنا لم تصل إلى القدر الذي يشترطه نظام الحكم ويريده حداً للتعامل معه، فهو لا يقبل اليوم حداً أقل من التسليم المُطلق بقيادته المُطلقـة.

   لم تكن هذه هي الصورة المطروحة أمامنا في بداية التعاون الجبهوي معه، وميثاق الجبهة بما قدمنا فيه من تنازلات افترضناه حداً أدنى للتعامل واعتبرناه قابلاً للتطور إلى ما هو أمتن وأقوى بمقدار ما تتقدم خطوات التعاون وبمقدار ما نصنع في الجبهة من إيجابيات و لكن الأمور لم تسر على النحو الذي كنا نأمله وتؤمن به قواعد تنظيمنا. فلم تمض أشهر على إعلان ميثاق هذه الجبهة إلا وبدأ موقع هذه الجبهة يتقلص بدلاً من أن يتقدم.

   إن قيادة حزب البعث تأخذ علينا بعض المواقف التي انفردنا بها، وهي تُحصي علينا كل شاردة وواردة من أخطائنا مهما صغرت، وتسجل ردود أفعال بعض قيادات تنظيمنا وأفراد هذا التنظيم هنا وهناك وانفعالاتهم وأقوالهم، لتديننا بالسلبية إجمالاً، وإذا كان لا بد لنا من أن نراجع أخطائنا ونقيّم مواقفنا تقييماً صحيحاً وأن نعترف بأننا لم نستطع أن نتحكم في سلبيات تنظيمنا المترسبة من الماضي لنقائص في تنظيمنا لا بد أن نعالجها، فإننا بالمقابل لا يجوز لنا أن نُغفل العامل الأكبر والأهم والذي يحمل مسؤوليته نظام الحكم نفسه فالكثير من ردود أفعال تنظيمنا لم تكن إلا جزءاً صغيراً أمام ما ترسب في طبيعة نظام الحكم وممارساته من قسرية وفـوقية واستخفـاف بالقوى الأخرى وبحركة الجمـاهير.

   وفي نهاية المطاف من هذه التجربة الجبهوية التي سيقف عندها المؤتمر ملياً وقع خلافنا الكبير مع البعث حول موضوع الدستور وهـو لم يقبل منا كلمة ’’ لا ‘‘ التي قلناها للمادة /٨/ من هذا الدستور والتي مازلنا نعتقد أنه أخطأ كثيراً في فرضها هكذا ولا بد أن يأتي يوم يُدرك فيهِ أبعاد هذا الخطـأ.

   ولقد عملنا جاهدين لمحاصرة الخلاف لكي لا يتسع، ولكن علاقتنا الجبهوية مع قيادة البعث كانت قد بدأت تتعقد قبل الدستور واختلافنا حول صيغ في الدستور عقّدتها أكثر. من قبل الدستور كانت لنا اعتراضاتنا تجاه ممارساتٍ تمادت وخاصة في الصورة التي تحركت بها السلطات لتبعيث أجهزة التربية والتعليم وأخذت تمتد بها لكثير من المجالات الأخرى وأمام بعض الممارسات القسرية للسلطات تجاه القوى التقدمية وجماهيرها انعكست على علاقاتنا بالنشاط الجبهوي عامة وعند مناقشة صيغة الدستور وجدنا أنفسنا أمام خلاف جدي مع قيادة البعث حول مفهوم الجبهة ودورها ومكانها وكأننا في بداية الحوار من أجل إقامة الجبهة وكأنهـا لم تقم فالمـادة /٨/ لم تكن مجـرد نص دستوري بل جاءت واقعاً وفعلاً لتعبر عن خط مُصمم أو متراجع في العمل الجبهوي .

   إننا لا نختلف مع حزب البعث بالنسبة للأهداف الكبرى لمسيرة نضالنا وإذا ما اختلفت التعابير والمسميات فإننا على كثير من اللقاء حول المضامين الفكرية والاستراتيجية لتلك الأهداف ونحن لم نختلف مع نظام الحكم حول الاتجاه في السياسة العربية والدولية وحول مفهوم أولوية المعركة وحاجاتها وهذا ما تأكد في الصيغ التي جاء عليها ميثاق الجبهة ولو كنا نريد أن تكون نصوص ذلك الميثاق أكثر وضوحاً وتفصيلاً من هذه الجوانب لقناعتنا بأن حدود التلاقي الفكري أبعد وأقوى ولولا ذلك لما وضعنا هدفاً استراتيجياَ لمسيرة الجبهة الوصول إلى وحدة القوى وإلى التنظيم السياسي الموحد صعوداً على طريق الحركة العربية الواحدة.

   ولكن اختلافنا الأساسي والقديم مع نظام الحكم البعثي هو حول طبيعة هذا النظام الضمنية وحول ممارساته، إننا لا نختلف معه حول المقولات المُعلنة للوحدة الوطنية وتكافؤ الفرص والديمقراطية الشعبية ولكننا نجد أنفسنا في كل يوم وفي كل خطوة على اختلاف حول الطريق الذي ينتهجه هذا الحكم في بناء المؤسسات الديمقراطية والشعبية والأدوار التي تعطى لها. وقناعاتنا أن الطريق التي يدفع بها الأمور لا تؤدي إلى بناء وحدة وطنية حقيقية ولا إلى بناء تلاحم جماهيري وصمود قوى بل ولا إلى بناء جبهوي صحيح.

   وقناعتنا أن الطريق إلى وحدة القوى لا يمكن أن يكون عبر تشرذمها وضعفها بل عبر نموها في إطار العمل الجبهوي و تلاحمهـــا.

   إن الممارسات العملية للنظام تأخذ بالشمال ما تعطيه باليمين لجماهير الشعب وللقوى الأخرى، من حريات وأكثر الإنجازات والمؤسسات الديمقراطيـة والإجراءات بل الانتخابات والاستفتاءات والمجالس، تفّرغ بهذه الممارسات من محتواها الشعبي والديمقراطي ومن قدرتها على التأثير والفعل وبهذه الممارسات تُخلق تناقضات جديدة، لا بين قوى التقدم والرجعية بل بين قوى التقدم نفسها وجماهير التقدم ذاتها، بل وتخلق تناقضات داخل حزب البعث نفسـه.

   وإذا كانت قسـرية النظام مبررة وبل ومطلوبة أحياناً تجاه الحركات التآمرية والرجعية فإنها غير مبررة ولا مقبولة على الإطلاق إذا توجهت ضد قوى تقدمية أو للتضيق على حركة الجماهير وهي لا بد أن ترتد بالتالي إلى قسرية داخل حزب البعث نفسه وإلى إعاقة لحركة التفاعل الديمقراطي التي لا بد منها لتأكيد الرقابة الشعبية التقدمية على النظام وفعل الحركة الجماهيرية في مسيرة النظـام.

   ولكن جملة الظروف الخارجية والداخلية التي يمر بها القطر لا يمكن أن تضعنا إلا في الموقع الإيجابي من التعامل مع حزب البعث ومحاولة الفعل والتأثير في نظامه، أياً كان الموقع الذي نختاره أو يُفرض علينا أن نختاره بطبيعة تصور علاقات التعاون والعلاقات الجبهوية. لقد كان هذا تصميمنا من قبل أن تقوم الجبهة وسيظل تصميمنا ولن نقبل لأنفسنا أن نُشغل النظام بأية معركة جانبية عن مواجهة مسؤولياته في المعركة، ولن ننشغل معه ولا مع أية قوة تقدمية في صراعات ومنازعات، ولـو اضطررنا إلى تقليص جوانب من نشاطاتنا وفي مواجهة التحديات والضغوط التي يمكن أن نتعرض لها، ولن يكون سلاحنا إلا الموضوع والتوضيح فنحن على قناعة أن التصحيح في هذه المرحلة غير ممكن إلا بالدفع الإيجابي والتعامل الإيجابي لقطع الطريق أمام أي تحرك تأمري ولكي لا نشجع الاتجاهات القسرية واليمينية داخل النظام للارتداد به إلى مواقع التشدد والانغلاق ولإعطاء هذا النظام كل الفرص الممكنة لمواجه نفسه ومسؤولياته، ولقد قلنا لهذا النظام قبل أشهر أن هناك في داخله تحركات تغري بالارتداد والتراجع وأن الحركة التصحيحية بحاجة لتصحيح ولتصحيح مستمر ومتواصل، من خلال التفاعل مع قوى التقدم ومع حركة الجماهير.

   إلا أننا في مسيرة التعاون الماضية كلها كنا نعاني لا من سلبيات وممارسات النظام وحدها بل ومن ضغط قواعدنا المتصلة مع الجماهير عامة من هذه الممارسات، فكنا بين نارين فلا المجال الضيق والمحدود الذي أعطاه ’’ البعث ‘‘ للجبهة مكننا من الدفع بقواعدنا إلى مواقع أكثر إيجابية ولا ردود أفعال قواعدنا أعطتنا إمكانيات أقوى للتأثير الإيجابي في ’’ البعث ‘‘ ونظامه. مما اضطرنا إلى تقليص نشاطنا الجبهوي في النهاية إلى أدنى الحدود و كذلك نشاطاتنا العامة حتى التنظيمية منها لكي لا نقع في التناقض أو في التصادم.

   لقد كان موقفنا الصامت داخل مجلس الشعب وخارجه بعد إصرار قيادة البعث على المادة /٨/ من خلال مقولة فرض الأمر الواقع ’’ أي واقع سيادة حزب البعث وحده للدولة والمجتمع ‘‘؛ هو الموقف الوحيد الـذي عبرنا به عـن ممارستنا لاتجاه يختلف عن مفهومنا للجبهة والعمل الجبهوي وعن واقع تطلعات الديمقراطية وواقع تطلعات قطاعات تقدمية واسعة من جماهير شعبنا.

   وبعد هذا الموقف وانسجاماً مع أنفسنا كان من الطبيعي أن لا نشارك في الدعوة للاستفتاء وأن لا نفرض على قواعدنا أن تنشط للاستفتاء وأن نقول ’’ نعم ‘‘ ولكننا رفضنا لاتحادنا الاشتراكي في الوقت ذاته أن يقف موقف السلبية والمعارضة أو أن يحرض ضد الدستور، ولم ندعُ أحداً لمشاركتنا موقفنا وكل ذلك من خلال الحرص على أن لا نقف في موقع يمكن أن تستغله الحركات الرجعية، وأن لا نقف في أي موقف تصادمي مع البعث والقوى التقدمية التي شاركته في الدعوى للاستفتاء.

   أما ما يتعلق بموقفنا النهائي من الجبهة القائمة بعد أن تطورت الأمور إلى ما تطورت إليه فقد تركنا أمر التقرير فيه إلى هذا المؤتمر، إلا ان قيادة البعث بعد أن لم تُرضها مواقفنا قررت هي من جهتهـا تجميد علاقة الاتحاد بالجبهة وانصاعت لقرارها الأطراف الأخرى في الجبهة. إننا لم نُبلغ حيثيات قرار التجميد هذا ولكن الذي عُرف هو أن قيادة البعث تأخذ على اتحادنا الاشتراكي قلة الإيجابية في التعامل ورفضه للدستور الذي أصبح ناظماً لحياة البلاد الدستورية والسياسية والقانونية وتأخذ على القيادة الممثلة للاتحاد الاشتراكي في الجبهة أنها لم تكن وفية بالقدر الكافي لمهمات الجبهة ولا متقيدة بها في الحدود التي رسمتها قيادة البعث. ولهذا المؤتمر أن يحكم ويقرر، ومعروف من الجميع داخل الاتحاد وخارجه أن هذا المؤتمر آتٍ ليقرر في هذا الموضوع قبل كل شيءٍ آخــــر.

   إن القيادة عندما اتخذت قرارها في التعاون الجبهوي إنما ارتكزت إلى استراتيجية الاتحاد السياسية العامة للعمل في هذه المرحلة، وليقرر المؤتمر ولينتخب قيادة تنفذ قراراته، لا بد أن يحتكم لهذه الاستراتيجية وأن يراجع ما يجد ضرورة مراجعته منها، لقد حددنا المعالم الأساسية لهذه الاستراتيجية التي انطلقنا منها منذ المؤتمر الرابع، وسنضع تحديداً أكثر للجوانب الثلاث الرئيسية التي تحكم مسيرتنا:

١ – ظروف المعركة وأولوياتهــا.

٢- التزامنا الناصري وما يعطيـه من أبعاد لتحركنا السياسي بين الجمـاهير الناصريـة.

٣- مفهومنا للعمل الوطني على أساس جبهوي وأهداف تحركنا في هذا الإطــار.

   أما الجوانب الأخرى من استراتيجيتنا السياسية العامة، سواء في السياسة الدولية أو العربية فإن مسيرة الاتحاد واضحة فيها من خلال مواقفه ونشراته و لن نخوض في تفصيلها؛ إن من الممكن لأعضاء المؤتمر أن يناقشوا فيها ولو أننا نفضل الحصر والتحديد بالموضوعات الأساسية المطروحـة.

   وكذلك الأمـر بالنسـبة لمناقشة الجوانب الأخرى من السياسة الداخلية كالسياسة الاقتصادية التي تسـير فيها البلاد ومتطلباتها، وإذا ما قصرنا في أن نقدم للمؤتمر مثل هذه الدراسات والتقارير لعدم استكمالها، فإن المطروح أمام هـذا المــؤتمر من مسائل مباشرة وأساسية سيُشغله عن كل ما عــداه.

…………………………….

يتبع.. (الجزء الثاني)

التعليقات مغلقة.