نوال سلماني *
في حوار مع جريدة العراقية الأسترالية؛ الأديب والناشط السياسي اللبناني «علي أبو دهن»:
– عائد من جهنم هو باكورة الحرية بعد سجن واعتقال تعسفي دام 13عاماً في سجون الأسد الأب
– بالنسبة لي، الأدب يجب أن تدخله السياسة التي دخلت كل حيز حياتنا
ضيفنا لهذا العدد معتقل لبناني، أعتقل في السجون السورية لعدة سنوات، فذاق ويلات وألم وعذاب جهنم على الأرض.
بدأ اعتقاله من سجون فروع المخابرات السورية، حتى وصل إلى سجن تدمر الوحشي الذي خرج منه بأعجوبة، ونتج عن كل هذا كتابه الأول “عائد من جهنم” عائد من الموت ومقابر سوريا المظلمة، استجمع قواه وبدأ رحلة نضالية أخرى تنادي بإطلاق سراح المعتقلين في السجون السورية، إنه رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في معتقلات سوريا، علي أبو دهن رجل العدالة التي حمل همها آلاف اللبنانيين وعشرات آلاف السوريين المعتقلين أهلا وسهلا بك.
وقائع الحوار..
– أستاذ علي أبو دهن هل لك أن تحدثنا بإيجاز عن سيرتك الذاتية ؟
= لقد كنتُ المعتقل اللبناني في السجون السورية، اعتقلت قسراً وظلمـاً في سجون حافظ الأسد 13سنة، منذ سنة 1987م الى غاية سنة 2000 وتم الإفراج عني فور موت حافظ الأسد واستلام ابنه بشار الحكم.
– صدر لك ثلاثة أعمال أدبية حدثنا عن كتابك الأول (عائد من جهنم)، رغم أن العودة من جهنم لم تكن سهلة.
= عائد من جهنم هو باكورة الحرية بعد سجن واعتقال تعسفي دام 13عاماً في سجون الأسد الأب، هو عذابي وحرماني من الحرية، هو ألمي ووجعي وبكائي الصامت، ومناجاتي لله رغم أنف من قال على لسان الرئيس، (لقد منعنا الله من دخول السجن!!، لن تنفعكم صلاتكم أبداً). عائد من جهنم هي قصة كل سجينٍ معتقلٍ ظلماً في سجون سوريا، لقد تقاسمنا العذاب المشترك الذي انتهى بموت البعض وبذلك تفرقنا، سأحكي لك كيف كنا نتقاسم بيضة مسلوقة بين خمسة أشخاص، وكيف نجتمع في صلاة جماعية ونتضرع بالدعاء للخالق لكي يشفي سجيناً يموت أمامنـا من شدة الضرب.
– (العائدون من القبور السورية) هو عنوان كتابك الثاني، حدثنا عن هذه القبور والعائدون منها ؟
= كتابي الخارجون من القبور السورية هو مجموعة من خمسة كتب شاركت مع رفاقي المعتقلين في سرد قصص العذاب الأليمة، من جوع ومرض، وبرد الشتاء القارص وحرارة الصيف الخانقة، إنها رواية البعد عن العائلة والشوق لهم والحب المشحون بذكريات الفرح والسفر والترحال والزوجة، والخطيبة، في ظلام السجن الدامس وظلمة الحياة القاسية، سجن تدمر كان أسوأ مكان رأته عيناي وأبشع ذكريات مرت علي أنا ورفاقي.
– بعد بضعة أشهر سيصدر كتابك السياسي الرابع، هل لك أن تقدم للقارئ ملخصاً بسيطاً عنه؟
= أعمل جاهداً على إصدار كتابي الجديد والذي لن أتحدث عنه الآن بل سأتركه إلى أن يخرج للنور قريباً إن شاء الله.
– ما هي تطلعاتك المستقبلية ؟
= تطلعاتي المستقبلية كانت بخروجي من السواد الأعظم، الذي عشته في سجون سوريا، ويبقى الأمل دائما برؤية لبنان بخير، هذا أقصى ما نتمناه جميعاً في الظرف الراهن.
– كيف ترى الحركة الأدبية في بلدكم ؟
= الحركة الأدبية في لبنان ما تزال كما هي، قلت القراءة بصفة عامة واتجهت نحو الرقمية، فهي بالنسبة لهم أفضل من الورقية، رغم أنني أفضل قراءة الكتب الورقية، وهذا التراجع كله بسبب الفقر والبطالة لا يجد الناس ثمناً للكتاب وزيارة المعارض، فقد اقتصرت الحياة على لقمة العيش.
– كيف ينظر علي أبو دهن إلى العلاقة بين السياسة والأدب، وهل تتفق مع فكرة أن العمل الأدبي يجب أن يتجرد من الإيديولوجيا؟
= بالنسبة لي الأدب يجب أن تدخله السياسة، التي دخلت كل حيز حياتنا، في الأكل والنقل والعمل لا يمكن تجريده من يومياتنا، لأنني شخصياً أحب الأدب السياسي.
– بعيداً عن إصداراتك الأدبية سنتحدث قليلاً في السياسة. لقد فاجأت ثورة 17 أكتوبر الجميع، وهزت السلطة اللبنانية، هل كنت تتوقع هذا الحدث كناشط سياسي ؟
= ثورة 17أكتوبر هي نتاج سياسة فاشلة قامت بها الحكومات المتعاقبة على السلطة في لبنان في ظل الاحتلال السوري، حيث شرعت سوريا لكل سياسي لبناني يقبل أن يعمل لصالحهم أن يسرق وينهب ويستبيح الحريات يسجن ويعاقب من يشاء، أباحت لهم السرقة ونهب المال العام واستباحة شاطئ لبنان الجميل واستملاكهم من قبل سياسيين فاشلين ساقطين في فحص كرامة الوطن وحبس الحريات، ولدت ثورة الشعب التي ستصل إلى مبتغاها وأهدافها قريبا إن شاء الله.
– برأيكم ما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا الانفجار؟ وما هي تداعيات ذلك على لبنان دولة وشعبا؟
= الأسباب هي فلتان الأمور من يد الدولة بسبب سيطرة حزب الله على المرافئ ومرافق الدولة المدعوم كليًا من ايران على مرافق وسياسة الدولة اللبنانية الداخلية والخارجية والتي أظهرت العداء لمعظم دول الخليج العربي و الأكثرية دول العالم’ سمحت لإضعاف الدولة وفتح حدودها البرية والجوية والبحرية ‘لكل ما هب ّ ودبّ’ لذلك أدخلت هذه السفينة المحملة ٢٧٥٠ طن من أخطر المتفجرات ووضعت في عنبر يبعد عن البيوت السكنية ٥٠٠متر … لا الوزراء ولا الحكومات المتعاقبة استطاعت أن تفعل شيئاً إلى أن أتى من فجرها وحصلت الكارثة بتدمير نصف بيروت وإزالة بور بيروت من الوجود ووفاة ١٨٠ شهيدا ٦٠٠٠ آلاف جريح وعشرات المفقودين.
– في نظركم، كيف يمكن الخروج من أزمة ما بعد انفجار مرفأ بيروت؟ وما هي محددات ذلك؟
= ليس من السهل الخروج من هذه الكارثة التي حلت في بيروت، الا بمساعدة دولية جامعة، فالخسائر تقدر بعشرة مليارات دولار هذا أقل ما يكون، ناهيك عن تهدم البنية التحتية التي تهدمت تماما، نحن كلبنانيين وكدولة شبه منحلة لا وجود لهذه الدولة ولا للثقة بأن تسلم المساعدات المالية لمسؤولين نهبوا خيرات هذا الوطن ولم يعطوه شيئا، بدأت المساعدات تصل من بعض الدول العربية الشقيقة والصديقة وقد انعقد اجتماع من طرف الرئيس الفرنسي ماكرون لطلب المساعدات من أوروبا لإعادة إعمار ما تضرر، وهذا الأمر يتطلب وقتا طويلا يتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات.
طالبنا في بداية الحراك الشعبي بتغيير الحكومة ومازلنا نطالبهم بالاستقالة وتقصير مدة المجلس النيابي لإعادة انتخابات نيابية جديدة، وبما أن المجلس النيابي هو مصدر التشريع وهو من يعين الوزراء ويصوت عليهم وينتخب رئيس الجمهورية فإذا أعيدت انتخابات نيابية سيعاد انتخاب رئيسا للجمهورية من قبل المجلس الجديد وتعيين مجلس الوزراء وبهذا فقط سنعيد لأنفسنا السيطرة على لبنان.
– كيف ترى المشهد السياسي اللبناني مؤخراً ؟
= السياسة والسياسيين التابعين لحزب الله وسوريا وإيران هم هم، لا يتغيرون إلا حينما تسقط معطياتهم أمام غضب الشعب، ولن ينفع معهم إلا قضاءً عادلاً وسجناً حكيماً يرضي الشعب.
– هل تتوقع بعد زوال وباء كورونا استمراراً قوياً للحراك؟
= الثورة لن تموت وكورونا لن تخيفنا، إنما نحن أوقفنا تجمعاتنا حرصاً على أهلنا وعلى حياتهم لا خوفاً من الوباء، وها نحن عدنا وبقوة .
– هل ترى أن الحراك اللبناني سيساهم بالفعل في إعادة تكوين النظام للانتقال للجمهورية الثالثة؟
= نحن ذاهبون إلى إعادة رسم سياسة لبنان نحو الأفضل نسميها جمهورية ثالثة، أو جمهورية الثورة، المهم عندنا أن نغير هذا النظام والطاقم السياسي البالي الذي لا يصلح إلا للنهب والسرقة، نحن سوف ننجح ونغير كل شيء نحو الأفضل.
– هل أنت من الدعاة إلى مؤتمر تأسيسي يرسي أركان الجمهورية الثالثة، أم لك رؤية مغايرة، وماهي ؟.
= أنا واحد من مئات الثوار الذين يرسمون ويؤسسون نحو سياسة جيدة ومستقبل زاخر لأجيالنا نفتخر بما سينجز، لبنان إلى الآن راسخ تحت قوة محتلة من الخارج سياسة يرسمها حزب الله التابع لإيران، مع احتفاظه بماء الوجه اللبناني في سياسة ولو جزئياً بسبب امتلاكه نواباً في هذه الوزارة.
– هل ما زال هناك تأثير للقوى الخارجية في التفاهمات السياسية بين الأطراف المشاركة في نظام الحكم ؟ أم قل هذا التأثير بسب ما حدث في المنطقة من ثورات وانتفاضات؟
= التأثير مازال قائماً إلى الآن رغم بدأ الثورة، لكننا نحاول بهذه الثورة تخفيف هذا التأثير، والمتمثل في حزب الله الذي استلم الملف اللبناني، وهو الأقوى على الساحة اللبنانية، وهو تابع لإيران، وإيران بدورها تتبع روسيا التي تشتغل على الملف السوري، إذاً نحن في دائرة روسيا وإيران وحزب الله وسوريا. مازال هناك التأثير قائماً. سنحاول جاهدين أن نمر ونخرج من هذه الأزمة على خير إن شاء الله، ولو لاحظ الجميع أن الثورة بدأت بتونس ثم مصر ثم السودان وانتهت، وما تزال في اليمن والعراق وليبيا وسوريا وكلهم بتأثير من إيران الذي يلعب في هذه الساحات على حسب مزاجه مع حزب الله.
– ماذا يقول «علي أبو دهن» للسجين رقم 13 في سجن تدمر؟ وماذا يقول لعلي الآن في 2020م ؟
= إن السجن قد وهبني حياة جديدة عندما خرجت منه حياً، حيث قلت: علي لقد خرجت وعدت من جهنم لا تنسى السجن ذاك أو الرقم 13عشرة الذي يلازمك لحد الساعة، لقد تحررت وولدت من جديد وكلما اشتدت عليك الحالة المعيشية أو الأمنية عد إلى تلك الزنزانة من خلال عقلك الباطن، استذكر ثم خذ نفساً عميقاً وعد بقوة وأشكر الله على الولادة من جديد، أنت قوي يا علي ابتسم للحياة الجديدة .
– أنت رئيس جمعية المعتقلين اللبنانية في السجون السورية، هل كللت جهودك المبذولة من أجل إطلاق سراح المعتقلين بالنجاح؟ أم اعترضت جهودك الخيبة من الحكومة اللبنانية؟
= كرئيس لجمعية المعتقلين أعمل بكل طاقتي وأتحمل كل الضغوط من أجل إطلاق سراح رفاقي المعتقلين، وبجهودنا وجهود من تعذبوا اليوم عهد قانون قيصر من أجل إطلاق سراح جميع المعتقلين، لن أهدأ ولن أستكين إلا برؤية السفاح الذي اعتقلنا وأذلنا مع جماعته في محكمة الشعب العادلة قد نال جزاءه.
– ماهي النصيحة التي تقدمها لشباب الوطن العربي ؟
= نحن في الوطن العربي مغلوب على أمرنا، من قبل سياسيين تابعين لمشروع غربي أو شرقي، هم تابعون لغير وطنهم فعلينا نحن الشباب العربي، أن نحي القومية العربية فينا، وأن نعيد تاريخ العرب الأساسي إلينا والعروبة، وأن نقود أنفسنا بأنفسنا وأن لا نتبع أحداً، بل على الغرب أن يتبعنا نحن من قدم للعالم الطب من أرضنا، الثقافة من أرضنا، الإسلام الذي علم العالم من أرضنا والمسيح السلام على إسمه من أرضنا من القدس العربي، فكل أنبياء الأرض منا فكيف نتخلى عن هذه الأرض للغرب، ونخضع لهم بدلاً من أن يخضعوا لنا. أيها الشباب أحبوا أوطانكم فأوطاننا تستحق كل الحب.
– في النهاية نشكر الأستاذ «علي أبو دهن» على منحنا القليل من وقتك الثمين، رغم انشغالاتك الكثيرة، نتمنى لك كل التوفيق والنجاح في عملكم وحراككم المبارك.. والشفاء العاجل لك وللمصابين نصركم الله وحقق كل ما تصبون إليه.
= كان لي الشـرف أن أكون ضيفك لهذا العدد “الأديبة والإعلامية نوال سلماني” ومن لبنان أرسل كل حبي واحتـرامي لكل العـرب الذين دعموا لبنان الحبيب بمساعدات إنسانية مادية كانت أو معنويـة حفظكم الله، ممنون لك على هـذه الاستضافـة لقـد سـعدّت جداً بهذا الحـوار المطول.. شكراً جزيلاً.
* إعلامية وأديبة جزائرية
المصدر: جريدة العراقية الأسترالية
التعليقات مغلقة.