طاهر علوان *
يلعب العامل البيولوجي دورا هاما في تحديد حيوات الإنسان الحديث، حيث تقترب منه سينما الخيال العلمي بشكل خاص بل إنها تقارب ما صرنا نعيشه من تفشي الفايروسات، وتحقّق عمليات الإغلاق الإجباري في وسط وجود ضحايا، وهو ما يقترحه فيلم “إغلاق المجمّع” للمخرج باول راتشيد.
وسط إشكاليات مركّبة ومضاعفة تعددّت فيها الأسباب والعوامل التي تجعل من الكائن البشري مهدّدا على الدوام، يأتي فيلم الخيال العلمي “إغلاق المجمّع” للمخرج باول راتشيد معالجا ثيمة تفشي وباء من نوع مجهول، سرعان ما يتحوّل إلى أداة إرهابية، ويكون منطلقَ ذلك الوباء مكان ما في جنوب شرق آسيا.
الشعور بالتهديد والعدو الخارجي هي ثيمة أخرى إضافية في سينما الخيال العلمي، حيث يجري توظيف ذلك العدو بوصفه كائنا خارقا أو فضائيا أو من الزومبي، أما هنا فإن العدو هو سلاح بيولوجي من خلال عدوى تنتقل إلى البشر تتسبّب في النزف الدموي من الفم ومن ثم الموت.
وتبدو مقاربة هذا الفيلم الذي يعرض حاليا في الصالات العالمية، أكثر قربا ممّا يعيشه العالم اليوم من إغلاق متواصل بسبب انتشار فايروس كورونا القاتل، وحتى مكان نشوء الفايروس في الفيلم يعود إلى آسيا والصين تحديدا.
على الجهة الأخرى يقدّم الفيلم الدكتورة آيمي (الممثلة ميشيل ميليت) صحبة زميلها ريس (الممثل أل ويفر)، وهما يجريان أبحاثا توصلهما إلى استخدام تقنية النانو والجيل الخامس للتوصّل إلى علاجات استثنائية لوباء بشري، وهما يسابقان الزمن في داخل مختبر مغلق.
الوباء يكاد ينتشر ويستهدف بريطانيا وغيرها، وبالنسبة للدكتورة آيمي فإن مهمتها هي الحيلولة دون ذلك تحت إشراف حكومي تقوده ناتالي (الممثلة كيت ديكي)، لكن ما لم يكن متوقعا أن تقوم هذه الأخيرة وفريقها بإنتاج كميات كبيرة من كبسولة النانو التي توصلت إليها آيمي لغرض الاستثمار فيها، فيما الوباء يسابق الزمن للانتشار في متاجرة مفضوحة بأرواح البشر سوف تصدم آيمي التي تتأكّد أنه تم استغلالها.
هذه هي الخطوط الرئيسية في هذه الدراما الفيلمية ليضاف إليها وجود عيّنة هي زميلة آيمي وفريقها، ولكنها أصيبت بالوباء، وها هي محتجزة في داخل صندوق زجاجي ويتم إجراء التجارب عليها.
ولنعد إلى تلك الثيمة التي تتمثل في وجود العدو الخارجي الذي يفترض أن يكون مكافئا أو متفوّقا لقوى الصراع التي عرضنا لها، والمتمثلة في فريق آيمي، لكننا سوف نشاهد ردود أفعال تتّسم بالبرودة والمفاجآت غير المؤثرة وغير المقنعة على الإطلاق، ومثال ذلك تمرّد واحد من فريق آيمي وتصادمه مع مساعدها في مشهد عراك سيء الإخراج، ينتهي بإصابة ريس بسكين في ساقه وكيف تعالج آيمي ذلك الجرح ببرود كامل.
يلجأ المخرج بشكل شبه كامل إلى الحوار بوصفه بديلا وغطاء على الدراما التي تسير ببطء شديد، الحوار هنا يقترب من الثرثرة وفي ظن المخرج أن توظيف الحوار سوف يكون كافيا لكي تمضي الدراما الفيلمية إلى نهاياتها، لكن ذلك لا يتحقّق ويغدو الحوار عبئا إضافيا على الفيلم، فضلا عن بطء الإيقاع والرتابة التي سادت الكثير من الأحداث.
واقعيا كانت هناك حاجة واضحة للمزيد من الحبكات الثانوية والتحوّلات التي تسهم في الصعود بالدراما، ومن تلك الحبكات التي يفترضها المخرج افتراضا دون أن تقدّم شيئا جديدا في النسق الدرامي للفيلم، تسلق آيمي عبر ممرات التهوية في سقف المبنى، ثم عودة زميلها الذي سبق وهجم عليها لتجهز عليه مرة أخرى بمطفأة الحريق من دون أن يكون لظهوره أي فائدة أو جدوى.
ولنعد إلى تلك العينة، زميلة فريق العمل الآسيوية السجينة في صندوق زجاجي، فتارة يتم إجراء تجارب عليها وتارة نجدها قد أصبحت دليلا على المؤامرة التي ترتكبها ناتالي في كون العملية برمتها تجارب تشرف على إجرائها على البشر.
وفي موازاة ذلك وعلى الصعيد الشخصي، ربما يكون تحالف آيمي مع ريس كافيا لكي ننتقل بالدراما إلى مستوى أعلى ممّا هو سائد، لكنهما يستغرقان في حوار طويل وحتى بعد إصابته بسكين في ساقه لن يتعدى دوره تلك الحواريات الطويلة مع آيمي.
وأما على صعيد الانتقالات المكانية، فلا شك أن ثيمة الفيلم التي تتحدّث عن عزلة تامة وانغلاق في مجمّع مستهدف يفرض انتقالات مكانية محدودة للغاية، جعل المخرج يلجأ إلى النوافذ الإلكترونية في حوار آيمي مع مديرتها ناتالي وهو حوار سوف ينتهي إلى تراجيديا مريرة.
ربما كان من المنطقي في سياق الأحداث أن ترتقي آيمي وفريقها إلى مستوى افتضاح المؤامرة وإيجاد حل للمصابين، لكن المخرج يلجأ إلى أقصر الطرق وأكثرها مباشرة بأن تقتصّ آيمي من إدارتها العليا ومساعيدها، حيث تقتل ناتالي ومساعديها بالرصاص وتتخلّص منهم مرة واحدة متمثلة دور أي قاتل محترف وهو في واقع الأمر حل لم يكن موفقا بما فيه الكفاية.
كل هذا وغيره أجمع عليه النقاد الذين كتبوا عن الفيلم بأنه لم يكن في مستوى الإشكالية المعقدة التي عرضها بوجود إرهاب بيولوجي عالمي، ووجود فريق علمي مضاد وتحقّق العديد من المواجهات غير المباشرة بين الطرفين، لكنها لم تنته تلك النهاية التي تتطلبها مثل هذه القصص السينمائية.
* كاتب عراقي
المصدر: صحيفة العرب
التعليقات مغلقة.