محمد عمر كرداس *
يرزح الشعب السوري تحت حكم حزب البعث وطغمته العسكرية والأمنية، منذ أكثر من خمسين عامًا، بلغت ذروة محنته هذه في العشر سنوات الأخيرة، حيث القتل بالجملة وحيث الاعتقال بالآلاف والتهجير بالملايين وتدمير المدن والبلدات والقرى على يد جيشه العقائدي والميليشيات الداعمة له، ومن فصائل مسلحة استقدمها وشكلها ودعمها لهذه الغاية، كما تدمير الاقتصاد الصناعي والزراعي والتجاري وكل أنواع النشاط الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي، بما يتطلب عشرات السنين لإعادة ما دمره هذا النظام ونهبه وينهبه لصالح شريحة ضيقة من الحاقدين والانتهازيين ولصالح أجندات خارجية تعمل لتدمير البلد بحجج ومبررات الإرهاب، بينما يجمع العالم على أن إرهاب النظام وحلفاؤه هو الإرهاب الحقيقي منذ بداية انفراده بالحكم إلى الآن ومع هذا الإجماع يمتنع هذا النظام العالمي عن أخذ أي إجراء لصالح الشعب السوري ضد هذا النظام، وعندما يقارن منافعه ومضاره يكتشف أن النظام السوري يقوم بخدمات للنظام العالمي أكثر من مضاره على هذا المجتمع، الذي لا يهمه تدمير البلد أو قتل مئات الألوف طالما أن النظام ينفذ ما يطلب منه، ففي مذاكراته عن الأربع سنوات الأولى من حكمه يقول أوباما بأنه فشل في الملف السوري، ولكن الحقيقة غير ذلك فأحد مساعديه في البيت الأبيض يعلق على كلامه بالقول :إننا بقينا أشهر طويلة ندرس نحن والروس عام 2015 ــــــ 2016 كيف نحمي النظام من السقوط، وهذا ما تم على أرض الواقع. دخل الروس بالتوافق مع الأميركان في أيلول/سبتمبر 2015 بهجوم كاسح في الغوطة الشرقية وحلب ليعيدوا التوازن للنظام الذي كان قد خسر أكثر من 60 بالمائة من مساحة سورية وكان معرضًا للسقوط في أي لحظة، بانهيار جيشه والمليشيات الداعمة له وعجزها عن إعادة سيطرته على المناطق الإستراتيجية التي خسرها وهذا راجع أيضًا لموقف أوباما من العرب الذي كان محركه وموجهه، حيث كان يعتبر أن الفرس أصحاب حضارة والعرب مجرد بدو همج. عدا عن أن حليفهم الأساسي في الشرق الأوسط ” إسرائيل: له القول الفصل في بقاء هذا النظام أو ذاك. والذي كان يقدر عاليًا دور النظام في استقرار جبهة الجولان منذ عام74 بالتزامه بشروط اتفاقية فصل القوات حرفيًا. ومع اقتراب استحقاق النظام الانتخابي لمقعد الرئاسة ولعبة التجديد بصورة انتخابات، تعمل روسيا وحلفاء النظام علنًا لاستمرار النظام ورئيسه وإعادة تأهيله في عدد من المؤتمرات الترويجية كمسرحية مؤتمر اللاجئين التي مثلت على أرض سورية والمؤتمر الموسع قبله بين الروس والنظام بهدف الشراكة لإعادة الإعمار والتي كانت نتيجته قضم المزيد من الأراضي والاستحواذ على العديد من المرافق الاقتصادية. كما تعمل الأمم المتحدة عبر مندوبيها وبدعم من القوى العظمى الخفية التي لا تريد الظهور بالصورة ولكنها معروفة لتسهيل هذه العملية الانتخابية المزيفة بعدما اختزلت قرارها الأممي إلى لجنة دستورية يلعب بها النظام وداعميه وعملية انتخابية بإشراف الأمم المتحدة. ومن المعروف أن سجل الأمم المتحدة في هذه المجالات يلزمه كتاب أسود من عام 1960 في الكونغو إلى الصومال والبوسنة وغيرها الكثير.
الجديد في الموضوع أن المعارضة الرسمية كالائتلاف ومن لف لفه دخل على خط الانتخابات، وإذا كان قد أوقف العمل ببيانه مؤقتًا، فهذا لا يعني أنه تجاوز هذه النقطة وسيعود إليها، وإذا أجمع الجميع على إعادة تأهيل النظام فلن يعارض هذا الجسم الهزيل إرادة الكبار، وستكون لعبة مكشوفة وقبيحة كما كانت كل المناورات السابقة من أستانا إلى سوتشي إلى غيرها ونتيجتها كلها كما يقر القاصي والداني كانت ضد إرادة الشعب السوري في طموحاته بالحرية والكرامة والعودة إلى بلاده التي شرد منها كرهًا.
لن يكون هناك حلول ناجعة ومقبولة إلا الحلول التي يشارك بها شعبنا السوري بشكل حقيقي بعيدًا عن التزييف والمناورة، ويفرضها بإرادته القوية كما فرضها أكثر من مرة عبر تاريخه الطويل، أما من يتلاعبون ويناورون فهم جميعًا إلى مزبلة التاريخ فالشعب هو الباقي وهو المعلم والقائد.
محمد عمر كرداس
كاتب وسياسي سوري
المصدر: إشراق
التعليقات مغلقة.