غسان ناصر *
ضيف (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) اليوم، هو الكاتب والروائي السوري ممدوح عزام، المولود عام 1950 في قرية “تعارة” التابعة لمحافظة السويداء (جنوب غرب سورية).
درس “عزام” مراحله الأولى في السويداء، قبل أن ينتقل لدراسة الأدب العربي في جامعة دمشق، وبدأ حياته المهنيّة مدرّسًا في المدارس السورية إلى أن تفرغ للكتابة الأدبية، وهو يمتاز بسلاسة كتاباته وتشويقها، وبأسلوبه الروائي الساحر الذي يشدّ القراء إلى عوالمه الإبداعية.
يرى النقاد أن روايات صاحب (معراج الموت) “تنشغل بالكفاح الإنساني وبعوالم المهمشين وتحدي الفرد في تعبيره عن ذاته داخل مجتمع مغلق، لكنه يضع تلك الأفكار وغيرها في بيئة الجنوب السوري بصحرائه وجبله وسهوله، وهذا يجعل أعماله شديدة الخصوصية”. ويرون أنّ “تجربته كروائي سوري له بُعد كتابي خاصّ وأسلوب مختلف عن أيّ كاتب آخر، تضعه كحالة فريدة في نقاش تفاصيل مجتمعه والتنقيب خلفه، إنه أكثر قابلية ومرونة للتعبير عن تفاصيل سورية، ولو كانت بحلقة صغيرة منها”.
صدر لضيفنا، الذي يُعدُّ اليوم من أبرز الروائيين المؤرخين للعصر الحديث في سورية بكتاباته الأدبية، سبع روايات هي: «معراج الموت»، (رواية، 1987)، التي حُوّلت إلى فيلم سينمائي بعنوان «اللجاة»، من إخراج المخرج الراحل رياض شيّا، ومن إنتاج “المؤسسة العامة للسينما”. و«قصر المطر» (1998)، و«جهات الجنوب» (2000)، و«أرض الكلام» (2005)، و«نساء الخيال» (2011)، و«أرواح صخرات العسل» (2018)، و«لا تخبر الحصان» (2019)، إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما: «نحو الماء» (1985)، و«الشراع» (2000). كذلك له إسهامات أدبية في كتب مشتركة، منها: «صفحات من دفتر قديم.. سبعة كتّاب سوريين يروون سيرهم المدرسية».
وهو يكتب وينشر بشكل منتظم مقالات أدبية وثقافية، في عدد من الصحف والمواقع الإلكترونية السورية والعربية.
أُعيدت طباعة رواياته القديمة في طبعات جديدة، وكان قد ترجم بعضها إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والألمانية.
كان هذا الحوار معه عن مشروعه الإبداعي في الزمن السوري الملتهب، وعن مشاغل الكتابة وبهجة القراءة، وغير ذلك من القضايا الأدبية والثقافية الراهنة.
– بداية، ما الذي تعكف على كتابته في الوقت الحالي؟
= أكتب رواية. إضافة إلى عملي في كتابة المقالات للصحافة.
– قلت ذات يوم: “فاضت الأرض السورية بالحكايات..”. كيف تكتب قصصك ورواياتك حول ما يجري في بلادك من أهوال، وأنت بعيد عنها جغرافيًا؟ ومن قبلُ، إلى أيّ مدى أنت معني ككاتب بـ “الهُنا“ و“الآن“؟
= لست بعيدًا عن بلادي جغرافيًا، أنا في سورية ولم أغادرها البتة إلّا لزيارة أولادي في المهجر، ولم يطل غيابي في المرة الواحدة أكثر من شهرين. ومن الطبيعي أن أكتب عن البلاد وعمّا جرى ويجري فيها، بحسب ما تناسب القصة أو الرواية أو المقالة، ولهذا يمكن عدّ “الهُنا” هو المحتوى الكلّي لما كتبت من روايات وقصص، ولما قد أكتبه في المستقبل. أما مسألة الآن، أي الكتابة عن الحاضر، فهي قضية شائكة جدًا، يمكن أن تكتب مقالة أو متابعة ما لليومي، غير أنّ من الصعب أن تكتب رواية، فالرواية تتطلب الصبر والتأني واستمهال الأحداث، ولا يمكنها أن تكون تعليقًا على ما يحدث، وبخاصّة أنّ المتغير في زمننا ضخم ومريع، والحدث نفسه معقّد ومتداخل بحيث لا يمكن أن تكتب رواية من دون أن تتعرض للانكسار. لهذا، فإنّ الكتابة الروائية عن الراهن تكون بصرف النظر عن المحتوى أو طبيعة الحدث، أو لنقل بصراحة، بصرف النظر عما إذا كان ما يحدث من ثورات وانتفاضات هو أمر لا يمكن عدم ملاحظته. نعم، أنا ألاحظ وأسجل وأرى وأشارك وأنتظر الرواية.
– من أين يأتي ممدوح عزام بحكايات نصوصه، أهي ثمرة مصادر استلهام متعدّدة، أم من معين تجاربك الشخصية؟
= تأتي الحكايات مفاجئة، لا أعرف كيف تأتي، ولكنني أعرف كيف ألتقط ما هو روائي في الحدث الذي يجري أمامي، أو في الخبر الذي أسمعه، أو في الحكاية التي يحكيها أمامي شخص ما مثل صديق أو قريب أو جدّ أو والد أو حكّاء عابر. لهذا يمكنني أن أقول إنّ جميع الروايات التي كتبتها حتى اليوم أتت من خبر أو من معلومة أو حكاية سمعتها ممن هم حولي. هذا كان وما يزال هو المصدر الوحيد للإلهام في الكتابة، والباقي هو ثمرة الجهد والعمل اليومي الدؤوب في الكتابة وإعادة الكتابة وفي القراءة.
– ما نظرتك إلى الكتابة؟ وماذا تعني لك لحظة الكتابة؟ ولمن تكتب؟
= المسؤولية الوحيدة أمام الكاتب -وهذه هي الاستعارة العظيمة التي منحنا إياها ماركيز- هي أن يستطيع الكتابة بمهارة، وأن ينجز نصوصًا ذات سوية فنّية عالية، أو أن يعرف كيف يقدم للقارئ بهجة القراءة، أما ما يبقى من خطاب ورسالة اجتماعية ودور للفنّ، فهو يأتي من خلال هذا المنجز. يمكن للروائي أن يتلو خطابًا شديدًا في أيّ قيمة من القيم، ولكنّ القارئ سيحاسبه على فنّ الرواية، ولن يقبل ما يقول إذا قدّم النصّ في قالب رديء. أحسّ أنني أتكلم في البديهيات، ولهذا أقول أيضًا: إنني أكتب لقارئ يحترم الكاتب والكتابة، ويعرف كيف يختار الجميل ويقدره.
التحرر من سلطة الرقيب أثناء الكتابة:
– برأيك، هل يجد الروائيّ المنتمي إلى مشهد متعدّد الأعراق والمذاهب صعوبةً في أن يكتب ما يعدّه «حقيقة روائيّة»؟
= ما يميز الرواية هو أنها فنّ ماكر -قد كتبت عن هذا من قبل- وهي قادرة على ممارسة الفنّ بهذه الوصفة الخفية، بحيث تتمكن من التملّص من سلطة الأعراق والمذاهب باللعب على المعنى. لا تقول الرواية الحقيقةَ الروائية مباشرة، بل تختار فنّ القول. لا تطلق الأحكام، بل تنطق الشخصيات بقول ما يحمل في عمقه المعاني المرجوة. لا شكّ أن من الصعب مواجهة الحقيقة اليومية في مثل هذه المشاهد أو المجتمعات، ولكن من الجيد “معرفة دهاء قول الحقيقة” كما علّمنا بريخت.
– منذ أوّل نصّ كتبته حتى آخر عمل تعكف على كتابته، كيف تتعامل مع رقيبك الداخلي أثناء الكتابة، وخصوصًا في بلدٍ الرقابة فيه مشدّدة؟
= لا شكّ أنّ القيود الرقابية كثيرة في بلادنا، ولكنها لا تشتغل إلّا بعد إنجاز النصّ، لذلك بوسع الكاتب أن يتحرر منها أثناء الكتابة، فليس لديك هنا على الطاولة أيّ رقيب على الإطلاق، وبوسعك أن تكتب ما تشاء بحرية تامة، ومشكلتك سوف تبدأ فيما بعد، أي بعد إنجاز النصّ والاستعداد لنشره، فحرية التعبير إذن هي مسألة تختلف عن حرية الكتابة. حرية التعبير تتدخل بها لوائح الرقابة المختلفة، من السلطة إلى المجتمع، أما حرية الكتابة، حينما يكون الكاتب بين أربعة جدران، ولا رقيب ولا شريك لديه في الكتابة، فإنها لا تخضع لأيّ شرط غير شروط الكتابة الجيدة، ولنترك مشكلات النشر لما بعدها، بما في ذلك انتظار الوقت المناسب، أو بلد النشر المناسب، وخصوصًا أننا نعيش في عالم عربي مُجزّأ، تختلف فيه أشكال السماح والمنع في ما يخصّ الكتب.
– هناك من يرى أنّ “الكتابة التي تستند إلى قصص حقيقية تحطم الخيال وتضيّق الخناق على الإبداع والفراسة في الكتابة”. ما رأيك أنت؟
= لا وجود لرواية نشأت من عدم، ولا وجود لرواية استطاعت أن تعيد حكاية ما حدث، إذ يتدخل الخيال غالبًا كي يمنح الحكاية الأصلية، أو القصة الحقيقية، شروطَ الفنّ فتصبح نصًّا روائيًا أو قصصيًا أو مسرحيًا. أفكر أن أقلب السؤال فأقول: إن الخيال يحطم القصة الحقيقية حين يحوّلها إلى نصّ روائي.
– في كتاباتك، هل تحرص على تقديم أيّ إجابة، أم تُشرع باب التساؤل والبحث والاجتهاد؟
= تبدأ الرواية من لحظة السؤال، أي إنّ ما يطرأ على الخيال هو السؤال الذي يشغل بال الكاتب: لماذا حدث ذلك الذي سوف يرويه؟ ولا شكّ أنّ لديه محاولة لتقديم الأجوبة. هذا أمر متعلق بطبيعة الكتابة. وقد فعل هذا كل الروائيين في العالم، فما هي «الأخوة كرامازوف» إن لم تكن محاولة دوستويفسكي تقديم أجوبته الخاصّة عن المصير البشري؟ وسنقول مثل ذلك عن تولستوي، ونجيب محفوظ، وتوماس مان وغيرهم. أما أن يقبل القارئ بذلك أو لا يقبل، فتلك مسألة أخرى، وأما أن تكون لدى الروائي الأجوبة النهائية، فهذا أمر مستحيل، إنه يضع سؤاله، وجوابه المحتمل رهن إرادة التاريخ والقرّاء.
اكتشافات الكاتب… زيف الشعارات والفساد العظيم:
– إذا عدنا إلى الوراء، كيف تتذكر سنواتك في الثلاثينيات من عمرك كاتبًا؟ وهل يمكن ن تحدثنا عن المؤثرات التي أسهمت في تكوين منهجك الروائي وتطويره؟
= هي سنوات التكون الثقافي عمومًا، وليس خاصة بالتكون الروائي فقط. في تلك السنوات كانت حماسة الكاتب، ورغبته في القول والخطاب، أكبر من حرصه على التزود بتقنيات الكتابة، أظن أنها واحدة من العلل التي أصابت جيلنا كلّه، الجيل الذي انشغل بقضايا التغيير الاجتماعي والسياسي أكثر من انشغاله بقضايا التعبير الفنّي والجمالي عن تلك القضايا. واللافت للنظر أن تكون القضايا العامّة هي التي ساهمت في إحداث التغيير نحو الاهتمام بالمسائل الجمالية، فشلت حركة التحرر العربية، واكتشفنا زيف قياداتها وشعاراتها، وانهارت المنظومة الاشتراكية كلها، واكتشفنا الفساد العظيم الذي نخر بنيانها، وفي خضم تلك الاكتشافات رأينا كيف تمت التضحية بالجماليات في الفنّ لمصلحة بضع شعارات كاذبة.
يحتاج الأمر إلى كثير من الكلام عن التحوّلات التي طالت ذلك الجيل من الكتّاب، وعن أثرها في الأعمال الروائية، وعن أنّ مسألة الشعار والقضية ما تزال تحفر عميقًا في طرائق ووسائل الكتابة، وعن أنّ التخلص من عبئها يحتاج إلى زمن، من دون أن يكون في ذلك دعوة بالطبع إلى التخلي، بل العكس من ذلك، إنك تقدم فائدة للعالم وللإنسانية حين تكتب فنًّا رفيعًا.
– هل افتقدت الكتابة وقتًا ما، أو فكرت في التقاعد في سن معينة؟
= أفتقد الكتابة دائمًا، وأجلس أيًاما طويلة عاجزًا عن كتابة سطر جديد، وهذا يعني أنني مشغول بها باستمرار.
– ما علاقتك، بصفتك روائيًا، مع الفنون الأخرى كـ (السينما، التشكيل، الموسيقى وغيرها)؟
= لا أتوقف عن التعرف إلى منجزات الفنون، بل إنّ سيرة الفنّانين تشغلني، بقدر ما تشغلني طرائقهم في العمل وفي التحرر من الضوابط أو أشكال الإعاقة التي قد تعرقل أعمالهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ السينما مثلًا قدمت فائدة كبيرة لي في تصوير المشاهد، وفي أشكال الانتقال من لقطة إلى أخرى، أقرأ ملاحظات المخرجين الكبار وأتعلم منها، كما أشاهد ما أستطيع مشاهدته من أفلامهم. ولكل واحد منهم منجز فنّي يمكن التعلم منه.
– لو استعدنا بعض الذكريات عن تجربتك مع المخرج الراحل رياض شيا، أيّام اشتغالكما على فيلم «اللجاة» (1996) المأخوذ عن روايتك «معراج الموت». لماذا لم نرَ لك تجربة ثانية في هذا المجال؟
= قد عملنا معًا في كتابة السيناريو، وكان العمل مثمرًا، ولكن دوري انتهى حين بدأ تصوير الفيلم. أي إن المخرج والجهة المنتجة تجاهلا دور الكاتب. كان هذا محبطًا، قياسًا إلى ما يُذكر في تاريخ السينما في العالم من أشكال التعاون بين الكاتب والمخرج. لهذا أقلعت عن تكرار التجربة، كما أنّ العروض التي قُدمت لي فيما بعد لم تكتمل.
– يتحوّل بعض الكتّاب خلال مسيرتهم الأدبية إلى نقادٍ لنصوصهم، وكثيرًا ما يتلفون كتاباتهم غير المكتملة أو غير الناضجة، أو يعيدون صياغتها. ماذا عنك؟
= هذا جزء جوهري من عملية الكتابة، وهو الحذف والشطب والتبديل والتغيير. أحاول أن أتفحص الصفحات التي أنجزها جيدًا قبل الانتهاء منها، وحين يأتي وقت إعادة كتابة النصّ أجري بعض التعديلات. أحيانًا أحذف الكتابة كلّها وأعود من جديد، وما يُحذف من النصّ قد يُتلف فعلًا، وقد يُستخدم في مكان آخر.
الأدب ابن التأمل والتفكير والخيال:
– هل تعتقد أنّ أعمالك الروائية قوبلت نقديًا في سورية بما تستحقّ؟
= لا. لا رواياتي ولا الرواية السورية عامة، وتحتاج المسألة إلى كثير من التروي قبل أن أسمّي الأسباب، يمكن الحديث عن غياب الناقد المزوَّد بالعدّة النقدية الكافية، غياب ناقد الرواية السورية، يمكن الحديث عن التحزب والانحياز السياسي، وفي هذا الباب، أذكر أنّ أستاذًا جامعيًا رفض المشاركة في ندوة نقدية عن رواية لي، وكانت العلة في الخلاف الفكري والسياسي بيني وبينه. ولكني أردّ الموضوع كله، في نهاية الأمر، إلى غياب النقاد المؤهلين فكريًا وعلميًا ومعرفيًا لنقد الرواية. وهكذا فإنّ من العدل القول إننا نشهد نهضة في الرواية السورية ونكوصًا في النقد. يمكن ذكر عشرات من الروائيين السوريين، بينما يعجز النقد عن مجاراة أيّ روائي من بينهم، فضلًا عن مجاراة حركة نهوض الرواية.
– كيف ترى الجوائز الأدبية الكثيرة في الوطن العربي؟ وهل يمكن الفصل بين راعي الجائزة والجائزة؟ وهل ترى أنّها مؤشر عادل للتقييم، ورافعة للإنتاج الأدبي؟
= لا يمكن ذلك بالتأكيد، فلجنة التحكيم لأيّ جائزة، مهما كانت رفيعة المستوى، لا تعرف ولم تقرأ كلّ ما صدر من الروايات، وهي تحكم في أحسن الأحوال على ما بأيدي أعضائها من أعمال، ولهذا، فإنّ الرواية التي تفوز بأيّ جائزة إنما تفوز بها من بين الأعمال المشاركة، أما القول عن بعض الجوائز بأنها جائزة الرواية العربية أو العالمية، فهذا كلام يفتقر إلى الدقة والحقيقة، إنها جوائز المشاركين فقط. هناك عشرات من الروايات التي لا تشارك في الجوائز، وهي من أفضل الأعمال. أما عن الفصل بين الراعي وبين الجائزة فهو أمر مستبعد، فلا أحد يدفع المال لوجه الله، والدول ليست مؤسسات خيرية.
– بتقديرك، ومن خلال ما قرأت في العشرية الأخيرة من أشعار وقصص وروايات، هل استطاع الأدب السوري، في الزمن الأشد ظلامًا الذي تمرُّ فيه البلاد، أن يكون شاهدًا على مرحلة هي من أهم وأخطر مراحل التاريخ السوري المعاصر؟
إنه يشهد، أي إنه في لحظة الفعل والإبداع والتوثيق. ونحن في بداية الطريق، وما تزال الأرض السورية الفائضة بالحكايات تحتاج إلى مئات الكتّاب كي يملؤوا فراغ الصفحات التي ستكتب عن ملحمة الحياة التي خاضها السوريون في السنوات العشر الماضية. الأدب ليس ابن اللحظة الراهنة فحسب، بل هو ابن التأمل والتفكير والخيال. وفي الغالب يخشى أن يدفع الأدب، الذي يريد أن يكون شاهدًا، الضريبة من طبيعته، أي من كونه أدبًا، أو فنًّا في الكتابة. وما يزال الأمر متروكًا لساحة الفعل والكتابة.
– إلى أيّ مدى ترى أنّ الثقافة والمثقّفين في بلداننا العربية خذلوا صنّاع ثورات الربيع العربي، في موجتيه الأولى والثانية، وبالأخص أبناء وبنات الثورة السورية؟
= إذا وُجد من وقف ضد الثورات من بين المثقّفين العرب، فهو موقف شخصي، وليس موقف الثقافة العربية، وإلّا فكيف نتحدث عن المثقّفين الذي وقفوا إلى جانب الثورات العربية؟ هل نسلقهم بمرقة المعادين للثورة؟ ولمَ لا نرى سوى الذين خذلوا الثورات؟ في تقديري، لا وجود لشريحة خالصة مخلصة اسمها “المثقّفون” في الثقافة العربية. بل يوجد مثقّفون هنا ومثقّفون هناك، وليس المثقّفون، أو وجود مثقّف هنا أو مثقّف هناك، هو الذي يجب أن يشتغل عليه السؤال. أنت ترى أنّ الثقافة والمثقّفين قد انقسموا تجاه الثورات العربية كلها، وبالأخصّ تجاه الثورة السورية، ولكل مثقّف موقف، ولهذا، فإننا أمام مهمة ضخمة، يجب أن تتناول طبيعة الثقافة واتّجاهات المثقّفين، وأسباب مواقفهم التي اتّخذوها، إن أمكن.
– سؤالي الأخير، السخط والغضب يغمران شوارع بلدك اليوم، هل ترى ثمّة تغييرًا في الأفق؟ وهل أنت متفائل بأنّ الشعب السوري، الذي قدّم التضحيات الجسام على طريق الحرية والخلاص، سيحصل قريبًا على مطالبه بإقامة دولة ديمقراطية حرة؟
= لا أعرف في الواقع، فهذا الحلم حلم الحياة الأفضل، تناضل البشرية من أجل أن يتحقق منذ بدء الخليقة، ولم يتحقق بعد. ولكنّ السعي لتحقيق ما يمكن منه أمر محتّم، وهو مادة الحياة وماؤها، ومن الصعب على البشر أن يستمروا في العيش لولا هذه الفسحة من الأمل في أن يحدث التغيير، وتتحقق أحلامهم في عيش كريم، في ظل الدولة الديمقراطية. آمل ذلك بالطبع، مثلما يأمل به الملايين.
* صحافي سوري – فلسطيني
المصدر: حرمون
التعليقات مغلقة.