رشا عمران *
من يستمع إلى كلمة بشار الأسد في مؤتمر خاص بعودة اللاجئين السوريين، عقد قبل يومين في دمشق، يظن أن كائنات فضائية هجّرت هؤلاء اللاجئين من بلادهم، أتت ودمرت سورية وقتلت من قتلت وهجّرت من هجّرت، ثم اختفت، وها هو “السيد الرئيس”، الذي يرى “مسألة اللاجئين إنسانية”، يعقد مؤتمراً خاصاً باللاجئين، طالباً منهم العودة إلى ديارهم، واعداً إياهم بحياة هانئة ورغيدة، إذ يمتلك سوري الداخل حالياً بطاقة ذكية تمكّنه من الحصول على أنبوبة غاز وبعض وقود التدفئة، كما يمكن للسوري أن يحصل على ربطة خبز كل أسبوع… يا لهذه النعم! ويمكنه أيضاً أن يستخدم الكهرباء عدة ساعات متفرّقة خلال يومه. ما الذي يريده اللاجئون أكثر من هذا حتى يعودوا إلى سورية الأسد، التي “يخلو تاريخها من هجرة جماعية”، كما قال، محملاً دول الغرب مسؤولية عدم عودة اللاجئين إلى بلادهم، بسبب “ما تمارسه عليهم من ضغوط”!
المفارقة أنه، باستثناء لبنان، ولا دولة من الدول المشاركة في المؤتمر استقبلت لاجئين سوريين، لا روسيا ولا إيران ولا الهند ولا باكستان ولا الصين ولا البرازيل ولا عُمان. ولا الإمارات، أول من بدأ بإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري من الدول العربية، وأول المطبعين، في هذا الموسم، مع العدو الإسرائيلي الذي كان يجب أن يرسل مندوباً عنه إلى المؤتمر كي تكتمل الهستيريا.
ما الذي يريده نظام الأسد من هذا المؤتمر الذي قاطعه الاتحاد الأوروبي ومعظم دول العالم؟ أو بالأحرى ما الذي تريده روسيا، كونها هي من دعت إلى المؤتمر، وكونها بمثابة دولة الوصاية على سورية حالياً؟ ومن هم اللاجئون المعنيون بالمؤتمر؟ هل هم الذين يعيشون في المخيمات في الدول المحيطة؟ إن كان هؤلاء المقصودون، فإلى أين يعودون؟ لم يعد لغالبيتهم أماكن للعيش. بيوتهم هدمت، أو احتلتها مليشيات الأسد ومليشيات الفصائل الإسلامية. ثم وجود هؤلاء يخالف نظرية التجانس التي حكى عنها الأسد سابقاً. وحتماً الروس أذكى من أن يعتقدوا أن من لجأوا إلى أوروبا سوف يعودون فعلاً إلى سورية، ويتركون حياتهم الآمنة المستقرة، وهم يرون القهر الذي يعانيه المواطن السوري داخل سورية، حتى مؤيدي نظام الأسد والمدافعين عنه لن يتركوا أمانهم ليعودوا إلى حيث الفلتان الأمني والفوضى وانعدام شروط الحياة الإنسانية، فما بالك بمعارضيه المطلوبين لمعظم الفروع الأمنية، أو الهاربين من الجيش من الرافضين الخضوع لقانون الحرب الذي يجعل منهم قتلة أو مقتولين.
لو افترضنا حسن النية في المؤتمر، كيف سيتم تأمين البيئة المناسبة لعودة الراغبين فعلاً في العودة؟ هل تم الإعلان عن عفو عام عن ملايين المطلوبين في الداخل والخارج؟ والأهم هل تم أي بحث بشأن مئات آلاف المعتقلين في سجون الأسد، والمختفين منذ سنوات طويلة؟ هل تم الكشف عن المقابر الجماعية التي دفن فيها آلاف المقتولين تحت التعذيب، والذين تم إعدامهم في السجون من دون أن تسلم جثثهم إلى عائلاتهم؟ ما هي الضمانات التي وضعت لكي لا يتم التنكيل بمن يرغب بالعودة، كما حدث مع عشرات العائدين ممن فقدت أخبارهم إثر عودتهم؟
السياسة الروسية أذكى من أن تعتقد أن شيئاً كهذا سوف يحدث من دون حل سياسي شامل، ومن دون توافق دولي على حل القضية السورية حلاً نهائياً. هل الأمر إذاً أن روسيا أرادت استباق ما قد يكون معدّاً لسورية بعد استلام جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً وأن الرئيس الروسي، بوتين، تربطه علاقات وثيقة مع ترامب، وامتنع حتى اللحظة عن تهنئة بايدن بالفوز؟ هل أراد بوتين أن يقول لبايدن أن لا حل سورياً سوف ينجز إلا وروسيا جزءٌ أساسيٌّ منه، بما فيها إعادة الإعمار، والذي تتحضر له الدول والشركات المستثمرة منذ مدة؟
في كل حال، ليس هذا المؤتمر سوى كوميديا سوداء أخرى تحدُث في سورية، كما سابقاتها: مؤتمر عن عودة اللاجئين وهناك عشرات من السوريين عالقون على الحدود بين سورية ولبنان، لأنهم لا يملكون مائة دولار، المبلغ الذي فرضه النظام على كل سوري يريد الدخول إلى سورية، في سابقةٍ لم تحدث في التاريخ. وهناك آلاف في الداخل السوري يحلمون بالخروج من سورية الأسد. يكفي إلقاء نظرة على تعليقات سوريي الداخل على المؤتمر، ليرى من لم يرد أن يرى يوماً ماذا يحدث في سورية تحت سقف سيادة الرئيس.
* شاعرة وكاتبة سورية
المصدر: العربي الجديد
التعليقات مغلقة.